
الأرقام الرسميّة للانفصال الفعلي بلغت نحو 26.5% من عقود الزواج بين جدران الطلاق الأسود ومآسي الرعاية... هكذا تجنّبون أطفالكم العطش الوجداني!
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
في زمنٍ تتداعى فيه القيم الأسرية كما تتساقط جدران منزلٍ مهجور، يغدو النضج العاطفي للزوجين أشبه بحبل نجاة في بحر متلاطم من الخيبات. ليس الرشد مجرد مشاعر دافئة مؤقتة، بل هو قدرة واعية على بناء بيت من الحوار والاحتواء، بدلاً من أن يتحول المسكن إلى سجن صامت تحت وطأة ما يسمى بالطلاق الأسود، حيث يعيش الزوجان معاً أجساداً بلا أرواح، حفاظاً على قشور اجتماعية خاوية، او قد ينتهي بهما المطاف نحو انفصال كلي يمزق العائلة ويشتت الأطفال، ويدفع بهم نحو دور رعائية قد لا تكون آمنة.
في عالم تتسرب فيه الأخبار عن معاناة الأطفال في مراكز الايواء، حيث تغيب حرارة العائلة وتحل مكانها جدران باردة وأيدٍ غريبة، يصبح الإعداد النفسي والاجتماعي للزواج مسؤولية لا ترفاً. إن غرس بذور الفهم والنضج في قلب العلاقة الزوجية، من خلال جلسات إشرافية مع اختصاصيين نفسانيين أو اجتماعيين، هو الضمانة الوحيدة ألا يتحول الأبناء إلى أيتامٍ عاطفيين، وهم ما زالوا بين أيدي آبائهم وأمهاتهم.
بناء على ذلك، يحوّل غياب النضج العاطفي الحياة الأسرية إلى معركة باردة، تُخاض بصمت قاتل، ينمو تحتها الأطفال كأزهار برية في تربة قاحلة، بلا ماء الحب ولا شمس الأمان. وأسوأ ما يمكن أن يحدث، أن يجد الطفل نفسه إما رهينة بيت منهار صامت، أو أسير مؤسسات رعائية مهما حسنت نياتها، تبقى عاجزة عن نسج الدفء الذي تصنعه العائلة فقط.
من هنا، يبدو واضحاً أن النضج العاطفي ليس مجرد ترف فكري، بل هو الحصن الأخير أمام تشرّد الأطفال في طرقات الحياة الموحشة. فمن أراد أن يؤسس بيتاً حقيقياً، عليه أولاً أن يبني ذاته عاطفياً، ليتسع قلبه لا لطفل واحد، بل لأجيال بأكملها.
في لبنان (2023-2024)
من المؤسف ان البيانات الرسمية الخاصة بحالات الطلاق والزواج في لبنان للسنتين المنصرمتين لم تصدر حتى الآن، وهذا يترك المجال لمزيد من التحليل والتساؤلات حول الوضع الاجتماعي. بالنظر الى الأرقام المتاحة لعام 2022، والتي أظهرت ان معدل الطلاق بلغ 26.5% من عقود الزواج، يبدو ان الاتجاهات قد تستمر في تصعيد التحديات الاجتماعية، وخاصة في ظل الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها العائلات اللبنانية.
في هذا السياق، لا يمكننا ان نتخيل كيف ان هذه الأرقام قد تعكس واقعا أعمق في بنية العائلة، ربما نتيجة للضغوط التي تتراكم على الاسر، وربما يكون النضج العاطفي، أحد المفاتيح للتعامل مع هذه الصعوبات.
وسط هذه المعطيات المبهمة لحالات الطلاق المحلية، الى جانب انعدام النضج العاطفي، بما في ذلك اهتزاز الثقة بالمؤسسات الرعائية، توضح الاختصاصية النفسانية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ "الديار انه "في خضم التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، تبرز الحاجة الملحّة الى إعادة التفكير بمفاهيم الزواج والإنجاب، ليس فقط من زاوية اجتماعية أو اقتصادية، بل من منظور نفسي وإنساني بالدرجة الأولى. فبناء أسرة سليمة يتطلب أكثر من رغبة أو تقليد اجتماعي متوارث، إنه يتطلب نضجاً عاطفياً حقيقياً وتحضيراً واعيا لكل مرحلة".
الأولاد.. من زينة الحياة
وتشدد على ان "النضج العاطفي قبل الزواج هو حجر الأساس لأي علاقة صحية. فالزواج ليس مجرد مشاركة حياتية، بل هو التزام عاطفي ونفسي طويل الأمد، يحتاج إلى قدرة على الحوار، احترام الآخر، التعامل مع الخلافات بشكل بنّاء، وتحمل المسؤولية المشتركة. لذلك، فقدان هذا النضج يحوّل العلاقة إلى ساحة صراعات غير معلنة، ما ينعكس سلباً على جميع أفراد الأسرة لاحقا".
على الطرفين مراعاة أوضاعهم المعيشية
وتضيف "أما الإنجاب فهو مسؤولية عميقة تتعدى فكرة الامتداد الطبيعي للعائلة او رفع اسمها. الطفل ليس مشروعاً اجتماعياً أو وسيلة لملء الفراغ العاطفي، بل هو كائن يحتاج إلى بيئة مستقرة، رعاية نفسية وأمان عاطفي. وللأسف، إن غياب التحضير الواعي للإنجاب، خصوصاً في ظل أوضاع مادية صعبة أو ظروف نفسية غير مستقرة، قد يؤدي إلى تحميل الطفل أعباء لا ذنب له بها، اذ انه من غير المعقول في عائلة محدودة الدخل او تعاني من ضائقة مادية خانقة، ان تنجب 6 اطفال مثلا".
وتشير الى انه "في كثير من الأحيان، ومع تفاقم الضغوط المالية، نجد عائلات تنجب عدداً كبيراً من الأولاد دون توفير أدنى مقومات العناية. وهذا لا يشكل فقط مشكلة مادّية، بل يخلق بيئة محفوفة بالتوتر والإهمال العاطفي".
وتقول : "في حالات كثيرة، ينتهي الأمر ببعض الأطفال إلى مؤسسات الرعاية، حيث يواجهون صدمات الانفصال وفقدان الحنان الأسري، مما يترك آثاراً نفسية طويلة الأمد قد ترافقهم مدى الحياة. من هنا، تأتي أهمية الوعي الجماعي بأن الإنجاب قرار مسؤول، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الاستعداد العاطفي، القدرة النفسية والاستقرار المادي النسبي".
وتؤكد ان "الزواج والإنجاب ليسا غاية بحد ذاتهما، بل رحلة تتطلب تهيئة نفسية جدية لضمان أن يكبر الأطفال في بيئة داعمة وآمنة. لذا، لا يمكن الحديث عن أهمية النضج والمسؤولية، دون التطرق إلى العلاقات الجنسية قبل الزواج. وفي مجتمعاتنا، قد تحدث علاقات حميمية خارج إطار الزواج، وفي بعض الحالات قد ينتج منها حمل غير مخطط له. وهنا تبرز أهمية الوعي الصادق وتحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه هذه النتائج. فالطفل، مهما كانت ظروف حمله، يحتاج إلى رعاية وحب واستقرار عاطفي. عدم تحمل المسؤولية قد يؤدي إلى التخلي عن الطفل أو تركه في مؤسسات رعائية، مما يعمق جراحه النفسية ويحرمه من بيئة طبيعية للنمو".
وتضيف "لذلك، تزداد الحاجة إلى نشر ثقافة التحضير النفسي والعاطفي، قبل اتخاذ أي قرار مصيري، سواء كان زواجاً أو ارتباطاً جنسياً بين اي اثنين. اذ ان الهدف من الوعي ليس كبح الغرائز الطبيعية، بل توجيهها ضمن إطار مسؤول يحترم الفرد، ويحمي الذرية القادمة من الوقوع في فخ الإهمال العاطفي والاجتماعي".
وتختم يونس حديثها: "لا بد من التأكيد أن حماية الصغار تبدأ من وعي الراشدين. حين يلتزم الأهل بتحقيق النضج الشخصي والتحضير العميق لبناء أسرة، يساهمون في خلق سلالات أكثر صحة نفسية، وأكثر قدرة على المساهمة بإيجابية في مجتمعاتهم".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
تجنبوا شارع بلس في بيروت السبت والأحد... والسبب؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أنّه "بناءً على قرار محافظ مدينة بيروت، وبمناسبة إقامة مهرجان جامعي في الجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB)، يومَي السّبت والأحد 24 و 25-5-2025، سيتم اتّخاذ اجراءات وتّدابير". ولفتت إلى أنّه "يُمنع وقوف السّيّارات ومرورها في شارع "بلِس" بِدءًا من تقاطعه مع شارع عبد العزيز ولغاية "مفرق جان دارك"، اعتبارًا من السّاعة 24:00 (منتصف اللّيل) من تاريخ اليوم 23-5-2025 ولغاية صباح يوم الإثنين 26-5-2025". وأوضحت أنّه من التدابير "سيتم تحويل السّير القادم من شارعَي عبد العزيز وجون كينيدي باتّجاه شارع كليمنصو، طيلة الفترة المذكورة آنفًا".


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
شيرين عبد الوهاب الى إلنيابة بتُهمة السبّ والتهديد
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في تطور لافت بأزمة الفنانة شيرين عبد الوهاب مع مدير حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي،"فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب وتيك توك"، تقدّم الأخير ببلاغ رسمي الى الجهات الأمنية يتّهمها فيه بالسبّ والتهديد. وكان المحامي الموكّل عن محمود محمد، مدير الحسابات الرسمية للفنانة شيرين عبدالوهاب، قد تقدّم ببلاغ رسمي الى قسم شرطة ثاني الشيخ زايد في محافظة الجيزة، اتهم فيه الفنانة بالسبّ والقذف والتهديد. وأشار البلاغ الى أن الخلاف الفني والإداري بين شيرين ومدير حساباتها تطور الى مشادة كلامية عبر اتصال هاتفي، تخلّلتها عبارات تهديد وسبّ، الأمر الذي دفعه للجوء الى الجهات الرسمية لصون حقوقه وإثبات الواقعة. وفور تلقي البلاغ، باشرت أجهزة الأمن تحقيقاتها الأولية، واتُّخذت الإجراءات القانونية اللازمة، كما تم إخطار النيابة العامة التي بدأت التحقيق واستدعاء الأطراف المعنيين لسماع أقوالهم، تمهيداً للبت في القضية. وبدأت الأزمة بسبب اختلافات حول صلاحيات الوصول الى الحسابات الإلكترونية للفنانة، إذ طالبت شيرين بإعادة السيطرة الكاملة عليها، وهو ما رفضه مدير الحسابات، ما أشعل التوتر بين الطرفين. وتقدّم محامي شيرين ببلاغ الى الجهات المختصة يتهم فيه مدير حساباتها بعدم تمكينها من الوصول الى حساباتها على مواقع التواصل المختلفة.


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
الموت يُؤلم الإعلامي مصطفى الاغا
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أعلن الإعلاميّ السوري مصطفى الاغا عن وفاة زوجة شقيقه. وقال الاغا عبر حسابه على "انستغرام": "فجعنا بوفاة زوجة أخي الاكبر مازن ورفيقة دربه وعمره نهاد بهلول اثر حادث اليم في دمشق من سيارة مسرعة لم يتوقف سائقها حتى لاسعافها". وأضاف: "إنا لله وإنا إليه راجعون".