logo
إيران أمام الحقيقة: من اوهام الهيمنة إلى فرصة المصالحة

إيران أمام الحقيقة: من اوهام الهيمنة إلى فرصة المصالحة

#إيران أمام الحقيقة: من اوهام #الهيمنة إلى فرصة #المصالحة
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لقد أُوقفت الحرب، لكنها لم تنتهِ. هذا هو العنوان الحقيقي للمشهد الراهن بين إيران وإسرائيل، بعد اثني عشر يومًا من نيران الصواريخ والانفجارات والخسائر البشرية والعسكرية المتبادلة. انتهت الجولة، لكن الصراع مستمر، ليس لأن أحد الطرفين لم يحقق أهدافه فحسب، بل لأن جذور هذا الصراع ليست عسكرية فقط، بل أيديولوجية، ممتدة في بنية الطرفين.
إيران اليوم تقف على مفترق طرق خطير ومصيري في ذات الوقت. فإما أن تراجع سياساتها وتُعيد النظر في أولوياتها الإقليمية، أو تستمر في نهج المواجهة والتمدد الذي لم يجلب لها سوى العقوبات، العزلة، والاستنزاف الداخلي. فالقوة وحدها لم تعد كافية لضمان بقاء الأنظمة، ولا الصواريخ تضمن الاحترام، بل الحكمة، والتوازن، والعدالة، والتنمية، والديمقراطية، هي مفاتيح الشرعية والاستقرار الحقيقي.
الضربات التي تلقتها إيران مؤخرًا كانت موجعة؛ تدمير جزئي لمنشآت نووية، خسائر في صفوف الحرس الثوري، وتعطيل شبه دائم لقدرات وكلائها في المنطقة. ومع ذلك، لم تنكسر. النظام لا يزال قائمًا، يُعلن التحدي، ويُرسل الرسائل عبر الإعلام والسلوك الدبلوماسي. لكن البقاء ليس نصرًا، والاستمرار في العناد ليس قوة. ما تحتاجه إيران اليوم ليس مزيدًا من الشعارات الثورية، بل مراجعة عميقة لمشروعها في المنطقة، الذي أثبت فشله على أكثر من صعيد.
منذ عام 1979، تبنّى النظام الإيراني خطابًا ثوريًا يجعل من العرب إما أدوات أو ساحات لتصفية الحساب مع 'الشيطان الأكبر' و'العدو الصهيوني'. وفي سبيل هذه العقيدة، دعمت طهران ميليشيات مسلحة، وأشعلت نزاعات داخلية، وزرعت الفتن الطائفية، من لبنان إلى اليمن، ومن سوريا إلى العراق. هذا المشروع لم يجلب للعرب إلا الدمار، ولم يُنتج لإيران سوى الكراهية والمزيد من الأعداء. فالأمة العربية ليست فراغًا جيوسياسيًا، ولا امتدادًا طبيعيًا لثورة غير عربية، بل هي أمة ذات تاريخ وكرامة وسيادة ترفض الوصاية من أي كان.
ولم تقف معاناة العرب عند حدود التدخل الخارجي، بل امتدت إلى الداخل الإيراني نفسه، حيث تُعاني القوميات غير الفارسية من تمييز واضح وممنهج،إن معاناة الأهوازيين، ومعهم الأكراد والبلوش والتركمان، ليست تفصيلًا داخليًا، بل مرآة حقيقية لطبيعة النظام، الذي يُخنق فيه التنوع، ويُعاقب فيه الانتماء القومي إن لم يكن فارسياً.
عرب الأهواز، الذين يُقدّر عددهم بين 10 و14 مليون نسمة، هم السكان الأصليون لإقليم خوزستان الغني بالنفط جنوب غرب إيران. رغم ثروات الإقليم، يعاني العرب من تهميش ممنهج، يشمل حرمانًا ثقافيًا ولغويًا، فقرًا واسعًا، وبطالة مرتفعة، إضافة إلى قمع سياسي واعتقالات تعسفية بحق النشطاء. تُصادر أراضيهم ويُمنعون من التعليم بلغتهم، بينما تُفرض عليهم سياسات 'تفريس' واضحة. الخلاصة: يواجه عرب الأهواز تمييزًا عنصريًا وهيكليًا يهدد هويتهم وحقوقهم كمواطنين في وطنهم. وفي ظل هذا الواقع القاسي، تبقى معاناة عرب الأهواز جرحًا مفتوحًا في جسد إيران متعدد الأعراق. إن استمرار هذا النهج القائم على التهميش والقمع لا يهدد فقط استقرار الإقليم، بل يُضعف من تماسك الدولة الإيرانية نفسها. فبقاء أي نظام مرهون بعدالته في التعامل مع كل مكوناته، واحترامه للتنوع الثقافي واللغوي، لا بفرض هوية واحدة بالقوة.
المطلوب اليوم من القيادة الإيرانية ليس فقط الاعتراف العلني بوجود هذه القوميات العريقة، بل اتخاذ خطوات جادة تضمن لهم حقوقهم في التعليم بلغتهم، والمشاركة السياسية، والتنمية العادلة. وما لم يتحقق ذلك، فإن دعوات الاندماج ستبقى فارغة، والاحتقان سيتحوّل إلى انفجار محتوم. إن عرب الأهواز وغيرهم من القوميات لا يطالبون بالانفصال، بل بالكرامة. يريدون أن يكونوا جزءًا من إيران… لكن بإرادتهم، وبهويتهم، وحقوقهم المصونة.
في خضم هذا التوتر، يجب أن نقول بصدق وبوضوح: نحن لا نريد لإيران أن تنهار، ولا نُسرّ بآلام شعبها. بل نُدرك أن الشعب الإيراني بكافة قومياته يستحق حياة أفضل، ونظامًا يُنفق موارده على التعليم والصحة، لا على أجهزة القمع والسجون. ولكن هذا التعاطف لا يمكن أن يستمر دون شروط واضحة: أولها أن تكفّ طهران عن التدخل في شؤون العرب، وثانيها أن تتخلى عن وهم 'تصدير الثورة' الذي عفا عليه الزمن، وثالثها أن تتحوّل من قوة مُهدِّدة إلى شريك في الاستقرار الإقليمي.
ربما تكون الحرب الأخيرة 'تحذيرًا' لا 'عقابًا'. فالعالم بدأ يُدرك أن السياسة الإيرانية القديمة لم تعد قابلة للاستمرار، وأن لغة العنف لم تعد تجلب نفوذًا، بل تخلق تحالفات مضادة. والكرة الآن في ملعب صناع القرار في طهران. هل يختارون التصعيد والمواجهة؟ أم يبادرون إلى مصالحة تاريخية، داخلية وخارجية، تُعيد تعريف دور إيران في المنطقة والعالم؟
وحده تغيير جذري في سياسة إيران الداخلية والخارجية، هو الذي يمكن أن يكسر دائرة المواجهة. إيران تمتلك من العقول، والموارد، والموقع ما يؤهلها لتكون قوة محترمة، لكن شريطة أن تُغيّر من رؤيتها لنفسها وللمنطقة. فما لم تُراجع طهران أولوياتها، فإنها ستجد نفسها تدريجيًا محاصرة من كل الاتجاهات: داخليًا عبر غضب شعبي لا يهدأ، وخارجيًا عبر تحالفات تتشكل لمواجهتها لا لمهادنتها.
في هذا الشرق الأوسط المشتعل، لا أحد يمكنه أن ينتصر وحده، ولا يمكن لأي قوة، مهما عظمت، أن تستمر بالاعتماد على القوة وحدها. المطلوب اليوم من إيران أن تُصغي لصوت العقل، وتتجاوز منطق الثورة إلى منطق الدولة. وإن فعلت، فستجد العرب – شعوبًا ونُخَبًا وقادة – ليسوا خصومًا، بل جيرانًا يبحثون عن الاستقرار، ومستعدين لفتح صفحة جديدة، إذا طُويت صفحات التدخل والهيمنة والعداء للعرب.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مراسل رؤيا: مسيرة "إسرائيلية" تستهدف سيارة في بلدة كونين جنوبي لبنان
مراسل رؤيا: مسيرة "إسرائيلية" تستهدف سيارة في بلدة كونين جنوبي لبنان

رؤيا

timeمنذ 16 دقائق

  • رؤيا

مراسل رؤيا: مسيرة "إسرائيلية" تستهدف سيارة في بلدة كونين جنوبي لبنان

مسيرة "إسرائيلية" تستهدف سيارة في بلدة كونين جنوبي لبنان أفاد مراسل رؤيا بأن طائرة مسيرة تابعة لـ"إسرائيل" نفذت غارة جوية استهدفت سيارة في بلدة كونين بمحافظة النبطية جنوبي لبنان، السبت. ووفقًا للمعلومات الأولية، أسفرت الغارة عن أضرار مادية بالسيارة المستهدفة، دون ورود تقارير فورية عن سقوط ضحايا أو إصابات. ولم تصدر السلطات اللبنانية أو الجيش اللبناني أي بيان رسمي حول الحادث حتى الآن. تأتي هذه الغارة في سياق التوترات المستمرة على الحدود اللبنانية-"الإسرائيلية"، حيث شهدت المنطقة خلال الأشهر الماضية عدة حوادث مشابهة. ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب "الإسرائيلي" حول الهجوم حتى لحظة إعداد هذا الخبر. تجدر الإشارة إلى أن المناطق الحدودية في جنوب لبنان تشهد تصاعدًا في التوترات الأمنية، مما يثير مخاوف من تصعيد أوسع في المنطقة.

ولي العهد يواصل دعمه للشباب وتمكينهم في عام حافل بالإنجازات واللقاءات
ولي العهد يواصل دعمه للشباب وتمكينهم في عام حافل بالإنجازات واللقاءات

رؤيا

timeمنذ 16 دقائق

  • رؤيا

ولي العهد يواصل دعمه للشباب وتمكينهم في عام حافل بالإنجازات واللقاءات

ولي العهد يواصل دعمه للشباب وتمكينهم في عام حافل بالأنشطة مشاركة ولي العهد في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض افتتاح ولي العهد لـقمة الأردن الثانية للأمن السيبراني أكثر من 80 نشاطًا لـ ولي العهد بين حزيران 2024 وحزيران 2025 يواصل سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، نهج التواصل الدائم مع شباب الأردن ودعمهم وتمكينهم، بما يعكس إيمانه العميق بدورهم في بناء المستقبل وتعزيز مسيرة التقدم الوطني. وبمناسبة عيد ميلاده الحادي والثلاثين، الذي يصادف هذا الشهر، تُستذكر سلسلة من اللقاءات والأنشطة التي تجاوز عددها 80 لقاءً ومبادرة، نفذها سموه بين حزيران 2024 وحزيران 2025، في تفاعل مستمر مع قضايا الشباب والمجتمع. اقرأ أيضاً: في عيد ميلاده الـ31.. ولي العهد يجدد التزامه الثابت بخدمة الأردن وشعبه بعطاء متواصل في حزيران 2024، رعى سموه فعاليات منتدى "تواصل"، واحتفالات تخريج في جامعة مؤتة وقاعدة الطيران، وأطلق مسابقة دولية للأمن السيبراني. وفي تموز، زار سموه مؤسسات أمنية وتعليمية، وافتتح مقرات تكنولوجية، وترأس اجتماعات حول السلامة المرورية. وفي آب، افتتح سموه منتدى دوليًا حول الشباب والسلام والأمن، وكرَّم أوائل الثانوية العامة، وبحث تطورات المنطقة مع أمين عام جامعة الدول العربية. أما في أيلول، فتابع سموه تمارين عسكرية، وأطلق قمة الأردن للأمن السيبراني، وشدد على أهمية التكنولوجيا في تمكين الشباب. وشهد تشرين الأول مشاركة سموه في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض، ولقاءه ولي العهد السعودي، إلى جانب أنشطة ثقافية ورياضية في الأردن. وفي تشرين الثاني، ألقى كلمة الأردن في مؤتمر المناخ (COP29) في أذربيجان، وأجرى لقاءات رفيعة المستوى مع قادة وممثلي منظمات دولية. وخلال كانون الأول، زار سموه الكويت والتقى كبار المسؤولين فيها، فيما شملت زياراته الداخلية مراكز علاج وتأهيل. وفي كانون الثاني من هذا العام، شارك في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، وأجرى لقاءات اقتصادية مع قادة دول وممثلي شركات عالمية، كما افتتح مركز الخدمات الحكومية في مادبا. وزار سموه في شباط تركيا ومصر والولايات المتحدة، والتقى قادتها وبحث سبل التعاون في مجالات الطاقة والتنمية، كما ترأس اجتماعات المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل. وفي آذار، شارك سموه في مناسبات رمضانية، وأكد أهمية تطوير البنية التحتية الرقمية ودعم السياحة. أما في نيسان، فواصل سموه نشاطاته التكنولوجية، ثم زار اليابان في أيار، حيث التقى ولي عهدها ورئيس وزرائها، وشارك في فعاليات اليوم الوطني الأردني في معرض "إكسبو أوساكا 2025"، وأجرى لقاءات اقتصادية وتنموية. وخلال حزيران الحالي، زار القيادة العامة للقوات المسلحة، وترأس اجتماع المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، كما زار سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وافتتح مجمع العقبة الوطني للتدريب المهني، مؤكدًا أن أمن الأردن وسلامة أراضيه فوق كل اعتبار. ويؤكد هذا النشاط المكثف أن سمو ولي العهد يواصل مسيرته بثبات واقتدار في خدمة الوطن، وإعلاء طموحات الأجيال القادمة، مستندًا إلى رؤية هاشمية راسخة في البناء والتحديث.

إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سورية
إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سورية

خبرني

timeمنذ 26 دقائق

  • خبرني

إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سورية

خبرني - أوضح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي للتطبيع مع سورية. وأضاف ساعر، في حواره مع قناة "آي نيوز 24"، أن اعتراف سورية بسيادة إسرائيل على الجولان شرط لأي اتفاق مستقبلي مع الرئيس السوري أحمد الشرع. وصرح: "إذا أُتيحت لإسرائيل فرصة التوصل إلى اتفاق سلام أو تطبيع مع سورية، مع بقاء الجولان تحت سيادتنا، فهذا أمر إيجابي لمستقبل الإسرائيليين". ونقلت القناة الإسرائيلية، عن مصدر سوري مطلع، قوله سابقًا إن إسرائيل وسورية ستوقعان اتفاقية سلام قبل نهاية عام 2025. وأشار إلى أن الاتفاقية تنص على انسحاب إسرائيل تدريجيًا من جميع الأراضي السورية التي احتلتها بعد التوغل في المنطقة العازلة في 8 ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ. وتزامنت تصريحات ساعر مع ما نقلته القناة نفسها عن مصدر سوري مطلع، توقع التوصل إلى اتفاق تطبيع كامل بين دمشق وتل أبيب قبل نهاية 2025. وأشار إلى أن المحادثات لا تزال جارية برعاية الرئيس الأميركي الحالي وتشجيع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وطلب من الرئيس السوري أحمد الشرع. ويتضمن الاتفاق، بحسب المصدر، انسحابًا تدريجيًا لإسرائيل من الأراضي السورية التي سيطرت عليها بعد دخول المنطقة العازلة في ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، على أن تُحوَّل مرتفعات الجولان إلى "حديقة للسلام"، من دون توضيح لمسألة السيادة النهائية. وقبل يومين، صرح الرئيس السوري أن سلطات الإدارة السورية الجديدة تعمل على إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المناطق الآمنة في محافظة القنيطرة جنوب غربي البلاد. وأكد الشرع في بيان صادر عن مكتب الرئاسة، العمل على إيقاف "الاعتداءات الإسرائيلية عبر مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين". كما أشار البيان إلى أن الشرع التقى وجهاء وأعيان محافظة القنيطرة والجولان. يشار إلى أن إسرائيل كانت شنت منذ ديسمبر 2024 وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، عشرات الغارات مستهدفة قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية للجيش السوري السابق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store