
"قبعة الموت".. ما الذي يجعله الفطر السام الأكثر فتكًا بالبشر؟
يُقال إنه لضمان خلافة نيرون كخامس إمبراطور لروما، اغتالت والدته أغريبينا زوجها سرًا، وكان سلاح الجريمة عبارة عن حفنة من فطر يسمى "قبعة الموت".
وعرف البشر سمية هذا الفطر، المعروف علميًا باسم "أمانيتا فالويدس" منذ آلاف السنين، إلا أنه لا يزال يُشكل تهديدًا كبيرًا للباحثين عن الطعام في جميع أنحاء العالم.
ويقول مايكل بيوغ أستاذ علم الفطريات والكيمياء والدراسات البيئية بكلية إيفرغرين ستيت في واشنطن -في تصريحات للجزيرة نت- إن هذا الفطر ليس كغيره من الفطريات السامة "فنصف واحد صغير فقط يمكن أن يحتوي على ما يكفي من السم لقتل شخص بالغ".
الفطر الأخطر على البشر
"قبعة الموت" أكثر أنواع الفطريات سُميةً على الإطلاق، ويُعد تناول السم الموجود في هذا الفطر مسؤولاً اليوم عن أكثر من 90% من جميع الوفيات المرتبطة بالتسمم الفطري حول العالم، حيث يتسبب في مقتل ما يزيد على 100 شخص سنويًا.
وعلى الرغم من خطورة فطر "قبعة الموت" يقول بيوغ إنه "قد يبدو للوهلة الأولى عاديًا نسبيًا" ويضيف "لونه أبيض وينمو في كل مكان، من جوانب أرصفة الطرق في المدن إلى جذوع الأشجار في الغابات".
وليس من السهل الخلط بين "قبعة الموت" وبين فطر القش أو البافبول الصالح للأكل فحسب، بل طعمه لذيذ أيضًا، وهذا قد يُعد مشكلة كبيرة يصعب معها التفريق بينه وبينه الأنواع الأخرى غير السامة.
ويبدو فطر "قبعة الموت" الناضج مُقبَّبًا بأغطية بيضاء أو صفراء مُخضرة، ويتراوح عرضه بين 4 و16 سنتيمترًا، لكن الأهم أنه أصبح نوعًا عالميًا، ولا يزال تأثيره على النظام البيئي الأوسع غامضًا بعض الشيء.
ومع أن معظم أنواع الفطر السام لن تقتلك بل قد تسبب لك صداعًا أو تقيؤًا، فإن "قبعة الموت" قد لا يبدو كغيره من الفطريات بسبب تأثيره المميت، فما الذي يجعله خطيرًا إلى هذه الدرجة؟
سر السمية القاتلة
بينما تُنتج فطريات "قبعة الموت" أنواعًا عديدة من السموم، فإن فئة واحدة، وهي الأماتوكسينات، هي الأخطر على الإطلاق.
إنها مُركَّبات قوية يصعب تدميرها بالطهي أو التجميد أو التجفيف. وإذا تم تناولها، تمر بسهولة عبر جدار الأمعاء لتدخل مجرى الدم، وتُلحق الضرر بأجهزة الجسم المتعددة.
وتعتمد طريقتها الرئيسية في التدمير على تثبيط عمل إنزيمات "بوليميراز الحمض النووي الريبوزي" الضرورية للجسم، إذ تُمكّن الخلايا من بناء البروتينات اللازمة لوظائفها.
وعلى سبيل المثال، تُثبّط الأماتوكسينات إنتاج مُركّبات تجلط الدم، مما قد يؤدي إلى النزف. وفي الكلى، تُعيق هذه السموم تدريجيًا قدرة الجسم على تنظيم السوائل وإنتاج البول، ويمكن أن يسبب الجفاف فشلًا كلويًا.
لكنها ربما تكون الأكثر ضررًا بالكبد، وهو المكان الذي تُصفى فيه الفضلات -بما في ذلك السموم- من الدم، فتتراكم الأماتوكسينات بشكل طبيعي، وتمنع عملية إنتاج البروتينات الجديدة، مما يؤدي إلى موت خلايا الكبد.
ويشعر ضحايا "قبعة الموت" بصحة جيدة خلال أول 6 إلى 12 ساعة بعد تناولهم الفطر، ولكن خلال تلك الفترة يدمر السم خلايا الكبد بهدوء، وتكون الأعراض الأولية شبيهة بأعراض الإنفلونزا، ثم يُصاب المرضى بألم شديد في البطن وقيء وإسهال دموي.
ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى فشل الكبد، وفي النهاية إلى الموت. وفي الحالات الأكثر خطورة، فإنَّ الطريقة الوحيدة لإنقاذ المريض هي زراعة الكبد.
ولحسن الحظ، إذا عولج المصاب بتسمم "قبعة الموت" بشكل صحيح بعد تناوله مباشرةً، فسينجو ما يصل إلى 90% من المرضى، فالعلاج لا يتطلب أي نوع من الترياق الخاص، فغالبًا ما يكفي التنقيط الوريدي المكثف والمستمر لطرد السموم من الدم.
ومع ذلك، لا يعرف جميع الأطباء كيفية علاج أو التعرف على تسمم "قبعة الموت" بشكل صحيح، فالأعراض الأولية تبدو مشابهة لأنواع أخرى من التسمم الغذائي.
ومما يزيد الأمر سوءًا -كما يقول بيوغ- أن الأماتوكسينات تتراكم ببطء في الكبد، وغالبًا ما لا تظهر الأعراض الأكثر خطورة مباشرة، أي قد لا تعلم أنك تعرضت للتسمم إلا بعد أيام من تناول هذا الفطر شديد السمية.
لغز الأماتوكسينات المحير
لا يزال الباحثون غير متأكدين من سبب تطور فطر "قبعة الموت" ليصبح قاتلاً لهذه الدرجة، وما الذي يحمي نفسه منه تحديدًا، كذلك لا يزال فهم الفوائد الدقيقة التي تُقدمها الأماتوكسينات السامة للفطر أحد ألغاز المحيّرة التي تحير العلماء، خاصة وأنها مستقلبات ثانوية، أي أنها ليست ضرورية لنمو الفطر أو بقائه.
ويقول بيوغ "لا تقتصر الأماتوكسينات على فطريات قبعة الموت بل تُنتجها أيضًا أنواع أخرى من الفطر من جنسَي غاليرينا وليبيوتا. ومع ذلك، وعلى عكس قبعة الموت، فإن هذه الأنواع السامة تُسبب وفيات بشرية قليلة نسبيًا".
ويضيف أن "ذلك يرجع إلى أن فطري غاليرينا وليبيوتا يمكن تمييزهما بسهولة، في حين أن فطريات قبعة الموت، وخاصةً الصغيرة منها، يمكن الخلط بينها وبين أنواع أخرى من الفطر الصالح للأكل".
وتنتشر فطريات "قبعة الموت" على نطاق واسع نسبيًا، فرغم أنها متوطنة تاريخيًا في الدول الإسكندنافية وأجزاء من شمال أوروبا فإنها توجد الآن في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
عند أشجار البلوط
ينتشر "قبعة الموت" بنفس طريقة انتشار الفطريات الأخرى. ومثل الفطر المحاري غير السام، يُطلق "قبعة الموت" مئات الآلاف من الأبواغ في الهواء، التي تنتقل إلى محيطها عبر الأرانب والقوارض التي ترعى في البرية وكذلك البشر.
وتنجرف الأبواغ نحو ظلال أشجار البلوط الحية، حيث تُنبت خيوطًا تلتصق بجذور الأشجار، ويبلغ عرض كل خيط من خيوط الفطر عرض شعرة الإنسان تقريبًا.
وتحت المجهر، يُمكن رؤية كيف يُغلف الفطر الأبيض أطراف جذور الشجرة الوردية، حيث يتغذى الفطر على سكريات الأشجار، ويمنحها في المقابل العناصر الغذائية التي تجمعها تحت الأرض، مُشكّلةً علاقة تكافلية وثيقة مع الأخشاب الصلبة والصنوبريات.
ويقول بيوغ "من المثير للاهتمام أنك سترى دائرة من الفطر على الأرض، ولكن إذا نظرت إليها، ستدرك أن الفطر في الواقع متصل بجذور الشجرة". ويضيف "الفطر الملتصق بالجذور، مثل قبعة الموت، غالبًا ما يحتوي على أبواغ تتحلل بسرعة، لذا فهي لا تنتقل لمسافات بعيدة".
طفرة عالمية
ويضيف بيوغ أن "البشر تدخلوا ونقلوا الأشجار لأغراض الزينة، وفجأة وجدت هذه الفطريات -التي لولا تدخل البشر لكانت بقيت في أوروبا- مكانًا أفضل بكثير شمال غرب المحيط الهادي من خلال السفر في جذور الأشجار المضيفة لها".
وبما أن هذه الأشجار زُرعت في مناطق مستعمرة حول العالم، فقد كانت تتسلل إليها فطريات "قبعة الموت" سرًا. وعلى سبيل المثال، أدت زراعة أنواع أشجار غير محلية بأميركا الشمالية إلى طفرة في إنتاج الفطر في بعض مناطق القارة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
والآن لا تقتصر فطريات "قبعة الموت" على البقاء مع الأشجار المضيفة لها، بل تنتقل إلى عوائل أصلية جديدة عبر مسار تلامس جذور شجرة بجذور أخرى.
ومن غير الواضح كيف يحدث هذا في النظم البيئية، فقد تتسبب في إقصاء الفطر الأصلي، وقد تقوم بإدخال مسببات أمراض جديدة إلى النباتات، ولكن ما أصبح واضحًا أن "قبعة الموت" تتأقلم بطريقة ما، ولا توجد طريقة يمكن من خلالها إيقافها.
ووفقًا لبيوغ "من المهم أن يتعلم الناس في جميع أنحاء العالم كيفية التعرف على هذا النوع القاتل وتجنبه". ويضيف "إذا وجدت نفسك تبحث عن الطعام، فتذكر أن تكون على أهبة الاستعداد، وفي حال الشك، يُفضل التخلص من هذا الفطر".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ يوم واحد
- جريدة الوطن
عــــــــــلاج لـ«ألزهايمــــــر»
طوّر بعض العلماء نهجا جديدا يُكافح بشكل مباشر تطور الأمراض التنكسية العصبية، مثل مرض ألزهايمر والتصلب الجانبي الضموري. واستخدم الباحثون الألياف النانوية المغلفة بسكر لاحتجاز البروتينات السامة ومنعها من التأثير على الخلايا العصبية. وطور هذا النهج باحثون من جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة، ونُشرت نتائج دراستهم في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية (Journal of the American Chemical Society) في 14 مايو وكتب عنها موقع يوريك أليرت. تتشابك البروتينات بشكل خاطئ وتتكتل حول خلايا الدماغ في الأمراض العصبية التنكسية، مما يؤدي في النهاية إلى موت الخلايا. ويُحاصر العلاج الجديد المُبتكر هذه البروتينات بفعالية قبل أن تتجمع مُشكّلة هياكل سامة قادرة على اختراق الخلايا العصبية. ثم تتحلل البروتينات المُحاصرة في الجسم دون أي ضرر. قال صموئيل آي. ستوب، الباحث الرائد في مجال الطب التجديدي من جامعة نورث وسترن والذي قاد الدراسة «تُسلّط دراستنا الضوء على الإمكانات الواعدة للمواد النانوية المُعدّلة جزيئيا لمعالجة الأسباب الجذرية للأمراض العصبية التنكسية». وأضاف «في العديد من هذه الأمراض، تفقد البروتينات بنيتها الوظيفية المطوية وتتجمع لتكوين ألياف مُدمّرة تدخل الخلايا العصبية وتكون شديدة السمية لها. ومن خلال احتجاز البروتينات المطوية بشكل خاطئ، يُثبّط علاجنا تكوين تلك الألياف في مرحلة مبكرة. ويُعتقد أن ألياف الأميلويد القصيرة، التي تخترق الخلايا العصبية، هي أكثر التراكيب سمية في المرحلة المبكرة، ونعتقد أنه مع المزيد من العمل، يُمكن أن يُؤخّر هذا بشكل كبير تطور المرض».


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين
غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". إعلان تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.


جريدة الوطن
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
آفاق جديدة لعلاج أمراض القلب
كشفت دراسات حديثة عن أدوار محورية لنوع من الحمض النووي الريبوزي يُدعى «آر إن إيه غير المشفّر» (Non-coding RNA)، وهو نوع من الآر إن إيه لا ينتج البروتينات كما هو معتاد، وتفتح هذه الدراسات آفاقا جديدة لتشخيص وعلاج والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. وقام باحثون من جامعة قوانغدونغ الطبية في الصين بجمع المعلومات التي خلصت لها الدراسات حول خصائص آر إن إيه غير المشفِّر البيولوجية ودورها المحتمل في أمراض القلب والأوعية الدموية، البحث نُشر في مجلة جينات وأمراض (Genes & Diseases)، وكتب عنها موقع يوريك أليرت. أهمية الحمض النووي الريبوزي غير المشفّر الأحماض النووية جزيئات مسؤولة عن تخزين وترجمة المعلومات الوراثية في الكائنات الحية. ويوجد منها نوعان: الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» (DNA)، والحمض النووي الرايبوزي «آر أن أي» (RNA). ويسمى الحمض النووي أيضا «المادة الوراثية». ويوجد الحمض النووي في نواة الخلايا الحية، حيث يأخذ شكل سلم لولبي مزدوج مكون من شريطين، مشكلا الكروموسومات التي تحمل الصفات الجسمية والخلقية للكائنات الحية. وتضم الكروموسومات ما يسمى «الجينات» حيث يحمل كل واحد أو مجموعة منها معلومات وراثية محددة. أما الحمض النووي الريبوزي، فهو يترجم المعلومات في الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين ليعطي إشارات تنبه الخلايا على إفراز وتصنيع البروتينات الملائمة لها، فالخلايا اللعابية تبدأ تصنيع اللعاب، أما خلايا بيتا في البنكرياس فتصنع الإنسولين. خردة الحمض النووي لطالما اعتُقد أن وظيفة الحمض النووي منقوص الأكسجين تقتصر على تخزين المعلومات الوراثية التي تُنسخ إلى آر إن إيه، ثم تُترجم إلى بروتينات تنفذ وظائف الخلية. لكن الأبحاث كشفت أن أقل من 2 % فقط من الحمض النووي يُترجم فعليا إلى بروتينات، في حين أن النسبة الأكبر، نحو 98 %، كانت تُعدّ لفترة طويلة حمضا نوويا ليس له وظيفة أو ما عُرف بـ«دي إن إيه الخردة» (Junk DNA). بيد أن الدراسات الحديثة أظهرت أن جزءا كبيرا من هذا الحمض النووي يُنسخ إلى نوع من الآر إن إيه لا يُنتج بروتينات، ويُعرف بـ«الآر إن إيه غير المشفر» (Non-coding RNA). وقد تبين أن هذه الجزيئات تؤدي أدوارا أساسية في تنظيم الجينات، والتفاعل مع البروتينات، والمساهمة في استقرار المادة الوراثية داخل الخلية. وتلعب هذه الجزيئات أدوارا مهمة في تنظيم العمليات الخلوية الأساسية، مثل انقسام الخلايا، موت الخلايا المبرمج، والالتهابات. وهذا ما دفع الباحثين لتعمق أكثر في علاقتها بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها أمراض القلب والأوعية الدموية. ووجد الباحثون أن أنماط التعبير عن الآر إن إيه غير المشفِّر تتغير بشكل ملحوظ في حالات مثل احتشاء عضلة القلب، الفشل القلبي، وتصلب الشرايين. يساهم بعض هذه الجزيئات في حدوث المرض، بينما يظهر بعضها الآخر كآلية دفاعية للخلايا القلبية. وهذا يعني أن الآر إن إيه غير المشفِّر لا يمثل فقط مؤشرات حيوية يمكن الاستفادة منها في التشخيص المبكر، بل أيضا قد يخدم في المستقبل في الوصول لعلاجات وفي الوقاية من المرض. من جانب آخر، كشفت دراسة حديثة عن السبب وراء ارتباط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وأجرى الدراسة باحثون بقيادة دايتشي شيمبو، طبيب القلب وأستاذ الطب في مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا، ونشرت الأربعاء في مجلة جمعية القلب الأميركية، وكتبت عنها واشنطن بوست. وتسلط الدراسة الضوء على المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بالغضب الشديد وتأثير المشاعر السلبية على صحتنا بشكل عام. وشملت الدراسة 280 من البالغين الأصحاء الذين تم توزيعهم بشكل عشوائي في مهمة مختلفة مدتها 8 دقائق، كل منها مصمم لإثارة مشاعر الغضب أو القلق أو الحزن أو الحياد. قبل وبعد هذه المهام العاطفية، قام الباحثون بتقييم صحة بطانة الأوعية الدموية للمشاركين. تعتبر الخلايا البطانية، التي تبطن الأوعية الدموية، ضرورية للحفاظ على سلامة الأوعية الدموية وهي حيوية للدورة الدموية السليمة وصحة القلب والأوعية الدموية. وكشفت النتائج أن الغضب كان له تأثير سلبي كبير على وظيفة بطانة الأوعية الدموية، مما يحد من قدرة الأوعية الدموية على التمدد. ولم يكن التأثير واضحا مع مشاعر القلق أو الحزن. تأثير المشاعر السلبية ووفقا لشيمبو، فإن هذا البحث يمثل خطوة نحو فهم كيفية تأثير المشاعر السلبية المختلفة بشكل خاص على الصحة البدنية. وقال شيمبو «من المذهل أن القلق والحزن لم يكن لهما نفس تأثير الغضب، مما يشير إلى أن الطرق التي تسهم بها المشاعر السلبية في الإصابة بأمراض القلب تختلف». وقال بريان تشوي، طبيب القلب وأستاذ الطب والأشعة في جامعة جورج واشنطن، إن مثل هذه النتائج يمكن أن تدفع مقدمي الرعاية الصحية إلى فحص علاجات مثل إدارة الغضب لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وأضاف تشوي «كثيرا ما نسمع عن شخص يعاني من نوبة قلبية أثناء حدث مؤلم للغاية.. لقد عرفنا أن التوتر الناتج عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى نوبة قلبية، لكننا لم نفهم السبب حتى هذه الدراسة، التي توضح الآلية الأساسية». وقال ديفيد شبيجل، الرئيس المشارك للطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة ستانفورد، إن حالات الأمراض العقلية، وتشمل الاكتئاب والقلق، ارتفعت في السنوات القليلة الماضية. ويضيف أنه على الرغم من أن الغضب هو شعور طبيعي، فإن مشاعر الغضب المستمرة ليس لها تأثيرات طويلة المدى على الفرد فحسب، بل يمكن أن تؤثر أيضا على الآخرين من حولهم. تشمل العلاجات الشائعة لإدارة الغضب عادة العلاج السلوكي المعرفي وتقنيات الاسترخاء وإستراتيجيات إدارة التوتر والتدريب على مهارات الاتصال. تمارين للسيطرة على الغضب يقدم المعالج السلوكي الدكتور مصطفى الباشا تمرينين للتخلص من سرعة الغضب. وقال الباشا -في حديث سابق للجزيرة- إن هناك أمرين للتخلص من سرعة الغضب، وهما تغيير الكلام الذي يقوله الشخص عن نفسه مثل قوله دائما «أنا عصبي»، وتغيير المشاعر والأفكار التي يعتقد فيها أنه سريع الغضب. فعلى سبيل المثال يجب ألا يقول الشخص «أنا أريد ألا أغضب»، بل يجب أن يقول «أنا أريد أن أكون هادئا». وقدم الدكتور تمرينين للتخلص من الغضب، وهما: التمرين الأول ويجرى يوميا قبل النوم، وفيه يسترخي الشخص، ويجلس على كرسي مناسب بحيث تلامس قدماه الأرض، ثم يضع يده اليسرى على فخذه اليسار، ثم يرفع يده اليمنى ويمد أصبعه السبابة ويسحب نفسا تدريجيا عميقا من أنفه بينما يرفع يده اليمنى تدريجيا، ثم يكتم النفس قليلا، ثم يخرج النفس من فمه ببطء وهدوء. التمرين الثاني أن يدخل الشخص في حالة من التخيل يضع فيها صورة ذهنية لنفسه يرى فيها مثلا أنه لا يغضب، وأنه هادئ، ويغمض عينيه ويتخيلها لمدة 5 دقائق أو7 دقائق.