logo
التطرف المناخي يهدد شبه الجزيرة العربية

التطرف المناخي يهدد شبه الجزيرة العربية

الجزيرة٢٠-٠٣-٢٠٢٥

عندما تنظر اليوم إلى صحراء شبة الجزيرة العربية القاحلة، سيكون من الصعب عليك تخيل أن هذه المنطقة قبل 1600 عام كانت موطنا لغابات خضراء تجوبها الأسود والفهود والذئاب، وكانت المنطقة حينها مسرحا لفيضانات عنيفة، تدفقت خلالها الأمطار بغزارة لم تعرفها الأجيال الحديثة.
هذا المشهد الذي قد يقف خيالك عصيا على تصوره وتصديقه، وجدت دراسة نشرت في دورية "ساينس أدفانسيس" لفريق بحثي دولي، دلائل علمية قوية تشير إليه في أعماق حوض نيوم المالح في خليج العقبة، حيث وجدوا داخله رواسب محفوظة بشكل ممتاز حملتها الفيضانات والسيول عبر الزمن، لتكون بمثابة سجل مناخي يخبرنا عن التاريخ بكل تفاصيله، ويطلب منا الاستعداد لسيناريوهات شبيهه في المستقبل القريب.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول سام بوركيس، المؤلف الرئيسي للدراسة وأستاذ ورئيس قسم علوم الأرض البحرية في كلية "روزنستيل" بجامعة ميامي الأميركية، إن "حوض نيوم المالح الذي تمت دراسته يقع على عمق أكثر من ميل تحت الماء، في أعمق جزء من خليج العقبة، وتكون المياه في هذه المنطقة "لاهوائية"، أي خالية تماما من الأكسجين، وبالتالي، فإن أي كائن بحري غير محظوظ يدخل الحوض يختنق ويموت فورا، وهذا من شأنه أن يحافظ على قاع الحوض غير مضطرب تماما من قبل الكائنات البحرية الحافرة، وهذا ساهم في الحفاظ على الطبقات الدقيقة الناتجة عن الفيضانات المفاجئة بشكل ممتاز، ومنحنا ذلك الفرصة لدراستها لاحقا".
وكان الحصول على عينة رواسب من هذا الحوض المالح على عمق أكثر من ميل تحت الماء تحديا كبيرا، استلزم استخدام معدات متقدمة للغاية مثل سفينة الأبحاث المذهلة "أوكين إكسبلورر"، واحتاج هذا العمق الشديد استخدام مركبة التحكم عن بعد، التي يمكنها العمل في أعماق أعمق من الغواصات التي يتم قيادتها بواسطة الإنسان.
ويوضح بوركيس أنه "رغم العمق الكبير للمياه في هذا الحوض المالح، فإنه كان قريبا جدا من الساحل (أقل من ألفي متر)، وهذا يسمح له بتسجيل الرواسب التي تجرفها الفيضانات من اليابسة بشكل ممتاز، لتكشف التحليلات التي أجريت على تلك الرواسب بأحدث تقنيات التأريخ بالكربون أن عمر بعضها يعود إلى ما يقارب ألفي عام".
تضافر جهود 4 تخصصات
ويحتاج هذا العمل الذي حاول بوركيس تبسيطه، تضافر جهود باحثين من تخصصات مختلفة هي الجيوكيمياء وعلم الرواسب وعلوم الجيوكرونولوجيا (علم تحديد أعمار الأرض) والنمذجة الحاسوبية.
ويركز تخصص "الجيوكيمياء" على تحليل التركيب الكيميائي للرواسب والمياه الملحية في الحوض، لتحديد نوع العناصر والمركبات الكيميائية التي توجد فيها، مثل الكربون، النيتروجين، المعادن، والمركبات العضوية وغير العضوية، ومن خلال تحليل هذه المكونات، يمكن التوصل إلى معلومات حول ظروف البيئة السابقة، مثل درجة حرارة المياه ومستويات الأكسجين وفهم العمليات الكيميائية التي كانت تحدث في الماضي وكيفية تأثير التغيرات المناخية على تكوين الرواسب.
أما "علم الرواسب"، فيتعامل مع دراسة الخصائص الفيزيائية للرواسب والطبقات التي تشكلت بمرور الزمن، ويشمل ذلك دراسة تكوين الرواسب، حجمها، توزيعها، وترتيبها في الطبقات، ويساعد ذلك في تفسير كيفية ترسب هذه الرواسب بمرور الزمن، وتحديد الفترات التي شهدت فيضانات أو هطولات مطرية شديدة من خلال تحليل الطبقات التي تشكلت نتيجة تلك الفيضانات، ومن خلال هذا التخصص، يمكن تحديد الحقب الزمنية التي شهدت نشاطا مناخيا قويا أو تغيرات بيئية كبيرة.
ويساعد "علم الجيوكرونولوجيا" في تحديد الأعمار الزمنية للرواسب باستخدام تقنيات متعددة، مثل التأريخ بالكربون المشع أو تقنيات تأريخ أخرى، ويتم تطبيقه على العينات المستخرجة لتحديد متى تشكلت الطبقات المختلفة، ويعد هذا التخصص مهما جدا في وضع إطار زمني دقيق للتغيرات المناخية، فمن خلال تحديد الأعمار الزمنية بدقة، يمكن ربط الفترات المناخية الرطبة أو الجافة مع أحداث تاريخية معينة، مثل "العصر الجليدي الصغير"، وتحديد مدى تأثير تلك التغيرات المناخية على البيئة والإنسان في الماضي.
وأخيرا، يساعد تخصص "النمذجة الحاسوبية" على إنشاء نماذج رياضية وحاسوبية لمحاكاة البيانات المناخية بناء على المعلومات المستخرجة من الرواسب، وهذه النماذج تساعد في فهم التغيرات المناخية في الماضي، وتوقع الأنماط المناخية المستقبلية.
الجفاف استثناء وليس قاعدة
ومن خلال فهم وتحليل البيانات المناخية التي تقدمها هذه التخصصات، نجح الباحثون في توفير صورة متكاملة حول التغيرات المناخية في الجزيرة العربية، إذ أظهرت دراستهم أن العصر الحديث أكثر جفافا بمقدار 2.5 مرة مقارنة بالـ1600 عام الماضية.
وأوضحت أن العصر الجليدي الصغير (الذي امتد تقريبا من القرن الـ14 إلى القرن الـ19) تميز بأنه فترة رطبة بشكل استثنائي، فقد شهدت تلك الفترة في شبه الجزيرة العربية (تحديدا قبل 400 عام) ارتفاعا ملحوظا في معدلات هطول الأمطار، بمقدار 5 أضعاف مقارنة بما نشهده اليوم.
ويقول بوركيس إن "هذا الفهم المعتمد على الرواسب كان من الصعب الحصول عليه من البيانات الحديثة، لأن المنطقة غير مجهزة بشكل جيد بالأدوات اللازمة لقياس المناخ، خاصة فيما يتعلق بمقاييس المطر، حيث كانت البيانات شحيحة بشكل مدهش حتى في الـ20 سنة الماضية".
ورغم أن المنطقة تُعتبر الآن شديدة الجفاف، إلا أن طبقات الفيضانات التي تم توثيقها تشير إلى أن التحولات المناخية السابقة قادرة على توليد ظروف مناخية لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، أي أن الجفاف الحالي هو استثناء وليس القاعدة، وأن هناك سرعة في تغير المناخ بين الجفاف والرطوبة، تتطلب الاستعداد لهذا السيناريو.
رسالة تحذير من الماضي
وتاريخيا، يرتبط التحول المفاجئ إلى فصول شتاء باردة ورطبة بتغيرات اقتصادية واجتماعية.
ويوضح بوركيس أن "التحول المفاجئ إلى فصول شتاء باردة ورطبة في القرن الـ15 أدى إلى تقلص كبير في الإمبراطورية العثمانية، حيث تخبرنا النصوص العثمانية أنه بحلول أواخر تسعينيات القرن الـ15، عانت الأناضول وسوريا من سلسلة من فصول الشتاء الباردة والمثلجة، وهذا أدى إلى وفاة مئات الآلاف (وربما الملايين) من القرويين، وسقطت الإمبراطورية العثمانية في أزمة بسبب مزيج من المجاعة والهروب والأمراض التي نشأت بسبب العنف واسع النطاق المرتبط بالمناخ غير المتوقع".
ويضيف أن "تمرد الجلاليين (1590 إلى 1610 م) ، كان أكبر تحدٍ داخلي لسلطة الدولة خلال وجود الإمبراطورية، ويشير تحليل عينات الرواسب المائية في منطقة التجمع المائي للحوض المالح في خليج العقبة إلى أن كمية الأمطار في تلك الفترة كانت أكثر بـ3 أضعاف من المعدل الحالي للأمطار (31 مليمترا سنويا)، وهذا يعني أن منطقة التجمع المائي كانت تتعرض لمعدلات أمطار غزيرة جدا، وهذا ساهم في تشكيل الظروف المناخية الرطبة التي أثرت على حياة السكان وأدت إلى أزمات غذائية وكوارث طبيعية، كما أنه قبل 100 عام من هذا التمرد، كانت الأمطار أكثر غزارة بمقدار 5 أضعاف مقارنة بالحاضر، ما يشير إلى أن المنطقة شهدت تغيرات مناخية كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة نسبيا، وهذا أدى إلى تأثيرات واسعة على النظم السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت".
وبناء على ذلك، يشير بوركيس إلى أن "النتيجة الأكثر أهمية من الدراسة هي أن المناخ يمكن أن يتغير بسرعة كبيرة، وهذا يعني أن الحكومات والمخططين البيئيين في المنطقة يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة ظروف مناخية جديدة غير مسبوقة في العصر الحديث، بما في ذلك الفيضانات العنيفة أو الفترات الرطبة التي قد تعود في المستقبل".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مخاطر كبيرة تنتظر الجزيرة البركانية الإسبانية
مخاطر كبيرة تنتظر الجزيرة البركانية الإسبانية

أخبار قطر

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • أخبار قطر

مخاطر كبيرة تنتظر الجزيرة البركانية الإسبانية

تكافح جزيرة إسبانية صغيرة في المحيط الأطلسي بعد أيام من ثوران بركان ، مما أدى إلى إجلاء آلاف الأشخاص ، وتحذر السلطات من أن المزيد من مخاطر الانفجار تنتظرها. فيما يلي نظرة على الثوران البركاني في لا بالما وعواقبه: أين حدث انفجار البركان؟ ووقع ثوران البركان بعد ظهر يوم الأحد في لا بالما ، وهي واحدة من ثماني جزر بركانية في أرخبيل جزر الكناري بإسبانيا ، والتي تمتد على طول الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا. يعد هذا ثوران بركاني ثانٍ خلال 50 عامًا للجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 85000 نسمة. تم تسجيل زلزال بقوة 4.2 درجة قبل ثوران البركان. تصاعدت أعمدة ضخمة من الدخان الأسود والأبيض من سلسلة جبال كومبر فيجا البركانية بعد أسبوع من آلاف الزلازل الصغيرة. تتدفق الآن أنهار لا يمكن وقفها من الحمم البركانية المنصهرة ، بعضها يصل ارتفاع بعضها إلى 6 أمتار (20 قدمًا) ، إلى أسفل نحو المحيط ، وتبتلع كل شيء في طريقها. جزر الكناري هي بقعة بركانية ساخنة تحظى بشعبية لدى السياح الأوروبيين بسبب مناخها المعتدل طوال العام. جبل تيد ، على جزيرة تينيريفي القريبة ، هو واحد من أطول البراكين في العالم وأعلى جبل في إسبانيا. يعيش الناس في لا بالما في الغالب من الزراعة. ما سبب الانفجار؟ كان العلماء يراقبون عن كثب تراكم الصهارة الجوفية في لا بالما لمدة أسبوع قبل ثوران البركان ، واكتشفوا أكثر من 20000 زلزال – معظمها أصغر من أن نشعر به. يُعرف ذلك باسم 'سرب الزلزال' ويمكن أن يشير إلى اقتراب ثوران البركان. قبل ثلاثة أيام من اندلاع البركان ، أفاد معهد جزر الكناري للبراكين أن 11 مليون متر مكعب (388 مليون قدم مكعب) من الصخور المنصهرة قد تم دفعها إلى كومبر فيجا. بعد الزلزال الذي بلغت قوته 4.2 درجة ، تسبب شرخان في إطلاق صهارة حمراء زاهية في الهواء. تدفقت الحمم البركانية في الجداول أسفل المنحدر الجبلي. ما مدى سوء الضرر؟ تعني المراقبة العلمية الدقيقة أن السلطات كانت قادرة على إجلاء الناس بسرعة عندما ثار البركان ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات. لكن الأضرار التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية والأراضي الزراعية كانت كبيرة. دمر الانفجار حتى الآن حوالي 190 منزلاً وأجبر 6000 شخص على الإجلاء. وقد دفنت الصخور المنصهرة أيضًا بساتين الموز وكروم العنب ومحاصيل الأفوكادو والبابايا. فقد فقدت بعض شبكات الري ، وتلوثت المياه الجوفية ، وأغلقت الطرق. تتجه الآن أنهار الحمم البركانية نحو الساحل الأكثر اكتظاظًا بالسكان بالجزيرة والمحيط الأطلسي ، حيث يمكن أن تسبب مشاكل جديدة. ما هي المخاطر الآن؟ تقول السلطات إن السكان يواجهون مجموعة من المخاطر في الأيام والأسابيع المقبلة. عندما تصل الحمم البركانية إلى المحيط الأطلسي ، يمكن أن تسبب انفجارات وتنتج سحبًا من الغازات السامة. قام العلماء الذين يراقبون الحمم بقياسها بأكثر من 1000 درجة مئوية (أكثر من 1800 درجة فهرنهايت). في آخر ثوران بركان للجزيرة في عام 1971 ، توفي شخص بعد استنشاق الغاز المنبعث عندما اصطدمت الحمم بالمياه. استمرت الزلازل على الجزيرة ، مما أثار قلق السكان. افتتح شق جديد في وقت متأخر من يوم الاثنين بعد ما قال معهد جزر الكناري للبراكين إنه زلزال بقوة 3.8 درجة ، وبدأ في إطلاق المزيد من الحمم البركانية. يقول العلماء إن المزيد من فتحات الحمم البركانية الجديدة والشقوق قد تظهر ، مما يعرض مناطق جديدة للخطر. قال معهد علم البراكين إن البركان ينتج ما بين 8000 و 10500 طن من ثاني أكسيد الكبريت يوميًا. ثاني أكسيد الكبريت كريه الرائحة ويهيج الجلد والعينين والأنف والحنجرة. كما يمكن أن يسبب المطر الحمضي وتلوث الهواء. كما نتج عن الثوران رماد بركاني يمكن أن يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي. وقالت السلطات في لا بالما للناس في المناطق الواسعة التي يتساقط فيها الرماد أن يبقوا في منازلهم مع إغلاق أبوابهم ونوافذهم. إلى متى سيستمر الانفجار؟ يقول العلماء إن تدفقات الحمم البركانية في لا بالما يمكن أن تستمر لأسابيع أو حتى شهور. استمر آخر ثوران للبركان في الجزيرة عام 1971 لما يزيد قليلاً عن ثلاثة أسابيع. حدث آخر ثوران بركاني في جميع جزر الكناري تحت الماء قبالة ساحل جزيرة إل هييرو في عام 2011. واستمر الانفجار لمدة خمسة أشهر.

ذبابة الفاكهة.. كيف تحافظ بدقة مدهشة على مسارها أثناء الطيران؟
ذبابة الفاكهة.. كيف تحافظ بدقة مدهشة على مسارها أثناء الطيران؟

الجزيرة

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ذبابة الفاكهة.. كيف تحافظ بدقة مدهشة على مسارها أثناء الطيران؟

عندما يحلق ذباب الفاكهة بسرعة كبيرة في خط مستقيم، كيف يعرف أنه لا ينحرف عن طريقه؟ السر يكمن في نظام بصري مذهل يعرف بـ"التدفق البصري"، حيث يولد نمطا بصريا متماثلا في كلتا العينين في أثناء الطيران المستقيم. هذا التماثل يسمح للذباب بتقدير اتجاهه بدقة، وفقا لدراسة نشرت في الأول من مايو/أيار في مجلة نيتشر "نيوروساينس". وإن الطيران بسرعات العالية قد يخدع الدماغ، لأن التماثل البصري يصبح أقوى وتصعب ملاحظة الانحرافات البسيطة، وهنا يظهر دور نظام عصبي شديد الحساسية في تلك الكائنات، قادر على التقاط تلك التغييرات في أجزاء من الثانية وتصحيح المسار على الفور. وفي هذا الصدد، تقول الباحثة المشاركة في الدراسة إيوجينيا كيابيه من مؤسسة شامباليمود في لشبونة، في حديثها للجزيرة نت، إن "العين وحدها لا تكفي للتمييز بين الحركة المتماثلة وغير المتماثلة، فالأمر يتطلب معالجة من أجزاء أخرى في الدماغ". وتضيف: "إذا نظرت بعين واحدة فقط، فلن تستطيع معرفة إن كنت تطير في خط مستقيم، لأنك تفقد نصف المشهد". "الطرح العصبي".. كيف يكشف الدماغ الانحراف؟ عمل الفريق البحثي على تتبع شبكة عصبية متكاملة تجمع المعلومات البصرية من العينين في ذبابة الفاكهة لاكتشاف أي انحراف طفيف. كما رسموا خريطة دقيقة للدائرة العصبية المسؤولة عن هذه العملية، وكشفوا كيف تؤثر على سلوك الذبابة في أثناء الطيران. بدأت الدراسة بخلايا عصبية تعرف باسم "الخلايا الأفقية"، وهي تستجيب للحركة الأفقية وتسهم في التحكم في الاتجاه. ثم ركز الباحثون على نوع محدد من الخلايا العصبية النازلة تسمى "دي إن بي 15″، التي تستقبل إشارات من الخلايا الأفقية وتنقلها إلى الجهاز الحركي في جسم الذبابة عبر الحبل العصبي البطني– وهو ما يعادل الحبل الشوكي لدى البشر. وباستخدام تقنية تصوير دقيقة تعرف بـ"المجهر ثنائي الفوتون"، تبين أن هذه الخلايا لا تتفاعل مع الحركات المتماثلة، بل تُركّز على الفروقات بين العينين. تقول الباحثة: "كنا نظن أن هذه الخلايا تجمع المعلومات من الجانبين، لكن المفاجأة أنها تقوم بعملية طرح عصبي، أي أنها تزيل الأجزاء المتشابهة من الصورة وتركز فقط على الاختلافات التي تدل على الانحراف". دماغ دقيق يتحكم في حركة الأجنحة للتعمق في التفاصيل، استخدم الباحثون خريطة رقمية دقيقة للدماغ تم تطويرها باستخدام المجهر الإلكتروني، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي ساعدت في تتبّع الخلايا العصبية بدقة فائقة. أظهرت النتائج أن هذه الخلايا العصبية تتصل مباشرة بخلايا أخرى مسؤولة عن حركة الرقبة والأجنحة والأرجل، وحتى أعضاء التوازن لدى الذبابة. وهذا يعني أن المعلومات البصرية تتحول بسرعة إلى أوامر حركية لضبط الجسم. لكن الأهم هو اكتشاف شبكة مكونة من 16 خلية عصبية إضافية تتفاعل مع الخلايا السابقة وتضبط عملها، بما في ذلك نوع خاص من الخلايا المثبطة تعرف باسم "بابيس"، تعمل على كبح الإشارات المتماثلة غير المفيدة، مما يسمح لخلايا "دي إن بي 15" بالتركيز فقط على الانحرافات. وتوضح كيابيه أن "هذه الخلايا تجعل (دي إن بي 15) شديدة الحساسية لأي انحراف بسيط، حيث تدمج الإشارات البصرية مع إشارات عصبية راجعة لتنتج استجابة دقيقة جدا". وتظهر الدراسة أن هذه الشبكة العصبية تستطيع رصد الفروقات الطفيفة في تدفق الصورة حتى في أثناء الطيران السريع، وترسل أوامر فورية لضبط الاتجاه واستعادة المسار الصحيح. وتختم الباحثة بالقول إن هذه الآلية تسمح للذباب بتحويل الفروقات بين العينين إلى إشارات حركية دقيقة، تُنظّم مساره ونظرته في الوقت نفسه.

أكبر فيضان في تاريخ الأرض قبالة المغرب عمره 5 ملايين سنة
أكبر فيضان في تاريخ الأرض قبالة المغرب عمره 5 ملايين سنة

الجزيرة

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

أكبر فيضان في تاريخ الأرض قبالة المغرب عمره 5 ملايين سنة

توفّر الرواسب الصخرية المختلطة على قمم المرتفعات الجبلية (جنوب شرق جزيرة صقلية) أول دليل على سطح اليابسة يؤكد حدوث أكبر فيضان في تاريخ الأرض، عندما اندفعت المياه بكميات هائلة عبر مضيق جبل طارق قبالة الشواطئ المغربية. وقد عرضت هذه الأدلة مؤخرا في الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر كومنيكيشنز إيرث أند إنفايرومنت". وحدث الفيضان الكبير قبل أكثر من 5 ملايين سنة بسبب هبوط في قاع البحر مما تسبب في انهيار سلسلة من المرتفعات الجبلية بين المحيط الأطلسي وحوض البحر الأبيض المتوسط، وتربط هذه المرتفعات بين سلاسل جبال بايتيك على السواحل الإسبانية وجبال الريف المغربية. وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح آرون مكاليف الباحث في معهد خليج مونتيري للأبحاث المائية بالولايات المتحدة، والذي قاد فريق عمل الدراسة، الدلائل الواضحة سواءً على اليابسة أو تحت سطح البحر بالقرب من جنوب شرق صقلية، والتي تشير إلى اندفاع فيضان هائل عبر المنطقة، حيث اكتشف الباحثون مئات التلال الطويلة التي شكلتها المياه سريعة الحركة، وطبقة سميكة من الصخور المتكسرة التي خلفتها التيارات العنيفة، وقناة واسعة محفورة في قاع البحر. وتتوافق هذه السمات -بحسب الباحث- مع توقعات العلماء حول فيضان مفاجئ وهائل، وتدعم بقوة فكرة أن البحر المتوسط ​​قد امتلأ بسرعة كبيرة خلال ما يُسمى فيضان زانكلين الضخم. أزمة جفاف المتوسط يعد مضيق جبل طارق الرابط الأساسي بين مياه المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، ويلعب دوراً كبيراً في موازنة تدفق المياه المالحة من المحيط، ونقص المياه العذبة في البحر نتيجة التبخر. وقد أدت الأنشطة التكتونية والأحداث الزلزالية الكبرى إلى انسداد مضيق جبل طارق وعزل البحر المتوسط عن المحيط الأطلسي أواخر العصر الميوسيني، أي قبل 5 إلى 6 ملايين سنة، مما أدى إلى جفافه شبه الكامل، ولم يتبقَّ منه سوى بضع بحيرات شديدة الملوحة تُشبه البحر الميت الحالي، في حدث بيئي كبير عرف باسم أزمة الملوحة المسينية، مما أدى إلى تغيير بيئة البحر المتوسط ​​بشكل كبير، وانخفاض مستوى البحر بنحو نصف متر سنويا، خلال العصر الميوسيني. ودخل المتوسط على إثر ذلك دورة متكررة من الجفاف الجزئي أو شبه الكامل لحوضه، وكادت أزمة الملوحة تقضي على نظامه البيئي، وأدت بالفعل إلى انقراض حوالي ثلثي الأنواع البحرية الأصلية لهذا الحوض، وأحدثت تقلبات شديدة في الملوحة ودرجة الحرارة، تراكم خلالها نحو مليون كيلومتر مكعب من الملح، بسمك يتراوح من 2 و3 كيلومترات في قاع البحر. الفيضان الكبير لكن مياه المحيط الأطلسي وجدت طريقا عبر مضيق جبل طارق الحالي، وأعادت ملء البحر المتوسط بسرعة هائلة خلال فيضان زانكلين. وتظهر بيانات الآبار والزلزال شقوقا -يزيد عمقها على 250 مترا على جانبي مضيق جبل طارق- نسبت سابقا إلى التعرية النهرية أثناء الجفاف. ويوضح مكاليف للجزيرة نت أنه -وخلال أزمة الملوحة المسينية- جفّ جزء كبير من البحر المتوسط تاركًا وراءه طبقات سميكة من الملح ومُشكّلًا وديانًا ومنحدرات عميقة. وعندما حدث فيضان زانكلين الضخم غيّر شكل المشهد بشكل جذري حيث حفرت المياه المتدفقة أخاديد وقنوات عميقة في قاع البحر، وجرفت صخورا قديمة، ونشرت طبقات من الرواسب الجديدة المختلطة. واستمرت الطفرة المدمرة عامين وتسببت بذروتها في ارتفاع مستوى البحر المتوسط بأكثر من 10 أمتار في اليوم. وتحركت مياه الفيضانات بسرعة تزيد على 100 كيلومتر في الساعة وخلفت ندوبا في قاع البحر لا تزال مرئية حتى اليوم. لا مخاطر زلزالية بالمنطقة العربية وتُظهر دراسات الطبقات تحت قاع البحر أن أزمة الملوحة المسينية أثرت أيضا على الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط. وبحسب الباحث، فقد شهدت سواحل الجزائر والمغرب تآكلا جويا كبيرا مع انخفاض مستوى سطح البحر، مما حفر وديانا عميقة في الهوامش القارية المكشوفة، خلال أزمة الملوحة. كما تراكمت بسبب التبخر الشديد رواسب كثيفة من العناصر وخاصة الملح، قبالة سواحل الجزائر، مما أثر بشدة على بنية الحوض. ورغم أن الأزمة المسينية قد شكلت المشهد الجيولوجي الطبيعي منذ ملايين السنين، فإن الباحث يؤكد أن هذه الأحداث لا تزيد بشكل مباشر من مخاطر الزلازل بهذه المناطق حالياً، لأن السبب الرئيسي للزلازل في المنطقة المحددة اليوم هو الحركة المستمرة للصفائح التكتونية وليس أزمة الملوحة المسينية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store