
أدب الجوائز! (20)
يبقى المُنجز الأدبي هو القيمة الخالدة للأديب في الذاكرة الثقافية، وليس في الجائزة التي ينالها بمعرفة لجنة متخفّية من خمسة أشخاص لا يعرف بقدرتهم أحد، ويعرفهم فقط مالك الجائزة الذي يجلس أمامهم كفاعل ثقافي في مجتمع مادي يقوم على مكاسب الوجاهة، وهو الذي يعرف يقينًا بأن جائزة مسابقته الاستعراضية التي ينالها أحد متسابقيه، ستعود بثمارها إليه وهو المانح المنّان بالمال والإعلام لنيل الشهرة على حساب بعض العناوين والأسماء.. وليكون اسم الجائزة مقترنًا باسم الأديب الفائز في كُل خبر وتعليق، وسيمضي هذا الفائز وذاك إلى حال سبيلهم ويبقى مالك الجائزة هو صاحب الفضل عليهم ومالكهم المعنوي في التاريخ!
لقد كان لدخول رأس مال «الأمراء» في الجوائز، من أسوأ ما تعرّضت له الثقافة العربية عبر التاريخ، وقديمًا كانت الجوائز المالية ذات قيمة جماهيرية وتُمنح جهارًا في مهرجانات الشعر ومجالس الأمراء والسلاطين في زمن راجت فيه ثقافة الهجاء والمديح والمبارزة بالشعر والبلاغة، وهي الثقافة التي استثمرتها العهود السياسية اللاحقة، إلى عهدنا القريب، فليس بالشعر وحده يمتدح المنافقون السلطة ويتسوّلون على بلاطها، وإنما بالخطابات الرنّانة وطلاقة اللسان بالبيان الفصيح وبالغناء والبُكاء في حضرة الملوك والأمراء والقادة والزعماء، وذات وتيرة النفاق نجدها في افتتاحيات الصحف الرسمية وفي بيانات الحكومات، وفي سائر العلاقات الأخرى المزيّفة المبنية على المصلحة الشخصية، وهي ذات المصلحة التي تتحقّق اليوم من وراء الجوائز الأدبية بنوعيها، التشجيعية والتكريمية، فمانح الجائزة له مصلحة، ومن ينالها أيضًا له مصلحة.. وعندما تكون مثل هذه المصالح المتبادلة فوق كل اعتبار وطني وثقافي وأخلاقي، فإننا بالتأكيد نخسر رصيدنا في كل هؤلاء، بماضيهم وحاضرهم، وأكيد بمستقبلهم المجهول!
-
عن الجوائز العربية الرصينة ذات القيمة الثقافية العالية قبل انتشار ظاهرة جوائز «التسلية» في منطقة الخليج وسواها، يقول الكاتب المصري «صبحي موسى»: إن الثقافة العربية لم تكن تعرف غير عدد محدود من الجوائز التي يتنافس عليها المبدعون العرب، فلكل دولة جوائزها القومية التي تمنحها لمبدعيها، وكان لا يوجد غير جائزتي «العويس» و«الشيخ زايد» اللتين كانتا في عداد مكافأة نهاية الخدمة، إذ تمنح للشيوخ على مشروعاتهم الثقافية التي استنفدت أعمارهم، سواء في الشعر أو الرواية أو الفكر بشكل عام، حتى إن «العويس» كانت تُسمّى نوبل العرب، أما جائزة الملك فيصل العالمية فكان الكثيرون يعدونها جائزة التيار المحافظ، فيما «زايد» فقد كان الرهان عليها قليلًا، ونادرًا ما كانت التغطيات الإعلامية توفر مادة جيِّدة عن الفائز بها. ويضيف «صبحي»: كانت جائزة «نجيب محفوظ» التي تُمنح مرة لفائز مصري وأخرى لفائز عربي هي أولى الجوائز التي خرجت عن الإقليمية، فقد قرّرت ترجمة النص الفائز إلى اللغة الإنجليزية، ومنح الفائز مبلغًا رمزيًّا قيمته ألف دولار تخصم من عائد مبيعات أعمال نجيب محفوظ المترجمة، وفي يوم ميلاد صاحب نوبل تقيم الجامعة الأميركية حفلًا ومؤتمرًا صحفيًّا بحضور أمانة الجائزة وأعضاء تحكيمها وكبار المثقفين المصريين ليتم الإعلان عن اسم الفائز ومنحه ميدالية نجيب محفوظ.. ظلت هذه الجائزة رغم صغر قيمتها المالية هي الجائزة الأبرز والأهم حتى ظهرت جائزة «البوكر» في نسختها العربية، لتخطف الأضواء والمبدعين أنفسهم، ففي حفل إعلامي كبير تتم تسمية الفائز ومنحه ستين ألف دولار، ويُمنح إلى جانبه كل من وصلوا إلى القائمة القصيرة عشرة آلاف دولار. هكذا عرف العالم العربي القائمة الطويلة والقائمة القصيرة، وأخذ الجميع يترقب إعلان القوائم واسم الفائز!
جوائز القاهرة محكومة بأدائها الحكومي
من جانبها حاولت القاهرة البقاء في المنافسة كمركز ثقافي كبير وقديم عبر منحها ثلاث جوائز تخص ثلاثة ملتقيات دولية للشعر والرواية والقصة القصيرة، لكن جوائزها ظلت محكومة بأدائها الحكومي ورغبتها في مراعاة أبعاد سياسية وجغرافية، ما أفقدها البريق المطلوب للجوائز الكبرى. ثم ظهرت جائزة «كتارا» عبر سخاء غير مسبوق لتغطي على الجميع، فلأول مرة في تاريخ الجوائز الثقافية في العالم العربي نجد عملًا روائيًّا يفوز بنحو ربع مليون دولار، إضافة إلى ترجمته وتحويله إلى عمل سينمائي. الملحوظ أن كل هذه الجوائز للنثر وليست للشعر، بما فيها جائزة الملتقى التي خصصتها الجامعة الأميركية بالكويت للقصة القصيرة. والملحوظ أيضًا أن التنافس بين الجوائز أصبح على مستوى العواصم والمدن، فالعويس والشيخ زايد والبوكر من أبوظبي، ونجيب محفوظ وجوائز ملتقيات الشعر والرواية من القاهرة، وكتارا من الدوحة، والملك فيصل من الرياض، والملتقى من الكويت، والطيِّب صالح من الخرطوم.
والمدهش أن دول الخليج أصبحت قبلة المبدعين العرب عبر ما أطلقته من جوائز كبرى ماليًّا وإعلاميًّا، وخرجت من المنافسة العديد من المراكز الثقافية القديمة، كدمشق وبغداد والرباط وتونس، على حين ما زالت القاهرة تصارع للبقاء في مكانها عبر آلياتها القديمة. ويتضح أنه منذ بداية الألفية لم تعد الجوائز تمنح بأسماء أمراء ولا شيوخ، فقد حرصت كل جائزة على أن يكون لها مجلس أمناء ولجان تحكيم مستقلة، كما حرصت على عقد مؤتمر صحفي تحضره قنوات الإعلام ومشاهير الثقافة والفن لتدشين اسم الفائز أمامهم جميعًا، وعلى الرغم من أن جوائز مثل البوكر وكتارا تقوم بترجمة الأعمال الفائزة فإن أحدًا لا يهتم ولا يشعر بمردود لهذه الترجمات.
-
في ظل هذا السياق كان لا بد لـ«الفيصل» أن تتوقف أمام ظاهرة الجوائز الثقافية العربية لنعرف ما لها وما عليها، وكيف تعامل النقاد والمبدعون معها، وكيف تركت آثارها بالسلب أو الإيجاب على إبداعنا العربي، وهل الأموال التي تغدق عليها من أجل شراء الولاءات السياسية للمثقف العربي، أم رغبة في خلق فعل ثقافي حقيقي؟ أسئلة ثقافية معنية بحال الجوائز اليوم تُطرح باستمرار على الأدباء والكُتّاب من مختلف البلدان العربية، سواء ممّن فازوا بالجوائز أو تنافسوا ولم يحصلوا على شيء، أو شاركوا في تحكيم بعضها، أو اكتفوا بالنقد والتعليق، سواء من الشباب أو الشيوخ، بقصد التعرُّف على رؤية كل منهم وكيف يمكن الدفع بعجلة التطوير إلى الأمام.
قد نسمّيه زمن «الرداءة» هذا الذي يغلب فيه المال على القيم الثقافية العربية، وهو الزمن الرديء فعلًا الذي جعل «الأدب» يصطف مع مهرجانات الموضة وعروض الأزياء ومسابقات الرقص الشرقي.. لقد أفقدت هذه الجوائز المالية قيمة الإبداع الإنساني، وحوّلته إلى موضة سردية تافهة لتفريغه من قيمه الإبداعية الإنسانية والوجودية.. وفي هذا المضمار يقول الروائي السوداني «أمير تاج السر» متأسفًا على حال الإبداع: من المفترض أن يُبدع الناس في كل المجالات الفنية والإنسانية، من دون أن ينتظروا جوائز أو تكريمًا معينًا من أي جهة، وقد كان هذا التقليد، أي الإبداع، بلا تطلعات مادية، سائدًا في الوطن العربي حتى عهد قريب، إذ فجأة ظهرت الجوائز الأدبية، ظهرت في البداية على استحياء ثم تكاثر عددها، وهكذا أصبح للكُتّاب أمل جديد في الاعتماد على كتابتهم، حين تصيب جائزة ما، كتعويض بالنسبة للكُتّاب الكبار، وكبداية تساعد على المضي في سكة الكتابة، بالنسبة للمبتدئين. وفي المقابل، سلبت كثيرًا من القناعة، وأوجدت لهفة جديدة لدى كل من يكتب، ومن يحاول أن يكتب، في الركض للحصول على جائزة، ولذلك قد تجد كثيرًا من الأعمال المُقدَّمة للجوائز الأدبية، حتى من كُتّاب كِبار، نيئة، وبحاجة لتنضج، لكن نُشرت لتركض في سباق الجائزة. أيضًا نتجت كثير من الغيرة التي لم تكن موجودة حين كان الأدب مُجرّد تميُّز طفيف، لا عائد ماديًّا له.
-
وعن اللهاث واحتمالات الفوز من عدمه، يعلِّق «تاج السر» بأنها مسألة معقدة، خاصة للذي يعمل محكِّمًا فيها. لذلك لن نقول بأن أي عمل حصل على جائزة، هو بالضرورة عمل جيِّد وينبغي اتخاذه مرجعًا، وأي عمل طُرد من الجائزة هو بالضرورة عمل سيئ وينبغي الحد من قدره. ويضيف: دائمًا عندي رأي أردده وهو أن الجوائز مكسب في النهاية، ينبغي الحفاظ عليه، مهما كانت السلبيات.
سوء الظنّ من حسن الفطن
وعن فساد الجوائز ونيّة التعاطي معها في الراهن الثقافي يقول الروائي السوري «هيثم حسين»: إن البيئة الثقافية الفاسدة لا تنتج إلّا جوائز فاسدة، ويضيف: حسن النيّة يفترض التعاطي مع الجوائز لكونها مخصّصة للاحتفاء بالفنون التي تقوم بتتويج المبدعين فيها، وتركيز الاهتمام على أعمالهم وعليهم، وتسليط الأضواء على مجالاتهم وتسويقهم وتقديمهم لشرائح عريضة من المتلقين، لكن كما يُقال: إنّ سوء الظنّ من حسن الفطن، فإنّ التعاطي لا يخلو دومًا من تأويلات وبحث عن مقاصد خفيّة تكمن في مضمون اختيار الفائزين وآليات التتويج المتّبعة التي لا تنجو من انتقادات تصل حدّ الاتّهامات بالفساد والإفساد. لا يمكن الإغفال عن أنّ الجوائز المخصّصة للفنون الإبداعيّة (شعر، رواية، قصة، رسم..) في العالم العربيّ على قلّتها تُدار في مناخ فاسد، ولا أقصد إدارة أيّة جائزة بعينها، بقدر ما أشير إلى البيئة الثقافيّة الفاسدة التي تنخر بنية المؤسّسات الثقافيّة العربيّة، البيئة التي هي جزء من بيئة أشمل تنتعش فسادًا وإفسادًا، ذلك أنّ هناك من كرّس نفسه للشلليّة والتنفيع، يكون إمّا هنا في لجنة تحكيم أو هناك في لائحة قصيرة أو طويلة، يمنح هنا تتويجًا أو تصديرًا ليتسلّم من هناك المقابل المطلوب. وقد لا يخلو التتويج من إقحام اسم ما على سبيل التنويع وتبديد الشكوك والتأكيد على الاستقلالية والنزاهة والبراءة من التنفيعات والفساد. الفائزون بالجوائز يسبغون عليها نزاهة مُطلقة، أمّا بعض المرشَّحين لها ممّن لم يحالفهم الحظّ فيبالغون في اتّهامهم لها بالإقصاء والتهميش وتصدير أسماء بعينها. بالطبع لا توجد وثائق تدين الفاسدين في الجوائز، لكن لدى المتابعين ما يمكن توصيفه بحدس بما بين السطور!
وعن معيارية التحكيم في الجوائز العربية تقول الروائية المصرية «هويدا صالح»: كُلّما قرأت نصًّا يحصل على جائزة عربية وأجده أقل فنيًّا وجماليًّا من أن يصل إلى مستوى جائزة كبرى كنتُ أتساءل عن معيارية التحكيم في الجوائز العربية، ثم جاءت جائزة نوبل التي منحت جائزتها لمغنٍّ، عاودني التساؤل، أليس ثمة معيارية أدبية يتمثلها مانحو الجوائز وهم يمنحونها؟.. ومن خلال تجربتي في تحكيم جوائز مصرية وعربية أتحدّث عن طريقتي مع النص الذي يجب تحكيمه، أنا شخصيًّا عند قراءة نص ما من أجل تحكيمه، وتبيان مدى استحقاقه لجائزة أم لا، أضع لنفسي معياريْن أساسييْن لا يمكن أن أحيد عنهما: المعيار الأول هو الخطاب الجمالي ومدى تحقُّق الأدبية والجمالية في النص، والمعيار الثاني هو الخطاب الثقافي الذي يتضمّنه النص، ومدى قبول هذا الخطاب من منطلق وعيي الفكري والأيديولوجي، فإن تحقّق للنص مستوى أدبي يرضي قناعاتي الأدبية ومقولاتي النقدية لكنه يحمل خطابًا ثقافيًّا لا يليق بما نتمنى أن نجده في مجتمعنا من خطاب يكرِّس لقيم المدنية والمواطنة، ويتوافق مع منظومة القيم الإنسانية العالمية، أرفض هذا النص فورًا.
استثمار حالة الفقر
ثمة استغلال واضح استثمر حالة الفقر التي يعيشها بعض الأدباء مّا جعلهم يتهافتون على الجوائز دون اعتبار لأسمائهم وقيمتهم الثقافية، وهؤلاء إن ربحوا المال فإنهم يخسرون ثقة قُرّائهم وحياتهم الأدبية.. يقول الروائي المغربي «أحمد المديني»: على رغم تكرار الحديث عن قضية الجوائز في حقل الثقافة والإبداع العربيّين في السنوات الأخيرة، فإنه حديث يعبِّر عن حاجة فعلية يتبادلها المانحون والفائزون والناشرون، أعني السوق. فالمانحون، أغلبهم اليوم من بلدان الخليج، لما يتمتعون به من ريع مالي، اهتدوا إلى هذا السبيل، بين سُبُل أخرى، للفت نظر وترويج صيت ثقافي لبلدان ناشئة، لا بأس، وللإحسان، على غرار سلوك معهود في حواضر وأزمنة، لا بأس كذلك.
والفائزون، بين روائيين وشعراء وفنانين، أغلبهم من المعوّزين، ممّن وجدوا ضالتهم في هذه الأعطيات والإكراميات، فتهافتوا عليها، إمّا لسدِّ العوَز أو لنيل شهرة يغفلون أن رأسمالها هو النصوص قبل صكوك المانحين، فيختلط الحابل بالنابل، وتختلّ المقاييس، وقد اختلَّت. وأما الناشرون فهم أكبر الكاسبين، يجنون من البضاعة الكثير، ويروِّجون ويزايدون بالرخيص والنفيس، على حدٍّ سواء، سيكبر في أعينهم أردأ كاتب غدًا، شأن القُرّاء تقريبًا؛ لأن البَرَكة حلّت به، وسيُباع، ومنهم من يتطاوسون كأنهم في بورصة، سيرشِّحون هذا العمل لوليمة الجوائز، أو هُم لا يفعلون، والكُتّاب والمفكرون الجياع كُثر عليهم يتهافتون، وبأعتابهم يتمسّحون، وفوق هذا بعضهم لكُتبهم مموِّلون، حتى إنه لا ثقافة عربية الآن، ولا إبداع، إن لم تتوَّج بجائزة! حسن. ليُعلم، بعد هذا، أن ما العيب في الجائزة، ولا للغط أن يقوم عنها لذاتها مجرّدة. إنه حول إطارها وشروطها وسياقها.. ويضيف «أحمد المديني»: أهلًا بالجوائز، شريطة أن تكون لغرض نبيل، ولها مُحكِّمون أكْفاء، ويقتحمها النبغاء، لا سقط المتاع من كل قول، كأغلب روايات هذا الزمن الأعور، وعلى الله فليتوكّل المتوكلون.
بوب ديلان تطوير لنوبل
أمّا الشاعر العراقي «شوقي عبدالأمير» فيتّهم الجوائز بأنها أساءت للرواية وأسهمت في ابتذالها بسبب تحويلها إلى سوق رخيصة، ويكفي قراءة النصوص ومقارنتها مع الجوائز العالمية التي أعطيت لروائيين عرب كما يحدث في باريس مع جائزة «الغونكور» للرواية، وهي أرقى الجوائز؛ إذ مُنحت لثلاثة من العرب هُم: الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، وأخيرًا للمغربية ليلى سليماني، والمؤكد أنه لا يمكن رعاية الرواية الحديثة، إنما فقط محاولة شراء الروائيين، كمن يتسوق بضائعه في المولات، ولا يمكن اعتبار أن القيمة المالية المرصودة للجائزة هي مال سياسي أكثر منه ثقافي، فالأمر يعتمد على طريقة التوظيف، لا على القيمة المالية مهما كانت مرتفعة، ومن ثم فأمر الجوائز يحتاج إلى ترفُّع وإيمان بدور الأدب والفكر، لا باستغلاله مباشرة. وعلى البلدان المانحة للجوائز الكبرى والمهمّة أن تختار الأسماء في شكل حيادي، وتشكِّل لجنة تحكيم متوازنة، وتمنح الجائزة لمن يستحقها، حتى إن كان معارضًا لسياستها، عند ذلك يبدأ العمل الجدّي والتأسيس الصحيح. الظاهرة في الجوائز العربية هو أن الفائز لا يذكر إلّا ساعة الجائزة، ثم يختفي، لأنه حصل عليها بترتيب مّا لا علاقة له بالدور والحضور، ظروف مالية لشراء الولاءات. ثم إن هناك عملًا في الخطاب الإعلامي للجائزة، الجائزة ليست مكافأة مالية فقط، إنها خطاب إعلامي للعالم، هذا الجانب لا تفكِّر فيه الجوائز العربية كلها؛ لأنها تجهل مفردات وفلسفة الخطاب، كيف نوصل صوت الفائز واسمه إلى العالم؟ هل فكّروا بهذا؟!.. كل الجوائز العربية تتهشّم أمام صخرة الخطاب العالمي، هذا الجانب مهم جدًّا، ولم يشتغلوا عليه. يعملون حفل عشاء وخطبًا إنشائية ومجاملات، ويطبعون كتبًا يصرفون عليها آلاف الدولارات، وتبقى مكدّسة في السراديب، ويعيدون الكرة كل عام من دون نقد ذاتي أو دراسة جدوى.. هدر أموال وجهل مع سبق الإصرار. وبالطبع يختلف فوز «بوب ديلان» عما يحدث في جوائزنا الثقافية في العالم العربي، ففوز بوب ديلان تطوير لنوبل؛ ذلك لأنها المرة الأولى التي تكرِّم فيها مغنيًا وهي جائزة أدبية.. يمكنك المقارنة عندما تضع اسم «بيكت» إلى جانب «ديلان» لفهم القفزة التي حققتها نوبل، والرسالة من وراء ذلك موضوع يطول الحديث عنه، بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له.
الجائزة قد تصبح عبئًا على الأدب والكتابة
وعن قيمتها الأدبية المفقودة، ومنفعتها الثقافية الضائعة في تنمية المجتمعات، يحيلنا الروائي المصري «عزّت القمحاوي» إلى مهام لجان التحكيم التي قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا على الأدب، ويعلِّق إن الأصل في الجائزة الأدبية أنها تقدير من المجتمع لكاتب مجتهد. قد تنوب الحكومة عن المجتمع في تقديم هذه الجائزة، وقد تفعلها شركة أو يقدّمها شخص يقدِّر الثقافة. المهم أنها نوع من التقدير، نوع من المديح الذي يرتدّ في جزء منه على الجهة المتبنية للجائزة. لكن لجان التحكيم قد تنحرف بالجائزة وتجعلها عبئًا على الأدب والكتابة، عندما تتخلّى عن الاشتراطات الأدبية لصالح اشتراطات أخرى، سياسية كانت أو شخصية. هذا الانحراف يصيب العدالة في مقتل ويؤثر على الكتابة سلبًا؛ لأنه يغالط في ترتيب أقدار الأدباء.. عندما نتأمّل الساحة العربية حاليًّا نجد أنواعًا من الجوائز، قليلها ينتصر للأدب، والكثير منها ينتصر لقيم أخرى، مثل قيمة الاحتفالية مثلًا، وكأن أهم ما في الجائزة هي الإشارة إلى الجهة المانحة لا التنويه بالعمل الفائز وصاحبه. بعض الجوائز دأبت في الترويج للكتابة الخفيفة الأكثر مبيعًا وأصبح هذا مستقرًّا فيها. ولذلك، قد أخالف الرأي في أن بعض الجوائز تبدأ قوية ثم تضعف؛ فكل جائزة تقف من البداية في المكان الذي يريده لها مطلقها. ويضيف «القمحاوي»: وإذا كانت لجان التحكيم تتغيّر في كل عام، فإن هذا التغيير بلا جدوى؛ لأن مجالس الأمناء أو مجالس إدارات الجوائز ثابتة. وهذه المجالس لا تصوّت على الأعمال، لكنها قد تختار لجنة التحكيم التي ستخرج بنتائج تُرضي المجلس ولا تحرجه مع مطلق الجائزة. يختارون من يرونهم أقرب فكريًّا منهم، أو المتمرِّسين في معرفة سقف الجائزة ومحظوراتها. وهناك الكثير من المحظورات في الدول العربية، ولا يمكن الاحتفاء بكتاب يخترق حدود الحرية المعروفة سلفًا، سواء المتعلقة بقيود السياسة أو بما يُسمّى أعراف وتقاليد المجتمع والذوق العام.
أراد مالكو الجوائز الاستعراضية أن يقيموا محافلهم الفاسدة في صميم ثقافتنا العربية لنزعها ومنح الفوز لأعمالٍ رديئة وتافهة، لكنّهم خسروا وجودهم أمام كم الإبداعات الجادّة التي عبرت محافل جوائزهم ولم تعرها اهتمامًا، فيما ظلّت سلاسل أعمالهم الفائزة زيفًا دفينة غُبار المكتبات، لا تلمسها يد قارئ مهتم، ولا ناشر ينفض عنها الغُبار.. فمن يا تُرى كسب، ومن يا تُرى خسر الرهان؟!
سالم الهنداوي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ 2 أيام
- عين ليبيا
صرخة صامتة تهز ضمير العالم.. جوليان أسانج يهزّ «كان» بقميص يحمل أسماء 4986 طفلاً فلسطينياً
في ظهور لافت على السجادة الحمراء لمهرجان 'كان' السينمائي الدولي، شارك مؤسس موقع 'ويكيليكس' جوليان أسانج مرتديًا قميصًا يحمل أسماء 4,986 طفلًا فلسطينيًا قتلوا جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، في خطوة اعتُبرت رسالة سياسية حادة ومباشرة ضد الحرب الجارية. وجاءت مشاركة أسانج، برفقة زوجته ستيلا أسانج، قبيل عرض فيلم وثائقي يتناول سيرته الذاتية بعنوان 'The Six Billion Dollar Man' (الرجل الذي كان يساوي ستة مليارات دولار)، حيث وقف أمام عدسات الكاميرات على درج قصر المهرجانات في كان، مرتديًا القميص الأسود الذي كتب على ظهره بخط عريض: 'Stop Israel – أوقفوا إسرائيل'. واعتبر مراقبون ومتابعون أن خطوة أسانج حملت رسالة تضامنية مع ضحايا الحرب في غزة، واستمرارًا لدوره المعروف في فضح الانتهاكات حول العالم، وكتبت صحيفة 'هيومانيتي' الفرنسية أن 'نضال أسانج من أجل الحقيقة لا يزال حيًا ومؤثرًا'، في إشارة إلى رمزية ظهوره في هذا الحدث العالمي بهذه الطريقة. أسانج… من مطارد إلى رمز يُعد جوليان أسانج، الصحفي والناشط الأسترالي، من أبرز رموز حرية التعبير وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، وقد أسس موقع 'ويكيليكس' في عام 2006، الذي نشر ملايين الوثائق السرية، أبرزها تلك المتعلقة بالحروب في العراق وأفغانستان. في عام 2010، أحدث أسانج صدمة عالمية بعد نشر شريط فيديو يُظهر مروحيات أمريكية تقتل مدنيين في العراق، ومنذ ذلك الحين، واجه ملاحقات قانونية بتهم تتعلق بالتجسس، وقضى سنوات في اللجوء داخل سفارة الإكوادور بلندن، قبل أن يُعتقل عام 2019. وفي يونيو 2024، تم الإفراج عنه بموجب صفقة قانونية مع السلطات الأمريكية، أنهت فصولًا من معركة قضائية طويلة، ليعود بعدها إلى النشاط العام، ويستمر في قضاياه الحقوقية والسياسية. ظهور أسانج في 'كان' بقميص يحمل أسماء أطفال قُتلوا في غزة يأتي في وقت تتصاعد فيه الأصوات الحقوقية الدولية لوقف الحرب في القطاع، وقد أضاف بُعدًا سياسيًا واضحًا للمهرجان السينمائي، الذي طالما استخدمه الفنانون كمنصة لتمرير رسائل إنسانية عالمية.


الوسط
منذ 2 أيام
- الوسط
هشام مطر يترجم كتابا لنجيب محفوظ
أعلن الكاتب هشام مطر عن صدور ترجمة جديدة لأحد كتب الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ بعنوان «i found myself the last dreams». وطرح مطر مع الإعلان عن الكتاب سؤال: «أين كنا سنكون لولا المترجمين؟». وأجاب مطر: «كقارئ كانت حياتي ستبدو أكثر فقرا لولا الترجمة، وككاتب لطالما استفاد عملي بشكل هائل من رعاية وموهبة المترجمين المبدعين الذين حملوا كتبي إلى لغات متعددة، مانحين إياي امتياز التواصل مع قرّاء لا أشاركهم اللغة». وأضاف: «اليوم أجد نفسي أمارس هذه المهنة النبيلة، ولو بقدر بسيط، من خلال نقل بعض أحلام نجيب محفوظ المتأخرة إلى اللغة الإنجليزية، وللمرة الأولى هذه الشذرات القصيرة والمغناطيسية، المنبعثة من أعماق لا وعيه، تحمل طابعاً حميماً ومشوّقاً. وقد غيّر العمل على ترجمتها علاقتي بإرث هذا الروائي الكبير، وفتح لي باباً جديداً على عالم الأحلام اللامحدود». وعن التعاون الذي جرى لنجاح المشروع، قال مطر: « قبل نحو ربع قرن، حظيت أنا والمصورة ديانا مطر بفرصة قضاء أمسية مع نجيب محفوظ، وتبيّن لاحقاً أنها كانت في الفترة التي كان يرى فيها هذه الأحلام. في ذلك الوقت أيضاً، أصبحت القاهرة مصدر إلهام عميق لديانا، التي جابت شوارعها بعدستها لسنوات، تلتقط صوراً نابضة بنَفَس تأملي يشبه الحلم. واليوم، تلتقي صورها وأحلام محفوظ في هذا الكتاب، لتنسج معاً حالة من التوافق العميق والرنين الإبداعي». واختتم الإعلان قائلاً: «بالتعاون مع الناشرة الأميركية باربرا إبلر (من دار New Directions)، التي كان لهذا المشروع فضل كبير عليها، قررنا أن نعنون هذا العمل بـ(وجدت نفسي) نسبة إلى العبارة التي يفتتح بها محفوظ معظم أحلامه». وأضاف: «نحن فخورون بأن دار (New Directions) ستصدر النسخة الأميركية من الكتاب، الشهر المقبل، في طبعة أنيقة ومدروسة. أما النسخة البريطانية، التي صدرت عن دار (vikingbooksuk) بعناية وجمال، فستُطرح في الأسواق الأسبوع المقبل». الغلاف الخلفي من الكتاب (فيسبوك) صورة داخلية في الكتاب من مدينة القاهرة (فيسبوك) نص من الكتاب (فيسبوك)


الوسط
منذ 3 أيام
- الوسط
«فاينل ديستينيشن: بلودلاينز» يتصدر شباك التذاكر في الصالات الأميركية
تصدّر فيلم الرعب «فاينل ديستينيشن: بلودلاينز» Final Destination: Bloodlines، وهو أحدث عمل من سلسلة الأفلام الشهيرة، شباك التذاكر في أميركا الشمالية محققا 51 مليون دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى له، على ما أفادت شركة «إكزبيتر ريليشنز» المتخصصة. وقال الخبير ديفيد غروس من شركة «فرانشايز إنترتينمنت ريسيرش» إن عائدات «الجزء السادس من سلسلة أفلام الرعب مُلفتة» في أول أسبوع لعرضه في دور السينما، مشيرا إلى مراجعات ممتازة من الصحافة والجمهور، وفقا لوكالة «فرانس برس». يشار إلى أن الجزء السابق حقق إيرادات بـ18 مليون دولار فقط في عطلة نهاية الأسبوع الأولى له العام 2011. وفي الفيلم الجديد الذي تولّت إنتاجه شركة «وارنر براذرز»، تؤدي الممثلة كايتلين سانتا خوانا دور امرأة شابة تكتشف أن جدتها خططت منذ زمن طويل للهروب من الموت، وبات عليها مواجهة عواقب ذلك. - - وتراجع إلى المرتبة الثانية فيلم «ثاندربولتس» Thunderbolts مع إيرادات بلغت 16.5 مليون دولار في شباك التذاكر في كندا والولايات المتحدة. ويتمحور الفيلم الذي يتولّى بطولته سيباستيان ستان وفلورنس بيو، على فريق من الأبطال غير تقليديين يقعون في فخ كبير يجبرهم على توحيد قواهم لإنجاز مهمة عالية الأخطار، يواجهون فيها أظلم محطات في ماضيهم. وحل ثالثا في الترتيب فيلم الإثارة والتشويق «سينرز» Sinners، محققا 15.4 مليون دولار. وأشارت مجلة «فرايتي» إلى أن شركة «وارنر براذرز»، ومن خلال فيلمي «بلودلاينز» و«سينرز»، تعوّض إلى حد ما الإخفاقات التجارية لأفلام «ميكي ماوس 17» Mickey Mouse 17 للمخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو، و«ذي ألتو نايتس» The Alto Knights مع روبرت دي نيرو، و«جوكر: فولي آ دو» Joker: Folie à deux مع خواكين فينيكس وليدي غاغا. وكانت المرتبة الرابعة من نصيب فيلم «إيه ماينكرافت موفي» A Minecraft Movie من إنتاج شركة «وارنر براذرز» مع 5.8 ملايين دولار. وقد حقق هذا العمل المُقتبس عن لعبة الفيديو الشهيرة إيرادات إجمالية بلغت 416.6 مليون دولار منذ بدء عرضه قبل سبعة أسابيع في الصالات السينمائية في أميركا الشمالية، و512 مليون دولار عالميا. وحل خامسا في الترتيب فيلم الإثارة والحركة «مستر وولف 2» Mr Wolff 2 من إنتاج استوديوهات «أمازون إم جي إم» وبطولة بن أفليك، وقد بلغت عائداته نحو خمسة ملايين دولار. المراكز الستة التالية 6- «هاري آب تومورو» (3.3 ملايين دولار). 7- «فرندشيب» (1.4 مليون دولار). 8- «كلاون إن ايه كورنفيلد» (1.3 مليون دولار). 9- «انتيل دان» (800 ألف دولار). 10- «ذي أماتور» (712 ألف دولار).