
جامعة الجنان نظمت ندوة علمية حول كتاب "تاريخ الحضارة الإسلامية" للدكتور خالد مرعب
وطنية - نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الجنان، في إطار فعاليات معرض الكتاب السنوي الحادي والخمسين، الذي تنظمه الرابطة الثقافية في طرابلس، ندوة علمية حول كتاب "تاريخ الحضارة الإسلامية" للدكتور خالد مرعب، في حضور نخبة من الأساتذة والباحثين والمهتمين بالشأنين التاريخي والحضاري.
الأيوبي
استهلت الندوة بكلمة ترحيبية ألقاها الدكتور شوقي عواد، تبعتها مداخلة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور هاشم الأيوبي، الذي أكد "أن المؤرخ الدكتور خالد مرعب لم يقتصر في مؤلفه على توثيق مسيرة الحضارة الإسلامية"، بل تناول بعمق مفهومها وخصائصها ومساهماتها الإنسانية، مشددا على "تميزها بروح الإيمان والتسامح والعدل".
وأشار إلى "أن هذه الحضارة تمثل الرد الحقيقي على العولمة الغربية المادية الفاشلة"، مؤكدا "أن الإسلام كان سباقا إلى طرح مفهوم العولمة المنفتحة على جميع شعوب العالم".
ودعا الأيوبي علماء الدين إلى "تحمل مسؤولياتهم في نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بالحكمة والحوار، ولاسيما في ظل التحديات الراهنة"، معتبرا "أن كتاب الدكتور مرعب يمثل "ثمرة ناضجة" للدفاع عن الصورة الحضارية للإسلام".
الدرويش
بدوره، تناول الدكتور ماجد الدرويش في مداخلته مسألة "الظلم التاريخي الذي تعرضت له الحضارة العربية الإسلامية في الكتابات الغربية"، مشيرا إلى "أن العرب لطالما اتهموا خطأ بالبدوية، رغم اعتراف عدد من المنصفين الغربيين بفضلهم".
وأوضح "أن الغرب استفاد مرتين من علوم الشرق، سواء عبر التراث اليوناني المنقول عن العرب، أو من خلال ترجمة مؤلفات علماء المسلمين، ما أسهم في تأسيس نهضة أوروبا الحديثة، رغم استمرار محاولات طمس الحقائق وتشويه الصورة الحضارية للإسلام".
كما شدد الدرويش على "أن الحضارة الإسلامية اتسمت بالإنسانية والعالمية ورفض العنصرية، خلافا لكثير من الممارسات الغربية القائمة على الاستعمار والهيمنة"، مؤكدا "أن مصادر هذه الحضارة ما تزال محفوظة في القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية".
تدمري
من جهته، أكد الدكتور المؤرخ عمر تدمري في مداخلته "أن طرابلس كانت عبر العصور منارة للعلم والعلماء"، مشيرا إلى "ضخامة مكتبتها في العصور الإسلامية". ولفت إلى "أن تحرير طرابلس على يد السلطان قلاوون لم يكن مجرّد انتصار عسكريّ، بل بداية لنهضة علمية كبرى جعلت منها مركزا ثقافيا بارزا".
كما شدد تدمري على "أن الحضارة الإسلامية امتازت بقدرتها على الاستمرارية والعالمية"، مبينا "أن السعي إلى تبادل المعارف كان ركيزة أساسية لها، متسقة بذلك مع روحية العولمة المعاصرة الإيجابية".
مرعب
وفي ختام الندوة، تحدث الدكتور خالد مرعب عن كتابه، مشيرا إلى أنه "يمثل قراءة نقدية معاصرة لتاريخ الحضارة الإسلامية، بعيدا عن السرد التقليدي، مع تناول محطاتها الرئيسة وتحليل أثرها العميق في تطوير البشرية".
وأوضح "أن الحضارة الإسلامية لم تكن مجرد قوة سياسية، بل مشروعا إنسانيا عالميا أغنى الفكر الإنساني بالعلم والقيم والأخلاق".
وختم مرعب كلمته بالتأكيد على "أهمية مواصلة الجهود الأكاديمية لتعريف العالم بالرسالة الحضارية للإسلام"، مشيرا إلى "أن الكتاب يسعى ليكون مرجعا علميا موثوقا للباحثين والمهتمين بتاريخ الحضارات".
وفي ختام اللقاء، انتقل الحضور إلى جناح جامعة الجنان، حيث تم حفل توقيع كتاب "تاريخ الحضارة الإسلامية"، وسط إقبال لافت من الزوار الذين حرصوا على اقتناء نسخ موقعة، تعبيرا عن تقديرهم لأهمية العمل في إبراز الوجه الحضاري المشرق للإسلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ 6 أيام
- شبكة النبأ
الاصلاح في الارض
إن دعوة القرآن الكريم إلى عدم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، هي نداء مستمر للمجتمعات أن تحافظ على نعمة الإصلاح والبناء، وأن تجعل من العلم والعمل وسيلتين للعمران لا للهدم. وبهذا المعنى، يكون بامكان الاقتصاد الحضاري استثمار القيم القرآنية في واقع الحياة المعاصرة، حيث يتحقق التوازن بين الإنسان والأرض، بين التنمية والاستدامة... ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾: رؤية قرآنية ضمن الاقتصاد الحضاري تُعد الآية الكريمة: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف: 56) من الركائز القرآنية التي تؤسس لفكرة متكاملة حول العمران البشري والنهضة الحضارية، وتسلط الضوء على أهمية الحفاظ على التوازن البيئي والاجتماعي والاقتصادي. وهي تُعتبر نموذجًا لقيم قرآنية ترتبط بالعنصر الثاني من عناصر المركب الحضاري: الإنسان والارض والزمن والعلم والعمل. ما معنى إصلاح الأرض؟ إصلاح الأرض في المفهوم القرآني لا يقتصر على الجوانب الروحية أو الأخلاقية فقط، بل يمتد إلى مختلف مناحي الحياة، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية: - إقامة العدل الاجتماعي: كاحترام الحقوق، وإقامة القسط، ورفع الظلم عن الناس. - تحقيق العدالة الاقتصادية: من خلال الوفاء بالكيل والميزان، ومنع الاحتكار والتلاعب في الأسواق. - الاستقرار البيئي: عبر الحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية التوازن البيئي الذي هو أساس الاستدامة. - استثمار الأرض بالزراعة: وهو من أهم مظاهر الإصلاح، فالأرض خلقت للإنبات والعطاء. واستصلاح الأراضي وزراعتها يدخل ضمن مسؤولية الإنسان كخليفة في الأرض. - الاستفادة من العلم والتكنولوجيا: خصوصًا في مجال الزراعة الحديثة، مثل استخدام تقنيات الري الذكي، وتحسين البذور، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة المحاصيل، مما يزيد من الإنتاجية ويقلل الهدر، وهو ما يتفق مع مبدأ الإصلاح والتطوير المستمر. ما هو الإفساد في الأرض؟ الإفساد في الأرض يعني التعدي على القيم التي قامت عليها الحياة المستقرة، ويشمل: - الظلم والاستغلال: مثل استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، أو احتكار الثروات وتهميش الفقراء. - الفساد المالي والاقتصادي: كالغش، والربا، والتلاعب بالأسواق، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصاد وانتشار الفقر. - الإضرار بالبيئة: من خلال التلوث، وقطع الأشجار، والإفراط في استخدام الموارد، مما يهدد الأجيال القادمة. - تعطيل الطاقات البشرية: بإهمال العلم، وإهمال استثمار الإمكانات في البناء لا الهدم. من خلال هذه الاية واشباهها يمكن ان نفهم ان الاقتصاد الحضاري، كمفهوم حديث، يتكامل مع الرؤية القرآنية التي تدعو إلى تنمية شاملة تجمع بين الروح والمادة، بين الأخلاق والتنمية. فمبدأ "إصلاح الأرض" يُعد دعامة أساسية لهذا الاقتصاد، إذ يدعو إلى: - تنمية بشرية عادلة. - استثمار الموارد بشكل مستدام. - توظيف العلم لخدمة الإنسان. - تحقيق توازن بين الإنتاج والاستهلاك. إن دعوة القرآن الكريم إلى عدم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، هي نداء مستمر للمجتمعات أن تحافظ على نعمة الإصلاح والبناء، وأن تجعل من العلم والعمل وسيلتين للعمران لا للهدم. وبهذا المعنى، يكون بامكان الاقتصاد الحضاري استثمار القيم القرآنية في واقع الحياة المعاصرة، حيث يتحقق التوازن بين الإنسان والأرض، بين التنمية والاستدامة.


شبكة النبأ
منذ 7 أيام
- شبكة النبأ
تطويع الذكاء الاصطناعي لنشر القيم الإسلامية
أتاح الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لخدمة الإسلام ونشر تعاليمه بصورة أوسع واكثر فاعلية، سواء من خلال تطبيقات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، أو تصميم روبوتات ومساعدات ذكية تقدم الفتاوى والتفسير، وتحسين جودة المحتوى الدعوي على المنصات الرقمية بمختلف اللغات، كما يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التصدي للتطرف... بقلم: المدرس المساعد / ايلاف فاخر السيـلاوي تدريسية في كلية القانون / جامعة وارث الأنبياء في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجي، تبرز تقنية الذكاء الاصطناعي كأداة محورية ووسيلة مؤثرة في ميادين شتى من بينها المجال الديني والاسلامي، ولما كان الإسلام دينا خالدا يعنى بالإنسان في كل زمان ومكان. فقد أتاح الذكاء الاصطناعي فرصا واعدة لخدمة الإسلام ونشر تعاليمه بصورة أوسع واكثر فاعلية، سواء من خلال تطبيقات القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة، أو تصميم روبوتات ومساعدات ذكية تقدم الفتاوى والتفسير، وتحسين جودة المحتوى الدعوي على المنصات الرقمية بمختلف اللغات، كما يمكن للذكاء الاصطناعي ان يسهم في التصدي للتطرف وسوء الفهم من خلال نشر التفسير المعتدل والنموذج الوسطي للدين، ورغم ما توفره هذه التقنيات من إمكانات مذهلة، فان توجيه استخدامها بشكل صحيح، مسؤولية تقع على عاتق المستخدم، ويظل ضرورة لضمان اتساقها مع القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية، ويمثل تحديا حضاريا وفرصة استراتيجية لنشر رسالة الإسلام السمحة في افق جديد. فمن منظور إسلامي يمكن لهذه التقنية ان تحمل رسالة الإسلام ونشرها بطرق عصرية، فالذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كونه أداة للبحث والمعالجة، بل اصبح شريكا في الإنتاج المعرفي وتوظيفه في نشر كل التعاليم الإسلامية وتعزيز قيم العدل والتسامح واحترام الانسان وهي من صميم الرسالة الإسلامية، مما جعل هذه التقنية قادرة على المساهمة في نشر ما ينفع الانسان للتقرب الى الله تعالى، وتشمل كافة فئات المجتمع لا سيما الأجيال الشابة التي تتعامل مع التكنولوجيا بشكل يومي. وان القيم الإسلامية ليست جامدة او منغلقة بل هي منظومة أخلاقية عالمية تتسم بالثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل، ولا ينظر الى الذكاء الاصطناعي كعامل تهديد الهوية بل فرصة لنقل هذه القيم الى الفضاء الرقمي العالمي بأسلوب عصري ومؤثر، وان التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على تطويع هذه التقنية لخدمة رسالة الإسلام. فهو يقدم إمكانية غير مسبوقة لفهم اهتمامات الافراد وتحليل ميولهم وتقديم المحتوى المناسب لهم في اللحظة المناسبة، وهذا يفتح بابا واسعا امام المؤسسات الإسلامية والمبادرات الدعوية لتبني استراتيجيات اكثر تأثيرا وفاعلية تنطلق من فهم الانسان المعاصر وتخاطب قلبه وعقله بلغة يفهمهما ويثق بها، وفي ضوء التحولات والأفكار الدخيلة والمنحرفة عن الفطرة، والمفاهيم المظللة والمناقضة للقيم الإسلامية لابد من التأكيد على استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر اكبر ما يمكن من ثوابت الإسلام واحكام الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يعني فقط انتاج محتوى رقمي إسلامي بل يتطلب أيضا رؤية متكاملة تتضمن التأصيل الشرعي والوعي التقني والبعد الإنساني، والمفاهيم الأخلاقية حتى نضمن ان تكون رسالتنا انعكاسا صادقاً لجوهر الإسلام ومقاصده العليا والرصينة. ومما لا شك فيه ان هذه التقنية الذكية تساعد على نشر المحتوى للمسلمين وغير المسلمين في شتى انحاء العالم الاطلاع فيجب ان يكون موثوق بلغات شرعية مستمدة اصالتها من القران الكريم، وبها يكون التفاعل مع المعلومات والمسائل الفقهية ومصادر المعرفة الثقافية والإسلامية بشكل أكثر فاعلية وسرعة، كما انها تفتح آفاقاً غير مسبوقة لتجديد أساليب الدعوة وتعزيز الحوار مع كل الفئات المجتمعية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام في الفضاء الرقمي، كما يمكن انتاج وتصميم برامج لتفسير القران والاحكام الشرعية، كما أن تسخير الذكاء الاصطناعي في هذا المجال ينبغي ان يكون تسخيراً هادفاً ينطلق من فهم عمق الرسالة الإسلامية ومتطلباتها في هذا العصر، فالغاية لسيت مجرد استخدام التقنية لذاتها بل تطويعها لخدمة مقاصد الشريعة الإسلامية من تعليم وهداية وتزكية وتعميق الفهم الصحيح للدين، كما يمكن لهذه التقنية ان تكون وسطا معرفيا يساعد في نقل مسائل الشرع بطريقة مبسطة ودقيقة ومتاحة على مدار الساعة. ومع ذلك يمكن ان نشير الى مسألة مهمة لابد ان يستند هذا التطويع الى منهج علمي يجمع بين الاصالة والمعاصرة، بحيث تُبنى التطبيقات والأنظمة الذكية على أساس المصادر الشرعية المعتمدة وهي (القرآن الكريم، السنة النبوية، الاجماع، القياس)، ويراعى فيها اختلاف المذاهب الفقهية والسياقات الثقافية المتنوعة، ذلك لتعزيز الفهم الصحيح للكثير من المفاهيم والتعاليم الدينية عن طريق التطبيقات للأنظمة الذكية التي تفتح افاقا جديدة لزيادة نشر اساليب حديثة تواكب احتياجات العصر، فضلا عن ذلك ان يكون هناك إشراف من علماء ومختصين في هذا المجال لضمان سلامة المحتوى ودقته. وفي ضوء ما ذكرناه أعلاه، نوصي المستخدمين بتسخير الذكاء الاصطناعي في نشر تعاليم الإسلام بأن يحسنوا توجيه هذه الأداة الفعالة بما يتفق مع مقاصد الشريعة واخلاقياتها، لتقريب علوم الشريعة الى الناس والتمسك بالتعاليم الدينية من خلال الإجابات على الأسئلة الفقهية او شرح المفاهيم الدينية والتفسيرات للآيات القرآنية واحكام القران الكريم، على ان يلتزموا بالدقة الموضوعية وان يستندوا الى مصادر موثوقة تحت اشراف علماء مختصين، كما يُستحسن الاستثمار في تطوير محتوى ديني ذكي، تربوي واخلاقي يخاطب عقول الشباب بلغتهم المعاصرة، ويعزز الصورة الحقيقية للتعاليم الدينية في الداخل والخارج، وعليه فالذكاء الاصطناعي اذا وُظف بحكمة يمكن ان يكون منبرا عالمياً لنشر الهداية والرحمة والمعرفة الشرعية.


شبكة النبأ
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- شبكة النبأ
الامام الرضا والنضال لنشر العلم
ما كان يميز علم الامام الرضا عن سائر العلوم ورجالاتها، أنه كان علماً خارج الصندوق، فهو ليس من صنوف العلوم النظرية الجامدة تضمها صفحات الكتب، وليست مجرد تجارب واستنتاجات لمسائل نظرية، إنها كانت علوم تهم الانسان في شخصيته الذاتية، وحياته الاجتماعية، فهي تفيده في كل شيء في الحياة الدنيا... روى عبد السلام بن صالح الهروي عن الإمام الرضا أنه قال: "رحم الله عبداً أحيى أمرنا"، فقال: وكيف يُحيي أمركم؟ قال، عليه السلام: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فان الناس لو علموا محاسن علومنا لاتبعونا". ما الفرق بين العلوم الدينية، والعلوم البشرية –إن جاز التعبير-؟ ولماذا الحكام، على مر التاريخ دعموا العلوم البشرية وقمعوا العلوم الدينية؟ على أعتاب حلول ذكرى مولد الامام علي بن موسى الرضا، عليهما السلام، يجد السؤالان خير مناسبة للبحث عن الجواب، او ربما الاجوبة الشافية، كون المناسبة عن مولد عالم آل محمد، كما سمّاه أباه؛ الامام موسى بن جعفر الكاظم، عليهما السلام. علم الوعي والثقافة ما كان يميز علم الامام الرضا عن سائر العلوم ورجالاتها، أنه كان علماً "خارج الصندوق"، كما يُطلق على بعض المناهج الفكرية اليوم، فهو ليس من صنوف العلوم النظرية الجامدة تضمها صفحات الكتب، وليس مجرد تجارب واستنتاجات لمسائل نظرية، ربما ترقى الى الابتكار والاختراع، إنها كانت علوم تهم الانسان في شخصيته الذاتية، وحياته الاجتماعية، فهي تفيده في كل شيء في الحياة الدنيا، وفي الحياة الآخرة ايضاً، وبكلمة؛ إنها علوم تحرك العقل وليس الذهن والدماغ البشري فقط، والعقل هو الذي يرشد الانسان الى الجسم المعدني الهائل الذي جعله يطير في الأعالي، بأن ينقل المسافرين من أماكن بعيدة خلال دقائق وساعات معدودة، لا أن تحمل القنابل وتلقيها على رؤوس الناس وتقتل وتدمر. والى هذا كان يدعو الانبياء والمرسلين، وخاتمهم؛ الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، ومن تلك الساعات الأولى للدعوة، بدأت محاربة العلوم التي تثير دفائن العقول، وعندما يعجز جهلة مكة عن مواجهة السيل العلمي الهادر والمدعوم من السماء، كانوا يلجأون الى تهمة السحر، لذا كانوا يوصون الناس بأن يضعوا أصابعهم في آذانهم، ويستغشون ثيابهم حتى لا يروا ولا يسمعوا كلام النبي، ويحدثنا القرآن الكريم عن هذا بالنصّ فيما يتعلق بعديد الانبياء وتجاربهم مع شعوبهم لأن "سيرة الطغاة طول التاريخ كانت محاربة العلم والعلماء، فانهم يعيشون على جهل الشعوب وعدم وعيهم، فاذا وعت الأمم وتثقفت فإنها لا تقبل بهؤلاء الظلمة ولا ترضخ لظلمهم". (من حياة الإمام الرضا،عليه السلام، المرجع الديني السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-). و يُعد علم العقائد من العلوم الباهرة والتأسيسية في حياة كل أمة ناهضة، وقد أولى الأئمة المعصومون في سيرة حياتهم مع مجتمعاتهم، هذا العلم أهمية بالغة لأمرين: الأول: حفاظاً على عقيدة الناس من الانحراف والتضليل، لاسيما ما يتعلق بالتوحيد، والمعاد، والعدل، والأمر الثاني: لحفظ العقيدة ذاتها من التأويل والتشويه والوضع بغير ما خلّفه رسول الله، صلى الله عليه وآله. رجل مسلم من عامة المسلمين استغرق في التشكيك والإنكار لأحكام وقيم الدين، وفي جلسة واحدة مع الامام الرضا، استعاد بصيرته بفضل المحاججة العلمية للإمام، عليه السلام، وفي رواية مطولة نقتطف منها ما يفيد القارئ الكريم، أن هذا الرجل الجاحد دخل على الامام الرضا ذات يوم فقال له، عليه السلام: "إن كان القول قولكم –وليس هو كما تقولون- ألسنا وإياكم شرعاً سواء ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا أقررنا؟ فسكت. ثم قال له أبوالحسن الرضا: وإن يكن القول قولنا، وهو كما نقول، ألستم قد هلكتم ونجونا؟ فقال الرجل: رحمك الله، فأوجدني كيف هو؟ وأين هو؟ فأجاب الإمام: ويلك! إن الذي ذهبت به غلط، وهو أيّن الأين، وكان ولا أين، وكيّف الكيف، وكان لا كيف، لا يعرف بكيفوفته ولا بأينونية، ولا يُدرك بحاسة ولا يقاس بشيء، فقال الرجل: فإذن انه لا شيء، إذ لم يُدرك بحاسة من الحواس؟ أجابه الإمام: ويلك! لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن اذا عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنا أنه ربنا، وأنه شيء بخلاف الاشياء". وفي شطر آخر من الرواية سأل الرجل الإمام الرضا، لماذا يحتجب الله عن عباده؟ فأجابه، عليه السلام: "إن الحجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم، فأما هو فلا يخفى عليه خلقه في آناء الليل والنهار، فسأله: فلم لا تدركه الابصار؟ قال، عليه السلام: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار، منهم ومن غيرهم، ثم هو أجلّ من أن يدركه بصر، او يحيط به وهم، أو يضبطه عقل، قال فحدّه لي: قال، عليه السلام: لا حدّ له، قال: ولِمَ؟ قال، عليه السلام: لأن كل محدود متناهٍ الى حدّ، واذا احتمل التحديد، احتمل الزيادة، واذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود، ولا متناقص، ولا متجزئ ولا متوهم". المأمون يستنجد بالفكر اليوناني والفارسي إنها لحقيقة يُقرها كلّ ذي لُبّ، وهي؛ أن العلم لا ينكره إلا غير العالم، لأن حقائق العلم واحدة وثابتة للوجدان البشري، مثل؛ الجاذبية، وتمدد الحديد بالحرارة، ونتائج جدول الضرب، كما بشّر القرآن الكريم بحقائق علمية أخرى نورت الانسان بذاته، وبالحياة التي يعيشها، وأنه يولد ولا يحمل معه سوى الفطرة السليمة، ثم يكتسب العلوم والمعارف، ويعيش الى أجلٍ مسمّى، وأن الظلم لا يدوم، وأن العاقبة للمتقين، هذه الحقائق تقف بالضدّ من طموحات التسلّط عند شخص مثل المأمون المعاصر للإمام الرضا، عليه السلام، استقدمه من المدينة عنوةً لفرض سيطرته عليه، كما فعل أبوه هارون مع الامام الكاظم، فهذا استقدم الامام الكاظم الى بغداد، وذاك، استقدم الامام الرضا الى خراسان، متبعاً سياسة جديدة بخلاف سياسة أسلافه بالتنكيل والقمع ضد أئمة الحق، فاستنجد بالفكر الاجنبي لمواجهة علوم الاسلام، لسبب بسيط واحد، من جملة أسباب؛ أن هذه العلوم تبعث في المسلمين روح النهضة، والتحدي، والتغيير، والمطالبة بالعدل والحرية والمواساة التي بشّر بها الاسلام المحمدي الأصيل. ويذكر المؤرخون أن المأمون الذي كان قريباً من الثقافة الفارسية القديمة، فرأى في الافكار التبريرية لملوك فارس البائدين، والقائمة على تخدير الناس وتمييعهم، خير وسيلة لنشر ثقافة الصمت أمام القوي، والطاعة للحاكم مقابل المال والغذاء، وأن "الله في السماء والشاهنشاه –ملك الملوك- في الأرض، ولا يعلم بمصلحة العباد والبلاد سوى الملوك"! ثم لا ننسى حقيقة هامة في هذا السياق، أنه المأمون وسائر الحكام العباسيين، بل والأمويين ايضاً، سببوا من خلال سياساتهم الاجرامية والجائرة، نفور المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، لاسيما في صفوف الموالي (المسلمون من غير العرب)، ورسم صورة مشوهة للإسلام وقيمه ومبادئه التي أرسى دعائمها رسول الله، ومن بعده أمير المؤمنين، ولتكون الأرضية صالحة لنشر تلكم الثقافات والافكار بين المسلمين، ليكون نداً للفكر الأسلامي الأصيل "عن طريق تطعيم الافكار والعقائد الاسلامية وعلم الكلام الاسلامي بأفكار أرسطو، وأفلاطون، وغيرهما، فكان أشبه بالانظمة التي ترتدي لباس الاسلام، و تسوّق الخمور ثم تعاقب من يتناوله، أو تقطع يد السارق الذي تدفعه سياسات التمييز والاحجاف لأن يسرق لسدّ رمقه". (التاريخ الاسلامي- المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي). وينقل العلامة المجلس في بحاره: أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى طلب منهم خزانة كتب اليونان، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد، فاستشار الملك خواصه في هذا، فقالوا بالرفض، إلا مطران واحد قال: جهزها اليهم، فهذه العلوم ما دخلت على دولة شرعية إلا افسدتها، وأوقعت الاختلاف بين علمائها". وهذا ما أراده المأمون العباسي؛ نشر روح التشكيك في نفوس المسلمين بدعوى استجلاء الآراء الاخرى، وعدم الركون الى رأي واحد، او كما يُطلق عليه اليوم بـ "التطرّف"، وهو مصطلح انطلق بمفهومه من ذاك الزمان لمغالطة المنهج الاسلامي في التفكير والوصول الى الحقائق، ومن ثمّ؛ لا يقين، ولا ثبات، ولا التزام بفكرة او حقيقة علمية معينة، كل شيء خاضع للتغيير والتحوّل، وهذا الاسلوب "التمييعي" هو الذي يحيد الناس عن التفكير في ظلم الحاكم و جوره وسياساته الفاشلة، بدعوى أن الاسباب والعلل ليست فيه، وإنما في أمور اخرى، ويبقى الناس في دوامة البحث عن الحلول الى ما لانهاية.