
«دون جوان» صديق المرايا وعاشق الأنوثة الأبدية
نادرةٌ هي الشخصيات الأدبية التي تحولت إلى نموذج إنساني عابر للأماكن والأزمنة، كما هو الحال مع شخصية «دون جوان» التي ابتكرها الكاتب الإسباني تيرسو دي مولينا في عمله المسرحي «ماجن إشبيلية والضيف الحجري ». ومع أن النقاد والدارسين ينقسمون بين من يعتقد أن الشخصية المذكورة قد ابتُكرت من بنات خيال الكاتب، ومن يردّها إلى أساس واقعي، فإن هذا الانقسام يتحول إلى أمر ثانوي إزاء هذه الشخصية التي وفَّرت لها عبقرية المؤلف سبل النزول من سماء الأدب إلى أرض الواقع، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من هويات البشر وطبائعهم وحياتهم اليومية.
تدور أحداث المسرحية التي كتبها دي مولينا في عام 1616 حول شخصية «دون جوان» الذي استطاع، بما يملكه من وسامة وذكاء ماكر وجرأة متهورة، أن يصبح زيراً للنساء وأن يُغوي ما لا يقل عن ألف امرأة، دون أن يفرِّق بين الغنية والفقيرة، اليانعة أو المسنّة. وتبدأ مغامرات «دون جوان» بتسلله إلى مخدع الدوقة إيزابيلا، متنكراً في عباءة خطيبها الدوق أوكتافيو، حتى إذا اكتشفت المرأة خدعته وأصدر ملك نابولي أمراً باعتقاله، تمكن بمساعدة عمه، النافذ، من الفرار. وبعد خوضه كثيراً من المغامرات المماثلة، انتقل إلى إشبيلية، حيث عمل على الإيقاع بالفتاة الأرستقراطية دونا آنّا التي كانت على علاقة عاطفية بابن عمها المركيز دي لاموتا.
وحين شكته الفتاة إلى والدها، وكان قائداً عسكرياً، أراد الوالد قتل غريمه المتطفل، إلا أن «دون جوان» تمكن من قتل القائد والفرار بعيداً عن مسرح جريمته. ثم تحاول دونا آنّا بالاتفاق مع خطيبها دون أوكتافيو الإيقاع بقاتل أبيها الهارب، ولكن دون جدوى. بعد ذلك يمر «دون جوان» بضريح قائد عسكري آخر، فيتناهى إليه من داخل التمثال المنتصب فوق الضريح صوت زاجر يحذره من عواقب مغامراته وأفعاله الطائشة بحق النساء المغرر بهن، إلا أنه يتعامل مع تلك التحذيرات بسخرية بالغة، ما تلبث أن تبلغ ذروتها مع دعوته التمثال إلى وليمة عشاء يقيمها على شرفه. لكن المفاجأة التي أذهلته تمثلت بقبول التمثال دعوته تلك، ليخبره في أثناء الوليمة أن ساعته قد حانت، حتى إذا ما توسل طالباً المغفرة، أخبره التمثال بأنْ لا مغفرة لمن أمعن مثله في الضلال.
وإذا كان ثمة من يرى أن لتلك الأسطورة بعداً دينياً متصلاً بالخطيئة والعقاب، إلا أنها تجردت، بمجرد انتشارها، من مغزاها الديني، وتحولت إلى تعبير جليّ عن أهواء البشر ونزواتهم. وفي حين ذهب البعض إلى أن الدونجوانية كمفهوم ورؤية فلسفية ونظام سلوكي، كانت قد بدأت مع الإبيقوريين اليونان، قبل أن تنقلب فكرة السعادة إلى نوع من المجون والتهافت الشهواني، إلا أنها لم تتبلور حركةً احتجاجيةً على التزمُّت الديني إلا مع شخصية «دون جوان» في بدايات عصر النهضة، وفي إسبانيا بالذات، حيث تلتقي العاطفة الدينية العميقة مع الشهوة الحسية العارمة.
ومع أن هذه الشخصية كانت من ابتكار كاهن كاثوليكي، فإن مبتكرها استطاع أن يجعل من عمله تجسيداً بالغ الدلالة للتحولات الفكرية والاجتماعية التي شهدها الغرب في تلك الآونة، وللتحول المماثل الذي شهده نظام القيم، على المفترق الفاصل بين غروب العصور الوسطى وشروق عصر النهضة. وقد تمكنت شخصية «دون جوان» من أن تصبح رمزاً للعبث الشهواني والخروج على الأعراف والقواعد السلوكية الصارمة. وبقدر ما أصبحت نموذجاً فاقعاً للسلوك العشقي النرجسي، بدت من ناحية أخرى أشبه بردّ فعل صارخ الدلالة على المثالية المفرطة التي جسّدها تريستان وروميو على نحو مأساوي.
كما لم يكن أمراً بلا دلالة أن تظهر مسرحية «دون جوان» ورواية «دون كيشوت» في الحقبة ذاتها، لأن كلاً منهما عكست على طريقتها ضمور الزمن الفروسي، وتراجُع سلطة الكنيسة، مقابل الركض وراء الأوهام، واعتماد الخداع والمخاتلة وسيلةً لإشباع النهم الغريزي. ومع أن «دون جوان» كان يتسم بالشجاعة ويقاتل أشخاصاً حقيقيين، لا طواحين الهواء، إلا أنه كان يتقاطع مع «دون كيشوت» في تمرده على الواقع وركضه وراء السراب، كما في خيلائه ومظهره الكرنفالي، وهو الذي كانت شارته متمثلة بالعباءة السوداء، والقبعة المزدانة بالريش، وسيفه المثبت في وسطه.
وقد يكون للعلاقة الشخصية التي ربطت بين دي مولينا وسرفانتس أثر بالغ في جعلهما يريان الأمور من زوايا متقاربة. ويذكر المؤرخون في هذا الصدد أن دي مولينا كان يرتاد مجالس الشعر والمسرح مع دي فيغا وسرفانتس وكالديرون ومونتلبان، إلى حد أن جماعة الإصلاح الديني في قشتالة، أنكرت عليه انصرافه إلى المسرح، معلنةً أنه لا يليق بقسٍّ كنسيٍّ أن يؤلف روايات مسرحية. كما لم يستبعد الباحث الإسباني غريغوريو مارانيون أن يكون دي مولينا قد تأثر بمكيافيلي، وأن يكون الحب الدونجواني تصادياً عملياً مع المكيافيلية في شقها العاطفي، حيث الأخلاق المكيافيلية هي التي سوغت لـ«دون جوان» أن يفعل ما فعله بنسائه دون وازع من أخلاقه أو ضميره.
ولعل الجاذبية الآسرة لشخصية «دون جوان»، هي التي دفعت كثيراً من كتاب الغرب وفنانيه إلى إعادة تظهيرها من زوايا مختلفة. فقد جهد موليير في مسرحيته «دون جوان» على المواءمة بين الصورة النمطية لساحر النساء المتسم بالطرافة والظرف، وبين الشخص الملحد والمعتنق للفكر المادي. وفيما بدا الكاتب الفرنسي الساخر متماهياً مع «دون جوان» من زاوية المواجهة القاسية مع الإكليروس الذين نغصوا عليه حياته، حوّل بطله إلى قضية اجتماعية وثقافية، متخذاً منه ذريعة للتصويب على بعض المزيفين، الذين يتلطون وراء الدين لتحقيق مآربهم وأطماعهم الشخصية.
أما الشاعر الإنجليزي لورد بايرون فقد اتخذ من «دون جوان» الذريعة الملائمة لكتابة عمل ملحمي ضمَّنه كل ما يتعلق بمكابداته الشخصية وتناقضات عصره. فقد بدت مرافعة الشاعر، الذي شُنت ضد سلوكياته الفضائحية أوسع حملات التشهير، بمثابة مرافعة عن نفسه في وجه خصومه الكثر. حتى إذا لم تُجْده المرافعة والشعر نفعاً، آثر مغادرة وطنه الأم، لينضم إلى ثورة اليونان على الاحتلال العثماني، ويلقى حتفه هناك.
وفي قصيدته الطويلة عن «دون جوان»، يُخرج بايرون بطله من صورته النمطية، ليصبح الفتى الجذاب الذي تطارده النساء ويسعيْن جاهدات لإغوائه، ليصبح هو الضحية، وليخلُص الشاعر إلى القول «عندما يتم لوك الأبطال المعاصرين على ألسنة المداحين وصفحات الجرائد، سأعزف عن المشاركة في هذا الردح، وسأتبنى الكتابة عن صديقنا القديم دون جوان، حيث وسط هذه المعمعة سنراه مبعوثاً قبل أوانه إلى الشيطان».
ولم يفُتْ الموسيقيين الكبار الإفادة من تلك الشخصية المفتوحة على التأويل، فاستلهمها المؤلف الموسيقي الشهير موزارت في أحد أفضل أعماله الأوبرالية. كما كتب الموسيقي الفنلندي بان سيبيليوس الحركة الثانية من سيمفونيته الثانية معتمداً على الذرى الدراماتيكية لأوبرا موزارت، والتي تبدأ بتصوير الموت وهو يسير على الطريق المؤدي إلى دارة «دون جوان»، فيما يتوسل الأخير إليه كي يتركه حياً ولو إلى حين.
وإذ رأى الشاعر الفرنسي أوجين روبان، أن ثمة تقاطعات يصعب إغفالها بين شخصيتي «دون جوان» و«فاوست»، حيث كل منهما، باع نفسه للشيطان، فقد ذهب روبان في قصيدة له كتبها عام 1836، إلى إقامة حوار افتراضي بين بطل دي مولينا الشهواني، وبطل غوته المثخن بالقلق، ما لبث الأول عند نهايته أن أقنع الثاني بـ«أن الحياة الحقيقية لا تتمثل في المعرفة بل في الحب».
وإذا كان «دون جوان»، أخيراً، قد وُلد من المخيلة المتقدة لتيرسو دي مولينا، إلا أنه بالمعنى الأكثرعمقاً، وكغيره من الشخصيات المماثلة، قد وُلد من حاجة الغرب إلى علامات ورموز ثقافية وفلسفية، ترسم له طريق العبور باتجاه حضارته المادية والعقلية اللاحقة. وفيما بدا «هاملت»، وفق الباحث المصري لطفي عبد البديع، ممثلاً للتردد والشك عند البشر، و«عطيل» ممثلاً للغيرة المرضية، و«روميو» ممثلاً للحب الأفلاطوني، و«دون كيشوت» ممثلاً للهذيان، بدت الدونجوانية رمزاً للشره الغرائزي والانهمام النرجسي بالذات. إلا أن أكثر ما يستوقف المتابع المتأمل، أن هذه النماذج الإنسانية التي ابتكرتها المخيلات الصِّرفة، قد تمكنت من أن تعبر القرون بيسر بالغ، وأن تمتلك من الواقعية وقوة الحضور، ما أخفق في تحقيقه ملايين البشر، الذين لم يمنحهم اللحم والدم أي قوة فاعلة أو تأثير يُذكر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 4 ساعات
- عكاظ
السيناريست السعودي وفرصة جمعية الأدب المهنية
تابعوا عكاظ على تشهد الساحة الثقافية الأدبية تطورات استثنائية ونجاحات متلاحقة، فالمجد اليوم يلامس الأفكار الجديدة والنابعة من صميم الأعمال الفنية، التي تحقق الـتأثير المطلوب لتحريك الرأي العام، وتوجيه الأنظار إليه. ومن هذه التطورات ما تقدمه جمعية الأدب المهنية من مشاريع نوعية تخص الأديب، وتجوَّد المحتوى الإبداعي المحلي، وحقَّ لهذه الجهود أن يشار لها بعين الاعتزاز والترحاب والنقاشات الثرية. ومما يُبهج الفكر ويحدد لهذه الرؤية الفنية مسارها، ويعلن سطوعها مشروع تحويل الرواية السعوديَّة إلى سيناريو سينمائي، وهو مشروع حيوي يتعلق بصناعة المكون القيمي والثقافي للمجتمع المحلي وإخراجه للآخر، فقد آن الأوان لظهور أعمالنا الأدبية بشكل سينمائي يليق بصورتنا وجودتها. وقد سبق أن حولت الرواية السعودية إلى فيلم وهي أول تجربة تحويل كانت من نصيب رواية (حوجن) للكاتب إبراهيم عباس، التي لاقت نجاحًا مميزًا. وهذا يؤكد أن بعض الروايات المحلية قابلة للتحويل سينمائيًا؛ وذلك لتنوع البيئات التصويرية المكانية أو العجائبية وخصوصية التجارب وأنسنتها. أخبار ذات صلة إن الاهتمام بالمتون الروائية الجيدة سيسهم في تطور نوعية الإنتاج، ودفع الشباب إلى التجارب السردية المغايرة، التي تناسب جو السيناريو المتوقع من اللقطات السريعة والمتتالية والمقاطع التي يمكن لكاتب السيناريو إما اختزالها وإما حذفها أو إضافة بعض المشاهد أو تكثيف مشاهد بعينها أو تمطيطها؛ مما يتيح لكاتب السيناريو من وصف الصورة، والاهتمام بالمؤثرات الصوتية، وتأطير الحوارات داخل العمل، وترتيب المشاهد ضمن حبكة متسلسلة من اللقطات، والعناية ببناء الشخصيات وخلخلتها عبر المونولوج. كما يخلق هذا المشروع فرصًا واعدة للشباب السعودي لصناعة جيل يمتهن ويطور ويبدع فن السيناريست، لا سيما أن الحاجة لتفعيل هذه العلم ماسة في ظل شح الأسماء المحلية، التي عملت بجد من أمثال رجا العتيبي، وتوفيق الزايدي، وبدر السماري، وعبدالله آل عياف، ومفرج المجفل الذي كتب سيناريو فيلم (المغادرون) الحاصل على الجائزة الكبرى في مهرجان أفلام السعودية عام 2017، وفيلم (المسافة صفر) الحاصل على جائزة النخلة الذهبية في المهرجان ذاته عام 2019. ومما لا شك فيه أن الروايات السعودية تحمل مضامين نوعية في شتى الحقول الاجتماعية والثقافية والسياسية والشعبية والعجائبية، التي تصور حجم الوعي الذي يتمتع به الروائيون المحليون، ومن أبرز الروايات التي يمكن أن تحول إلى أفلام سينمائية رواية (رائحة الفحم) لعبدالعزيز الصقعبي، التي تمتاز بالتقطيع السينمائي، ورواية (فيضة الرعد) لعبدالحفيظ الشمري وروايات عبده خال التي تصور مأزومية الذات تجاه الآخر ورواية (ميمونة) لمحمود تراوري، كما تصلح لفن السينما الروايات التي عنيت بحرب الخليج الثانية مثل رواية (نباح) لعبده خال، ورواية (الناجي) لعلي السعدون التي تحكي أحداثًا حقيقية حدثت بالحرب. وأمامنا مخزون من المحكيات الأنثوية للصوت النسائي في روايات أميمة الخميس خاصة رواية (البحريات) وروايات بدرية البشر خاصة في رواية (الأرجوحة)، التي تعنى ببناء هوية المرأة في المجتمع المحلي، وروايات أثير النشمي خاصة رواية (عتمة الذاكرة) بما فيها من تقنيات صالحة لكتابة السيناريست. كما شكلت الصحراء بعدًا ثقافيًا هامًا، وهي ملمح أصيل في تكوين الإنسان السعودي، ويعد نقلها لفن السينما تأصيلًا للمكون والهُويّة، وقد ظهرت بشكلٍ جليِّ في رواية أمل الفاران (غواصو الأحقاف)، التي تحكي عن أجيال متعددة نشأوا بين الصحراء والبحر، وخماسية (مدن الملح) لعبدالرحمن منيف ورواية (خاتم) لرجاء عالم، ورواية (ساق الغراب) ليحيى أمقاسم ورواية (عقدة الجدار) لخليف الغالب ورواية (دموع الرمل) لشتيوي الغيثي. ولا يمكن أن نتجاوز البعد العجائبي في الرواية المحلية، الذي ينقل صورة ذهنية عن بعض مكوناتنا الثقافية وحكاياتنا الشعبية، وهذا الجو العجائبي يناسب تقنيات السينما وإمكاناتها الهائلة في روايات رجاء عالم، ورواية (أم الصبيان) لإبراهيم مفتاح و(المنهوبة) لعواض العصيمي ورواية (ركض الخائفين) لجوهرة الرمال. كما أن هناك روايات امتازت بتوازي خطي السرد، وهي روايات منذر القباني التي تتيح تداخل الأزمنة والفضاء والحكايات مما يمكن تحويلها إلى صور سينمائية. وهناك الكثير من أمثال روايات محمد حسن علوان ويوسف المحيميد وعبدالله ثابت. إن الاهتمام بهذا المشروع العظيم سيؤتي ثماره في ظل وفرة المدون المحلي وقابليته للتحويل، وتشجيع الشباب وتعليمهم فن السيناريست والاستنارة برأي الخبراء المختصين، المستقبل في ظل من يؤسس له الإبداع سيزهر، ونحن -مثقفي الساحة- ننتظر بشغف ما تؤول إليه هذه التجربة. /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
نوبل المتفرقات
كان غابرييل غارسيا ماركيز يقول: «إن الصحافة هي أفضل مهنة في العالم». وكان يفضل أن يُعرف بوصف أنه صحافي، وليس أنه حائز نوبل الآداب، أو مؤلف «مائة عام من العزلة»، أو متخيل عائلة بونديا، أو المدن المسحورة. وكلما قرأ المرء هذا الخلاب المدعو «غابو»، تأكد له أنه صحافي قضائي من الدرجة الثالثة، يجمع مادته الروائية من مخافر الشرطة، وحكايات الأزقة المعتمة. لكن ما إن يبدأ في كتابة السطر الأول، حتى يتحول إلى واحد من عمالقة السرد المغني. لا يترك أمامه شيئاً مهملاً، أو مرمياً إلا وينحني لالتقاطه، وحفظه للرواية التالية. قصاصات صحف، عناوين جرائد، دفتر رماه أحد الركاب على العبّارة النهرية. لكن ما إن يبدأ يجمع هذه البقايا حتى يتدخل الجوهرجي الذي فيه، والنحات الذي يصوغ أشخاصه من حياة، ودراما وسلاسة، مثل مطر المساء. لا أحد يدري كيف وكم جمع ماركيز من التفاصيل مذ بدأ العمل صحافياً، وناقداً فنياً، مثل التابعي. لكن التابعي كان بورجوازياً، كسولاً يضيع الكثير من الوقت في جمال الكتابة، والحياة، ولم يلتفت إلى تحدي الرواية، وتفاصيلها، ولمحاتها. ذلك التحدي بقي صفراً تفرد نجيب محفوظ. ولعله الوحيد بين العرب، مثل ماركيز، نهجاً، وأسلوباً، واعتناء. لعله. لكن يجب ألا يغيب عنا دائماً يوسف إدريس، وعبد الحليم عبد الله، والمنسي قنديل، والحكيم. وإن كان معظمهم قد تجنب الإبحار في التفاصيل، خوف الغرق في الفن الصعب. كُتابنا اعتبروا الصحافة مهنة دون الأدب، لذلك لم يغامروا بالقفز منها إلى الأجناس الأدبية الأخرى كما فعل الصحافيون المخلدون، مثل شارل ديكنز، ومارك توين. وقد يكون ماركيز أهم من أبدع في الرواية دون الخروج من مبتذلات الصحافة التي جعل منها تحفاً أدبية، وظل حتى أيامه الأخيرة يكتب مقالاً أسبوعياً في صحف إسبانيا، وأميركا اللاتينية. ودائماً ترى فيه، هنا وهناك، قصاصة عن خبر لا يصدق، أو جريمة بلا حل، أو هطول السمك الفضي مع الأمطار في وادي كاو! لا يهم. لقد منح غابو شهرة عالمية للمدن، والبلدات، والمرافئ التي مرّ بها. أو التي اخترعها، والتي لا تزال الناس إلى اليوم ترغب في زيارتها.


الرياض
منذ 14 ساعات
- الرياض
ريال مدريد يعرض على مبابي قميص مودريتش
29 مايو/أيار (د ب أ) – ذكرت تقارير صحفية، اليوم الخميس، أن نادي ريال مدريد الإسباني عرض على هدافه الفرنسي الدولي كيليان مبابي القميص رقم 10 الخاص بالنجم الكرواتي المخضرم لوكا مودريتش ، الذي قرر الرحيل عن النادي الملكي. ويرتدي مبابي القميص رقم 9، ولكن أصبح لديه الحرية الآن للانتقال للقميص رقم 10 إذا أراد، بحسب صحيفة "آس" الإسبانية اليوم الخميس. وحال اختيار مبابي الانتقال للقميص رقم 10، سوف يصبح القميص رقم 9 سيصبح متاحا، وفي هذه الحالة يفضل ريال مدريد منح هذا الرقم لنجمه البرازيلي الشاب إندريك. وكان إندريك، الذي يرتدي القميص رقم 16، من المقرر أن يرتدي القميص رقم 9 لدى انتقاله إلى النادي الملكي على أن يرتدي مبابي القميص رقم 10، لكن تمديد عقد مودريتش العام الماضي ، حال دون حدوث ذلك.