logo
ميكولاس تشورليونيس... فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه

ميكولاس تشورليونيس... فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه

Independent عربيةمنذ 8 ساعات

داخل قاعة دافئة، تتوسطها مجموعة من الكراسي الدوارة، يجلس الحضور وهم يرتدون نظارات الواقع الافتراضي. بعد لحظات قليلة سيسبرون عالماً خيالياً جميلاً تملؤه كائنات غريبة ويعيش فيه المشاركون مشاهدات خيالية، لكنها واقعية جداً تواكبها موسيقى مستوحاة من الأجواء السوريالية هذه.
لم تكن جلسة الواقع الافتراضي هذه سوى تجربة فنية مبتكرة، مستوحاة بالكامل من أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية والموسيقية، ذلك الفنان النابغة الذي تحتفل ليتوانيا طوال العام الحالي بمرور 150 سنة على ميلاده، والذي جمع بين الألوان والأصوات، بين الفن والموسيقى، فابتكر عوالم كاملة من الخيال.
ليس من المبالغة القول إن قلة من الأمم تفتخر بأحد أبنائها العباقرة كما تفخر ليتوانيا بـتشورليونيس – رمز نهضتها الثقافية الحديثة، وأحد أبرز فناني أوروبا في مطلع القرن الـ20.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولد تشورليونيس عام 1875 في فارينا، التي تقع اليوم في جنوب شرقي ليتوانيا، في زمن كانت فيه البلاد ترزح تحت الحكم القيصري الروسي. وعلى رغم أن لغته الأم كانت البولندية، كما كان الحال لدى معظم سكان المدن في المقاطعات الليتوانية – البولندية، إلا أن أعماله، التي نهلت من روح الطبيعة الليتوانية، شكلت دليلاً واضحاً على هويته وانحيازه الفني والثقافي لوطنه.
النهضة الليتوانية
اعتبر تشورليونيس نفسه ليتوانياً بلا مواربة، فجسدت أعماله الموسيقية والتشكيلية ملامح الطبيعة المحلية، وتغنت بتفاصيلها. كما كان له دور بارز في النهضة الثقافية مطلع القرن الـ20، إذ تبنى الأغاني الشعبية الليتوانية، وأعاد تقديمها في قوالب موسيقية حديثة، ما جعل من فنه صوتاً وطنياً بامتياز.
وعلى رغم عدم إلمامه باللغة الليتوانية في شبابه، فإنه حرص على تعلمها لاحقاً بمساعدة زوجته صوفيا. فتجربة تشورليونيس في التماهي ثقافياً مع البولنديين، إلى جانب ما تعرض له من تمييز كليتواني في كل من وارسو ولايبزيغ، أدتا إلى تنمية حس بالعدالة الاجتماعية لديه فيما يخص حقوق الليتوانيين. فأسس جوقة لـ"جمعية وارسو الليتوانية للمنفعة المتبادلة"، كما أصبح نائب رئيس "جمعية الفن الليتوانية" عام 1907. لعب تشورليونيس دوراً فاعلاً في تأسيس مجموعات تعنى بتعزيز الثقافة والمصالح الوطنية الليتوانية، وكان من أبرز من أسهموا في دفع الحركة الثقافية الوطنية قدماً رغم أنه لم يعش ليرى استقلال بلاده عام 1918.
تمازج الموسيقى والرسومات
من أبرز ما يميز تجربة تشورليونيس الفنية ظاهرة نادرة تعرف بـ"التزامن الحسي" Synaesthesia ‏وهي ظاهرة إدراكية يؤدي فيها تحفيز مسلك حسي أو إدراكي واحد إلى تجارب لا إرادية في مسلك حسي أو إدراكي ثانٍ. بكلام آخر كان يسمع الألوان ويرى الأصوات، ما ساعده على ابتكار أعمال فنية متعددة الحواس وغنية بالطبقات وتعبر في آنٍ واحدٍ عن الموسيقى والرسم وتنبض بالحياة من كل الجهات.
ويقول الباحث في مجال الفنون ديلان مكنيل في هذا الصدد، "كان واضحاً أن القصد من أعماله الفنية والموسيقية أن تعرض بصورة متزامنة للجمهور من خلال 'الحس المتزامن'". ففي عام 1909 في سانت بطرسبورغ قدم تشورليونيس مؤلفته السيمفونية "البحر" مصحوبة بعرض مجموعة من لوحاته الفنية بعنوان "سوناتا البحر". ويضيف مكنيل "يعد هذا العرض من أبرز تعبيرات 'الحس المتزامن'، حيث يدمج الفن في مجال الموسيقى والموسيقى في الفن".
إنتاج غزير في وقت قصير
استكشفت مؤلفات تشورليونيس الأساطير، والطبيعة، والعالم الروحاني، والكون. وتضم أعماله التشكيلية مجموعات متنوعة، من أبرزها "سوناتا"، و"الأبراج الفلكية"، و"خلق الكون" وهي واحدة من أكثر مجموعاته إدهاشاً، إذ تتألف من 13 لوحة تصور رؤيته لقصة الخلق، وتدمج عناصر أسطورية وتفسيرات صوفية خاصة به، وتحوي تشكيلات تشبه سدماً دوامة ونجوماً متوهجة تماثل بصورة غريبة صوراً من أطراف الكون التقطت بعد قرن من الزمن. كتب تشورليونيس في إحدى رسائله عن هذه المجموعة من اللوحات "أعتزم مواصلة رسمها حتى آخر أيامي... هذه صورة إبداعية لعالم مختلف عن عالمنا، وليس وفقاً للكتاب المقدس. عالم آخر - عالم خيالي".
كما أبدع تشورليونيس سبع مجموعات "سوناتا" وهي رسومات فنية استوحت كل منها من حركة أو شعور محدد، تحمل عناوين مثل "سوناتا الشمس"، و"سوناتا الربيع"، و"سوناتا البحر". تظهر هذه المجموعات قدرته الفريدة على ترجمة المبادئ الموسيقية إلى أشكال بصرية.
7
أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية
أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية
1/7 سوناتا رقم 6 (سوناتا النجوم). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
سوناتا رقم 6 (سوناتا النجوم). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 2/7 مقبرة البلدة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
مقبرة البلدة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 3/7 سوناتا رقم 7 (سوناتا الأهرام). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
سوناتا رقم 7 (سوناتا الأهرام). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 4/7 الشمس تعبر برج القوس من سلسلة الأبراج الفلكية (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
الشمس تعبر برج القوس من سلسلة الأبراج الفلكية (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 5/7 الصداقة (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
الصداقة (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 6/7 الجنة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
الجنة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
7/7 حكاية خرافية عن الملوك (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس)
وتعدان السوناتا الخامسة والسادسة (البحر والنجوم على التوالي) أسمى إنجازات تشورليونيس في سعيه لتجسيد البنية الموسيقية للفوغا والسوناتا. فهذه السلسلة، التي تصور أمواج بحر البلطيق والكثبان الرملية التي تنمو عليها أشجار الصنوبر، تمنح المشاهد انطباعاً فورياً، إذ إن الأيام السعيدة التي قضاها مع خطيبته المحبوبة على شاطئ البحر قد أضفت على السوناتا ألواناً مبهجة وإيقاعات باعثة على الانتشاء.
وإضافة إلى ما أنجز من تحديث للفلكلور الليتواني، ضم الإنتاج الموسيقي لـتشورليونيس أكثر من 200 مؤلفة للبيانو ومقطوعاًت للأوركسترا أهمها، "في الغابة"، و"البحر".
النهاية المبكرة
كان تشورليونيس، بوصفه شخصية استثنائية، ذا تأثير قوي من حوله. تكتب شقيقته يدفيغا في مذكراتها أن صديقه المقرب فلودزيميج مورافسكي، شقيق الملحن البولندي أوغينيوش مورافسكي - دومبروفا كان يقول عنه "كنا نشعر جميعنا أن بيننا شخص غير عادي، يتميز ليس فقط بذكاء حاد، بل بقوة أخلاقية هائلة". وجاء أيضاً في مذكراتها أن أكثر ما كان يزعجه هو أن يطلب منه "شرح" محتوى إحدى لوحاته. كان يستاء ويقول: "لماذا لا يتمعنون بالنظر؟ لماذا لا يجهدون أنفسهم؟ فكل شخص يرى الأعمال الفنية ويفسرها بصورة مختلفة".
منذ عام 1909، وخلال إقامته في سانت بطرسبورغ، أنهك تشورليونيس نفسه بالعمل في محاولة للخروج من وضعه المالي الصعب هو وزوجته. لكن صحته تدهورت بشدة، فغادر المدينة وانتقل إلى منتجع صحي في بولندا.
لكنه، ككثير من العباقرة، لم يعمر طويلاً. ففي أبريل (نيسان) 1911، وأثناء فترة تعافيه، أصيب بالتهاب رئوي خلال إحدى نزهاته، وتوفي قبل أن يبلغ الـ36 من عمره.
رغم قصر حياته، ترك تشورليونيس إرثاً غنياً من نحو 300 لوحة فنية ونحو 400 مؤلف موسيقي، وقدم مساهمة مهمة في تيارات "الرمزية" وفن "آرت نوفو"، وكان من ممثلي الحقبة المعروفة بـ"نهاية القرن" fin de siècle. ويعد من بين رواد الفن التجريدي في أوروبا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ميكولاس تشورليونيس... فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه
ميكولاس تشورليونيس... فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه

Independent عربية

timeمنذ 8 ساعات

  • Independent عربية

ميكولاس تشورليونيس... فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه

داخل قاعة دافئة، تتوسطها مجموعة من الكراسي الدوارة، يجلس الحضور وهم يرتدون نظارات الواقع الافتراضي. بعد لحظات قليلة سيسبرون عالماً خيالياً جميلاً تملؤه كائنات غريبة ويعيش فيه المشاركون مشاهدات خيالية، لكنها واقعية جداً تواكبها موسيقى مستوحاة من الأجواء السوريالية هذه. لم تكن جلسة الواقع الافتراضي هذه سوى تجربة فنية مبتكرة، مستوحاة بالكامل من أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية والموسيقية، ذلك الفنان النابغة الذي تحتفل ليتوانيا طوال العام الحالي بمرور 150 سنة على ميلاده، والذي جمع بين الألوان والأصوات، بين الفن والموسيقى، فابتكر عوالم كاملة من الخيال. ليس من المبالغة القول إن قلة من الأمم تفتخر بأحد أبنائها العباقرة كما تفخر ليتوانيا بـتشورليونيس – رمز نهضتها الثقافية الحديثة، وأحد أبرز فناني أوروبا في مطلع القرن الـ20. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولد تشورليونيس عام 1875 في فارينا، التي تقع اليوم في جنوب شرقي ليتوانيا، في زمن كانت فيه البلاد ترزح تحت الحكم القيصري الروسي. وعلى رغم أن لغته الأم كانت البولندية، كما كان الحال لدى معظم سكان المدن في المقاطعات الليتوانية – البولندية، إلا أن أعماله، التي نهلت من روح الطبيعة الليتوانية، شكلت دليلاً واضحاً على هويته وانحيازه الفني والثقافي لوطنه. النهضة الليتوانية اعتبر تشورليونيس نفسه ليتوانياً بلا مواربة، فجسدت أعماله الموسيقية والتشكيلية ملامح الطبيعة المحلية، وتغنت بتفاصيلها. كما كان له دور بارز في النهضة الثقافية مطلع القرن الـ20، إذ تبنى الأغاني الشعبية الليتوانية، وأعاد تقديمها في قوالب موسيقية حديثة، ما جعل من فنه صوتاً وطنياً بامتياز. وعلى رغم عدم إلمامه باللغة الليتوانية في شبابه، فإنه حرص على تعلمها لاحقاً بمساعدة زوجته صوفيا. فتجربة تشورليونيس في التماهي ثقافياً مع البولنديين، إلى جانب ما تعرض له من تمييز كليتواني في كل من وارسو ولايبزيغ، أدتا إلى تنمية حس بالعدالة الاجتماعية لديه فيما يخص حقوق الليتوانيين. فأسس جوقة لـ"جمعية وارسو الليتوانية للمنفعة المتبادلة"، كما أصبح نائب رئيس "جمعية الفن الليتوانية" عام 1907. لعب تشورليونيس دوراً فاعلاً في تأسيس مجموعات تعنى بتعزيز الثقافة والمصالح الوطنية الليتوانية، وكان من أبرز من أسهموا في دفع الحركة الثقافية الوطنية قدماً رغم أنه لم يعش ليرى استقلال بلاده عام 1918. تمازج الموسيقى والرسومات من أبرز ما يميز تجربة تشورليونيس الفنية ظاهرة نادرة تعرف بـ"التزامن الحسي" Synaesthesia ‏وهي ظاهرة إدراكية يؤدي فيها تحفيز مسلك حسي أو إدراكي واحد إلى تجارب لا إرادية في مسلك حسي أو إدراكي ثانٍ. بكلام آخر كان يسمع الألوان ويرى الأصوات، ما ساعده على ابتكار أعمال فنية متعددة الحواس وغنية بالطبقات وتعبر في آنٍ واحدٍ عن الموسيقى والرسم وتنبض بالحياة من كل الجهات. ويقول الباحث في مجال الفنون ديلان مكنيل في هذا الصدد، "كان واضحاً أن القصد من أعماله الفنية والموسيقية أن تعرض بصورة متزامنة للجمهور من خلال 'الحس المتزامن'". ففي عام 1909 في سانت بطرسبورغ قدم تشورليونيس مؤلفته السيمفونية "البحر" مصحوبة بعرض مجموعة من لوحاته الفنية بعنوان "سوناتا البحر". ويضيف مكنيل "يعد هذا العرض من أبرز تعبيرات 'الحس المتزامن'، حيث يدمج الفن في مجال الموسيقى والموسيقى في الفن". إنتاج غزير في وقت قصير استكشفت مؤلفات تشورليونيس الأساطير، والطبيعة، والعالم الروحاني، والكون. وتضم أعماله التشكيلية مجموعات متنوعة، من أبرزها "سوناتا"، و"الأبراج الفلكية"، و"خلق الكون" وهي واحدة من أكثر مجموعاته إدهاشاً، إذ تتألف من 13 لوحة تصور رؤيته لقصة الخلق، وتدمج عناصر أسطورية وتفسيرات صوفية خاصة به، وتحوي تشكيلات تشبه سدماً دوامة ونجوماً متوهجة تماثل بصورة غريبة صوراً من أطراف الكون التقطت بعد قرن من الزمن. كتب تشورليونيس في إحدى رسائله عن هذه المجموعة من اللوحات "أعتزم مواصلة رسمها حتى آخر أيامي... هذه صورة إبداعية لعالم مختلف عن عالمنا، وليس وفقاً للكتاب المقدس. عالم آخر - عالم خيالي". كما أبدع تشورليونيس سبع مجموعات "سوناتا" وهي رسومات فنية استوحت كل منها من حركة أو شعور محدد، تحمل عناوين مثل "سوناتا الشمس"، و"سوناتا الربيع"، و"سوناتا البحر". تظهر هذه المجموعات قدرته الفريدة على ترجمة المبادئ الموسيقية إلى أشكال بصرية. 7 أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية 1/7 سوناتا رقم 6 (سوناتا النجوم). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) سوناتا رقم 6 (سوناتا النجوم). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 2/7 مقبرة البلدة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) مقبرة البلدة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 3/7 سوناتا رقم 7 (سوناتا الأهرام). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) سوناتا رقم 7 (سوناتا الأهرام). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 4/7 الشمس تعبر برج القوس من سلسلة الأبراج الفلكية (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) الشمس تعبر برج القوس من سلسلة الأبراج الفلكية (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 5/7 الصداقة (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) الصداقة (1906-1907) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 6/7 الجنة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) الجنة (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) 7/7 حكاية خرافية عن الملوك (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) وتعدان السوناتا الخامسة والسادسة (البحر والنجوم على التوالي) أسمى إنجازات تشورليونيس في سعيه لتجسيد البنية الموسيقية للفوغا والسوناتا. فهذه السلسلة، التي تصور أمواج بحر البلطيق والكثبان الرملية التي تنمو عليها أشجار الصنوبر، تمنح المشاهد انطباعاً فورياً، إذ إن الأيام السعيدة التي قضاها مع خطيبته المحبوبة على شاطئ البحر قد أضفت على السوناتا ألواناً مبهجة وإيقاعات باعثة على الانتشاء. وإضافة إلى ما أنجز من تحديث للفلكلور الليتواني، ضم الإنتاج الموسيقي لـتشورليونيس أكثر من 200 مؤلفة للبيانو ومقطوعاًت للأوركسترا أهمها، "في الغابة"، و"البحر". النهاية المبكرة كان تشورليونيس، بوصفه شخصية استثنائية، ذا تأثير قوي من حوله. تكتب شقيقته يدفيغا في مذكراتها أن صديقه المقرب فلودزيميج مورافسكي، شقيق الملحن البولندي أوغينيوش مورافسكي - دومبروفا كان يقول عنه "كنا نشعر جميعنا أن بيننا شخص غير عادي، يتميز ليس فقط بذكاء حاد، بل بقوة أخلاقية هائلة". وجاء أيضاً في مذكراتها أن أكثر ما كان يزعجه هو أن يطلب منه "شرح" محتوى إحدى لوحاته. كان يستاء ويقول: "لماذا لا يتمعنون بالنظر؟ لماذا لا يجهدون أنفسهم؟ فكل شخص يرى الأعمال الفنية ويفسرها بصورة مختلفة". منذ عام 1909، وخلال إقامته في سانت بطرسبورغ، أنهك تشورليونيس نفسه بالعمل في محاولة للخروج من وضعه المالي الصعب هو وزوجته. لكن صحته تدهورت بشدة، فغادر المدينة وانتقل إلى منتجع صحي في بولندا. لكنه، ككثير من العباقرة، لم يعمر طويلاً. ففي أبريل (نيسان) 1911، وأثناء فترة تعافيه، أصيب بالتهاب رئوي خلال إحدى نزهاته، وتوفي قبل أن يبلغ الـ36 من عمره. رغم قصر حياته، ترك تشورليونيس إرثاً غنياً من نحو 300 لوحة فنية ونحو 400 مؤلف موسيقي، وقدم مساهمة مهمة في تيارات "الرمزية" وفن "آرت نوفو"، وكان من ممثلي الحقبة المعروفة بـ"نهاية القرن" fin de siècle. ويعد من بين رواد الفن التجريدي في أوروبا.

لينيكر يلقي خطابا مؤثرا قبل مغادرة "بي بي سي"
لينيكر يلقي خطابا مؤثرا قبل مغادرة "بي بي سي"

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

لينيكر يلقي خطابا مؤثرا قبل مغادرة "بي بي سي"

لخص غاري لينيكر تجربته كمقدم لبرنامج "مباراة اليوم" بكلمات مؤثرة، واصفاً إياها بأنها كانت "امتيازاً حقيقياً" و"مبهجة إلى أقصى حد"، وذلك قبل أن يتنحى نجم إنجلترا وتوتنهام هوتسبير وبرشلونة السابق عن منصبه في وقت أبكر من المتوقع، ويغادر هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على خلفية الجدل حول قضية معاداة السامية. تولى لينيكر تقديم البرنامج الرياضي الأبرز لدى (بي بي سي)، وعمل مع المؤسسة لمدة 26 عاماً. وفي بداية الحلقة، بدا أن لينيكر شارك المحللين آلان شيرر وميكا ريتشاردز في إلقاء نكتة عليه، قبل عرض أبرز لقطات اليوم الأخير من موسم الدوري الإنجليزي الممتاز (2024 - 2025). وقال لينيكر مازحاً "لم يكن من المفترض أن تنتهي الأمور بهذه الصورة"، في عبارة قابلة للتأويل بعد أسابيع مضطربة وقرار مثير للجدل بالانفصال عن هيئة الإذاعة البريطانية. وأضاف "لكن بعدما حسم سباق اللقب وتأكدت مراكز الهبوط، لم يبق لدينا سوى دوري الأبطال للحديث عنه". وخلال الحلقة، عرضت شاشة (بي بي سي) سلسلة من لقطات التكريم واللحظات البارزة، التي شارك فيها كل من آلان شيرر وميكا ريتشاردز وإيان رايت وآلان سميث وبيتر شيلتون وبول غاسكوين وآخرين، إضافة إلى أبناء غاري لينيكر، جورج وأنغوس وتوبياس وهاري. وقال قائد ليفربول الفائز باللقب، فيرجيل فان دايك "أنت أسطورة، وقد حالفني الحظ بلقائك مرات عدة". ثم أضاف مدرب مانشستر سيتي بيب غوارديولا "سوف نفتقدك، قد لا تصدق ذلك، لكننا سنفتقدك، أنا أحب هذا البرنامج، وآمل أن تمنحك الحياة تحدياً جديداً". أما إيان رايت فقال بتأثر "أتمنى لك كل التوفيق يا صديقي، لأنني أحبك"، في حين قال آلان شيرر "أياً كان ما ستختار أن تفعله أيام السبت، فحظاً موفقاً، سنشتاق إليك". في الدقائق الأخيرة من الحلقة، بدأ لينيكر يذرف الدموع عندما تلقى تحية من أندريا بوتشيلي، الذي سبق له الغناء خلال احتفالات ليستر سيتي بلقب الدوري على ملعب "كينغ باور"، ومع أنغام أغنيته الشهيرة "Time to Say Goodbye" كانت تعرض أسماء المشاركين في ختام البرنامج. وقال لينيكر في محاولة لإنهاء البرنامج للمرة الأخيرة "سأحاول، للمرة الأخيرة... إليكم جدول ترتيب الدوري الإنجليزي... لا أجد نسخة منه، يمكنكم قراءته بأنفسكم، لا يهم، ليفربول فاز بالدوري، والفرق التي تأهلت لدوري أبطال أوروبا هي أرسنال ومانشستر سيتي وتشيلسي ونيوكاسل، أما أستون فيلا ونوتينغهام فورست فسيمثلان إنجلترا في المنافسات الأوروبية الموسم المقبل". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف، "قاع الجدول... هذه أول مرة أرتجل فيها، الفرق الثلاثة الأخيرة تهبط كالعادة. أحد هذه الفرق هو ليستر، وهذا ليس بالطريقة التي كنت أود أن أنهي بها الأمور". كما قال، "آلان، ميكا، شكراً لكما، أظن أن طرقنا ستتلاقى مجدداً قريباً جداً". وتابع، "دعوني أغتنم هذه الفرصة لأتقدم بالشكر إلى جميع المحللين الذين سعدت بالعمل معهم على مدى الـ25 عاماً الماضية. لقد جعلتم عملي أسهل بكثير. وشكر كبير أيضاً لأولئك الذين لا يراهم المشاهدون في منازلهم، فالجهد المبذول في إنتاج هذا البرنامج الأيقوني هو ثمرة عمل جماعي هائل". ومضى في حديثه، "من المحررين إلى فريق التحليل، من المعلقين إلى مديري الاستوديو، من المنتجين إلى مشغلي الكاميرات، من المساعدين الشخصيين إلى البدلاء، شكراً لكم جميعاً، أنتم الأفضل على الإطلاق". وذكر، "ومثل مسيرتي في كرة القدم، الجميع قام بالعمل الشاق، وأنا من نال الإشادة. لقد كان من دواعي الفخر أن أقدم برنامج مباراة اليوم على مدى ربع قرن، لقد كانت تجربة مبهجة إلى أقصى حد. وأتمنى كل التوفيق لغابي (لوغان) ومارك (تشابمان) وكيلي (كايتس) حين يجلسون على هذا الكرسي". وقال كذلك، "البرنامج في أيد أمينة، وشكري الأخير موجه إليكم أنتم، شكراً لمشاهدتكم، شكراً على كل ما قدمتموه من محبة ودعم على مر الأعوام، لقد كانت تجربة مميزة للغاية... وأعتذر لأن فريقكم كان دائماً يعرض في النهاية، حان وقت الوداع، وداعاً". وكان لينيكر قد اختار في وقت سابق هدف الموسم، إذ اختار تسديدة كاورو ميتوما في مرمى تشيلسي، بينما انقسم شيرر وريتشاردز بين نجم برايتون ومهاجم مانشستر سيتي عمر مرموش، الذي سجل هدفاً قوياً في مرمى بورنموث. وقال "أعتقد أن مرموش كان رائعاً، لكن ميتوما كان مختلفاً قليلاً". وكان من المقرر أن يغادر لينيكر برنامج "مباراة اليوم" في نهاية الموسم، مع استمراره في تقديم تغطيات مستقبلية للمؤسسة، بما في ذلك نهائيات كأس العالم للرجال في الصيف المقبل ونهائي كأس الاتحاد الإنجليزي. غير أن خروجه عُجل به بعد اندلاع جدل على خلفية مشاركته – من دون قصد – منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي يدعم فلسطين، وكان يتضمن صورة فأر، وهو رمز استخدم في دعاية معادية للسامية، بما في ذلك من قبل النازيين. وقد اعتذر لينيكر عن الواقعة قائلاً إنه "لم يكن ليشارك أبداً عن علم أي شيء يحمل طابعاً معادياً للسامية"، مضيفاً "أدرك الخطأ والأذى الذي تسببت به، وأكرر اعتذاري العميق. الابتعاد في هذه المرحلة يبدو هو التصرف المسؤول". وكانت تعليقات لينيكر السابقة على وسائل التواصل الاجتماعي قد ورطته من قبل، حين أبدى مسؤولو هيئة الإذاعة البريطانية قلقهم من أن تعليقاته الجريئة حول بعض القضايا – مثل فلسطين – تعد خرقاً لقواعد الحياد الصارمة للمؤسسة. وقد أوقفته هيئة الإذاعة البريطانية موقتاً عن تقديم برنامج "مباراة اليوم" في مارس (آذار) 2023 بعدما قارن اللغة التي استخدمتها الحكومة البريطانية عند الإعلان عن سياسة تخص طالبي اللجوء بلغة ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي.

وفاة مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الشهير مارسيل أوفولس
وفاة مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الشهير مارسيل أوفولس

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

وفاة مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الشهير مارسيل أوفولس

توفي مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الشهير مارسيل أوفولس في منزله في جنوب غربي فرنسا، وفق ما أعلنت عائلته اليوم الإثنين. و"توفي مارسيل أوفولس بسلام في 24 مايو (أيار) الجاري عن 97 سنة"، وفق ما أفاد حفيده أندرياس بنجامان سيفيرت في بيان. وذكر فيه بأن جده حاز جائزة أوسكار و"كان شخصية بارزة في مجال السينما الملتزمة". ولد مارسيل أوفولس في فرانكفورت أم ماين (ألمانيا) في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1927، وهو نجل المخرج الألماني الكبير ماكس أوفولس. وهربت عائلته من ألمانيا النازية عام 1933 واستقرت في فرنسا، قبل أن تضطر إلى الفرار مجدداً إلى الولايات المتحدة عام 1941. وعاد إلى فرنسا عام 1950، وبدأ العمل مساعد مخرج، لا سيما في فيلم والده الأخير "لولا مونتيس" عام 1955. وحاول أوفولس الذي كان صديقاً للمخرج الفرنسي الكبير فرنسوا تروفو خوض مجال الأفلام الروائية في ستينيات القرن الـ20، قبل أن يختار الإخراج الوثائقي، بعدما وظفته محطة الإذاعة والتلفزيون الفرنسية العامة "أو آر تي أف". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي عام 1969، أخرج فيلم "الحزن والشفقة" الذي يتناول قصة مدينة فرنسية هي كليرمون فيران تحت الاحتلال الألماني أثناء الحرب، وقد أثار الفيلم استياء معاصريه، ومنع عرضه على التلفزيون العام حتى عام 1981، مع أنها كانت الجهة الممولة. وعرض أخيراً في دور السينما عام 1971، وحقق نجاحاً كبيراً رغم طوله (أربع ساعات و15 دقيقة). والفيلم الذي يستكشف التعاون مع النازيين ومقاومتهم، يزعزع تصور الفرنسيين لتاريخهم من خلال كسر أسطورة الإجماع الفرنسي على مقاومة الألمان. وحقق الفيلم نجاحاً عالمياً ورشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي. وتناول أوفولس جرائم النازية أكثر من مرة، لا سيما في فيلم "بصمة العدالة" عام 1976. يبدأ هذا الفيلم الذي تبلغ مدته نحو خمس ساعات بمحاكمات نورمبورغ، ويتناول المسؤولية الفردية والجماعية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ونال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 1989 عن فيلمه "أوتيل تيرمينوس-كلاوس باربي، حياته وعصره"، وهو تحقيق دقيق عن "جزار ليون" وأولئك الذين حموا مجرم الحرب النازي هذا بعد الحرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store