logo
مراتك حطالك السم في العصير

مراتك حطالك السم في العصير

الرأي١١-٠٣-٢٠٢٥

عزيزي القارئ، لو خيّرتك بين مشاهدة فيديو لرجل يأكل شمعة مشتعلة، وآخر لملخص كتاب يحلّ أزمة الوجود الإنساني، فأيهما ستختار؟ لا تُجيب، فالإحصائيات تفضحك: الشمعة ستحصد مليون مُشاهد، والكتاب سيُكافح ليصل إلى ألف!
هذه هي مفارقة عصرنا الذهبي، حيث يُصنع «الغباء» ببراعة، ويُعبَّأ في فيديوهات مدتها 15 ثانية، تُلهي العقل كما يُلهي السكر طفلاً عن ألم الإبرة عند الطبيب.
كيف يتحول المحتوى التافه على «السوشيال ميديا» إلى سم فكري؟ يُحلل كتاب «نظام التفاهة» كيف تتحول الأنظمة الحديثة (الاقتصاد، الإعلام، التعليم) إلى آلات تنتج التفاهة وتُكافئها، فتصبح السطحية والابتذال معياراً اجتماعياً، يشير المؤلف إلى أن «نظام التفاهة» لا يهدف إلى قمع الناس، بل إلى تشتيتهم عبر تغذية عقولهم بمحتوى فارغ، ما يجعلهم مستهلكين سلبيين غير قادرين على التفكير النقدي.
يُبرز الكتاب دور النخب في تعزيز هذا النظام، حيث تُدار المؤسسات بواسطة «التافهين» الذين يُحوِّلون القضايا الجوهرية إلى مسرحيات ترفيهية.
أما الرسالة الرئيسية في هذا الكتاب فتتمحور حول أن التفاهة ليست بريئة؛ بل هي أداة تُفقد الفرد قدرته على التمييز أو التغيير والتفكير النقدي.
يُقدم الكاتب نيل بوستمان، فكرة مهمة حول هذا الموضوع أيضاً، في كتابه «تسلية أنفسنا حتى الموت» يحذر من تحوّل التسلية إلى ثقافة ثم تعميمها على الثقافة نفسها، حيث تُقدّم القضايا الجادة (كالخيانة والفساد وعقوق الوالدين ) كعروض فارغة تتعامل مع القضايا المهمة بموسيقى كوميدية.
أيضاً عزيزي القارئ، يقدم كتاب «عصر رأسمالية المراقبة» لشوشانا زوبوف، كيف تستغل شركات التكنولوجيا بيانات المستخدمين لخلق اقتصاد يعتمد على التلاعب بسلوكياتهم، عبر تغذية حساباتهم بمحتوى مفرط التبسيط (مثل فيديوهات «التيك توك» أو التحديات السطحية)، وأن «السم في العصير» ليس صدفة، بل نتيجة إستراتيجيات مُمنهجة لتحويل المستخدم إلى آلة تُنتج تفاهات وتستهلكها، والمضحك المبكي أن الخوارزميات، تلك الآلة الباردة، تتحالف مع غبائنا! فكلما زاد تفاعلك مع فيديو «غبي»، زادت فرص ظهور المزيد منه.
ينتقد الكاتب كريستوفر لاش، في كتابه الرائع «ثقافة النرجسية»، تحوّل المجتمع إلى عبادة الذات والبحث الدائم عن الإشباع الفوري، ما يقضي على الحوار الجمعي ويُعزّز العزلة، ويفسر لنا بقلم عذب وانسيابي السبب وراء انجذابنا لصناعة واستهلاك المحتوى التافه، لأنه يُشعرنا بتحقيق سريع للسعادة الوهمية، كبديل عن الإنجازات الحقيقية.
يحاول كال نيوبورت، في كتابه «الحد الأدنى الرقمي» أن يجد حلاً ما لهذه المسألة، فكتب كتاباً كاملاً ليدعو إلى التحرر من إدمان المنصات الرقمية عبر التركيز على الأنشطة ذات القيمة (كالقراءة، الحرف اليدوية)، بدلاً من التمرير اللانهائي لـ «الستوريات»، واعتبر هذا حلاً عملياً لاستبدال «السم» بـ «عصير» حقيقي يُنعش العقل.
عزيزي القارئ، إن الكتب السابقة تُجمع على أن التفاهة ليست مسألة شخصية، بل نظام عالمي تُديره آلات رأسمالية تهدف لتحويلنا إلى «أرقام» في إحصائيات المشاهدات. ما نضحك عليه اليوم قد يكون بداية انهيار قدراتنا على التمييز بين الجاد والسخيف. الحل؟ ابدأ بخطوة بسيطة، قلل جرعاتك من «السوشيال»، واقرأ كتاباً واحداً من القائمة أعلاه.
وقبل أن أنهي المقال يجب أن أرد على القارئ الذي سمعته قبل قليل وهو يقول «يا أخي، الحياة مليئة بالتعقيدات، وهذا المحتوى ليس خطيراً لهذه الدرجة، ونحن نريح عقولنا مع هذا النوع من المحتوى ونضحك... بس لا تعقدها»!!
حسناً عزيزي القارئ، لك ما تشاء ومن حقك أن تريح عقلك... حتى لو كانت الراحة أشبه بغفوةٍ فوق قضبان قطار! لكن حين تتحول الغفوة إلى سُباتٍ عميق، وتصير الثقافة ثقافة تسلية لكل ما هو جاد، فلن نستيقظ إلا على صوت صفارة الانذار: «انتبهوا... مراتك حطتلكم السم في العصير!»... فهل نستمر في الشرب؟. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جيل التيك توك: بين وهم الترند وصدمة الواقع
جيل التيك توك: بين وهم الترند وصدمة الواقع

اليوم الثامن

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • اليوم الثامن

جيل التيك توك: بين وهم الترند وصدمة الواقع

في الأزقة الشعبية، والمقاهي العصرية، وعلى أرصفة الجامعات والأسواق، يبرز جيلٌ جديدٌ في العراق لا يشبه الأجيال السابقة، لا في أدواته، ولا في تطلعاته، ولا حتى في لغته، جيلٌ لا يحمل منشوراته في دفاتر، بل في مقاطع فيديو لا تتجاوز الدقيقة، يختصر فيها معاناته، أفكاره، وربما أحلامه، تيك توك، التطبيق الصيني الأشهر، صار مرآةً لهذا الجيل، يعكس اضطراباته بقدر ما يعكس إبداعاته. لكن، ما الذي يدفع آلاف الشباب العراقيين إلى ركوب موجة "الترند" كل يوم؟ هل هو فضول التجربة؟ أم عطش الشهرة؟ أم ضيق الواقع؟ في بلدٍ تتكسر فيه طموحات الشباب على جدار البطالة والعوز، يبدو تيك توك أشبه بمهربٍ جماعي، أو مساحةٍ بديلةٍ لقول ما لا يُقال، حين لا تستجيب الدولة لأحلامهم، يلجأ الشباب إلى الشاشات ليصنعوا عالماً موازياً، قد يكون هزلياً أو عشوائياً، لكنه على الأقل يمنحهم حضوراً وصوتاً. يقول زيد، خريجٌ وصانع محتوى: "نشرت أول فيديو لي من غرفتي، لم أكن أتصور أنه سيصل إلى آلاف الناس، لكنني وجدت أن الناس يريدون من يتحدث بلسانهم، عن غلاء المعيشة، عن القهر، عن غياب الأمل". ورغم بساطة الأدوات، فإن التأثير عميق، محتوىً يتراوح بين الضحك العفوي والنقد اللاذع، يخلط السياسة بالحياة اليومية، ويفتح الباب أمام جمهورٍ لا يقرأ الصحف، بل يستهلك المحتوى سريعاً، وبلا وسطاء. شهرةٌ لكن بثمن.. الوجه الآخر للمنصة أكثر قتامةً، فبين صانعي المحتوى الهادف، برزت فئةٌ تلهث خلف الشهرة دون خطوطٍ حمراء، إيماءاتٌ مبتذلة، ألفاظٌ نابية، تحدياتٌ لا أخلاقية، كل ذلك أصبح مادةً "تجارية" لمن يود حصد آلاف المتابعين بسهولة، ولو على حساب الذوق العام. وهنا يُطرح سؤالٌ جوهري، من المسؤول؟ هل هو الشاب الذي يبحث عن فرصةٍ بأية طريقة؟ أم المجتمع الذي يشاهد هكذا محتوى؟ أم الدولة التي غابت عن المشهد الرقمي وتركت الساحة بلا ضوابطَ واضحةٍ أو دعمٍ حقيقيٍ للمحتوى الجاد الهادف؟ الدولة تراقب... لكن ليس بالمستوى المطلوب مؤخراً، تحركت الأجهزة الأمنية تجاه ما وصفته بـ"المحتوى الهابط"، فاعتقلت بعض الوجوه المعروفة على تيك توك، في خطوةٍ أثارت تبايناً في الرأي العام، فبين من رأى فيها ضرورةً لإنقاذ المجتمع من الانحدار، وبين من اعتبرها قمعاً غير مبررٍ لحرية التعبير، بقي سؤال القانون معلقاً، ما هو تعريف "الهابط"؟ ومن يضع معاييره؟ ولماذا تم إعتقال اشخاصٍ بهذه التهمة وتم ترك آخرين رغم تشابههم في المحتوى الذي يقدموه؟ يقول أحد المختصين بالإعلام الرقمي: "ما يحدث ليس مواجهةً بين الدولة والتيك توك، بل بين منظومةٍ تقليديةٍ عاجزة، وجيلٍ رقميٍ لا يعرف الخطوط الحمراء" ما يجب أن يُفهم اليوم، أن "جيل التيك توك" ليس نتاج تكنولوجيا فقط، بل نتاج خيبات ممتدة، وتعليم متدهور، وسوق عمل مغلق، هو جيلٌ نشأ في ظل الأزمات، لكنه لا يزال ينبض بالحياة، هو نفسه الذي نجح في تحشيد الآلاف في تظاهرات تشرين، وملأ الساحات بشعاراته "نريد وطن"، وهو نفسه من يقف اليوم خلف الكاميرا، يصنع محتوى، يفرغ ألمه، ويسخر من العبث. إن جيل التيك توك في العراق ليس حالةً طارئة، بل مرآةٌ تعكس حجم الفجوة بين المؤسسات التقليدية وتطلعات الشباب، بين واقعٍ يزداد ضيقاً ومجالٍ رقمي بات المتنفس الوحيد، إن كان بعض هذا الجيل قد إنزلق إلى مساحاتٍ من التفاهة، فذلك لا يعني غياب الوعي عند الآخرين، والمطلوب اليوم ليس محاكمة المنصات، بل فهم دوافع مستخدميها، وصناعةُ بيئةٍ حاضنةٍ تميز بين المحتوى الهابط والصوت الصادق، فهؤلاء ليسوا مجرد صانعي فيديوهات، بل شهودُ عصرٍ يبحثون عن معنى لحياتهم في زمنٍ فقد الكثير من معانيه.

هنادي الكندري لـ«الراي»: دورنا كجيل صف أول ... توجيه وتشجيع الجيل الجديد
هنادي الكندري لـ«الراي»: دورنا كجيل صف أول ... توجيه وتشجيع الجيل الجديد

الرأي

time٢٣-٠٣-٢٠٢٥

  • الرأي

هنادي الكندري لـ«الراي»: دورنا كجيل صف أول ... توجيه وتشجيع الجيل الجديد

- عروض درامية كثيرة تنهال عليّ... «من كثرهم مو عارفة شنو أختار» تواصل الفنانة هنادي الكندري هذه الأيام التدريبات الخاصة بمسرحية «Red Carpet»، من إخراج محمد حسين المسلم وإشراف عام أحمد باسم وإشراف فني سعود بوعبيد، والمقرر انطلاق عروضها أول أيام عيد الفطر السعيد فوق خشبة مسرح «The Walk» الواقع مقابل استاد جابر الدولي. «رسالة مهمة جداً» وقالت الكندري في دردشة مع «الراي» إن «المسرحية يشارك فيها نخبة من الفنانين النجوم ومشاهير عالم (التيك توك)، وفيها سأجسد دور إحدى أعضاء لجنة التحكيم، إذ إنني من الداعمين للجيل القادم، في رسالة مهمة مفادها أن هناك أجيالاً فنية تتعاقب، وكل جيل يخرج إلى الوسط الفني يكون وراءه أساتذة يوجهونه إلى الطريق الصحيح». وأضافت «هو بالضبط كما حصل معي في بداياتي الفنية عندما بدأت وأنا صغيرة بالعمر، إذ وجدت مَنْ شجعني ووجهني من الفنانين الأكبر مني، واليوم أصبح دورنا كجيل صف أول أن نوجّه ونشجّع الجيل الجديد في عالم الفن. وكما هو متعارف عليه، باب الفن مفتوح أمام الجميع، لكن مَنْ ينجح ويستمر به هو الذي يهتم بأدواره ويتقنها ويكون مختلفاً عاماً بعد عام، ومَنْ يحرص ألا يضع نفسه في قالب واحد من الأدوار». «مسرحية للعائلة» وحول تصنيف المسرحية، قالت: «(Red Carpet) ذات طابع كوميدي، اجتماعية هادفة في مضمونها، وهي ليست مخصصة للطفل، بل موجهة إلى الأطفال وجيل الشباب والعائلة بشكل عام، إذ لم يعد هناك ما يُعرف بمسرح للطفل فقط كما كان يٌقدّم في فترة من الزمن البعيد مثل مسرحية (ABCD)»، لافتة إلى أنه «في وقتنا الحالي لم يعد يتوافر مثل تلك الأعمال المسرحية، والتوجه أصبح يسير بقوة إلى الأسرة، لأنه عندما تأتي الأم أو الأب إلى العرض المسرحي يجب أن يستمتعا أيضاً بما يشاهدناه مع أبنائهما». «خطط درامية» من المسرح إلى الدراما التلفزيونية، أشارت الكندري إلى أنه «توجد خطط كبيرة جداً وعروض كثيرة تنهال عليّ (من كثرهم... مو عارفة شنو أختار)، فالجميع من الكُتّاب والمخرجين والمنتجين سواء من داخل وخارج الكويت يرغبون أن أنضم إليهم وأشاركهم في أعمالهم، لأنهم يعرفون ما هي قدراتي الفنية، ويعلمون أن عودتي إلى الساحة الفنية مليئة بالقوة والحماسة. وطبعاً هذا شرف لي وأمر أقدره ويسعدني. لأنني بحمد الله، منذ بداياتي وأنا مُحافظة على مستوى أدواري، ولا أقدم شيئاً يشبه الآخر من حيث الأداء أو الكاراكتر أو حتى اللبس وأدقّ التفاصيل». «مستوى الأعمال الخليجية» أما عن المسلسلات الدرامية التي تحرص على متابعتها خلال الموسم الرمضاني الحالي، فقالت: «حريصة على متابعة المسلسلين المصريين (إش إش) و(وتقابل حبيب)، إلى جانب مسلسلي (أفكار أمي) و(أبو البنات)». وتابعت موضحة رأيها بمستوى الدراما الخليجية، بالقول: «مستواها جميل واختلف بواقع 180 درجة عن السابق، ففي السنوات الماضية كانت بعض الأعمال تتلقى نقداً على صعيد الأداء التمثيلي أو الأزياء وحتى المكياج الصارخ وتسريحات الشعر غير المتناسقة مع الحدث، إلى جانب طريقة نطق بعض العبارات بشكل خاطئ، وهو الأمر الذي تغيّر كلياً اليوم (عدّيناه بمراحل)». وختمت «المخرج اليوم أصبح يميّز أن المكياج الذي تضعه الممثلة خفيف أم ثقيل، وإن كانت الرموش طبيعية أم اصطناعية، وحتى الشعر إن كان طبيعياً أم مستعاراً وغيرها من هذه الأمور، إذ ربما في الماضي لم يكن ينتبه لهذه الأمور كونه رجلاً، لكن مع الخبرة التي أصبح يمتلكها، كل شيء تغيّر».

مراتك حطالك السم في العصير
مراتك حطالك السم في العصير

الرأي

time١١-٠٣-٢٠٢٥

  • الرأي

مراتك حطالك السم في العصير

عزيزي القارئ، لو خيّرتك بين مشاهدة فيديو لرجل يأكل شمعة مشتعلة، وآخر لملخص كتاب يحلّ أزمة الوجود الإنساني، فأيهما ستختار؟ لا تُجيب، فالإحصائيات تفضحك: الشمعة ستحصد مليون مُشاهد، والكتاب سيُكافح ليصل إلى ألف! هذه هي مفارقة عصرنا الذهبي، حيث يُصنع «الغباء» ببراعة، ويُعبَّأ في فيديوهات مدتها 15 ثانية، تُلهي العقل كما يُلهي السكر طفلاً عن ألم الإبرة عند الطبيب. كيف يتحول المحتوى التافه على «السوشيال ميديا» إلى سم فكري؟ يُحلل كتاب «نظام التفاهة» كيف تتحول الأنظمة الحديثة (الاقتصاد، الإعلام، التعليم) إلى آلات تنتج التفاهة وتُكافئها، فتصبح السطحية والابتذال معياراً اجتماعياً، يشير المؤلف إلى أن «نظام التفاهة» لا يهدف إلى قمع الناس، بل إلى تشتيتهم عبر تغذية عقولهم بمحتوى فارغ، ما يجعلهم مستهلكين سلبيين غير قادرين على التفكير النقدي. يُبرز الكتاب دور النخب في تعزيز هذا النظام، حيث تُدار المؤسسات بواسطة «التافهين» الذين يُحوِّلون القضايا الجوهرية إلى مسرحيات ترفيهية. أما الرسالة الرئيسية في هذا الكتاب فتتمحور حول أن التفاهة ليست بريئة؛ بل هي أداة تُفقد الفرد قدرته على التمييز أو التغيير والتفكير النقدي. يُقدم الكاتب نيل بوستمان، فكرة مهمة حول هذا الموضوع أيضاً، في كتابه «تسلية أنفسنا حتى الموت» يحذر من تحوّل التسلية إلى ثقافة ثم تعميمها على الثقافة نفسها، حيث تُقدّم القضايا الجادة (كالخيانة والفساد وعقوق الوالدين ) كعروض فارغة تتعامل مع القضايا المهمة بموسيقى كوميدية. أيضاً عزيزي القارئ، يقدم كتاب «عصر رأسمالية المراقبة» لشوشانا زوبوف، كيف تستغل شركات التكنولوجيا بيانات المستخدمين لخلق اقتصاد يعتمد على التلاعب بسلوكياتهم، عبر تغذية حساباتهم بمحتوى مفرط التبسيط (مثل فيديوهات «التيك توك» أو التحديات السطحية)، وأن «السم في العصير» ليس صدفة، بل نتيجة إستراتيجيات مُمنهجة لتحويل المستخدم إلى آلة تُنتج تفاهات وتستهلكها، والمضحك المبكي أن الخوارزميات، تلك الآلة الباردة، تتحالف مع غبائنا! فكلما زاد تفاعلك مع فيديو «غبي»، زادت فرص ظهور المزيد منه. ينتقد الكاتب كريستوفر لاش، في كتابه الرائع «ثقافة النرجسية»، تحوّل المجتمع إلى عبادة الذات والبحث الدائم عن الإشباع الفوري، ما يقضي على الحوار الجمعي ويُعزّز العزلة، ويفسر لنا بقلم عذب وانسيابي السبب وراء انجذابنا لصناعة واستهلاك المحتوى التافه، لأنه يُشعرنا بتحقيق سريع للسعادة الوهمية، كبديل عن الإنجازات الحقيقية. يحاول كال نيوبورت، في كتابه «الحد الأدنى الرقمي» أن يجد حلاً ما لهذه المسألة، فكتب كتاباً كاملاً ليدعو إلى التحرر من إدمان المنصات الرقمية عبر التركيز على الأنشطة ذات القيمة (كالقراءة، الحرف اليدوية)، بدلاً من التمرير اللانهائي لـ «الستوريات»، واعتبر هذا حلاً عملياً لاستبدال «السم» بـ «عصير» حقيقي يُنعش العقل. عزيزي القارئ، إن الكتب السابقة تُجمع على أن التفاهة ليست مسألة شخصية، بل نظام عالمي تُديره آلات رأسمالية تهدف لتحويلنا إلى «أرقام» في إحصائيات المشاهدات. ما نضحك عليه اليوم قد يكون بداية انهيار قدراتنا على التمييز بين الجاد والسخيف. الحل؟ ابدأ بخطوة بسيطة، قلل جرعاتك من «السوشيال»، واقرأ كتاباً واحداً من القائمة أعلاه. وقبل أن أنهي المقال يجب أن أرد على القارئ الذي سمعته قبل قليل وهو يقول «يا أخي، الحياة مليئة بالتعقيدات، وهذا المحتوى ليس خطيراً لهذه الدرجة، ونحن نريح عقولنا مع هذا النوع من المحتوى ونضحك... بس لا تعقدها»!! حسناً عزيزي القارئ، لك ما تشاء ومن حقك أن تريح عقلك... حتى لو كانت الراحة أشبه بغفوةٍ فوق قضبان قطار! لكن حين تتحول الغفوة إلى سُباتٍ عميق، وتصير الثقافة ثقافة تسلية لكل ما هو جاد، فلن نستيقظ إلا على صوت صفارة الانذار: «انتبهوا... مراتك حطتلكم السم في العصير!»... فهل نستمر في الشرب؟. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store