أحدث الأخبار مع #عثمانعادلالعباسي


الوطن
منذ 5 أيام
- ترفيه
- الوطن
شلونك يا فلان.. ما لونك يا فلان!
عثمان عادل العباسي في الأيام الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا، وجدت نفسي فجأة وسط كييف. كل ما أردته هو الوصول بسرعة لمحطة القطار لأغادر المدينة. كنت وقتها أعتمد كلياً على تطبيق ترجمة تقليدي اعتدتُ عليه ووثقت به. لكن هذه الثقة تبددت سريعاً عندما وجدت نفسي أقف بحرج أمام رجل أوكراني عجوز، أحاول أن أسأله عن محطة القطار بكلمات ترجمها التطبيق بثقة عجيبة إلى معنى مختلف تماماً. لن أنسى نظرات الرجل التي بدت وكأنني طلبت منه سراً نووياً لا طريقاً نحو المحطة! هذا الموقف – رغم أنه يبدو كوميدياً الآن – جعلني أفكّر كثيراً في طبيعة تطبيقات الترجمة التي نستخدمها يومياً. هي تطبيقات مفيدة بالطبع، لكنها لا تزال تتعامل مع النصوص بنفس أسلوب مدارس البحرين القديمة حين كان «المطوع» يردد الجمل والكلمات. ورغم القيمة الكبيرة لهذا الأسلوب التقليدي في حفظ اللغة وضبطها وإنتاج أجيال نفتخر بها، إلا أنه كان يركز على دقة النص أكثر من إدراك المعنى الحقيقي. لكن الدنيا تغيرت، والزمن يتطور بسرعة مذهلة. فمن لوح أسود وطباشير في «الكتاتيب» إلى سبورة إلكترونية ذكية في مدارس البحرين الحديثة، انتقلنا من مرحلة حفظ النصوص إلى فهمها والتفاعل معها بعمق. والتكنولوجيا لحقت هي الأخرى بهذا الركب، وأصبح لدينا اليوم مترجم ذكي جداً مبني على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل GPT، لا يترجم الكلمات فقط، بل يستوعب السياق، ويقرأ بين السطور. هذا النوع من الترجمة أقرب إلى صديق بحريني يجلس بجانبك، ويترجم لك ما يدور حولك بأسلوبه الممتع. فلا يترجم جملة «شلونك يا فلان؟» إلى «ما لونك يا فلان؟» بل يفهم مباشرة أنك تسأل عن الحال لا اللون، وينقل حديثك إلى الطرف الآخر بكل وضوح وبروح خفيفة، بعيداً عن أي سوء فهم أو حرج. نعم، هنا يكمن الفرق الواضح. هذا الذكاء الاصطناعي يقدّم لنا ترجمة نابضة بالحياة، تلامس الواقع الاجتماعي والثقافي، وتنقل أفكارنا ومشاعرنا بكل وضوح دون التسبب بحروب صغيرة أو مواقف محرجة بيننا وبين الآخرين. ونحن اليوم في البحرين أمام فرصة ذهبية للاستفادة من هذه التقنية بشكل أكبر من مجرد تطبيق شخصي نستخدمه أثناء السفر أو الدردشة. البحرين مركز ثقافي وسياحي عالمي يستقطب زوارًا من شتى بقاع الأرض. ماذا لو استخدمنا الترجمة الذكية لتقديم تجارب سياحية متكاملة بلغات الزوار الأصلية؟ تخيّل زائرًا يدخل متحف البحرين الوطني، أو يتجول في سوق باب البحرين، أو يستمتع بأطباق بحرينية أصيلة في مطعم تقليدي، فيعيش التجربة بكل تفاصيلها، دون أن يشعر بالغربة ولو للحظة واحدة! بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك، ونستخدم هذه التقنية لتحسين التواصل مع فئات من المجتمع يصعب علينا التفاهم معها في بعض الأحيان، كالعامل الأجنبي البسيط أو الشخص غير المتعلم، فيحصل الجميع على حقوقهم، وتصل الرسائل بشكل أوضح، ويشعرون بأنهم جزء فعّال من نسيج المجتمع. وكما انتقلنا من زمن الألواح الخشبية إلى عصر التعليم الإلكتروني الذكي، أعتقد جازماً أن المستقبل سيحمل لنا تطورات أكبر في عالم الترجمة، تجعل تواصلنا مع الآخرين أكثر إنسانية وسلاسة ووضوحاً. وحتى يأتي ذلك اليوم، دعونا نستمتع بالمترجم الذكي الذي بين أيدينا الآن، فهو بحق يستحق كل الامتنان. * خبير تقني


الوطن
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الوطن
الذكاء الاصطناعي يشرب الماء أيضاً!
عثمان عادل العباسي عالمنا الحقيقي يتحول تدريجياً إلى فيلم رسوم متحركة كبير، كأننا تسللنا فجأة إلى عالم خيالي، فالصور الشخصية في حساباتنا تحولت إلى شخصيات كرتونية لطيفة، وصور السيلفي التي نشاركها في «قروبات» الواتساب باتت وكأنها مقتطعة من مسلسلات الأنمي أو أفلام ديزني. حتى عقولنا دخلت في إجازة مفتوحة بفضل الذكاء الاصطناعي، صرنا نسأله في كل صغيرة وكبيرة، بداية من وصفة «المجبوس» وانتهاءً بحلول الواجبات المدرسية التي لا تنتهي لأبنائنا. باختصار، حياتنا تحوّلت إلى جلسة طويلة من الاسترخاء التكنولوجي الممتع. لكن وسط هذه المتعة الرقمية، استوقفني شيء غريب جعلني أفكّر بطريقة مختلفة قليلاً. تخيل معي أن الصورة التي حولتك إلى شخصية أنمي أو إجابة «جات جي بي تي» الذكية التي أعجبت بها، ربما وراءهما قصة مختلفة، فيها عنصر بسيط لكنه ثمين جداً: الماء! أعرف جيداً ما يدور ببالك الآن، «ما علاقة صورتي الكرتونية بالماء يا عزيزي؟!»، سأخبرك الحكاية بأسلوب بسيط كأننا في جلسة «قهوة العصر» التي نحبها جميعاً. كل صورة أو نص يولّده الذكاء الاصطناعي، تتم معالجته في مراكز بيانات ضخمة فيها آلاف الأجهزة التي تعمل بلا توقف وتُصدر حرارة عالية، كحرارة ظهيرة أغسطس عندما تترك سيارتك مركونة تحت الشمس. هذه الحرارة تحتاج إلى تبريد سريع وفعال، والطريقة الأسهل حتى الآن هي استخدام كميات كبيرة من المياه النقية. مثلًا، نموذج «4-GPT»، الذي يجيبك على أسئلتك، يستهلك تقريباً نصف لتر من الماء لإنتاج إجابة قصيرة من 100 كلمة فقط. قد تظن أن نصف لتر أمر بسيط، وكأنك أعطيت تطبيق الذكاء الاصطناعي كوب ماء صغير بعد وجبة دسمة، لكن تخيّل للحظة عندما يستخدم ملايين البشر هذا النموذج يوميًا، سنكون أمام أنهار كاملة من المياه تتبخر فقط لتبريد تلك الأجهزة! بالطبع، لا يعني هذا أن نتوقف عن استخدام هذه التطبيقات الممتعة، فالتكنولوجيا ليست عدوة البيئة كما يظن البعض، بل هي صديقتنا التي تدفعنا للتفكير بذكاء أكبر. الجميل في الأمر أن هذه التحديات الجديدة بدأت تدفع الشركات الكبرى مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت إلى ابتكار حلول ذكية، كاستخدام أنظمة تبريد تعتمد على الهواء بدلًا من الماء، وإعادة تدوير المياه، والاعتماد على الطاقة الشمسية المتوفرة بكثرة حولنا هنا في البحرين. تصوّروا معي لو أصبحت البحرين يوماً مركزاً إقليمياً رائداً في التقنية الخضراء، واحتضنت مراكز بيانات تعتمد بشكل كامل على طاقة الشمس وتقنيات تبريد مبتكرة لا تُهدر المياه. تخيل مراكز بيانات في منطقة عسكر أو الحد، تعمل بهدوء دون إهدار قطرة ماء واحدة. أليس هذا حلمًا جميلًا يستحق أن نبدأ التفكير به بجدية؟ أؤمن بأن كل صورة جميلة نشاركها، وكل سؤال نطرحه على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يقرّبنا من مستقبل ذكي ومستدام. في المرة القادمة التي تضغط فيها زرًا لتحوّل صورتك إلى شخصية كرتونية، تذكر بابتسامة خفيفة أن التكنولوجيا التي أضحكتك وأسعدتك اليوم، هي نفسها التي ستدفعنا لإيجاد حلول تحافظ على مواردنا وتحمينا من العطش غدًا. في الختام، أتمنى لك صورًا رقمية رائعة، وإجابات ذكية لا تنتهي، ومستقبلًا أخضر مليئاً بالابتسامات.. وكوب ماء عذب يكفي لنا وللأجيال القادمة. * خبير تقني


الوطن
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الوطن
حياتنا على أبواب «البعبع» الكمومي!
عثمان عادل العباسي تخيّل نفسك في مجلس عائلي بحريني هادئ في ليلة جمعة، «استكانة» الشاي في يدك وأنت تسمع سوالف «الشيّاب» التي لا تخلو من طرائف الزمن الجميل، وفجأة يباغتك أحدهم بسؤال لا تتوقعه: «بومحمد، وش سالفة هالحوسبة الكمومية اللي مطيرين فيها العالم؟». تعدّل جلستك وتجيب بكل احترام: «طال عمرك، الكمبيوتر اللي عندنا اليوم كأنه سيارة كورولا موديل 95، يمشي على مهله ويودّيك الجمعية ويرجعك البيت، أما الكمبيوتر الكمومي فهو مثل لامبورغيني تطير بسرعة جنونية!». يضحك الحضور ويعلّق أحد الشباب ساخراً: «معقولة! مع كل هالتطورات للحين حاطنا على كورولا 95!». تبتسم وتردّ بسرعة: «نعم يالغالي، فالحقيقة إننا للحين في أول السالفة، والحوسبة الكمومية هذه سالفة غريبة عجيبة تستخدم مبادئ فيزيائية معقدة علشان تحل مسائل بسرعة تفوق الخيال. يعني بدل ما الكمبيوتر العادي يعتمد على البِت (bit) اللي تكون قيمته يا 0 أو 1 فقط، الكمبيوتر الكمومي يعتمد على الكيوبت (qubit) اللي ممكن يكون 0 و1 في نفس اللحظة! يعني يقدر يختبر عدداً هائلاً من الاحتمالات بنفس الوقت، فيوصل للنتيجة بسرعة البرق!». المسألة قد تبدو مسلّية، لكنها أعمق من مجرد تطور تقني؛ فهذه التقنية ما زالت تجريبية وفي مراحلها الأولى، ولكنها لو نضجت ستغير حياتنا جذرياً. تخيل مثلًا أن هذه الحواسيب تستطيع أن تخطط بدقة مذهلة لاستغلال أفضل للمشاريع الإسكانية أو تقنيات تحلية المياه في البحرين، أسرع حتى من «توصيل طلبية البرياني» في ليلة العيد. لكن مهلاً، كما هو الحال في أي تطور كبير، هناك وجه آخر ساخن قد لا يعجبنا، سخونته لا تقل عن «شاي الكرك» وقت الغروب على سواحل المحرّق. هذه الحواسيب الكمومية الخارقة تمتلك قدرة مرعبة على فك الكثير من أنظمة التشفير اللي نعتمد عليها اليوم لحماية خصوصيتنا وبياناتنا، من حسابك البنكي إلى دردشاتك في الواتساب وحتى «سناباتك» اللي تحطها وأنت مطمئن بأن أحد ما راح يشوفها. تصوّر معي أن هناك جهة ما (حكومة، شركة، أو حتى مخترق مجهول) تجمع الآن كل بياناتنا المشفرة وتنتظر بصبر مثل صبر الصيّاد البحريني عند الفشوت في عز الصيف، تنتظر اللحظة التي تستطيع فيها كسر هذه التشفيرات بسهولة فائقة، عندها تصبح بياناتنا «سالفة» مكشوفة للكل! الجديد في الموضوع أنه مؤخرًا تمكّنت شركات عالمية مثل «جوجل» و«آي بي إم» من تحقيق إنجازات مذهلة في الحوسبة الكمومية. جوجل، مثلاً، كشفت عن شريحتها الكمومية الجديدة «Willow» والتي تضم 105 كيوبت وحققت اختراقاً فعلياً في تصحيح الأخطاء، مما يسرّع بشكل هائل قدراتها الحوسبية. أما «مايكروسوفت»، فقد أعلنت عن معالجها الكمومي التوبولوجي «1 Majorana» والذي قد يكون الأكثر استقرارًا في هذه التكنولوجيا الغريبة، ما يجعله مرشحاً ليكون «البعبع» القادم في فك التشفيرات المعقدة. وبسبب كل هذا، أصبح من الضروري أن نأخذ مسألة الأمن الرقمي على محمل الجد. لا يمكن أن نؤجّل الأمر مثلما نؤجّل قرار الذهاب للنادي الرياضي بعد كل وجبة دسمة. نحن بحاجة إلى بُعد استراتيجي وطني واضح لحماية أمننا وخصوصيتنا. مثلما نحب السيارات السريعة والحديثة، يجب أن نحرص على أن نواكب التكنولوجيا المتطورة، ولكن دون أن ننسى «حزام الأمان» الذي يحمي خصوصياتنا الوطنية. لذلك دعونا نضحك مع التكنولوجيا ونستمتع بمزاياها، لكن لا نتركها تضحك علينا يوماً ما! * خبير تقني


الوطن
١١-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
حين يتحول الذكاء الاصطناعي إلى ضمير رقمي
عثمان عادل العباسي في عالم التكنولوجيا، المنافسة تشبه طابوراً طويلاً أمام مخبز شعبي في البحرين صباح الجمعة؛ الجميع يريد نصيبه سريعاً وبأفضل جودة. مؤخراً، احتدم الصراع بين منصات الذكاء الاصطناعي، كمعركة مفتوحة في سوق المنامة القديم، الكل يحاول إبهار الزبائن لضمان استمرار إقبالهم. آخر ضربة في هذه المنافسة كانت تحديثاً استثنائياً من أوبن إيه آي، أطلقته قبل يومين فقط، يتمثل في خاصية تحول الحساب من منصة عامة إلى حساب ذكي شخصي للغاية. هذه الميزة تحلل جميع محادثات المستخدم السابقة، وتستخلص منها سياقاً عميقاً، لتقدم تجربة شخصية فريدة لكل مستخدم. وقد وصفها سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، بأنها «ميزة رائعة بشكل مفاجئ»، مؤكداً أنها خطوة استثنائية نحو جعل الذكاء الاصطناعي أكثر قرباً وفهماً للمستخدم، لدرجة تمكّنه من التعرّف على اهتماماتك وأفكارك وتفضيلاتك الشخصية بمرور الوقت. الأمر يزداد إثارة عند تطبيق هذه الخاصية على الحسابات المشتركة، مثل اشتراكنا في حسابات الأفلام أو تطبيقات التوصيل. تخيل أنك تستيقظ صباحاً لتطلب وصفاً لشخصيتك، فتجد أنه مزج بين حزم والدتك وكرم جارك وسرعة غضب زميلك في العمل. ستقف حائراً أمام وصف يمزج بين المتناقضات وكأنه لوحة فنية فوضوية، لكنها ساحرة بشكل غريب! أعمق من مجرد السخرية، يفتح هذا التطور باباً جاداً للنقاش حول حدود الخصوصية والتداخل المتزايد للتكنولوجيا في حياتنا اليومية. هنا في البحرين، نشهد قلقاً متزايداً من انتشار التقنيات التي قد تهدد خصوصية المستخدم، خاصة مع تزايد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المصرفية والتعليمية والصحية. فالمخاوف المتعلقة بإمكانية تسريب البيانات الشخصية أو استخدامها بطرق غير مشروعة لم تعد بعيدة عن واقعنا اليومي. ورغم المخاوف، فإن لهذا التطور وجهاً آخر قد يكون إيجابياً. كثيراً ما تحدثنا عن تهديد الذكاء الاصطناعي للوظائف التقليدية، لكن يمكن أن يكون هذا التحول فرصة لخلق فرص وظيفية جديدة ومبتكرة في البحرين. مثلاً، تستطيع المؤسسات التعليمية المحلية إطلاق برامج تدريبية لإعداد كوادر متخصصة في إدارة وتصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي، أو إنشاء شخصيات رقمية مستوحاة من التراث البحريني، ما يفتح آفاقاً ثقافية واقتصادية جديدة. وأثناء تصفحي للأخبار التقنية، لفتني منشور على وسائل التواصل الاجتماعي لشاب استخدم جات جي بي تي كمستشار مالي شخصي؛ إذ كان يُرسل للتطبيق كل معاملة مالية يقوم بها، ليقوم التطبيق بتحليلها وتقديم النصائح الفورية، حتى وصل به الحال إلى معاتبته، حين ينفق بشكل غير مدروس. هذه القصة تثير تساؤلاً حول حدود تدخل الذكاء الاصطناعي في حياتنا: هل من الحكمة أن نمنحه كل هذه السلطة في اتخاذ قراراتنا اليومية؟ التوازن هو الحل دائماً. نحتاج في البحرين إلى تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية، توضح كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون التفريط في خصوصياتنا وحرياتنا الشخصية. علينا أن نتعامل معه كأداة ذكية تخدمنا ولا تتحكم فينا. في الختام، المنافسة التقنية أمر إيجابي ومطلوب، لكن الأهم هو كيفية استثمارها بشكل فعّال يخدم مجتمعنا البحريني، ويخلق فرصًا حقيقية لابتكار مستقبل أكثر وعياً وإبداعاً. فالعالم يتغير بسرعة، والتحدي الحقيقي هو قدرتنا على التكيف والاستفادة من هذا التغير لصالحنا. * خبير تقني


الوطن
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
«شات جي بي تي» لن يصلي التراويح!
عثمان عادل العباسي انقضى الأسبوع الماضي رمضان، وأخذ معه لياليه العامرة بصلاة التراويح والقيام، حيث ارتفعت أصوات القرّاء من المآذن لتلامس السماء بخشوعها، وكأنها تذكّرنا أن هناك أشياء في الحياة ستظل بعيدة عن منافسة التكنولوجيا، مهما تقدمت ومهما بلغ ذكاؤها. وبينما نحن في هذا الجو الروحاني الجميل، كانت أخبار الذكاء الاصطناعي تزاحمنا يومياً وكأنها تحذّرنا من أن وظائفنا جميعاً قد تُسرق قريباً. خصوصاً أنت يا عزيزي المسؤول الذي تعتمد على الواسطة ومهارات موظفيك، ثم تنسب نجاحهم إلى عبقريتك الوهمية؛ قد تجد نفسك يوماً في قوائم البطالة؛ بسبب تطور هذه التقنية «الشريرة». قبل فترة ليست ببعيدة، ظهر علينا بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت المعروف، ليلقي علينا قنبلة تقنية مخيفة بقوله إن الذكاء الاصطناعي سيجعل المعرفة متاحة مجاناً للجميع، أي ستكون متوافرة مثل التمر في إفطار الصائمين. يا له من خبر سار للجميع، إلا لك طبعاً أيها المسؤول الذي لم يسبق له أن وافق على فكرة إلا إذا وضعتَ توقيعك الشخصي عليها في الاجتماعات (بينما يقوم شاب متدرب خلف الستار بإنجاز العمل الحقيقي!). بالمناسبة، يقول بيل غيتس أيضاً إن هذا التحول لن يحدث تدريجياً، بل سيكون سريعاً لدرجة قد لا يستطيع المسؤولون الحاليون حتى فهم ما يحدث حولهم، فالتكنولوجيا لا تنتظر من لا يواكبها. الغريب أنه رغم وضوح هذه الصورة، ما زال كثير منّا يصرّ على دفع أبنائه بقوة نحو مجالات الهندسة والتكنولوجيا باعتبارها «الأمان الوظيفي المطلق». صحيح أن هذا الكلام كان منطقياً قبل عشر سنوات، لكن اليوم حتى الطبيب والمعلم والمبرمج نفسه قد لا يكون في أمان كامل. فها هو الذكاء الاصطناعي يكتب أكواداً تضاهي أو ربما تتفوق على ما يكتبه الكثير من الموظفين، حتى الذين دخلوا الشركات بقوة العلاقات العائلية، وليس بقوة الكفاءة. ورغم أن الذكاء الاصطناعي لن يُنهي دور المبرمج تمامًا، إلا أنه حتمًا سيغير من طبيعة عمله بشكل كبير. لكن دعونا نتوقف قليلاً: هل يمكن أن نشاهد روبوتاً يؤمّ الناس في صلاة القيام؟ أو برنامجاً يجعل القلوب تدمع خشوعاً وهو يقرأ القرآن في التراويح؟ لو حدث ذلك، لأسرعت هيئات الإفتاء لتحرّم الصلاة خلف «شات جي بي تي» وأخوته! الإمامة ليست وظيفة حتى ينافس عليها الذكاء الاصطناعي، بل هي أمانة عظيمة ومسؤولية ربانية لا يُمكن للآلة أن تحملها. هي علاقة روحية صادقة، إحساس بالسكينة والخشوع يخرج من قلب حيّ ولسان مخلص، وليس من آلة معدنية بلا روح. ولعل من الواجب علينا اليوم أن نعيد النظر في طريقة تشجيع أبنائنا على اختيار مسارات حياتهم. فبينما نتزاحم على الوظائف التي قد تسرقها منا الروبوتات، يغيب عن بالنا تشجيعهم على تحمّل مسؤوليات ربانية عظيمة مثل الإمامة؛ ليست لأن الآلة لا تستطيع تهديدها فقط، بل لأنها مسؤولية تمتد بركتها من الدنيا إلى الآخرة. وفي رمضان القادم، ربما يكون من الجيد أن يُتاح لبعض المسؤولين أن يتفرّغوا للصلاة والقيام بهدوء خلف إمام حقيقي بخشوع، بدلاً من الانشغال في اجتماعاتهم التي تسرق جهود الآخرين وتنسبها لأنفسهم... وربما يكتشفون حينها أين يكمن النجاح الحقيقي الذي لا يُهدّده أي ذكاء اصطناعي! * خبير تقني