logo
ندمر أنفسنا بأيدينا؟!

ندمر أنفسنا بأيدينا؟!

وكالة خبرمنذ 14 ساعات

في زمن تتساقط فيه مدننا واحدة تلو الأخرى، وتُمحى أحياء غزة عن وجه الأرض، ويُسحق شعبنا تحت ركام الموت، لا يزال بعضنا مشغولاً بإحصاء أخطاء الآخر، لا في مواجهة الاحتلال، بل في مقارعة أبناء الوطن أنفسهم. نحن الفلسطينيين، وبعد أكثر من سبعة عقود من النكبة، وأكثر من سبعة عشر عاماً من الانقسام، أثبتنا للأسف أننا بارعون في تدمير ذواتنا بأيدينا، وكأننا نصرّ على أن نكون الخصم والقاضي والجلاد في معركة نحن ضحيتها جميعاً.
لقد اعتدنا الحديث عن "العدو الخارجي"، عن إسرائيل التي تقتل وتحاصر وتنهب الأرض وتطمس الهوية، لكننا نتحاشى الحديث عن العدو الذي يسكن بيننا، بل فينا: الاقتتال الداخلي، الكراهية السياسية، التخوين، الحقد، التدمير الإداري، الانفصام الجغرافي، واللعب على الحبال الأجنبية. نقول إن الاحتلال هو السبب، لكن الحقيقة المُرّة هي أننا نمنح الاحتلال أعظم خدماته مجاناً، عندما نحول بنادقنا إلى صدور بعضنا، ونجعل من غزة سجناً ومن الضفة حقل تجارب بيروقراطية، ومن الوحدة الوطنية شعاراً خالياً من المضمون.
الإعلام الفلسطيني تحوّل إلى سلاح دمار داخلي، كل طرف يحفر قبر الآخر على الهواء مباشرة. الأسير يُقسم، الشهيد يُعتمد حسب الجهة التي ينتمي إليها، والجريح يُهمّش إذا لم يكن "من تنظيمنا". أيّ مهزلة وطنية هذه؟
لقد صنعنا واقعاً عبثياً اسمه "الشرعيات المتعددة"، ورضينا أن نُحكم بعقليتين متناقضتين، كلٌّ منهما يدّعي أنه الممثل الشرعي والوحيد لشعب أنهكته الحرب والفقر والحصار. هل يحتاج الفلسطيني إلى أكثر من عدو؟ ألا تكفيه طائرات الـF16 والجدران الإسمنتية وبوابات الحواجز؟ لماذا نصرّ على تمزيق الجغرافيا والذاكرة والسياسة والأمل؟
الاقتتال الداخلي ليس فقط بالرصاص، بل بالصمت. بالصمت على الفساد، بالصمت على الطابور الخامس المنتشر بيننا لتدميرنا والحفاظ على ذاته، بالصمت على تغييب المحاسبة والمساءلة، بالصمت على إذلال المواطن، بالصمت على تحويل القضية إلى وظيفة، والسلطة إلى غنيمة، والنضال إلى "مضاربة".
هذا الصمت هو خيانة باردة، أكثر فتكاً من الرصاص، لأنه يسمح للانهيار أن يتمدد بهدوء داخل عظام الوطن حتى يتحلل تماماً.
من يراجع التاريخ الفلسطيني يدرك أن النكبة لم تكن لحظة واحدة عام 1948، بل كانت سلسلة متواصلة من التمزق الداخلي والخذلان الذاتي. فمن الثورة الكبرى في الثلاثينيات، حين تناحرت الفصائل والقيادات على الزعامة، إلى سنوات منظمة التحرير حين دخلت الصراعات الفصائلية على الخط، وصولاً إلى الانقسام الأسود في 2007 الذي قسم الوطن والوجدان، يتكرر المشهد ذاته: الفلسطيني لا يكتفي بمواجهة الاحتلال، بل يطعن نفسه بنفسه. لم يتعلم النظام السياسي الفلسطيني من دروس بيروت ولا من سقوط المخيمات في لبنان، ولا من خروج الثورة إلى المنافي. التاريخ الفلسطيني حافل بلحظات كان يمكن أن تُشكّل نقطة تحول نحو الوحدة، لكننا في كل مرة نختار الانقسام، كأن لعنة الانشقاق تسكننا، وكأننا نرفض أن نكون شعباً واحداً حتى في مواجهة الموت.
اليوم، شعبنا في غزة يُذبح بلا رحمة، ويُهجّر من مكان إلى آخر، ويأكل من تراب الأرض، ويبحث عن حياة بين ركام الموت. ومع ذلك، لا زلنا عاجزين عن تشكيل حكومة وحدة وطنية. ونعقد المؤتمرات للحديث عن "رؤية وطنية" فيما الناس يدفنون أطفالهم بأيديهم. أية رؤية هذه التي لا تبدأ من وقف الاقتتال الذاتي؟
الفلسطينيون لا يحتاجون لمزيد من الخطب، بل لقرارات شجاعة تنهي الانقسام فوراً، توحّد المؤسسات، تحرّر القرار من الحسابات الحزبية، وتعيد الاعتبار للقضية الوطنية بعيداً عن الاستثمار السياسي الرخيص. نريد نظاماً سياسياً يعيد الكرامة للفلسطيني، لا يضاعف وجعه. نريد نخباً مثقفة تمتلك شجاعة النقد الذاتي لا أبواق دعاية رخيصة.
إذا كنا نحن من يهدم بيته بيديه، فكيف نلوم العدو؟ إذا كنا نكفّن أحلامنا بالكراهية، فكيف نُطالب العالم بالعدالة؟ لقد آن الأوان لثورة فلسطينية جديدة، لا بالسلاح، بل بالعقل. ثورة تعلن أن العدو الأول هو الانقسام، وأن الطريق إلى التحرر تمر أولاً من شوارعنا، من مدارسنا، من مجالسنا، من أنفسنا.
لقد خسرنا ما يكفي، وربما أكثر مما يحتمل شعب. فلنتوقف عن تدمير بعضنا، قبل أن نصحو على وطن لا مكان لنا فيه، لأننا نحن من دفنّه.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 15 يونيو
تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 15 يونيو

وكالة الصحافة الفلسطينية

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة الصحافة الفلسطينية

تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 15 يونيو

غزة - صفا يواصل الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، انقلابه على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي واستمر نحو شهرين بعد 471 يوما من الإبادة الجماعية. وفجر الثلاثاء 18 مارس/ آذار، استأنف الاحتلال عدوانه الهمجي على القطاع بعشرات الغارات الجوية راح ضحيتها أكثر من 400 شهيد و500 مصاب خلال ساعات، معظمهم من الأطفال والنساء. ومطلع مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، تخللها صفقة تبادل أسرى على عدة مراحل بين فصائل المقاومة و"إسرائيل" وانسحاب محدود لجيش الاحتلال تبعه عودة النازحين إلى بيوتهم المدمرة. وتنصلت "إسرائيل" من الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار التي كانت ستستمر 42 يوما وتتبعها مرحلة ثالثة بنفس المدة ليؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار والعدوان. وفي 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023 أعلن القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد محمد الضيف انطلاق عملية "طوفان الأقصى" ردًا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى، فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدء عملية "سيوف حديدية" ضد قطاع غزة. واستشهد منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 55297 مواطنين، فيما وصل عدد المصابين إلى 128426، نحو 72% منهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحة. في المقابل، أشارت التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أنّ أكثر من 1500 إسرائيلي قتلوا منذ بدء المعارك، بينهم أكثر من 700 ضابط وجندي، بالإضافة إلى نحو 10 آلاف جريح. وفيما يلي آخر تطورات الأحداث:

انهيار مبانٍ بالكامل في تل أبيب بسبب صواريخ إيران
انهيار مبانٍ بالكامل في تل أبيب بسبب صواريخ إيران

وكالة خبر

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة خبر

انهيار مبانٍ بالكامل في تل أبيب بسبب صواريخ إيران

أكدت وسائل إعلام عبرية، مساء اليوم، أن عدداً من المباني انهارت بشكل كامل في مدينة تل أبيب، جراء سقوط صواريخ إيرانية أُطلقت ضمن هجوم معقّد استهدف عدة مدن إسرائيلية. وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي بدأ هجمات على أهداف عسكرية داخل طهران، وذلك بالتزامن مع دوي صافرات الإنذار في أنحاء متفرقة من إسرائيل، خصوصًا في تل أبيب، حيفا، وطمرة، عقب إطلاق صواريخ ومسيرات إيرانية. ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أمنية، أن هناك تقارير أولية عن سقوط صواريخ في حيفا وطمرة، دون تحديد عدد الإصابات أو حجم الخسائر حتى الآن. من جانبه، أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي أن القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني بدأت هجوماً مركباً باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، في إطار ما وصفته بـ"رد على الاعتداءات الإسرائيلية". وتسود حالة من التوتر والذعر في الشارع الإسرائيلي، وسط حالة استنفار أمني وعسكري غير مسبوقة، فيما تتوالى التحذيرات من تصعيد خطير قد يفتح جبهة إقليمية أوسع.

إلغاء اجتماعات اللجان غير الأساسية في الكنيست الإسرائيلي غدًا
إلغاء اجتماعات اللجان غير الأساسية في الكنيست الإسرائيلي غدًا

وكالة خبر

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة خبر

إلغاء اجتماعات اللجان غير الأساسية في الكنيست الإسرائيلي غدًا

أعلن المتحدث باسم الكنيست، أن اجتماعات اللجان غير الأساسية المقررة غدا الأحد لن تعقد. وبحسب ما نشرته فضائية «القاهرة الإخبارية»، أكد المتحدث باسم الكنيست، أن موظفي البرلمان باستثناء الموظفين الأساسيين سيعملون عن بعد غد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store