logo
بالعودة إلى اتّفاقيّة أوسلو (2)

بالعودة إلى اتّفاقيّة أوسلو (2)

المغرب اليوم١٤-٠٥-٢٠٢٥

صار من المعارف الشائعة أنّ بنيامين نتنياهو لم يتلكّأ في تعبئة اليمين المتطرّف، القوميّ منه والدينيّ، في حملته على أوسلو، وعلى اسحق رابين الذي رسمه ملصق شهير ضابطاً نازيّاً، وانتهى الأمر باغتياله في 1995.
قبل ذاك بعام أقدم المسعور الدينيّ باروخ غولدشتاين، الأميركيّ الإسرائيليّ وأحد أتباع مائير كاهانا ومحازبيه، على قتل 29 فلسطينيّاً يصلّون في الخليل.
لقد اعتُبر اغتيال رابين التحوّل الأساسيّ الذي طرأ على عمليّة أوسلو، وكان مقدّمة الانهيار البطيء الذي راح يعانيه «معسكر السلام». وعلى الجبهة الأخرى، كان للعمليّات «الاستشهاديّة» المتصاعدة التي تشنّها «حماس»، بالغةً ذروتها منتصف التسعينات، أن وضعت الأجندة الأمنيّة حيث كانت تحلّ الرغبة السلميّة. وتلازم الانفجار هذا مع تصعيد التوتّر على الجبهة اللبنانيّة الإسرائيليّة، في 1993 وخصوصاً 1996. وبدوره مهّد هذا الجوّ الاستقطابيّ والأمنيّ الطريق لانتصار انتخابيّ أحرزه نتنياهو بفارق ضئيل، ولهزيمة مهندس أوسلو ورجلها الثاني شمعون بيريز.
ومع تنامي العنف الإرهابيّ الذي مارسته راديكاليّات الجانبين، من دون أن تخفى الرعاية السوريّة والإيرانيّة لأفعال «حماس» وأخواتها، وُلدت شتيمة «الأوسلويّة» من رحم شتيمة «العرفاتيّة» التي ابتكرتها دمشق الأسد.
ومع أنّ السلام أحرز انتصاراً ثانياً أواخر 1994، بتوقيع معاهدة وادي عربة الأردنيّة الإسرائيليّة، لم تُبد القيادة الفلسطينيّة، وعلى رأسها عرفات، المسؤوليّة التي يتطلّبها سلام صعب ومعقّد والتزامٌ باتّفاقات دوليّة ليست من طباع الزعيم الفلسطينيّ. ذاك أنّ تجربة الأخير اقتصرت على مناورات وصغائر كان يتبادلها مع المجتمعات الأهليّة والأنظمة الأمنيّة في المشرق.
وكانت رقعة الاعتدال الفلسطينيّ تنكمش وتتقلّص، ما أظهره تمزّق عرفات وانشطاره بين التزام بأوسلو وعدم التزام، وذلك تبعاً للمزايدة التي فرضها عليه الراديكاليّون الفلسطينيّون والعرب والإيرانيّون ممّا تعاظم لاحقاً مع «الانتفاضة الثانية». وفي 1994، ومن أحد مساجد جنوب أفريقيا، كانت سقطته بتشبيهه أوسلو بـ«صلح الحديبيّة» بين النبيّ محمّد وقريش، وهذا فيما الإسرائيليّون يأخذون عليه عدم مواجهته العمليّات الإرهابيّة المتزايدة واكتفاءه بإدانتها.
كذلك لم تحلّ حكومة منتخبة في الضفّة والقطاع، كما كان يُفترض، محلّ السلطة الوطنيّة، وتمكّن الفساد والمحسوبيّة والحكم الاعتباطيّ من ممارسات تلك السلطة. وبعدما كانت استقصاءات الرأي تشير إلى تأييد أكثر من ثلثي الجمهور الفلسطينيّ لأوسلو، جعل هذا الدعم يتآكل وتتزايد القناعة بأنّ السلام عديم الإنجاز والنفع. فالسلطة التي انبثقت من السلام غير مُقنعة، والاحتلال لا يزال قائماً، والحواجز المحيطة برام الله تتكاثر، بتكاثر الإرهاب، عدداً وعدوانيّةً وخنقاً لحركة الفلسطينيّين. وبعدما كان المستوطنون اليهود، مع توقيع أوسلو، 110 آلاف في الضفّة والقدس الشرقيّة، جعل العدد يتزايد بعشرات الآلاف ثمّ بمئاتها، دونما اكتراث بتحريم القانون الدوليّ للاستيطان. وأبعد من العدد أنّ ذاك الاستيطان الذي بدأ وظيفيّاً، يحدوه البحث عن شروط سكن وحياة أرخص تكلفةً ممّا في المدن، راحت تتعاظم حوافزه الآيديولوجيّة، الدينيّة والقوميّة، المتشبّثة بالاستحواذ على الأرض.
وتكاملت هشاشة السلطة الفلسطينيّة حيال شعبها وضعف موقعها حيال الإسرائيليّين، فبات كلّ من العاملين يغذّي الآخر. فلأنّها أعجز من أن تردع الأعمال الإرهابيّة باتت أعجز من أن تفرض على الإسرائيليّين وقف الاستيطان، أو أن تكون أشدّ تحكّماً في ممارسة «التنسيق الأمنيّ» معهم، والعكس بالعكس. وهذا ما أظهرها، هي المسكونة بالبرهنة على عدم خرقها الاتّفاقات، أقربَ إلى أداة في يد إسرائيل، مهمومة فحسب بالحفاظ على فتات سلطة فاسدة، كما أظهرها، في المقابل، جزءاً من النشاط الإرهابيّ ضدّ الإسرائيليّين.
مع هذا لم يفقد السلام الجريح كامل قوّته ولا فقدت أوسلو كلّ حيلة. فبعد مقتل رابين مباشرة استمرّ بيريز، كرئيس للحكومة، في محاولته تطبيق الاتّفاقيّة. وحتّى نتنياهو نفسه إثر فوزه في 1996، بدا مضطرّاً للتظاهر بالتقيّد بها. ففي مطالع 1997، أعاد مدينة الخليل إلى السلطة الفلسطينيّة، ما عرّضه لانتقادات حادّة من يمينه. وفي أواخر 1998 انعقدت قمّة واي ريفير في الولايات المتّحدة، فضمّته إلى عرفات وكلينتون، حيث اتُّفق على استئناف العمل بأوسلو، وعلى الانسحاب الإسرائيليّ من بعض مناطق الضفّة، واتّخاذ تدابير أمنيّة لمكافحة الإرهاب، وتوطيد العلاقات الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، مع استئناف مفاوضات الوضع النهائيّ. وبدورها وافقت الكنيست على مذكّرة الاتّفاق بأكثريّة كبرى، كما أيّدتها أغلبيّة الإسرائيليّين. فحين حاول نتنياهو التلاعب والمناورة لتعطيل العمل بها سقطت حكومته وأجريت، في 1999، الانتخابات التي فاز فيها العمّاليّ و«الأوسلويّ» إيهود باراك.
وبفوز الأخير استعاد معسكر السلام بعض الأمل مجدّداً، ولو ظلّ أملاً ضئيلاً بقياس ما أحدثه فوز رابين في 1992. فباراك، وفي ظلّ التراجع النسبيّ في شعبيّة السلام، بدا أكثر تردّداً وأقلّ حسماً من رابين وبيريز. وفي المقابل، تراجع الرهان الفلسطينيّ على سلام كان يُحبطه تنامي القيود والحواجز الإسرائيليّة.
أمّا تأويل هذا كلّه، وسواه، بأنّ إسرائيل لم تُرد السلام ولن تريده فاختزال يشوبُه تبسيط كثير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تدوينة الفيزازي ضد المهدوي تثير موجة غضب… تحريض أم شفاء غليل؟
تدوينة الفيزازي ضد المهدوي تثير موجة غضب… تحريض أم شفاء غليل؟

بديل

timeمنذ ساعة واحدة

  • بديل

تدوينة الفيزازي ضد المهدوي تثير موجة غضب… تحريض أم شفاء غليل؟

أثارت تدوينة لمن كان يعتبر من طرف الكثيرين 'الشيخ' محمد الفيزازي، وصف فيها الصحافي حميد المهداوي بأنه 'على باب السجن'، موجة واسعة من التنديد والسخط في أوساط رواد مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن ما صدر عنه يعكس 'رداءة في الأخلاق' و'انحدارا في الخطاب الديني'، بل وصل البعض إلى حد اتهامه بـ'الشماتة في محنة رجل حر'. وسرعان ما تحولت تعليقات المتابعين على منصات التواصل إلى محاكمة أخلاقية للشيخ الفيزازي، حيث وصفه أحدهم بأنه 'تاجر دين'، مضيفا: 'يبقى المتطرف متطرفا والإرهابي إرهابيا… لا ملة لكم سوى الدم والقتل'. وكتب آخر: 'ماذا تنتظرون من شيخ يتقاسم 'حلوة رأس السنة' مع ولد الشينيوية مباشرة على شوف تيفي'، في إشارة إلى واقعة سابقة أثارت جدلا كبيرا حول الفيزازي وعلاقاته الشخصية. واعتبر كثيرون أن تدوينة الفيزازي تعكس تشفيا واضحا في شخص يعيش وضعا قضائيا حساسا، حيث كتب أحد المعلقين: 'يا رجل، أنت سُبّة في سمعة الشيوخ المغاربة. ابحث لك عن رزق حلال بعيدا عن الطعن في شرفاء البلد'، بينما أضاف آخر: 'كل يوم تسقط منك لبنة الاحترام'. ودافع العديد من النشطاء عن حميد المهداوي، مشيرين إلى أنه صحافي 'قال ما لم يجرؤ عليه غيره'، وأنه لم يُحاكم قط بتهم تتعلق بالفساد أو نهب المال العام، وقال أحدهم: 'حتى وإن دخل السجن، فإنه لم يدخله لأنه خائن أو مختلس، بل لأنه قال كلمة حق في زمن قل فيه الرجال وكثر فيه أشباهك'، في إشارة مباشرة إلى الفيزازي. من جهة أخرى، اختار بعض المعلقين لغة الدعاء والدعوة إلى التوبة، معتبرين أن الفيزازي تجاوز كل الخطوط الأخلاقية، وكتب أحدهم: 'اطلب من الله أن يحسن خاتمتك… ربما قد ختم الله على قلبك، ونسيت كل ما يقربك من الخير'، فيما أشار آخر إلى أن الفيزازي أصبح 'مشغولا بالمعاطية وشاد فقلبه'، بدل الانكباب على القضايا الأخلاقية والدينية الجادة. وتعكس هذه العاصفة من الردود حجم الغضب الشعبي تجاه استغلال بعض 'الرموز الدينية' لمنابرهم الرقمية من أجل تصفية الحسابات أو التشهير بالمعارضين، خصوصا أولئك الذين يحملون همّ الكلمة الحرة والنقد البناء.

بركان .. لقجع ينصب حميد أشنوري عاملا على عمالة الإقليم
بركان .. لقجع ينصب حميد أشنوري عاملا على عمالة الإقليم

هبة بريس

timeمنذ 2 ساعات

  • هبة بريس

بركان .. لقجع ينصب حميد أشنوري عاملا على عمالة الإقليم

هبة بريس – أحمد المساعد تم زوال اليوم الثلاثاء 27 ماي الجاري، بمقر عمالة إقليم بركان، تنصيب حميد أشنوري عاملاً جديداً على الإقليم، في حفل ترأسه فوزي لقجع، الوزير المكلف بالمالية. و استهل الحفل بتلاوة ظهير التعيين الملكي، وتهنئته من طرف الوزير لقجع على الثقة المولوية السامية، لمواصلة جهود المملكة في التنمية الترابية. وفي كلمته بالمناسبة، أكد لقجع أن هذا التعيين الملكي يأتي في إطار العناية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لهذا الإقليم، وحرصه الدائم على متابعة شؤونه وضمان تنميته وازدهاره. وأوضح الوزير أن تعيين حميد أشنوري، الذي راكم تجربة طويلة، يعكس الثقة المولوية السامية التي تضعها المؤسسة الملكية في الكفاءات الوطنية القادرة على تفعيل التوجيهات الملكية على أرض الواقع، مبرزاً أن العامل الجديد يتمتع بخصال مهنية عالية وولاء راسخ للعرش العلوي المجيد. وشدد لقجع على أن المسؤولية الموكولة إلى العامل لا تقتصر فقط على التدبير الإداري، بل تشمل كذلك الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهما من أعمدة السياسة العمومية في المملكة، مؤكداً أن هذه المهام تُعد من جوهر وظائف الدولة، ولا تقبل التفريط أو التقصير. وفي هذا الإطار، دعا إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين السلطات المحلية والأمنية، من أمن وطني ودرك ملكي وقوات مساعدة، وممثلي الإدارة الترابية، إلى جانب مختلف الهيئات المنتخبة وفعاليات المجتمع المدني، من أجل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة بالإقليم. كما شدد على ضرورة الانخراط الفعال في الأوراش التنموية الكبرى التي تعرفها المملكة، وخاصة تلك التي تهم إقليم بركان، وذلك وفاءً لتوجيهات جلالة الملك وسعياً لتحسين ظروف عيش المواطنين. وفي ختام كلمته، توجه الوزير بالدعاء بأن يوفق العامل الجديد في مهامه، ويسدد خطاه لما فيه خير الوطن والمواطن، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. حفل التنصيب عرف حضور، خطيب لهبيل والي جهة الشرق، محمد بوعرورو رئيس مجلس جهة الشرق، محمد جلول رئيس المجلس الإقليمي لبركان، الى جانب مسؤولين عسكريين ومدنيين.

ردا على شائعات الرحيل .. "الركراكي" يعود لإثارة الجدل بتصريح حمل رسائل قوية
ردا على شائعات الرحيل .. "الركراكي" يعود لإثارة الجدل بتصريح حمل رسائل قوية

أخبارنا

timeمنذ 4 ساعات

  • أخبارنا

ردا على شائعات الرحيل .. "الركراكي" يعود لإثارة الجدل بتصريح حمل رسائل قوية

عاد الناخب الوطني "وليد الركراكي"، لإثارة مزيد من الجدل، بتصريح جديد، أكد من خلاله استعداده الكامل للتخلي عن منصبه إذا ثبت أن هناك من هو أقدر منه على تحقيق حلم المغاربة في التتويج بكأس إفريقيا. جاء ذلك تزامنا مع الندوة الصحفية التي خصصها صبيحة اليوم الثلاثاء من أجل تقديم لائحة "الأسود" التي سيعتمدها خلال وديتي تونس وبينين، حيث قال في هذا الصدد: "إلا كنتو متيقنين أن كوارديولا أو أنشيلوتي أو غيرهما قادرين على الفوز بكأس إفريقيا، والله حتى نعطيه بلاصتي ونجشعو، المهم عندي هو نشوف حكيمي هاز كأس إفريقيا"، في إشارة إلى مدى تعلقه بالهدف الجماعي وتقديم مصلحة الوطن على كل اعتبار. الركراكي، الذي يواجه منذ مدة شائعات متواصلة حول مستقبله مع "أسود الأطلس"، أوضح أن هذه الأخبار لا تؤثر فيه، مشدداً على أنه مستعد لتحمل تبعاتها ما دام استقرار المنتخب الوطني محفوظاً. وقال بهذا الخصوص: "لا يهمني إن تحدثوا عن رحيلي، فأنا هنا من أجل هذا البلد، وتحقيق الحلم الإفريقي الذي طال انتظاره منذ سنة 1976". وأكد المدرب المغربي أن لا أحد من المدربين الأجانب، مهما بلغت شهرته وموهبته، يمكن أن يحمل نفس القدر من الحب والغيرة على المغرب كما يفعل هو. وتابع: "لا أظن أن أي مدرب ممن يحملون العيون الزرقاء والشعر الأشقر يملك نفس المحبة التي أكنها لبلدي المغرب، ولا يمكن لأي كان أن يحمل أكثر مني همة هذا الحلم". وختم الركراكي تصريحه بالتأكيد على أن الطريق نحو اللقب القاري يمر عبر تعبئة جماعية تضع المصلحة العليا للفريق الوطني فوق كل اعتبار، داعياً إلى تهيئة الأجواء المناسبة وتوفير الدعم من جميع الأطراف، خاصة الجمهور المغربي الذي اعتبره عنصراً أساسياً في معادلة النجاح. وقال: "المطلوب هو خلق جو ملائم ينخرط فيه الجميع، مدرب، لاعبين، جامعة، وخاصة الجمهور المطالب بتوفير ظروف دعم استثنائية، حتى تبقى الكأس إن شاء الله في المغرب".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store