logo
ما الأسباب الحقيقية للهجوم الإسرائيلي على إيران؟ وكيف سترد؟

ما الأسباب الحقيقية للهجوم الإسرائيلي على إيران؟ وكيف سترد؟

الجزيرةمنذ 20 ساعات

موسكو- أدانت وزارة الخارجية الروسية الضربات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، وقالت في بيان لها "ندين بشدة العمل العسكري الذي قامت به دولة إسرائيل، والذي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".
كما أعربت الوزارة عن قلقها البالغ من أن تؤدي هذه الهجمات إلى تصعيد خطير للتوتر في الشرق الأوسط، ووصفتها بأنها "ضربات عسكرية غير مبررة ضد دولة عضوة ذات سيادة في الأمم المتحدة، ومواطنيها، ومدنها الهادئة، ومنشآت بنيتها التحتية للطاقة النووية، وهو أمر غير مقبول قطعيا".
وأشارت إلى أن "تصرفات إسرائيل تزامنت مع انعقاد جلسة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وعشية جولة أخرى من الاتصالات بين طهران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، وهذا ما يجعل هذا الهجوم مثيرا للسخرية".
وأكدت الوزارة أن مسؤولية عواقب التصعيد تقع على عاتق القيادة الإسرائيلية لأنها "اتخذت خطوة مقصودة نحو مزيد من تفاقم الصراع".
وأوضحت أن موسكو تنتظر من الوكالة تقييما موضوعيا للوضع وتحليلا شاملا لعواقب الهجمات على المنشآت النووية في إيران ، وأنها تأمل أن يدرك الغرب -الذي أثار هستيريا معادية لطهران- النتائج الكارثية لسياسته.
من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الشرق أوسطية أندريه أونتيكوف أن الهدف من وراء الهجمات الإسرائيلية ليس البرنامج النووي الإيراني كما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، لأن طهران لا تملك المستوى الكافي من اليورانيوم المخصب لإنتاج أسلحة نووية.
ووفقا لما يقوله أونتيكوف للجزيرة نت، يكمن الهدف الحقيقي في محاولة نتنياهو الخروج من الأزمات الداخلية لأن العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة دخلت في نفق مسدود، فضلا عن الضغوط التي يتعرض لها من جانب المعارضة والمظاهرات المناهضة لسياساته.
وتابع أن نتنياهو وجد المخرج في اللجوء نحو التصعيد من خلال شن الهجمات على إيران، والحصول على نزاع طويل الأمد يمكنه من البقاء في السلطة.
ولا يتوقع أونتيكوف ردود فعل جدية وخطوات عملية من جانب روسيا، متحدثا عن رد الفعل الدبلوماسي وبيانات الإدانة، ومشيرا إلى أن موسكو ستكون إلى جانب إيران في الأمم المتحدة "لأنه من الواضح أن الجمهورية الإسلامية تعرضت لعدوان"، متوقعا أن تحبط الولايات المتحدة وبريطانيا أي مشروع قرار يدين إسرائيل.
وبرأيه، فإن السؤال يجب أن يوجه إلى الإدارة الأميركية لأن "حليفها الإستراتيجي في المنطقة (إسرائيل) تجاوز كل الحدود التي يمكن أن يتخيلها العقل".
رد متناسب
بدوره، رأى الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف أن الهجمات الإسرائيلية جرى تنفيذها بشكل وترتيبات تضع رد الفعل الإيراني في سياق العدوان والرد غير المتكافئ من وجهة نظر المنظومة الغربية.
وتوقع بيجاموف -في تعليق للجزيرة نت- أن يكون الرد إلإيراني "متناسبا" مع حجم الضربات الإسرائيلية، وستجد طهران وسيلة لتحقيق ذلك.
ولفت إلى أن إسرائيل تحاول من خلال الشخصيات والمواقع التي استهدفتها التأثير على الوضع السياسي الداخلي في إيران ، أما من الناحية العسكرية فقد هدفت الضربة إلى التقليل من مستوى القدرات والإمكانيات العسكرية لدى طهران.
ووصف بيجاموف دور المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بالسلبي، وذلك من خلال تصريحاته التي سبقت الضربة الإسرائيلية، وقال فيها إن طهران باتت قادرة على صنع سلاح نووي، مما أعطى غطاء سياسيا غير مباشر للهجوم وأحبط المفاوضات الأميركية الإيرانية في سلطنة عمان.
رد حتمي
بدروه، وصف الخبير في الشؤون الأمنية نيكولاي بابكين التصعيد بين إسرائيل وإيران بالخطير للغاية وغير المسبوق ويقوض معايير الردع القائمة.
وقال بابكين للجزيرة نت إنه رغم "ادعاء" كلا الجانبين عدم سعيهما لحرب شاملة فإن خطر سوء التقدير أو دورة انتقامية لا يمكن السيطرة عليها بات مرتفعا للغاية.
ووفقا له، فإن تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل من خلال الغارات الجوية أمر مستحيل، فهو "مشتت ومدفون في أعماق الأرض ومحصن، ومن المرجح أن تكون لديه قدرة احتياطية وخطط للطوارئ".
وقد تعطله الضربات بشكل كبير أو تعيق تقدمه لأشهر أو سنوات، ومع ذلك سيتم الحفاظ على المعرفة والبنية التحتية الأساسية، مما يسمح لإيران بإعادة بناء برنامجها، بل من المرجح أن يعزز عزمها على تطوير أسلحة نووية كرادع، حسب بابكين.
ويؤكد الخبير ذاته أن طهران سترد "حتما" على الهجوم الإسرائيلي، لأن خلاف ذلك سيكون ضربة قاسية لسمعتها ونفوذها اللذين تضررا بالفعل بعد أحداث سوريا ولبنان.
واعتبر أن العملية الإسرائيلية تقوض بشكل خطير وربما تدمر في المستقبل المنظور آفاق استئناف المحادثات النووية، لأن طهران ستعتبر أي هجوم -خاصة إذا كان مدعوما بموافقة أو رضوخ غربي- دليلا على عدم جدوى الدبلوماسية، وأن أمنها لا يمكن ضمانه إلا بالردع النووي.
وخلص إلى أنه رغم الصعوبات الاقتصادية فإن إيران أثبتت قدرتها على الصمود في وجه عقود من الضغوط، وبنت جهازا أمنيا ​​قويا وفعالا في وجه التهديدات الداخلية المعارضة، ومن المرجح أن تعزز هذه الضربات روايتها عن الدفاع عن الوطن من العدوان الخارجي، وحشد الدعم المحلي "مؤقتا على الأقل"، وترسيخ موقفها، وفي هذا السياق لا يعد تغيير النظام هدفا عسكريا واقعيا لإسرائيل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إيران تقبض على 5 أشخاص بتهمة "التعاون مع إسرائيل"
إيران تقبض على 5 أشخاص بتهمة "التعاون مع إسرائيل"

الجزيرة

timeمنذ 18 دقائق

  • الجزيرة

إيران تقبض على 5 أشخاص بتهمة "التعاون مع إسرائيل"

أفادت مواقع إخبارية إيرانية بأن طهران ألقت القبض على 5 أفرد في مدينة يزد (وسط البلاد) بتهمة التقاط صور لأماكن وصفت بـ"الحساسة" و"التعاون مع إسرائيل". وأعلن مكتب النائب العام في محافظة يزد أن هؤلاء الأشخاص "أثاروا قلق الرأي العام على مواقع التواصل". وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أكدت -أمس الجمعة- أن مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة كشفت عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) كان قد أنشأ قاعدة عسكرية داخل إيران قبل الضربات الجوية التي نُفذت فجر الجمعة. وحسب الصحيفة، فقد تم تخزين مسيّرات مفخخة هُربت إلى الداخل الإيراني منذ مدة، وقد استُخدمت هذه الطائرات في الهجوم على منشآت عسكرية ونووية إيرانية. كما أضافت المصادر أن الموساد عمل سنوات جنبا إلى جنب الجيش الإسرائيلي على جمع معلومات استخبارية دقيقة، تمهيدا لتنفيذ هذه الضربة الواسعة التي وصفت بـ"المدمّرة"، مشيرة إلى أن الهجوم انطلق مع تفعيل أنظمة داخلية كانت جاهزة مسبقا داخل إيران. وشن الطيران الحربي الإسرائيلي -فجر أمس الجمعة- هجمات واسعة على إيران ضربت مواقع عديدة في العاصمة طهران ومدنا أخرى، كما استهدف عددا من القادة العسكريين والعلماء في الهجوم.

هل تضرب طهران أهدافا أميركية؟ إجابات من واشنطن
هل تضرب طهران أهدافا أميركية؟ إجابات من واشنطن

الجزيرة

timeمنذ 20 دقائق

  • الجزيرة

هل تضرب طهران أهدافا أميركية؟ إجابات من واشنطن

واشنطن – قبل ساعات من بدء الهجمات الإسرائيلية على إيران، بتوقيت دول الشرق الأوسط، استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عصر الخميس بتوقيت واشنطن، هجوما إسرائيليا وشيكا، إلا أنه ذكر "أن شيئا ما يمكن أن يحدث بشكل جيد جدا". وقال أيضا إن الولايات المتحدة وطهران "قريبتان إلى حد ما من اتفاق جيد، لكن إيران ستحتاج إلى تقديم المزيد من التنازلات لتجنب الصراع"، وبعد نحو 4 ساعات فقط، بدأت أولى موجات الهجمات الإسرائيلية. وترك تسلسل الأحداث الكثير من الشكوك حول تواطؤ أميركي ومباركة لهذه الهجمات رغم تحفظ ترامب على سؤال له، صباح اليوم الجمعة، خلال حديث مع شبكة "إن بي سي" حول طبيعة الدور الأميركي في العملية، وقال "لا أريد الرد على ذلك". تأثير كبير في حديث للجزيرة نت، قال ديفيد دي روش، القائد العسكري السابق والأستاذ المساعد حاليا في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون الأميركي، إن "الهجمات سيكون لها تأثير كبير على المفاوضات. سأتفاجأ إذا حضرت إيران محادثات يوم الأحد في مسقط. الفكرة الإسرائيلية هي أن عملياتها ستكون قد قضت على الخطوط الحمراء لطهران بشأن الحفاظ على التخصيب النووي". وأضاف "أعتقد أن الأمر سيتطلب سلسلة من الهجمات واعترافا إيرانيا غير معلن بأنه سيتم مهاجمتها إلى الأبد إذا استمرت في التخصيب. وحتى في ذلك الحين، يُظهر الماضي أن إيران ستغش في أي اتفاق نووي للحفاظ على القدرة على تخصيب اليورانيوم وبناء قنبلة نووية في نهاية المطاف". بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، في حديث للجزيرة نت، أن "إيران لن تستمر في المشاركة في هذه المحادثات مع واشنطن حتى إشعار آخر. حتى الآن، ماتت الدبلوماسية النووية بينهما نتيجة العدوان الإسرائيلي. أولئك في طهران الذين جادلوا بأن التفاوض مع أميركا كان ساذجا وغير حكيم، لديهم الآن اليد العليا في المناقشات الجارية بالجمهورية الإسلامية". وبسبب الضربات العسكرية الإسرائيلية غير القانونية ضد إيران، تضاءلت آفاق الدبلوماسية بين واشنطن وطهران إلى حد كبير، وفق كافيرو. وأوضح "لستُ متفائلا بشأن أي تخفيف للتوترات بين الولايات المتحدة وطهران. هذه نتيجة طالما أرادتها الحكومة الإسرائيلية، حيث ترى أن الدبلوماسية النووية الأميركية الإيرانية لديها القدرة على أن تؤدي إليه، وهو ما تعتبره تل أبيب سيناريو مرعبا. تريد إسرائيل الآن جر واشنطن إلى حرب شاملة مع الإيرانيين. يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب يسمح بحدوث ذلك". مصير المفاوضات ومن المقرر عقد الجولة السادسة من المحادثات بين مبعوث إدارة ترامب ستيف ويتكوف ونظرائه الإيرانيين يوم الأحد في سلطنة عمان. واعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المفاوضات الأميركية مع إيران، والتي تهدف إلى كبح برنامج طهران النووي على نطاق واسع "كوسيلة مهمة للحفاظ على السلام الإقليمي"، قد انتهى بها الأمر إلى أن تكون الغطاء المثالي لهجوم إسرائيلي مفاجئ. وكان ترامب قد غرّد على منصته "تروث سوشيال" بعد 10 ساعات منذ بدء الهجمات الإسرائيلية، واعتبر أنه ما زالت هناك فرصة للتوصل لاتفاق، وقال بصيغة تهديدية واضحة "تحدث بعض المتشددين الإيرانيين بشجاعة، لكنهم لم يعرفوا ما الذي سيحدث. لقد ماتوا جميعا الآن، وسوف يزداد الأمر سوءا". وتابع "لقد كان هناك بالفعل موت ودمار كبيران، ولكن لا يزال هناك متسع من الوقت لانتهاء هذه المذبحة من الهجمات التالية المخطط لها بالفعل، والتي كانت أكثر وحشية. يجب على إيران إبرام صفقة قبل أن لا يتبقى شيء، لا مزيد من الموت والدمار، فقط وقعوا على صفقة قبل فوات الأوان". انتقام إيران يرى الخبير دي روش أنه من الصعب جدا رؤية أي فرصة للمفاوضات الدبلوماسية على الأقل على المدى القصير، خاصة مع تعهد القادة الإيرانيين بالرد، "لا يبدو أن طهران ستستسلم. في الساعات القليلة المقبلة سيكون لدينا فكرة أفضل عن مدى نجاح الهجمات الإسرائيلية وكيف سترد إيران. أعتقد أن جولة المفاوضات المقررة في مسقط ستعلّق، وقد تنسحب طهران من معاهدة حظر الأسلحة النووية". أما كافيرو فأشار إلى أن إدارة ترامب ستدافع عن إسرائيل، لكنها لا تريد أن تفعل ذلك بطريقة تزيد فرص انتقام إيران من الأفراد الأميركيين في الشرق الأوسط. وتساءل "كيف سيحقق البيت الأبيض هذا التوازن، غير واضح". في حين قال جودت بهجت، خبير الشؤون الإيرانية والمحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة ل لبنتاغون ، للجزيرة نت، إن الولايات المتحدة ستكون هدفا للانتقام الإيراني، والخط الإيراني الرسمي هو أن واشنطن وإسرائيل متماثلان. وأوضح "لقد تحدث المسؤولون الإيرانيون حول هذا الموضوع وأكدوا: منذ عقود كان لدينا الشيطان الكبير (الولايات المتحدة) والصغير (إسرائيل). لا يمكنهم عكس إرث جيل من الدعاية. لكنهم سيكونون في وضع سيئ للغاية إذا قرروا شن هجوم على المصالح الأميركية. من هنا، من المحتمل أن يحاولوا إخفاء تورطهم من خلال جعل وكلائهم العرب يهاجمون المصالح الأميركية". من جانبه، رأى دي روش أن رد فعل واشنطن الأول هو التأكيد على أن ما جرى كان هجوما إسرائيليا أحادي الجانب وأنها لم تشارك فيه. وأضاف "ليس من الواضح ما إذا كانت إيران تقبل هذه الادعاءات. إذا كانت هناك حرب، أو عمليات عسكرية بين طهران وإسرائيل، فمن المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة لحماية إسرائيل. كما سبق أن تعهدت إيران بمهاجمة القواعد العسكرية الأميركية في الخليج".

لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟
لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟

الجزيرة

timeمنذ 32 دقائق

  • الجزيرة

لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟

في فجر الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025، نفذت إسرائيل عملية عسكرية استثنائية استهدفت أكثر من مئة هدف داخل إيران، بما في ذلك منشآت نووية ومقار للحرس الثوري ومنازل قادة كبار في الجيش والحرس وعلماء نوويين. ولم تكن تلك الضربة نتاج لحظة انفعال، بل حصيلة تفكير وتخطيط إستراتيجي تراكم عبر سنوات من القلق الإسرائيلي المتصاعد اتجاه المشروع النووي الإيراني. وبين صفحات الرؤية الأمنية التي صاغها رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال إيال زامير تجاه إيران، نجد البنية العقلية التي مهّدت لهذه الضربة. فالعملية لم تكن عسكرية فحسب، بل جسّدت مدرسة إسرائيلية جديدة في إدارة الصراع مع إيران، مدرسة تقوم على الضرب الاستباقي، والتفكيك المنهجي، والتنسيق الإقليمي المتعدد الأدوات. يشكّل هذا التحول في العقيدة الإسرائيلية اتجاه إيران لحظة فارقة في تاريخ المواجهة بين الطرفين. فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979، اعتبرت تل أبيب أن طهران تمثل تهديدًا مركزيًّا لكيانها، ليس فقط بسبب سعيها لامتلاك سلاح نووي، بل أيضًا لما تمثله من مشروع سياسي عقائدي عابر للحدود. وقد جاء صعود إيال زامير داخل المؤسسة الأمنية -بجانب علاقته القديمة بنتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- ليكرّس توجهًا إستراتيجيًّا جديدًا: تفكيك المنظومة الإيرانية لا احتواؤها، واستهداف القيادات والمؤسسات لا مجرد البنية التحتية. في عام 2022، نشر إيال زامير حين كان في قوات الاحتياط ورقة بحثية بعنوان "مواجهة الإستراتيجية الإقليمية لإيران: نهج طويل الأجل وشامل"، شدد فيها على أن إسرائيل بحاجة إلى تعديل جذري في مقاربتها لإيران. إذ لم يعد كافيًا، وفقا لما يراه، الاكتفاء بسياسة الاحتواء والردع التقليدي، بل أصبح مطلوبًا الانتقال إلى إستراتيجية شاملة تدمج بين الأدوات العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية والاقتصادية، وتستهدف الرأس لا الذيل. أشار زامير إلى أن الخطأ الرئيسي خلال العقدين الماضيين تمثّل في الفصل بين الملف النووي الإيراني وسلوك إيران الإقليمي. إذ لطالما تعامل الغرب مع مشروع إيران النووي باعتباره معزولًا عن توسعها الإقليمي، متجاهلا حقيقة أن القوة النووية ليست سوى تتويج لمنظومة نفوذ ممتدة تشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. واعتبر زامير أن إيران تمثل تهديدا مركبا وليس خطرًا منفردًا. ودعا إلى شن هجوم وقائي تراكمي، أي تنفيذ ضربات جزئية متكررة تستنزف المخزون المعنوي والعسكري للنظام، وتُضعف صورته أمام الداخل والخارج. واقترح كذلك الدمج بين الوسائط العسكرية والسيبرانية والنفسية لإنهاك الخصم وإيجاد بيئة من الشلل الداخلي، مع التأكيد على أهمية بناء تحالفات أمنية عميقة مع دول الخليج. وقد يؤخذ على طرح زامير، أنه يتجاهل الطبيعة الموزعة والمرنة للبنية العسكرية والعلمية الإيرانية، وأن الضربات الجوية للمنشآت النووية قد تؤخر المشروع النووي، لكن يصعب أن تُنهيه دون دعم أميركي عسكري مباشر. الضربات العسكرية ترجمة للعقيدة وإذا ما نظرنا لتفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية التي جرت في قلب إيران، يمكننا استنباط أنها لم تكن سوى ترجمة حرفية لما دعا إليه زامير في دراسته. ما ميّز هذه الضربة ليس فقط اتساع نطاقها، بل أيضًا طابعها المركب، فقد مزجت بين الهجوم الجوي والاختراق الاستخباري، وعمليات "الكوماندوز"، وبين الخداع الإعلامي والتضليل السياسي. فقد سبقت الضربة عمليات تضليل واسعة هدفت إلى إيهام الإيرانيين بأن إسرائيل تعاني من شلل سياسي داخلي وانشغال بالملفات الاجتماعية، في حين كانت تعد لهجومها الضخم. ومن الناحية العملياتية، كشفت الضربة عن تطور كبير في قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على التنسيق بين مكونات القوة المختلفة. فقد انطلقت الطائرات من قواعد متفرقة، ونفذت مهماتها بشكل متزامن، واستهدفت مناطق محصنة مثل مفاعل نطنز وأراك ومقر خاتم الأنبياء ومخازن الصواريخ في كرمنشاه، مما يشير إلى توفر بنك أهداف دقيق وتحديث مستمر للمعلومات الاستخبارية. كذلك، فإن استهداف القادة الكبار في الحرس الثوري والعلماء النوويين يدل على تبني إسرائيل مبدأ "ضرب الرأس لا الذيل" التي أشار لها زامير في دراسته، وهي الفلسفة التي تقوم على تفكيك المنظومة من القمة، لا تآكلها التدريجي. كما أن تزامن الضربة الجوية مع عمليات خاصة نفذها الموساد داخل العمق الإيراني بحسب ما أوردت عدد من الصحف والمواقع الإسرائيلية، مثل زرع أجهزة تشويش وتفخيخ صواريخ وأنظمة دفاع جوي، يدل على أن إسرائيل نجحت في الدمج بين ذراعها العسكري وذراعها الاستخباري في إطار رؤية عملياتية موحدة. في المجموع، فإن ضربة يونيو لم تكن فقط تنفيذًا لخطة عسكرية، بل كانت عرضًا عمليًّا لعقيدة زامير في الردع النشط، وضربة استباقية مدروسة تهدف ليس فقط إلى تأخير المشروع النووي الإيراني، بل إلى ضرب العمود الفقري للمؤسسة العسكرية والعلمية التي تقف خلفه. لقد وضعت إسرائيل بتلك الضربة إطارًا جديدًا للمواجهة: لا خطوط حمراء، لا مناطق آمنة، لا قيادات بمنأى عن الاستهداف. وسيتحدد مستقبل هذه العقيدة بناءً على قدرة إسرائيل على إدارة تداعيات الضربة، وتحويل النجاح التكتيكي إلى استثمار إستراتيجي طويل الأمد. الرد الإيراني وتحول قواعد الاشتباك شكل الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي محطة جديدة في تطور قواعد الاشتباك، فهو لم يكن غير مسبوق. إذ سبقته ضربتان مباشرتان من طهران لإسرائيل ردًّا على اغتيال قادة من الحرس الثوري في دمشق، وعقب اغتيال إسماعيل هنية في طهران. إعلان ومع ذلك، تميز رد يونيو 2025 باتساع نطاقه وكثافة نيرانه، إذ أطلقت إيران أكثر من 150 صاروخا باليستيا نحو أهداف داخل إسرائيل، منها تل أبيب. أدركت طهران أن سياسة "الرد غير المباشر" التي بنت عليها ردعها الإقليمي بدأت تتآكل، مع نجاح إسرائيل في الالتفاف على الوكلاء واستهداف العمق الإيراني دون كلفة تردعها. وبالتالي، جاء الرد هذه المرة لإعادة ترسيم الخطوط الحمراء، وإثبات أن طهران تملك القدرة والإرادة للرد من مركزها لا من هوامشها. كما أن تبني إيران للرد المباشر نابع من إدراكها أن استهداف قيادات عليا، مثل حسين سلامي و محمد باقري ، واغتيال علماء نوويين مثل فريدون عباسي و محمد مهدي طهرانجي ، يمثّل تهديدًا وجوديًّا لبنية النظام نفسه. فقد أصبحت إسرائيل لا تستهدف البنية التحتية فقط، بل تسعى إلى تصفية العقول والأذرع التنفيذية، وهو ما يعني استهداف الرأس الإستراتيجي للنظام الإيراني. الرد الصاروخي الإيراني حمل رسائل متعددة: أولها أن طهران قادرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، رغم تفوقها التكنولوجي. وثانيها أن الحرب المفتوحة لم تعد محرمة. وثالثها أن إيران على استعداد لتحمل تكلفة التصعيد إذا تعلق الأمر بكرامتها السيادية. لكن هذا الرد لا يخلو من الأخطار. فهو يفتح الباب أمام دورة جديدة من التصعيد قد تفقد طهران السيطرة عليها، خصوصًا مع تآكل قدرة منظوماتها الدفاعية على مواجهة هجمات جوية ونوعية متزامنة. ولذلك، يمثل رد إيران لحظة مفصلية في مراجعة طهران لعقيدتها: هل تستمر في التصعيد المباشر أم تتوقف عند سقف معين؟ هذا التبادل العسكري المباشر بين دولتين كانتا تتحاربان بالوكالة لعقود، يفتح الباب أمام إعادة تعريف قواعد الاشتباك في المنطقة. لم يعد بالإمكان الاعتماد على "الردع غير المباشر"، بل أصبح من المرجح أن تكون المواجهات المباشرة أكثر تكرارًا، سواء عبر صواريخ عابرة أو هجمات سيبرانية أو عمليات خاصة. أما على الصعيد الداخلي الإيراني، فقد سعت طهران إلى توظيف الرد لرفع الروح المعنوية الشعبية، والتأكيد على أن النظام قادر على "حماية كرامة البلاد". لكن هذا الرد لم يُخفِ حجم الخسائر التي تكبدها النظام، سواء في بنيته العسكرية أو في صورته الدولية. اختبار العقيدة في ميدان ممتد إذا كانت ضربات يونيو 2025 الإسرائيلية والرد الإيراني المباشر يمثلان ذروة تطبيق العقائد العسكرية لكلا الطرفين، فإن المشهد الأكثر تعقيدًا هو ما تلا تلك اللحظة: مدى قدرة الحفاظ على فاعلية العقيدة الإستراتيجية في سياق صراع طويل الأمد، متعدد الجبهات والأدوات. بالنسبة لإسرائيل، شكّلت الضربة نموذجًا مثاليًّا لدمج القوة الصلبة، بين التفوق الجوي والتفوق الاستخباري، وبين الحسم العسكري والتضليل السياسي. لكنها في الوقت ذاته كشفت عن محدودية القدرة على الحسم التام. فرغم النجاح العملياتي، لم تنه الضربة المشروع النووي الإيراني وفق المؤشرات الراهنة، ولم تسقط النظام، ولم تمنع الرد الصاروخي. كما أن طول أمد المواجهة يفرض أعباء سياسية واقتصادية على إسرائيل نفسها، فكل عملية موسعة تحمل معها احتمال الانزلاق إلى حرب شاملة، مما يثير مخاوف لدى الرأي العام الإسرائيلي، ويضع القيادة السياسية تحت ضغط دائم من المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية. ومن جهة إيران، فإن الرد الصاروخي مثّل لحظة نادرة من الاشتباك المباشر، لكنه لم يحقق انقلابًا في موازين الردع. وعلى المدى الطويل، فإن إيران تواجه معضلة العقوبات المتفاقمة، والعزلة الدولية، وتضييق الخناق على حلفائها في المنطقة، مما يجعل من قدرتها على تكرار الرد أو تطويره أمرًا معقدًا. عقيدة إيران الدفاعية، التي تميل إلى الانتشار غير المتناظر عبر المليشيات، تتعرض لتحدٍّ مزدوج: من جهة استهداف القيادات المركزية والعلماء، ومن جهة صعوبة الرد المباشر دون تكاليف باهظة. ويدفع ذلك طهران إلى إعادة تقييم جدوى الاعتماد الحصري على الرد الصاروخي، وإعادة التوازن بين المواجهة والاحتواء. كما أن الاختبار الحقيقي للعقائد المطروحة لا يكمن فقط في نجاح ضربة أو رد، بل في القدرة على تحويل هذه الضربات إلى أدوات دائمة لإعادة صياغة البيئة الإستراتيجية. وهنا تبدو إسرائيل أكثر جاهزية من إيران، من حيث المرونة التكنولوجية، والدعم الغربي، والقدرة على المبادرة. لكن التاريخ العسكري يعلمنا أن التكيف هو مفتاح النصر، وأن العقيدة التي لا تتطور تتحول إلى عبء. ولذلك فإن استمرار إسرائيل في الاعتماد الحصري على الضربات الجوية، دون استثمار سياسي في خنق البيئة الحاضنة لإيران، قد يؤدي إلى إنهاك إستراتيجي. وكذلك، فإن تمسك إيران بمنطق "الرد الاعتباري" دون بناء قدرة ردع دائمة، سيجعلها مكشوفة أمام أي هجوم جديد. التوازن الإقليمي وموقع الخليج والولايات المتحدة لا يظهر بعض أبرز انعكاسات الضربة الإسرائيلية ورد إيران في ساحات الاشتباك فقط، بل في الأثر العميق على موازين القوى الإقليمية، وخصوصًا في موقع دول الخليج، ودور الولايات المتحدة في المعادلة الجديدة. فمن جهة أولى، فإن الضربة أعادت تعريف مفهوم "الردع" من منظور خليجي. لم تعد الدول الخليجية قادرة على النظر إلى الصراع الإسرائيلي الإيراني كصراع خارجي محض، بل أصبحت تجد نفسها في قلب احتمالات التصعيد. فالقرب الجغرافي، والتشابك الاقتصادي، يجعلها عُرضة للضرر المباشر في أي توسع للمواجهة. أما واشنطن، التي كانت تاريخيًّا الضامن الأول لأمن الخليج، فقد أصبحت تظهر ميلًا إلى تقليص وجودها المباشر، وتفويض بعض أدوار الردع إلى حلفائها المحليين، وفي مقدمتهم إسرائيل. هذا التحول لا يعكس فقط تغيرًا في أولويات واشنطن الخارجية، بل أيضًا في رؤيتها لدور شركائها الإقليميين، الذين يُطلب منهم الآن تمويل وتحمّل أعباء الأمن الإقليمي. تواجه واشنطن في هذه اللحظة اختبارًا لتوازن دقيق: فهي لا تريد التورط في حرب جديدة بالشرق الأوسط، لكنها أيضًا لا تستطيع التخلي عن دعم حليفها الإسرائيلي. لذلك، تدير المشهد دون انخراط عسكري مباشر في الهجوم على إيران، مع اقتصار دورها على تزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية والأسلحة والغطاء الدبلوماسي، وتلوّح في الوقت ذاته بخيارات ردع أكبر إن توسعت الحرب. الخلاصات الإستراتيجية يبدو أن هجمات يونيو 2025 لن تكون مجرد حملة عسكرية واسعة، بل لحظة فارقة تعيد تشكيل بنية الردع الإقليمي. لقد دشّنت الضربة -بما حملته من جرأة وتكامل عملياتي- عهدًا جديدًا من العقيدة الإسرائيلية التي انتقلت من الردع السلبي إلى المبادرة الحاسمة، كما أجبرت إيران على مغادرة منطقة الراحة الإستراتيجية المتمثل في عقيدة الصبر الإستراتيجي إلى مربع المواجهة المباشرة. و من خلال هذه الصورة المركبة، يمكن استخلاص أربع خلاصات رئيسة: نهاية الردع التقليدي: لم تعد قواعد الاشتباك تقوم على ضبط النفس وامتصاص الضربات، بل انتقل الطرفان إلى نمط من الهجوم المدروس، مع دمج متزايد للأدوات الاستخبارية والنفسية والتضليلية. سيادة العقيدة بالضربة لا بالرد: أظهرت إسرائيل أن امتلاك المبادرة وضرب المفاصل القيادية والعلمية للخصم قد يحقق مكاسب إستراتيجية أكبر من مجرد منع التخصيب النووي. مأسسة الدمج العملياتي: دمج الاحتلال الإسرائيلي بين أذرع قوته بشكل متناغم؛ الاستخبارات، والقوات الجوية، والدبلوماسية، في نموذج يُحتذى في الحروب المركبة. الرد الإيراني غير حاسم: رغم جرأته لم ينجح الرد في ردع إسرائيل عن مزيد من التصعيد، مما يعني أن طهران بحاجة إلى تطوير منظومة ردع أكثر فاعلية. في المحصلة، فإن الشرق الأوسط بعد يونيو 2025 ليس كما كان قبله. لقد دخلنا عصر ما بعد الردع الكلاسيكي، حيث السيادة تُنتزع بالضربات الهجومية، وليس بالتحذير. والفاعلون الحقيقيون في هذه المرحلة هم من يتقنون استخدام القوة بتنوعها، وتوظيف المفاجأة، وترويض التصعيد في آنٍ معًا. ويبقى السؤال الأهم: هل ما شهدناه هو بداية نمط دائم من الحروب الشاملة، أم مجرد ذروة تكتيكية في صراع قابل للتهدئة؟ ذلك سؤال سيُجيب عنه شكل الصراع في المرحلة المقبلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store