
الفتى الفيروزي وجداريات البكاء العقيم
الحسام محيي الدين
ناسنا في لبنان ، لم يتركوا كلاماً إلا ورَثوا به زياد الرحباني ، الفنان المُبدع المُبتكر ، الذي قارب واقعهم من رؤية فنية وجدتْ لها جمهورها الخاص ، ولا يمكن تجاوزها أو إغفالها في التاريخين الفني والمسرحي اللبناني ، لكن مراتب مراثيهم تخطت منطق المجاملات إلى المغالاة في المحاباة ، فأنستنا المناسبة وأخذتنا إلى أمداء أخرى ، هي في الواقع مفارقات غريبة من جمهور نعرفه ونتابعه أحيانا ، لم يرفع معظمهم منشوراً افتراضياً واحداً منذ سنين لأغنية ، أو لحن ، أو موقف ، أو مشهد مسرحي لزياد ! نحن أمام جداريات البكاء العقيمة ، تراجيديا الرثاء المزيفة ، وثرثرات الكلمات المكررة .
قليل من الاهتمام مسيء لزياد الرحباني ، وكذلك الكثير المُبالَغ فيه ! أصبحوا كلهم فلاسفة ! فواحدة ' تلعن الحياة ' لأنه مات ، وأخرى تلوم الله جل جلاله لأنه ' رحل في الوقت الغلط ' ، وثالثة ترى أن دورة الكون توقفت ، ثم هناك رابع يقول : ' كسرتلي ضهري ' وخامس قائل : ' يا ريتني متت أنا ولا سمعت هالخبر ، دخيلك يا الله ليش تحرمنا منو ' ، وقائل : ' لمن تركتنا يا زياد ؟'! ، ولا ننتهي عند إحداهن التي تقرر أن ' زياد هو الذي قرّر الرحيل ' ! أما المضحك المبكي فأن تطلب إحداهن منه أن يفتش على والديها المتوفيَين ويسلم عليهما في العالم الآخر ولو أتعبه التفتيش عنهما ، وهكذا إلى ما لا نهاية من سرديات ما يفعله اللبنانيون دائماً وهم ' يركبون الموجة ' متبارين في تدبيج الكلمات ، قبل أن يناموا قريري العين في ' الويك أند ' بعدما أدوا واجبهم ' الثقافي ' اجه زحمة الاجتماعي .
قد يقول قائل أن حملة الرثاء والتمجيد لزياد هي من حقوق كل أحد ، لكن ذلك لا يجب أن يتعدى إلى خطاب إشهاري يهمّش حرمة الموت وكينونة الابداع ، لا سيما أن بعض هؤلاء وربما معظمهم ، كانوا خارج حسابات الفقيد الفلسفية ، كفنان إنساني ، بل وخارج مزاجه ؛ فإذا كان كلُّ هذا الشعب راثياً باكياً لزياد ، فمن هم الذين بقوا منه لينتقدهم ' بخصوص الكرامة والشعب العنيد ' ؟! وأين هم الذين لطالما هاجمهم وهو يقول : ' في ناس بينهم وبين الفهم ، سوء فهم ' ، أو يقول : ' شعب بيشرب قهوة كتير ، لازم يكون أوعى من هيك '! ، أو يقول : ' الله خلقك إنسان ، ليش مصرّ عالحيونة ؟' ! أو يقول : ' في ناس مش بس بيمثلو علينا ، بيمثلو علينا وبيصدقو حالن ' ! ' ، أو غير ذلك من مقولات موجهة لبقايا هذا الشعب العنيد ؟! من دون إنكار أن البعض يرى في كلامه ' بُعد نظر ' ، وهذا طبعا حقهم الطبيعي ، تماما كما هو حقنا في رصده كخطاب مزدوج تحت سلطة المجاملة والسير مع التيار تطرفاً في المحاباة ، مع العلم الذي لا يجهله أحد ، أن جملة هؤلاء لم يتذكروا زياد إلا عند وفاته ، تماما كما فعل أفيخاي أدرعي ، اللعين ، الذي تذكره ورثاه بكلام جميل ! إلى ما رشح من دوافع بكائيات البعض كي يخبرنا أنه التقاه مرة ، أو يعلمنا بصداقته الحميمة ولو من خلال صورة يتيمة شاركه بها بالصدفة في مناسبة ما ، أو يقول لنا أنه رآه ذات يوم وسأله عن آخر أعماله ، إلى البعض الآخر الذي يؤكد دائماً أنه ' أم الصبي ' كرافعة للاعجاب والاهتمام بالتجربة الرحبانية على مستوى البلد ، وهؤلاء كُثُر . نعم كان زياد فنانا مناضلا ، غير متملق ، لكن علاقتنا به مهما كانت ضعيفة وبعيدة فهي لا تشترط منا أن نحبه ونقدسه ، فهناك أمور أخرى تغنينا عن كل ذلك ، كاحترام نتاجاته والثقة بها ، والإحساس المشترك بحاجتنا للوطن الصحيح الذي نريده . نحن نطمئن إلى حظنا الجيد بأنّ لدينا قامات إبداعية كزياد ، لكنه إنسان يصيب ويخطىء ، يضحك ويحزن ويغضب ، ويغدو ويروح كغيره من بني البشر ، وهو كان يأكل ويشرب ، ويمرض ويصح ، وهو أيضاً يقاطع والدته فيروز لعامين ثم يصالحها . يمكن مثلا فهمه كشخصية فنية أرادت التحرر من إرث عاصي وفيروز ، إلا أنه لم ينجح في ذلك بعدما وقع في فخّ العودة إلى التركة الإرث التي تدر مالا ، مانعا وشقيقته ريما أي أحد وتحديدا أبناء عمهما منصور وورثته من التصرف بأية أعمال فنية شارك بها الوالد عاصي من دون موافقتهما ، الأمر الذي كسر الصورة المثالية للرحابنة ، وكتاريخ فني ثقافي متاح للجميع ممارسته والتأثر به كمدرسة للمحبة والتسامح والوطنية والإخاء . زياد لم يكن فقيرا معدماً ، ولا جائعا ، ولا محروما ، ولا كان صاحب معاناة بالمباشر وغير المباشر مع السلطة الفاسدة ، وهو وإن كان تحدث عن واقع كل ذلك في مسرحه ، إلا أنّ كثيرين أيضاً حملوا نفس الرسالة بين مسرح وتلفزيون وآداب ونضالات ثقافية ، وأنا أسارع للقول أنني لا أقلّل هنا من شأن زياد ، فمسرحه ، بالمناسبة ، من النماذج التي اعتمدتها في أطروحتي للدكتوراه وأنا أستشكل علاقة المسرح بالحرب الأهلية اللبنانية المشؤومة . رحل زياد ، رحل الفتى الفيروزي وعوده الرنان يصدح حولنا ، لكن ، وفي كل حال وحين ، ومهما قلنا وكتبنا ، فإنّ كل أمانينا سخيفة حتماً في مواجهة الموت .
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 10 ساعات
- النهار
بلايلي: 'جمهورنا لا مثيل له وأنا باق في الترجي التونسي'
عبّر النجم الجزائري يوسف بلايلي عن سعادته الكبيرة بتتويجه مع الترجي الرياضي التونسي بلقب كأس السوبر التونسي، بعد تسجيله هدف الفوز أمام الملعب التونسي. و قال يوسف بلايلي في تصريحه للإعلام التونسي 'جمهور الترجي لا يوجد لهم مثيل، دائمًا يدعمون الفريق في كل الظروف، وإن شاء الله هذا الموسم نرفع كأس رابطة أبطال إفريقيا.' كما أكد نجم الترجي التونسي استمراره مع الفريق هذا الموسم، قائلاً: 'نعم، سأواصل مع الترجي، وهدفنا الرئيسي هو التتويج بلقب دوري أبطال إفريقيا هذا الموسم.' ويُعد هذا التتويج هو الثالث لبلايلي مع الترجي هذا الموسم، بعد الفوز بالدوري والكأس، ليُحقق بذلك الثلاثية المحلية.


النهار
منذ 2 أيام
- النهار
من أجمل ما قرأت.. قيل في 'الحب'
يقولون: 'الحب لم يعد له وجود في هذا العصر، الناس لم يعد لديهم عواطف صادقة، وداعاً للحنان والرقة، فالحب المزيف يزدهر وإذا اختفى الحب ستسود العالم همجية، إننا نعاني من تعطل قلوبنا'. لكننا نقول: الحب سر الهي، الحب هو لذة الروح وروح الوجود وهو ماء الحياة بل هو سر الحياة. تقول إحداهن: المشاعر والأحاسيس ليست قاصرة على الإنسان وحده. وإنما نجدها أيضاً في قطعان الحيوانات وأسراب الطيور والنبات وحتى الجماد الذي نظن انه لا يشعر، يتحدث الله تعالى عنه فيقول: 'لو أنزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعاً متصدعاً من خشية الله'، فالجبل وهو أشد المخلوقات خشونة. وصلابة يشعر بالخوف والخشية بل ويحب أيضاً'. وقال صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى جبل أحد: 'أحد جبل يحبنا ونحبه'. إلا أن مشاعر الحب في الإنسان تتميز تميزاً خاصاً وذلك لكونه سيد هذه الأرض بأمر الله ولكونه أيضاً كائناً مميزاً في تركيبه. فهو مركب من جانب أرضي وهو الطين وجانب سماوي رباني وهو الروح. والحب سر وضعه الله تعالى فينا لنبحث عنه، ترى أين منبعه؟ الحب سر لدى الرحمن منبعه، الحب قبس الخلاق جذوته، وهو اليقين وكم لاحت به عبرُ.


البلاد الجزائرية
منذ 2 أيام
- البلاد الجزائرية
مصر.. مصرع شخص وإصابة آخرين بانفجار خلال حفل محمد رمضان - منوعات : البلاد
شهد حفل الفنان المصري، محمد رمضان في الساحل الشمالي بمصر، مساء الخميس، حادثًا مأساويًا، لقي فيه أحد العاملين مصرعه وأُصيب عدد آخر بجروح، إثر انفجار خلال عرض للألعاب النارية المصاحب للحفل، بحسب صحف رسمية. وتسبب الحادث في حالة من الذعر والفوضى بين أفراد الجمهور الحاضرين، مما دفع بمحمد رمضان إلى إنهاء حفله بشكل سريع حفاظا على سلامة الحضور. من جهته، قال محمد رمضان في منشور عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: "تصحيح غالبا هي انفجار أسطوانة غاز من الفاير وركس وليست قنبلة، وجاري تحريات أجهزة البحث". وأضاف رمضان: "تأكدت بنفسي من إدارة غولف مارينا أنه تم مسح المكان والمسرح بالكامل حرصا على سلامة الجمهور وسلامته، وغالبا حادث قضاء وقدر، أسأل الله أن يرحم حسام أحد أعضاء فريق الفاير ويتم شفاء المصابين". وبدوره، ذكر ياسر الحريري منظم حفل محمد رمضان أن "الخطأ الناتج عن وفاة شخص بسبب الألعاب النارية التي تم استخدامها بالحفل ناتج عن خطأ للشركة التي تم التعاقد معها بعد انفجار أحد المعدات المستخدمة"، بحسب ما نقل موقع بوابة "الأهرام" الحكومي اليومية. وقال ياسر الحريري في منشور على صفحته الرسمية عبر فيسبوك: "أنا منظم الحفلة وأتعاقد كل يوم مع شركات مختصة بالمسرح طول حياتي، الشركة التي تعاقدت معها جاءت بتصريح حكومي يعني كل حاجة ماشية صح للآخر". وأضاف: "بسبب خطأ منهم للأسف في معدة انفجرت فيهم، توفي شخص، وأصيب 2، الله يشفي المصابين، وأنا جاهز للمثول أمام الجهات المختصة لأي تحقيق، أنا موجود وجاهز لأي سؤال، وهذا ليس له علاقة بالفنان والمنظم".