logo
عندما يتحول المبعوث الأمريكي إلى مفكر قومي

عندما يتحول المبعوث الأمريكي إلى مفكر قومي

إيطاليا تلغرافمنذ 14 ساعات

الدكتور فيصل القاسم نشر في 6 يونيو 2025 الساعة 22 و 40 دقيقة
إيطاليا تلغراف
د. فيصل القاسم
كاتب واعلامي سوري
عندما استمعت قبل أيام للمبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا السيد توم باراك وهو يهاجم اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بريطانيا وفرنسا بموجبها العالم العربي إلى دويلات، للأمانة هرشت رأسي. هل أنا في حلم أم في علم. وقد زادت دهشتي عندما راح السيد باراك يحذر من مشاريع التقسيم في المنطقة زاعماً أن بلاده لن تسمح بالتقسيم أبداً. ولا شك أن تصريحه يستحق الشكر والثناء، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن يكون صادقاً فعلاً، فقد بدا المبعوث الأمريكي وهو يدعو إلى الوحدة ويشجب الإرث الاستعماري الأوروبي وكأنه يردد خطاب الأمين العام للقيادة القومية في حزب البعث العربي الاشتراكي. سبحان الله. لقد باتت أمريكا اليوم أقرب إلى الأفكار الوحدوية منها إلى مشاريع التفتيت، لكن السؤال: هل يعقل أن الأمريكيين صاروا على طرفي نقيض مع حلفائهم الإسرائيليين في الشرق الأوسط؟ ألم نسمع المسؤولين الإسرائيليين من نتنياهو إلى كثير من الوزراء في حكومته وهم يطالبون علناً بتقسيم سوريا وغيرها من الدول العربية، أولاً لإضعاف الدول المجاورة وتحويلها إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية متناحرة لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، وثانياً لتبرير وجود دولتهم القائمة على قواعد دينية، فمن المعروف هناك ما يسمى بقانون الدولة القومية الذي يؤكد على أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي ويقصي كل الفئات غير اليهودية، مما أثار قلاقل ومشاكل كثيرة داخل إسرائيل وخاصة من الطوائف الأخرى. وبناء على القانون الإسرائيلي المثير للجدل، فإن من مصلحة إسرائيل قيام كيانات ودويلات شبيهة بالدولة العبرية، كي لا تبقى إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة المستندة على أسس دينية وقومية. وهذا يعني ضمناً أن الإسرائيليين يحبذون لا بل يشجعون الطوائف والقوميات الأخرى في المنطقة كي تحذو حذوهم. لكن هل انتهى الحلم الإسرائيلي يا ترى بعد تصريحات المبعوث الأمريكي، أم إن الكلمة الأخيرة في الشرق الأوسط تبقى لإسرائيل وليس لأمريكا، وأن الأمريكيين ينظرون إلى كل القضايا في الشرق الأوسط من زاوية المصلحة الإسرائيلية أو بالأحرى بعيون إسرائيلية؟
لو نظرنا اليوم إلى التصريحات الإسرائيلية لوجدنا تناقضاً صارخاً فيها، فهناك أكثر من خطاب في الإعلام الإسرائيلي، فمرة يعلن القادة الأمنيون الإسرائيليون بأنهم لن يتدخلوا في البلدان المجاورة ولن يدعموا طرفاً ضد طرف، وليسوا مستعدين أبداً كي يحاربوا من أجل أحد. ولو فحصنا هذا الادعاء لرأينا أن هناك ما يدعمه على أرض الواقع، فقد كشفت الحرب على غزة هشاشة القوة الإسرائيلية رغم امتلاكها أحدث الأسلحة الأمريكية الفتاكة، وأن الشارع الإسرائيلي لا يمكن أن يقبل بمغامرات عسكرية خارجية من أجل أحد بعد أن تأذى كثيراً من التجربة الغزاوية، فإذا كان الإسرائيليون منقسمين اليوم إزاء مسألة تخص أمنهم القومي في غزة، فكيف يقبلون بأن يتورطوا خارج حدودهم من أجل الآخرين؟ وقد أظهرت الأشهر الماضية أن كل الوعود الإسرائيلية لبعض الأطراف في سوريا بالمساعدة والحماية ذهبت أدراج الرياح، ولم تكن سوى وعود معسولة زائفة من أجل تأمين المصالح الإسرائيلية مع القيادة السورية الجديدة، وفي اللحظة التي بدأت تتضح ملامح التفاهم بين سوريا وإسرائيل بدأنا نلحظ ظهور تصريحات إسرائيلية موجهة لبعض الأطراف السورية تتملص من وعود الحماية. وقد تأكد ذلك على أرض الواقع، فلم يهب الإسرائيليون لمساعدة أحد في ضواحي دمشق، لا بل إن المسؤولين الأمنيين قالوا بشكل جلي إن ما يهمنا هو فقط بعض المناطق السورية الواقعة على حدودنا مباشرة، وأن الذين يحلمون بأن نشد الرحال عسكرياً لمساعدتهم داخل سوريا فيجب ألا ينتظرونا. لكن على أرض الواقع نجد أن بعض الأطراف السورية التي كانت تراهن على دعم إسرائيلي لتحقيق مطالبها داخل سوريا مازالت مصرة على مواقفها المتشددة، وهي تدفع باتجاه المواجهة مع دمشق بدل التقارب معها، فهل يا ترى تراهن على وهم، أم إن الأيادي الإسرائيلية مازالت تحرك بعض الأطراف من شرق سوريا إلى غربها إلى جنوبها، وأن التصريحات الإسرائيلية التي تتملص من وعود الحماية مجرد ستار دخاني يخفي وراءها نوايا إسرائيلية معلنة منذ عقود، وخاصة وثيقة «كيفونيم الصادرة عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين والتي أعلنت صراحة بأنها تريد تقسيم ليس الدول المجاورة، بل تحاول أيضاً تفتيت بلدان عربية بعيدة. هل يا ترى سيتحقق المشروع الإسرائيلي القديم بتصدير خطة غزة خارج فلسطين وتفكيك المنطقة المجاورة وما بعدها، أم صار للأمريكيين رأي آخر حسب تصريحات المبعوث الأمريكي توم باراك الذي أكد على منع التدخلات الخارجية في المنطقة وتركها تحقق الأمن والاستقرار بعيداً عن المشاريع الخارجية؟ هل تغيرت الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة لمواجهة التمدد الصيني مثلاً؟ من كان يتوقع أن يبدأ التعاون العسكري بين الجيشين الأمريكي والسوري؟ طبعاً من الصعب التنبؤ بالمشاريع السياسية الحقيقية المعدة للمنطقة، لكن كلنا أمل أن تصدق التصريحات الأمريكية «الوحدوية» لتلجم مشاريع الطامعين بالفوضى والتحريض والتخريب ودق الأسافين والتفتيت والتقسيم.
السابق
#من_واشنطن.. محاور حلقة الأحد 8 يونيو
التالي
من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جلالة الملك يتوصل ببرقية تهنئة من ولي العهد السعودي بمناسبة عيد الأضحى المبارك
جلالة الملك يتوصل ببرقية تهنئة من ولي العهد السعودي بمناسبة عيد الأضحى المبارك

حدث كم

timeمنذ 12 ساعات

  • حدث كم

جلالة الملك يتوصل ببرقية تهنئة من ولي العهد السعودي بمناسبة عيد الأضحى المبارك

توصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس ببرقية تهنئة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، وذلك بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك. ومما جاء في هذه البرقية 'يسرني بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أن أعرب لجلالتكم عن أبلغ التهاني وأطيب الأماني بموفور الصحة والسعادة، سائلا الله عز وجل أن يعيد هذه المناسبة السعيدة على الجميع بالخير والبركات، إنه سميع مجيب'.

برقية تهنئة إلى جلالة الملك من خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الأضحى المبارك
برقية تهنئة إلى جلالة الملك من خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الأضحى المبارك

حدث كم

timeمنذ 12 ساعات

  • حدث كم

برقية تهنئة إلى جلالة الملك من خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الأضحى المبارك

توصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس ببرقية تهنئة من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، وذلك بمناسبة عيد الأضحى المبارك. ومما جاء في هذه البرقية 'يطيب لنا بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أن نعرب لجلالتكم عن أبلغ التهاني، وأصدق التمنيات بموفور الصحة والسعادة، سائلين الله أن يعيده على جلالتكم، وعلى شعبكم الشقيق بمزيد من التقدم والازدهار، وعلى أمتنا الإسلامية بالعزة والتمكين'.

وفاة المذيعة في صفوف جبهة التحرير الوطني سامية خديجة مدني
وفاة المذيعة في صفوف جبهة التحرير الوطني سامية خديجة مدني

الجمهورية

timeمنذ 14 ساعات

  • الجمهورية

وفاة المذيعة في صفوف جبهة التحرير الوطني سامية خديجة مدني

انتقلت إلى رحمة الله المذيعة القديرة والمناضلة في صفوف جبهة التحرير الوطني السيدة سامية خديجة مدني عن عمر ناهز 92 سنة. الفقيدة صاحبة برنامج (البيت السعيد ) جنازة المرحومة تشيع بعد صلاة العصر بمقبرة بني مسوس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store