
بابا الفاتيكان يضع المعماري الشهير أنطوني غاودي على مسار التطويب قديساً
أعلن الفاتيكان وضع المعماري الإسباني أنطوني غاودي على مسار التطويب قديسًا تقديرًا "لفضائله البطولية".
غاودي - الذي يُطلق عليه البعض لقب "مهندس الله" - هو مصمم أحد أشهر المواقع الدينية والسياحية في إسبانيا، وهي كاتدرائية ساغرادا فاميليا غير المكتملة في برشلونة.
يوم الإثنين، أصدر الفاتيكان بياناً يفيد بأن البابا فرنسيس قد أذن بإصدار مرسوم يُعلن فيه المهندس المعماري المولود في كتالونيا "مُبجلًا".
يُمثل هذا الإعلان أحدث تطور ضمن مساع استمرت عقوداً لإعلان غاودي، الكاثوليكي المتدين، قديساً.
وصف رئيس أساقفة برشلونة، الكاردينال خوان خوسيه أوميلا، هذا الخبر بأنه "مفرح".
وقال، وفقًا لوكالة فرانس برس: "إنه اعتراف ليس فقط بأعماله المعمارية، بل بشيء أكثر أهمية".
وأضاف الكاردينال: "إنه يقول لكم... وسط صعوبات الحياة، وسط العمل، وسط الألم، وسط المعاناة، مُقدَّر لكم أن تكونوا قديسين".
وتشمل العملية الرسمية المعتادة لإعلان شخص ما قديسًا، التطويب، وهي خطوة تسبق القداسة الكاملة.
وهذه الفئة مخصصة لـ "الشهداء"، أي أولئك الذين يُعتبرون قد عاشوا حياةً مليئةً بالقيم البطولية، والمرشحين الذين تُعلن الكنيسة عن تمتعهم بسمعة القداسة.
وفي حالة غاودي، الذي توفي عام 1962 بعد أن صدمه الترام أثناء سيره إلى الكنيسة، من المرجح أن يطلب الفاتيكان دليلاً على حدوث "معجزة" يُمكن نسبها إليه بعد وفاته للمضي قدماً في إجراءات التطويب.
وُلد غاودي عام 1852، ولا تزال العديد من أشهر أعماله تجذب الزوار إلى برشلونة، حيث يُخلّد جزء كبير من إرثه.
وكنيسة ساغرادا فاميليا قيد الإنشاء منذ عام 1883، ولم يُكتمل بناؤها بعد. وقد أُدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، إلى جانب بعض أعمال غاودي الأخرى، وكرّسها البابا بنديكتوس السادس عشر عام 2010.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
إلغاء رحلات لليوم الثاني في مطار باريس أورلي بسبب عطل فني
طلبت سلطات الطيران الفرنسية مساء الأحد، من شركات الطيران العاملة في مطار باريس أورلي إلغاء حوالي 15% من رحلاتها اليوم الاثنين بسبب استمرار المشاكل الفنية في نظام مراقبة الحركة الجوية. ووفقا لهيئة الطيران المدني الفرنسية، لم يتم استعادة العمليات الطبيعية بعد، على الرغم من التقدم المحرز في حل المشكلة، مع توقع حدوث تأخيرات إلى جانب الإلغاءات المقررة ليوم الاثنين. وتشمل شركات الطيران المتأثرة الخطوط الجوية الفرنسية وترانسافيا وفولينغ. وبدأ تعطل الرحلات بعد ظهر الأحد، عندما أجبر عطل فني في نظام التحكم السلطات على تقييد الحركة الجوية، مما قلل بشكل كبير من حركة الطيران. وبحلول مساء الأحد، تم إلغاء حوالي 40% من الرحلات الجوية المقررة. ⚠️Warning, Monday May 19: due to a breakdown in air traffic control systems at #Orly airport, flight delays and cancellations are to be expected. Please contact your airline for further information. — Paris Aéroport (@ParisAeroport) May 18, 2025 وحذرت هيئة الطيران المدني الفرنسية المسافرين من الإلغاءات والتأخيرات في منشور على منصة التواصل الاجتماعي أكس. وتأثرت حوالي 130 رحلة، بما في ذلك الرحلات بين تولوز الفرنسية وتونس والرباط وبالما دي مايوركا وأليكانتي في اسبانيا. وقالت الهيئة لراديو فرنسا إن جهودا عاجلة تبذل لتحقيق الاستقرار في عمليات الطيران في أسرع وقت ممكن. سياحة وسفر التحديثات الحية الرحلات السياحية الرخيصة.. كيفية تحصيل رحلة بتكاليف بسيطة وأكّدت أن "الفرق التقنية تعمل بكلّ طاقتها لعودة الأمور إلى طبيعتها في أقرب وقت". وأفاد مصدر في المطار وكالة فرانس برس بأن المشكلة سببها "عطل في الرادار". وقد تعذّر على مديرية الطيران تحديد موعد استئناف الحركة الطبيعية وإن كانت الاضطرابات ستمتدّ إلى الاثنين. والعام الماضي، عبر أكثر من 33 مليون مسافر في مطار باريس-أورلي، أي ما يوازي نصف عدد المسافرين في باريس-شارل ديغول، وفق أرقام هيئة مطارات باريس. وفي أغسطس/آب الماضي، تعطّل نظام معالجة الحقائب في المدرج الرابع من من مطار باريس-أورلي لأكثر من 12 ساعة، ما أثّر على حوالى 10 آلاف مسافر في خضمّ العطلة الصيفية. (أسوشييتد برس، فرانس برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
في جلباب جلال الدين الرومي
ليس للصُّوفية تاريخ نشأة متّفق عليه، لكن الآراء تكاد تتفق على أن بذور التصوّف زرعها الزُّهاد الأوائل في القرن الأول الهجري، وأنّ أول من سُمِّي بالصّوفي هو أبو هاشم الكوفي في القرن الهجري الثاني. أما كلمة الصّوفية بالجمع، فظهرت في بداية القرن الهجري التالي، الثالث، لكن هناك من يعيدها إلى فترات ما قبل الإسلام. في كل تلك الحالات، للصّوفية والتصوّف مسارات عديدة. وإلى جانب صوفية جلال الدين الرّومي وأساتذته من الدراويش، وبين صوفية الزّوايا والأولياء والصّالحين ينضاف ذوو "الطاقة الإيجابية النّورانية" الذين يملأون الشّاشات حيثما نظرنا، فروق شتّى. لا حدَّ لأشكال الصُّوفية المزعومة، ولا أحد من هذه المذاهب يقصد التصوّف الذي ينتج عن الالتحاف بالصُّوف. فبردُ الرّوح لا ينفع معه الصّوف، ولا التصوّف الحقيقي في عصر قائم على عكس كل ما تدعو إليه. وكل ما يمكن للمرء فعله هو انتقاء طريقة "صُوفية" ملائمة تُدفئ القلب، رغم أن الأرواح تكاد تحتاج ما هو أشدّ من الأوراد الصُّوفية والتمايل الطّقوسي. نلتقي كل يوم أشخاصاً كُثراً يدّعون أنّهم صوفيون يحبّون الله بطريقة الصّوفيين. هذا الكلام يعاكس معنى الصّوفية فعلاً، التي هي، في نظرهم، محبةُ الله الذي سيحبّهم لذلك، ويميّزهم عن الآخرين بهذا الحب الذي يفوّت خشية المتعبّدين من الجزاء والعقاب الأخروي، فبالتالي هم غير ملزمين بعبادته، رغم أنّهم مؤمنون بهذه العبادة، إنّما يظنون أنهم وصلوا إلى درجة في حبّه تعفيهم من ذلك، ويتعاملون مع الآخرين بهذا المنطق التفوّقي. ويكتفي هؤلاء عادة بهذا الفهم الحصري للرّوحانيات، مع أن جزءاً مهمّاً من جوهر الدين، يتمثّل في جانب العلاقات مع الآخرين، ورغم قيام معظم أركان الدين على الجانب التعبّدي، إلّا أنه كان حريصاً على المعاملات رفيقاً ضرورياً للعبادات في حياة المسلم الملتزم. ووفق هذه الرُّؤية، يُبطل سوء المعاملة، من ظلم وإساءة جسدية ولفظية، كلّ الجهود التعبّدية لصاحبها. وتقوم كثير من روافد الدّين على أن حبّ الله يبدأ من حب خلقه. بينما يتجاهل "الصّوفيون الجدد" حقيقة استغنائه عن الإنسان عموماً، والإنسان الأناني الغارق في حب نفسه، إلى درجة توهمه أن الربّ سيحبه، رغم أنه لا يشعر إلا بنفسه، بشكل خاص. الصّوفية حسب المؤسّسين أن تحبّ الله بمحبّة خلقه، وأن تحبّ الله لأنك تؤمن بعدله، وبأنّه يعرف سريرتك النقية، آملاً أن يحبّك بسببها فقط، ويعفيك من الطّقوس المفروضة على الآخرين. وهذا يحيل إلى عدم الحاجة إلى التعبّد المادي الطقوسي العادي، لأن الرّوح تعبد بطريقتها المتسامية، الزّاهدة في كل شيء دنيوي. ومع موضة الصوفية الشّكلية التي تروّجها الطرق الصّوفية، نستغرب وجود شخصياتٍ محترمةٍ متعلّمة وذات مناصب رفيعة، منها وزراء وسفراء وأطباء، في مواسم الطرق الصّوفية التي تنمّ طقوسها عن إرثٍ يقوم على خرافاتٍ وطقوسٍ غير عقلانية. وهو أمر يناقض المزاعم التي تحاول إخراج المريدين من جبّة الطقوس الدينية إلى عالم الروحانيات، وهو عذر أولئك للانتماء إلى هذه الطرق. وفي حين قام التصوّف على نبذ المحيط الاجتماعي، وتخلّى عن مفهوم المِلكية والاهتمام بالمادّيات لحساب الروحانيات، تركّز اهتمام الطرق الصّوفية على الطقوس القائمة على ممارسات مادّية تناقض الفهم الأول للتصوّف، ومنها تقديس الأولياء والمواسم، فتُولي الجانب الاجتماعي أهمية كبيرة، من خلال إيجاد قطب يقوم على رمز سلطوي أبوي يُقدّس فيه شخص يتمثل في الشيخ الذي يقوم مقام الأب في الطريقة، وهي رؤية سلطوية. مع مزار يجتمع فيه المريدون، وهم الأبناء البررة، يتمثل في أضرحة الأولياء، التي تجمعهم في دائرة اجتماعية جديدة. هذه الدائرة قائمة ككل الدوائر التقليدية على التّوريث وتمييز الأنساب، التي يُحرَص أن تكون عائدة إلى النبي، والتي تمنح لفئة درجةٍ أعلى من بقية أعضاء الطريقة. في جميع الحالات، تبقى صوفية جلال الدين الرومي بعيدةً عن المزاعم الصّوفية، الحالية، ويبقى هو رمزاً كبيراً لما هو فوق مادي؛ رمزٌ فردي للروحانية، كما يجدر بالصوفي الذي لا يستغني عن الأشياء، فقط بل الناس أيضاً.


العربي الجديد
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
قصّة الشام بعيون قططها
تتحدث كتب التراث عن تاجر شامي كان مصاباً بحمّى "حبّ القطط". كان الرجل، كما تصفه الحكايات، يمشي في شوارع الشام العتيقة مرتدياً طربوشه الأحمر وزيه الدمشقي الأنيق وهو يحمل كيساً جمع فيه بقايا اللحم ومخلفات المسالخ. كان ذلك التاجر يقف قرب باب التكية السليمانية، فتتجمّع حوله القطط التي تعرفه ويعرفها، تتهادى إليه من كل درب، من تحت العربات، ومن فوق الأسطح، تموء وتقترب وتتزاحم، تحيط به وكأنها ترسم حوله هالةً من الرحمة، الرحمة تلك التي لطالما اتّصفت بها شوارع الشام الحنونة. لم تحتفظ كتب التراث باسم ذلك التاجر، لكن جدتي أخبرتني أن بعض أهل الشام لقّبوه بـ "أبو هريرة"، تيمّناً بصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اشتهر بحبّه القطط، ولم يكن ما يفعله أبو هريرة الشامي غريباً على دمشق وأهلها. فالمدينة، في زمن الدولة العثمانية، عرفت أول مبادرة من نوعها في العالم الإسلامي، وربما في العالم بأسره، "وقف القطط"؛ وهو وقفٌ خيريّ أنشأه المحسن الدمشقي أبو المعالي القيمري الكردي من حي القيمرية عام 1267، لقد بنى في الحي مدرسة ومسجداً وتولّى رعاية (وإطعام) القطط المشرّدة وتلك التي لا يستطيع أصحابها تأمين الرعاية والطعام المناسب لها. وهو سابق للوقف الأكبر الذي عرفته دمشق على ضفة نهر بردى، وهو مرج الحشيش، والذي ظلّ وقفاً خاصاً للحيوانات التي هجرها أصحابها، أو بلغت سنّاً متقدّمة، ولم تعد مفيدة لأعمال الحمل والركوب، فكان هذا الوقفُ ملجأ لها تقضي فيه آخر أيامها بسلام، وتوضع فيه كل أنواع الحيوانات من خيلٍ وبغالٍ وحمير، وحتى القطط والكلاب، وقد ظلّ هذا الوقف مخصّصاً لهذه الغاية منذ القرن الثالث عشر حتى منتصف القرن العشرين، حين أقيم مكانه معرض دمشق الدولي. ما ذاقه السوريون من قصفٍ وقتلٍ وتهجيرٍ وفقرٍ على يد نظام الأسد المجرم، لم تكن القطط بمنأى عنه، فقد عاشت قطط الشام المأساة بأشكال متعدّدة وللقطط سرٌ كبير في دمشق، مثلها مثل اليمام (الستيتي) وهو سلالة من الحمام، تعيش في دمشق بسلام منذ آلاف السنين، ومثل الحمام الذي يرتبط وجوده بأماكن محددة مثل الجامع الأموي، وساحة المرجة، ولكن يبقى للقطط خصوصيّة في هذه المدينة، حيث يمكنك أن تراها تتمطى وتتثائب في أي مكان، دون أن تخاف من المارين، أو تكترث لهم، وهذا يدل على قوة العلاقة الآمنة التي تشعر بها بين أهل دمشق. فكم من الزمن مرّ، حتى توالدت آلاف الأجيال من القطط، وتوارثت جينة الإحساس بالأمان في هذا المكان. ولذلك ليس من المستغرب أن يتغنّى شاعر الشام نزار قباني بقطط المدينة التي تكرر ذكرها ووصفها والتغزل بها في شعره فقطط الشام كما قال نزار: للياسمين حقوقٌ في منازلنا/ وقطّة البيت تغفو حيث ترتاح. حين بكت قطط الشام ما ذاقه السوريون من قصفٍ وقتلٍ وتهجيرٍ وفقرٍ على يد نظام الأسد المجرم، لم تكن القطط بمنأى عنه، فقد عاشت قطط الشام المأساة بأشكال متعدّدة، فخلال حصار الغوطة اضطرّ بعض الأهالي مُكرهين ومقهورين، بعد أن تقطّعت بهم السبل إلى أكل القطط، ويُقال أنه بعد مجزرة الكيماوي صارت الغوطة خالية من قططها، وفي داريا بقيت القطط وحيدة تموء من شدة الهلع والخوف بعد المجزرة التي راح ضحيتها المئات، حتى القطط التي كانت تقتات على القمامة، ما عادت تجد في الحاويات ما يسدّ الرمق، بعدما ضاقت موائد الناس واقتصرت على أبسط أنواع الخضروات. أما القطط المنزلية، تلك التي كانت مدلّلة في أحضان البيوت، فتُركت لمصيرها حين فُرض على أصحابها الهرب، ولم يجدوا سبيلاً لحمْلها في رحلة اللجوء، فوجدت نفسها وحيدة، في شوارع لا تعرفها، تصارع السيارات والزحام والعطش والجوع. التزاوج الذي حصل خلال سنوات الحرب بين القطط المشرّدة وقطط الصالونات التي أُطلقت في الشوارع ولّد جنساً دمشقياً جديداً من القطط ورغم قسوة تلك الأيام، لم تغب الرحمة تماماً، فقد ظهرت مبادرات من سيدات محبّات للحيوانات، نساء حاولن كسر عتمة المشهد، فأسّسن مبادرات وجمعيات صغيرة تعمل على إنقاذ القطط والكلاب المشرّدة، محاولاتٌ لكسر توحش الواقع رغم ضعف الإمكانات، اعتمدت تلك الجمعيات على تبرّعات المغتربين وأهل الخير، وكانت تسعى إلى توفير الدفء والرعاية لأرواح بريئة، أنهكها الجوع والخوف". وشهدت هذه المبادرات نشاطاً تطوعياً لافتاً في أقسى الظروف التي مرّت على دمشق خلال سنوات الثورة، حتى أن صوراً انتشرت لأماكن مخصّصة لوضع الطعام والماء للقطط على جذوع الأشجار، في الفترة التي كانت فيها المعارك حول دمشق على أشدّها، وكان القصف الجوي لطيران النظام يدكّ أحياء أطراف العاصمة، وكانت القذائف تنزل على المدينة، ومع ذلك كان هناك من "يفكّر بقوت القطط والحمام". جنس دمشقي جديد من القطط من يسيرُ اليومَ في شوارعِ الشام، لا بدّ أن تستوقفه ملامحُ الجمالِ والغرابةِ التي تحملُها قططُها، فالتزاوج الذي حصل خلال سنوات الحرب بين القطط المشرّدة وقطط الصالونات التي أُطلقت في الشوارع ولّد جنساً دمشقياً جديداً من القطط؛ سلالة دمشقية فريدة لا نعرف خصائصها الجينية، ولا نملك ترف دراستها حالياً، لكنّ صفاتها الجمالية لا تُخطئها العين؛ عيون يقظة بلون العنبر أو الرماد، وخفة وذكاء ومهارة في الحركة، قطط تحمل مورثاتٍ تشبه كثيراً ما ورثه السوريون والسوريات من قدرة على التحمل، والتكيّف، وصناعة الحياة من فتات الأمل خلال السنوات العجاف التي عشناها. ومع عودة بعض السوريين من المهجر، خاصة من تركيا، حملوا معهم عادةً محببة نشأوا عليها هناك؛ عادة إطعام الحيوانات المشردة. ما إن عادوا حتى بدأت تظهر في شوارع دمشق إشارات رحمة خجولة، لكنها دافئة؛ صحن بلاستيكي صغير ممتلئ بالماء عند عتبة دكان، ووعاء فيه بعض الحبوب أو بقايا الطعام على زاوية الرصيف. ولكن اللافت أن هذه المبادرات لم تكن غريبة عن الشام، بل تلاقت بألفة وودّ مع عاداتٍ كان أهل المدينة قد اعتادوها خلال سنوات الحرب، فدمشقيون كثيرون، رغم ضيق الحال، كانوا يتركون فتات الخبز والماء للحيوانات، وكأنهم يطمئنون تلك الكائنات أن الشام، برغم الجراح، ما زالت تعرف الرحمة. امتزجت العادات العائدة مع تلك التي صمدت، فتكوّن نهر صغير من الحنان اليومي يتدفق في زوايا المدينة. مبادرات فردية، نعم، لكنها باتت تشبه صلوات خفية تهمس بها الأرصفة كل صباح. ولم تعد القطط تتسلل خائفة كما في السنوات العجاف، بل باتت تمشي بخطى واثقة، كمن استعاد مكانه ومكانته. وكأنها تقول: "عدنا... وعادت دمشق".