
حين يتحول الذكاء الاصطناعي إلى ضمير رقمي
عثمان عادل العباسي
في عالم التكنولوجيا، المنافسة تشبه طابوراً طويلاً أمام مخبز شعبي في البحرين صباح الجمعة؛ الجميع يريد نصيبه سريعاً وبأفضل جودة. مؤخراً، احتدم الصراع بين منصات الذكاء الاصطناعي، كمعركة مفتوحة في سوق المنامة القديم، الكل يحاول إبهار الزبائن لضمان استمرار إقبالهم.
آخر ضربة في هذه المنافسة كانت تحديثاً استثنائياً من أوبن إيه آي، أطلقته قبل يومين فقط، يتمثل في خاصية تحول الحساب من منصة عامة إلى حساب ذكي شخصي للغاية. هذه الميزة تحلل جميع محادثات المستخدم السابقة، وتستخلص منها سياقاً عميقاً، لتقدم تجربة شخصية فريدة لكل مستخدم. وقد وصفها سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، بأنها «ميزة رائعة بشكل مفاجئ»، مؤكداً أنها خطوة استثنائية نحو جعل الذكاء الاصطناعي أكثر قرباً وفهماً للمستخدم، لدرجة تمكّنه من التعرّف على اهتماماتك وأفكارك وتفضيلاتك الشخصية بمرور الوقت.
الأمر يزداد إثارة عند تطبيق هذه الخاصية على الحسابات المشتركة، مثل اشتراكنا في حسابات الأفلام أو تطبيقات التوصيل. تخيل أنك تستيقظ صباحاً لتطلب وصفاً لشخصيتك، فتجد أنه مزج بين حزم والدتك وكرم جارك وسرعة غضب زميلك في العمل. ستقف حائراً أمام وصف يمزج بين المتناقضات وكأنه لوحة فنية فوضوية، لكنها ساحرة بشكل غريب!
أعمق من مجرد السخرية، يفتح هذا التطور باباً جاداً للنقاش حول حدود الخصوصية والتداخل المتزايد للتكنولوجيا في حياتنا اليومية. هنا في البحرين، نشهد قلقاً متزايداً من انتشار التقنيات التي قد تهدد خصوصية المستخدم، خاصة مع تزايد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المصرفية والتعليمية والصحية. فالمخاوف المتعلقة بإمكانية تسريب البيانات الشخصية أو استخدامها بطرق غير مشروعة لم تعد بعيدة عن واقعنا اليومي.
ورغم المخاوف، فإن لهذا التطور وجهاً آخر قد يكون إيجابياً. كثيراً ما تحدثنا عن تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف التقليدية، لكن يمكن أن يكون هذا التحول فرصة لخلق فرص وظيفية جديدة ومبتكرة في البحرين. مثلاً، تستطيع المؤسسات التعليمية المحلية إطلاق برامج تدريبية لإعداد كوادر متخصصة في إدارة وتصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، أو إنشاء شخصيات رقمية مستوحاة من التراث البحريني، ما يفتح آفاقاً ثقافية واقتصادية جديدة.
وأثناء تصفحي للأخبار التقنية، لفتني منشور على وسائل التواصل الاجتماعي لشاب استخدم جات جي بي تي كمستشار مالي شخصي؛ إذ كان يُرسل للتطبيق كل معاملة مالية يقوم بها، ليقوم التطبيق بتحليلها وتقديم النصائح الفورية، حتى وصل به الحال إلى معاتبته، حين ينفق بشكل غير مدروس. هذه القصة تثير تساؤلاً حول حدود تدخل الذكاء الاصطناعي في حياتنا: هل من الحكمة أن نمنحه كل هذه السلطة في اتخاذ قراراتنا اليومية؟
التوازن هو الحل دائماً. نحتاج في البحرين إلى تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية، توضح كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون التفريط في خصوصياتنا وحرياتنا الشخصية. علينا أن نتعامل معه كأداة ذكية تخدمنا ولا تتحكم فينا.
في الختام، المنافسة التقنية أمر إيجابي ومطلوب، لكن الأهم هو كيفية استثمارها بشكل فعّال يخدم مجتمعنا البحريني، ويخلق فرصًا حقيقية لابتكار مستقبل أكثر وعياً وإبداعاً. فالعالم يتغير بسرعة، والتحدي الحقيقي هو قدرتنا على التكيف والاستفادة من هذا التغير لصالحنا.
* خبير تقني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 5 أيام
- البلاد البحرينية
مخاوف أميركية من صفقة "ذكاء اصطناعي" بين أبل وعلي بابا
ذكرت صحفية نيويورك تايمز اليوم السبت أن البيت الأبيض ومسؤولين بالكونغرس يجرون تدقيقا في خطة شركة أبل لإبرام اتفاق مع علي بابا الصينية لجعل برنامج الذكاء الاصطناعي الذي تطوره الشركة الصينية العملاقة متاحا على هواتف آيفون في الصين. وقالت الصحيفة نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر إن السلطات الأميركية قلقة من أن تساعد الصفقة الشركة الصينية على تحسين قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتوسيع نطاق برامج الدردشة الصينية الخاضعة لقيود الرقابة وزيادة إخضاع أبل لقوانين بكين المتعلقة بالرقابة ومشاركة البيانات. وكانت علي بابا أكدت في فبراير شراكتها مع أبل لدعم خدمات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهواتف آيفون في الصين. والشراكة بالنسبة لعلي بابا مكسب كبير في سوق الذكاء الاصطناعي الشديد التنافسية في الصين حيث يجري تطوير برنامج "ديب سيك" الذي اشتهر هذا العام بنماذج أرخص بكثير من البرامج المنافسة في الغرب. جدير بالذكر أن "ديب سيك" أطلقت في يناير الماضي نموذج لغة جديدا للذكاء الاصطناعي بإمكانيات تفوق النماذج التي تقدمها الشركات الأميركية الكبرى مثل "أوبن إيه آي" وبتكلفة زهيدة للغاية. ويعتمد نموذج "ديب سيك" على 2000 رقاقة فقط بتكلفة بلغت 5.6 مليون دولار ليحقق نفس النتائج التي تحققها نماذج الشركات الأميركية التي تحتاج إلى 16 ألف رقاقة بتكلفة تتراوح بين 100 و200 مليون دولار. وتجري شركة "مايكروسوفت "وشركة "أوبن إيه آي" مالكة تطبيق "تشات جي بي تي" تحقيقا لمعرفة ما إذا كانت مجموعة قرصنة مرتبطة بشركة "ديب سيك" قد حصلت على بيانات خاصة بتقنيات "أوبن إيه آي" بطرق غير قانونية، بحسب مصادر تحدثت لوكالة "بلومبرغ".


الوطن
منذ 6 أيام
- الوطن
شلونك يا فلان.. ما لونك يا فلان!
عثمان عادل العباسي في الأيام الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا، وجدت نفسي فجأة وسط كييف. كل ما أردته هو الوصول بسرعة لمحطة القطار لأغادر المدينة. كنت وقتها أعتمد كلياً على تطبيق ترجمة تقليدي اعتدتُ عليه ووثقت به. لكن هذه الثقة تبددت سريعاً عندما وجدت نفسي أقف بحرج أمام رجل أوكراني عجوز، أحاول أن أسأله عن محطة القطار بكلمات ترجمها التطبيق بثقة عجيبة إلى معنى مختلف تماماً. لن أنسى نظرات الرجل التي بدت وكأنني طلبت منه سراً نووياً لا طريقاً نحو المحطة! هذا الموقف – رغم أنه يبدو كوميدياً الآن – جعلني أفكّر كثيراً في طبيعة تطبيقات الترجمة التي نستخدمها يومياً. هي تطبيقات مفيدة بالطبع، لكنها لا تزال تتعامل مع النصوص بنفس أسلوب مدارس البحرين القديمة حين كان «المطوع» يردد الجمل والكلمات. ورغم القيمة الكبيرة لهذا الأسلوب التقليدي في حفظ اللغة وضبطها وإنتاج أجيال نفتخر بها، إلا أنه كان يركز على دقة النص أكثر من إدراك المعنى الحقيقي. لكن الدنيا تغيرت، والزمن يتطور بسرعة مذهلة. فمن لوح أسود وطباشير في «الكتاتيب» إلى سبورة إلكترونية ذكية في مدارس البحرين الحديثة، انتقلنا من مرحلة حفظ النصوص إلى فهمها والتفاعل معها بعمق. والتكنولوجيا لحقت هي الأخرى بهذا الركب، وأصبح لدينا اليوم مترجم ذكي جداً مبني على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل GPT، لا يترجم الكلمات فقط، بل يستوعب السياق، ويقرأ بين السطور. هذا النوع من الترجمة أقرب إلى صديق بحريني يجلس بجانبك، ويترجم لك ما يدور حولك بأسلوبه الممتع. فلا يترجم جملة «شلونك يا فلان؟» إلى «ما لونك يا فلان؟» بل يفهم مباشرة أنك تسأل عن الحال لا اللون، وينقل حديثك إلى الطرف الآخر بكل وضوح وبروح خفيفة، بعيداً عن أي سوء فهم أو حرج. نعم، هنا يكمن الفرق الواضح. هذا الذكاء الاصطناعي يقدّم لنا ترجمة نابضة بالحياة، تلامس الواقع الاجتماعي والثقافي، وتنقل أفكارنا ومشاعرنا بكل وضوح دون التسبب بحروب صغيرة أو مواقف محرجة بيننا وبين الآخرين. ونحن اليوم في البحرين أمام فرصة ذهبية للاستفادة من هذه التقنية بشكل أكبر من مجرد تطبيق شخصي نستخدمه أثناء السفر أو الدردشة. البحرين مركز ثقافي وسياحي عالمي يستقطب زوارًا من شتى بقاع الأرض. ماذا لو استخدمنا الترجمة الذكية لتقديم تجارب سياحية متكاملة بلغات الزوار الأصلية؟ تخيّل زائرًا يدخل متحف البحرين الوطني، أو يتجول في سوق باب البحرين، أو يستمتع بأطباق بحرينية أصيلة في مطعم تقليدي، فيعيش التجربة بكل تفاصيلها، دون أن يشعر بالغربة ولو للحظة واحدة! بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك، ونستخدم هذه التقنية لتحسين التواصل مع فئات من المجتمع يصعب علينا التفاهم معها في بعض الأحيان، كالعامل الأجنبي البسيط أو الشخص غير المتعلم، فيحصل الجميع على حقوقهم، وتصل الرسائل بشكل أوضح، ويشعرون بأنهم جزء فعّال من نسيج المجتمع. وكما انتقلنا من زمن الألواح الخشبية إلى عصر التعليم الإلكتروني الذكي، أعتقد جازماً أن المستقبل سيحمل لنا تطورات أكبر في عالم الترجمة، تجعل تواصلنا مع الآخرين أكثر إنسانية وسلاسة ووضوحاً. وحتى يأتي ذلك اليوم، دعونا نستمتع بالمترجم الذكي الذي بين أيدينا الآن، فهو بحق يستحق كل الامتنان. * خبير تقني


الوطن
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
الذكاء الاصطناعي يشرب الماء أيضاً!
عثمان عادل العباسي عالمنا الحقيقي يتحول تدريجياً إلى فيلم رسوم متحركة كبير، كأننا تسللنا فجأة إلى عالم خيالي، فالصور الشخصية في حساباتنا تحولت إلى شخصيات كرتونية لطيفة، وصور السيلفي التي نشاركها في «قروبات» الواتساب باتت وكأنها مقتطعة من مسلسلات الأنمي أو أفلام ديزني. حتى عقولنا دخلت في إجازة مفتوحة بفضل الذكاء الاصطناعي، صرنا نسأله في كل صغيرة وكبيرة، بداية من وصفة «المجبوس» وانتهاءً بحلول الواجبات المدرسية التي لا تنتهي لأبنائنا. باختصار، حياتنا تحوّلت إلى جلسة طويلة من الاسترخاء التكنولوجي الممتع. لكن وسط هذه المتعة الرقمية، استوقفني شيء غريب جعلني أفكّر بطريقة مختلفة قليلاً. تخيل معي أن الصورة التي حولتك إلى شخصية أنمي أو إجابة «جات جي بي تي» الذكية التي أعجبت بها، ربما وراءهما قصة مختلفة، فيها عنصر بسيط لكنه ثمين جداً: الماء! أعرف جيداً ما يدور ببالك الآن، «ما علاقة صورتي الكرتونية بالماء يا عزيزي؟!»، سأخبرك الحكاية بأسلوب بسيط كأننا في جلسة «قهوة العصر» التي نحبها جميعاً. كل صورة أو نص يولّده الذكاء الاصطناعي، تتم معالجته في مراكز بيانات ضخمة فيها آلاف الأجهزة التي تعمل بلا توقف وتُصدر حرارة عالية، كحرارة ظهيرة أغسطس عندما تترك سيارتك مركونة تحت الشمس. هذه الحرارة تحتاج إلى تبريد سريع وفعال، والطريقة الأسهل حتى الآن هي استخدام كميات كبيرة من المياه النقية. مثلًا، نموذج «4-GPT»، الذي يجيبك على أسئلتك، يستهلك تقريباً نصف لتر من الماء لإنتاج إجابة قصيرة من 100 كلمة فقط. قد تظن أن نصف لتر أمر بسيط، وكأنك أعطيت تطبيق الذكاء الاصطناعي كوب ماء صغير بعد وجبة دسمة، لكن تخيّل للحظة عندما يستخدم ملايين البشر هذا النموذج يوميًا، سنكون أمام أنهار كاملة من المياه تتبخر فقط لتبريد تلك الأجهزة! بالطبع، لا يعني هذا أن نتوقف عن استخدام هذه التطبيقات الممتعة، فالتكنولوجيا ليست عدوة البيئة كما يظن البعض، بل هي صديقتنا التي تدفعنا للتفكير بذكاء أكبر. الجميل في الأمر أن هذه التحديات الجديدة بدأت تدفع الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت إلى ابتكار حلول ذكية، كاستخدام أنظمة تبريد تعتمد على الهواء بدلًا من الماء، وإعادة تدوير المياه، والاعتماد على الطاقة الشمسية المتوفرة بكثرة حولنا هنا في البحرين. تصوّروا معي لو أصبحت البحرين يوماً مركزاً إقليمياً رائداً في التقنية الخضراء، واحتضنت مراكز بيانات تعتمد بشكل كامل على طاقة الشمس وتقنيات تبريد مبتكرة لا تُهدر المياه. تخيل مراكز بيانات في منطقة عسكر أو الحد، تعمل بهدوء دون إهدار قطرة ماء واحدة. أليس هذا حلمًا جميلًا يستحق أن نبدأ التفكير به بجدية؟ أؤمن بأن كل صورة جميلة نشاركها، وكل سؤال نطرحه على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يقرّبنا من مستقبل ذكي ومستدام. في المرة القادمة التي تضغط فيها زرًا لتحوّل صورتك إلى شخصية كرتونية، تذكر بابتسامة خفيفة أن التكنولوجيا التي أضحكتك وأسعدتك اليوم، هي نفسها التي ستدفعنا لإيجاد حلول تحافظ على مواردنا وتحمينا من العطش غدًا. في الختام، أتمنى لك صورًا رقمية رائعة، وإجابات ذكية لا تنتهي، ومستقبلًا أخضر مليئاً بالابتسامات.. وكوب ماء عذب يكفي لنا وللأجيال القادمة. * خبير تقني