
ليس البشر وحدهم ضحايا الحروب، الحيوانات والطيور والأسماك تعاني أيضاً
رغم انخراط الإنسان في الحروب منذ آلاف السنين، إلا أن الحديث عن تأثير الإنسان على الطبيعة - خاصة بسبب هذه الحروب - لم يبدأ في الانتشار إلا منذ سنوات قليلة.
كانت حرب الخليج الأولى - عندما اشتعلت النيران في 700 حقل نفط في الكويت في مطلع عام 1991 - أحد أبرز الأحداث التي أوضحت حجم التكلفة البيئية للصراعات المسلحة.
امتدت أعمدة الدخان 800 ميل، وتسرب 11 مليون برميل من النفط الخام إلى الخليج، مما أدى إلى تكوّن بقعة نفطية في البحر بطول تسعة أميال. وعلى اليابسة، تشكّلت نحو 300 بحيرة نفطية على سطح الصحراء، مما أدى إلى تلويث التربة لعقود، وفقاً لبيان للأمم المتحدة.
وبعد مرور أكثر من 30 عاماً على الحرب، "لا تزال آثار تلك الحرائق ملموسة، حيث لا يزال أكثر من 90 في المئة من التربة الملوثة مكشوفاً في الهواء".
تحقيق لبي بي سي يكشف مخاطر إنتاج النفط على صحة الملايين في الشرق الأوسط
هل تصبح الانهيارات الأرضية أكثر تواتراً وشدة بسبب تغيّر المناخ؟
كيف تؤثر الحرارة على النحل في الأردن؟
لكن "المرة الأولى" التي يحاول فيها أي شخص تقديم تفسير شامل للانبعاثات الناجمة عن الحرب، كانت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقاً لداغ وير، مدير مرصد الصراعات والبيئة البريطاني.
إذ تفضّل الدول الغربية "الحديث عن كيفية تأثير تغير المناخ على أمنها، بدلاً من الحديث عن كيفية تأثير خياراتها الأمنية على تغير المناخ"، كما يوضّح الخبير في اتصال مع بي بي سي عربي.
وقد يعتقد البعض أن تأثير الحرب ينحصر في المناطق التي تدور فيها المعارك، إلا أنّ مدى تأثير الأعمال العسكرية والقتالية على كل من الطبيعة والإنسان يفوق ما نتخيل.
يذكّر داغ وير أنّ العواقب البيئية للنزاعات المسلحة غالباً ما تستمر "لعقود من الزمن، خاصة بسبب قلة الالتزامات، إن وُجدت، على الدول لمعالجة هذه الأضرار".
ويقول إنه - مثلاً - لا يزال بالإمكان رؤية تأثيرات الحرب العالمية الأولى على مستوى المناظر الطبيعية في شمال فرنسا بعد قرن من الزمن، وتشمل هذه التأثيرات التلوث بمخلفات الحرب المتفجرة والسامة.
كما يشير إلى أنّ طبيعة العديد من بلدان الشرق الأوسط لا تزال تحمل الندوب المادية للصراعات، وأنّ مخلفات هذه الصراعات لم تؤثر فقط على المنطقة التي وقع فيها القتال، بل امتدّ هذا التأثير إلى مناطق أخرى "نتيجة غياب الإدارة البيئية الصحيحة".
الحيوانات والطيور تعاني أيضاً
خلال المواجهات الحالية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، تضررت المساحات الخضراء في بلدات جنوب لبنان الحدودية بشكل كبير بسبب الحرائق التي استمرت في بعض الحالات لأيام، ولأن فرق الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول لإخمادها، أصبحت أرضاً قاحلة بلا أشجار أو نبات.
يشرح نديم فرج الله، وهو مهندس بيئي وكبير مسؤولي الاستدامة في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت، أنّ المشكلة الأساسية في تأثير الحرب على التربة تتعلق بالقصف الجوي أو المدفعي والأسلحة المستخدمة والتحركات العسكرية والحرائق.
ويؤكد أنّ لاستخدام الأسلحة وللحرائق تأثيراً حقيقياً على الأرض والأنظمة البيئية والحيوانات بطريقة غير مباشرة.
ويعطي مثالاً على ذلك: "الأحراج هي أيضاً موطن لكثير من الحيوانات الثديية والحشرات والطيور وغيرها. وإذا ما تضررت هذه المساحات الخضراء جرّاء القصف أو الحريق، ستعاني هذه الكائنات من أضرار جانبية، إذ ستهرب إلى مكان أبعد قد يكون غير مناسب للعيش، فتموت من الجوع لاحقاً".
ماذا عن القنابل الفوسفورية؟
عادةً ما تتسبب القنابل الفوسفورية في الحرائق واسعة النطاق.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في حزيران/يونيو الماضي، إنها تحققت من استخدام الفسفور الأبيض من قبل إسرائيل على نطاق واسع في جنوب لبنان، في 17 بلدة على الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنّ القنابل الفوسفورية التي يمتلكها "مخصصة للسواتر الدخانية، وليس للهجوم أو الإشعال".
ما هو الفسفور الأبيض وكيف يُستخدم في الحرب؟
ويشرح الخبير داغ وير أنّ مكونات العديد من الأسلحة "تحتوي على مستوى معين من السمية، وتشمل هذه المركبات المتفجرة أو الحارقة والمعادن الثقيلة".
إلا أنه "في الوقت الحالي، ليس لدينا بيانات كافية عن التلوث المباشر الذي تخلفه الأسلحة التقليدية على البيئة والمخاطر المحتملة على الناس أو النظم البيئية"، كما يوضّح.
ويشير المهندس نديم فرج الله إلى أنّ القنابل الفوسفورية - المحرمة دولياً كسلاح مباشر ضد المدنيين - تظل تحترق طالما هي معرضة للأكسجين، حتى وإن اتصلت به بعد وقت طويل، إلى أن تحترق كمية الفوسفور كلها.
ويضيف: "تأكل بعض أنواع الطيور، كالدجاج مثلاً، الحصى الذي يساعدها على الهضم، مما يجعلها تأكل أحياناً جزيئيات من قنابل الفوسفور، فتقتل إثر احتراق بقايا القنبلة داخلها".
وتؤثر بعض أنواع القنابل المستخدمة على كل من الطبيعة والإنسان بطريقة غير متوقعة أيضاً؛ إذ تقتل القنابل العنقودية غير المنفجرة أيضاً الكثير من الرعاة وأغنامهم لسنوات بعد انتهاء الحرب. وقد يضطر بعض الرعاة إلى الانتقال للعيش في مناطق أخرى بسبب الأحراج المليئة بالقنابل غير المنفجرة.
وتتشكل القنابل العنقودية من عبوة كبيرة تُطلق من الهواء، تحتوي على عدد كبير من القنابل صغيرة الحجم، تنتشر في مساحات واسعة نسبياً لدى استقرارها على الأرض، فتصبح القنابل التي لم تنفجر ألغاماً قابلة للانفجار عند اللمس.
ويقول فرج الله: "عندما ينتقل الراعي مع ماشيته إلى منطقة جديدة، بسبب احتراق منطقتهم الحرجية أو وجود القنابل، يتحول ذلك إلى ما يسمى بالرعي الجائر، الذي يؤثر على الأرض إلى حد كبير، إذ أن الماشية تقوم برص التربة، فتصبح تربة لا تتعرض للهواء بشكل كافٍ، وبالتالي لا ينبت فيها شيء."
تلوث المياه ونفوق الأسماك
يعتبر تلوث التربة بداية لسلسلة التلوث اللاحقة.
ويشرح فرج الله أنه عادةً ما تنجرف التربة من الجبال عبر المنحدرات بعد ذوبان الثلوج أو سقوط الأمطار، إلا أنّ الغطاء النباتي والشجري يُخفف من قوة سقوط المياه على الأرض وتحركها، مما يقلل من انجراف التربة.
ويشير إلى أنه بفعل القصف والحرائق وفقدان الغطاء النباتي، "تنجرف التربة بقوة وتصب في السواقي والأنهار، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية".
كما أنّ التربة المنجرفة إلى الأنهار "تؤثر على حياة الأسماك والضفادع والنباتات المائية نتيجة تغير حرارة المياه وتراكم طبقة من ترسبات التربة على سطحها، فتأكل الأسماك مواد لا ينبغي لها أكلها بسبب انعدام الرؤية".
ويتابع فرج الله أن تغير حرارة المياه "يؤثر على عملية التكاثر لدى الحيوانات المائية، إذ إنّ حرارة المياه تحدد جنس الأسماك والضفادع عند ولادتها. فإذا تغيرت حرارة المياه، قد يولد جميعهم من الذكور أو الإناث، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادهم بمرور الوقت وقد يصل إلى انقراضهم".
وتتكرر العملية ذاتها في البحر بعد وصول التربة إليه مع مياه النهر، "مما يؤثر أيضاً على الأسماك والسلطعون وكل ما يعيش على الصخور وينظف الشاطئ، فيتأثر النظام الإيكولوجي البحري".
ويؤكد الباحث البيئي: "تعتمد البيئة على التوازن، وأي اختلال في قطاع أو نظام إيكولوجي يسبب اختلالاً في الأنظمة الأخرى".
وهناك أثر جانبي غير متوقع لقنابل الفوسفور في التربة، حيث تنجرف مع التربة إلى مياه الأنهار والبحار، "فتغذي الطحالب مما يؤدي إلى تكاثرها بصورة كبيرة، وتشكل طبقة عازلة على سطح المياه، مما يقتل جميع الكائنات الحية فيها، ويجعلها غير صالحة للشرب حتى من قبل الحيوانات البرية".
ويتابع: "يؤدي ذلك إلى خلق منطقة شبه ميتة".
ماذا عن صحة القلب؟
يعتبر معظم علماء البيئة أن الإنسان جزء لا يتجزأ من النظام البيئي وهو بالتالي غير منفصل عن العناصر الأخرى التي تشكل الطبيعة.
يمكننا أن نفهم انطلاقاً من هذا التفسير أن أي اختلال في النظام البيئي للكائنات الحية الأخرى، سيسبب بالطبع اختلالاً في حياة الإنسان.
يقول فرج الله إن تلوث الهواء في الحروب، ينتج عن الملوثات والانبعاثات التي تنتج عن انفجارات القذائف، والتي تتطاير منها "جسيمات قابلة للاستنشاق" وهو ما نراه كغبار.
ويضيف أنّ هذه الجزيئيات، وأخطرها نوعين: "بي إم 2.5 وبي إم 10، تبقى في الهواء لوقت طويل وتشكل غشاوة هوائية تبقى لأيام قبل أن تستقر على الأسطح".
ويتابع: "في حال تنشقنا هذه الجزيئيات، تدخل إلى الجهاز التنفسي وتبقى هناك وتتراكم. فتؤثر على صحة الرئة والقلب ويمكنها أن تتسبب أيضاً بأزمات قلبية".
ووجدت أبحاث أجرتها وكالة حماية البيئة الأمريكية أن التعرض لتركيزات متزايدة من PM2.5 على مدى بضع ساعات فقط، يمكن أن يؤدي إلى نوبات قلبية مرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة. أما التعرض لها على المدى الطويل، فيؤدي إلى زيادة خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية وانخفاض متوسط العمر المتوقع.
وبحسب جمعية القلب الأمريكية، "قد يلعب تلوث الهواء أيضاً دوراً في ارتفاع ضغط الدم والسكري".
وبالعودة إلى الأشجار، تترقد هذه الجزيئيات "على أوراقها وتضعف عملية التمثيل الضوئي بشكل كبير" بحسب فرج الله.
كما ينتج عن انفجار القنابل، "مستويات عالية من ثنائي أكسيد الكربون المضر جداً للغلاف الجوي والمسبب للاحتباس الحراري".
ويشير فرج الله أيضاً إلى أنّ أكثر الأضرار الجانبية غير المتوقعة لتضرر البيئة من الحرب، هو موت النباتات والأشجار التي عادةً ما يعتمد عليها القرويون ولو جزئياً، كمصدر دخل رديف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
ارتفاع حرارة المحيطات ومستوى مياهها يهدّدان مجتمعات جنوب غربي "الهادئ"
كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقرير جديد أصدرته اليوم الخميس، أنّ إقليم جنوب غرب المحيط الهادئ شهد ارتفاعاً غير مسبوق في درجة حرارة المحيطات في عام 2024، الأمر الذي أضرّ بالنظم البيئية والاقتصادات. وجاء في التقرير أنّ درجات حرارة سطح البحر بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، ووصل المحتوى الحراري للمحيطات إلى مستويات شبه قياسية في عام 2024. وأثّرت موجات الحر البحرية على مساحة اقتربت من 40 مليون كيلومتر مربّع (15.4 مليون ميل مربّع)، الأمر الذي يمثّل أكثر من 10% من مساحة سطح المحيطات في العالم، أو ما يعادل مساحة قارة آسيا تقريباً، أو أربعة أضعاف مساحة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، بحسب ما بيّنت المنظمة. Sea-level rise across the region exceeds the global average, posing a particular threat to the Pacific islands, where more than half the population lives within 500 m of the coast. Check out the latest #StateOfClimate report in the South-West Pacific: — World Meteorological Organization (@WMO) June 5, 2025 وأوضحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقريرها، أنّ على اليابسة، أدّى ارتفاع الحرارة وهطل الأمطار بغزارة إلى وفيات ودمار، إذ ضربت الفيليبين سلسلة من الأعاصير المدارية حطّمت الأرقام القياسية السابقة، في حين أوشك على الزوال آخر نهر جليدي استوائي في غينيا الجديدة الإندونيسية. وقالت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية البروفيسورة سيليستى ساولو إنّ "عام 2024 كان العام الأكثر حرارة على الإطلاق في إقليم جنوب غرب المحيط الهادي، وأدّت حرارة المحيطات إلى أضرار طويلة الأمد بالنظم البيئية البحرية والاقتصادات البحرية"، مشيرةً إلى أنّ "ارتفاع مستوى سطح البحر يمثّل تهديداً وجودياً لدول جزرية بأكملها، ويتّضح يوماً بعد يوم أنّ الوقت لن يسعفنا كثيراً لكي نتدارك هذا الوضع". وتشير التقديرات إلى أنّ ما لا يقلّ عن 50 ألفاً من سكان جزر المحيط الهادئ يواجهون خطر النزوح سنوياً بسبب الآثار السلبية لتغيّر المناخ. وجدير بالذكر أنّ تقرير حالة المناخ في جنوب غرب المحيط الهادئ هو واحد من سلسلة تقارير عالمية وإقليمية تصدرها المنظمة سنوياً، وتسعى من خلالها إلى إثراء عملية اتّخاذ القرار بشأن استراتيجيات التكيّف الوطنية والإقليمية وبناء القدرة على الصمود في وجه مناخ متغيّر. في سياق متصل، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد حذّر، في أغسطس/ آب الماضي، من مخاطر الغرق التام الذي يهدّد مناطق المحيط الهادئ بسبب تنامي تغيّر المناخ والاحتباس الحراري. وأوضح غوتيريس أنّ "ثمّة مناطق في المحيط الهادئ معرّضة لأن تُمحى بسبب الأعاصير وموجات الحر في المحيطات وارتفاع منسوب مياه البحر الناجم عن التغير المناخي". وحذّر غوتيريس من أنّ الدول الجزرية في المحيط الهادئ "تقف في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، وتواجه ظواهر مناخية متطرّفة من أعاصير مدارية عنيفة إلى موجات حر قياسية في المحيطات". بيئة التحديثات الحية ما وضع المحيطات في ظل الاحترار الناجم عن النشاط البشري؟ غازات المخلفات الصناعية تغيّر النظام البيئي شمالي المحيط الهادئ من جهة أخرى، أظهرت دراسة أعدّها باحثون في جامعة "هاواي" الأميركية أنّ الحديد الناتج عن غازات المخلفات الصناعية يعمل على تغيير النظام البيئي في شمال المحيط الهادئ. ويصل هذا المعدن إلى مناطق نائية في المحيط عبر الغلاف الجوي، وتجرفه الأمطار إلى البحر. ويقول قائد فريق إعداد الدراسة في جامعة "هاواي" نيك هاوكو إنّ "هذا مثال على التأثير الواسع الذي من الممكن أن يسبّبه التلوّث البشري على النظم البيئية البحرية التي تبعد آلاف الأميال عن المصدر". وبحسب الباحثين، يؤدّي الحديد دور سماد في البحر ويسجّل زيادة كبيرة في الطحالب الدقيقة وغيرها من العوالق النباتية، الأمر الذي تنتج عنه عواقب سلبية. وقد توصّل الباحثون إلى هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم"، يوم الاثنين الماضي، بعد فحص منطقة شمال هاواي التي تقع في اتّجاه الريح من المراكز الصناعية الكبرى في شرق آسيا. ويُسلّط الضوء على المحيطات التي تغطّي 70.8% من مساحة سطح الكرة الأرضية أخيراً، وذلك قبيل انطلاق أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في التاسع من يونيو/ حزيران الجاري بمدينة نيس الفرنسية، علماً أنّ مقرّ المؤتمر فتح أبوابه لفعاليات على هامش المؤتمر ابتداءً من اليوم الاثنين. ويُؤمل في خلال المؤتمر إقرار أوّل معاهدة دولية ملزمة قانوناً بشأن التلوّث بالبلاستيك، وتصديق عدد أكبر من الدول على معاهدة أعالي البحار أو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتدخل حيّز التنفيذ بعد اعتمادها في عام 2023. (قنا، أسوشييتد برس، العربي الجديد)


القدس العربي
منذ 5 أيام
- القدس العربي
كيف تغير التكنولوجيا استراتيجيات الحرب وأدواتها؟
يدلل هجوم المسيرات الأوكراني الأخير على المطارات الروسية على التحولات الجذرية التي تدخلها التكنولوجيا المتقدمة على الحرب واستراتيجياتها وأدواتها. فبعملية استخباراتية جريئة، أدخل الأوكرانيون في شاحنات نقل عديد المسيرات إلى الأراضي الروسية، وتجاوزوا بذلك خطوط الدفاع الجوي التي عادة ما تعمل لرصد وإسقاط الأجسام المعادية على الحدود وعلى مسافات بعيدة عن المواقع الحيوية، ثم أطلقوها ومن مسافات قريبة بحمولتها المتفجرة لمهاجمة المقاتلات والقاذفات الروسية الرابضة في المطارات فدمروا وأعطبوا 40 وأظهروا قدرتهم على نقل العمليات العسكرية إلى العمق الروسي. وبينما تقترب الخسائر المادية لروسيا، وفقا للتقديرات الأولية، وبسبب التكلفة الباهظة للمقاتلات والقاذفات من 7 مليارات دولار أمريكي، لم يتحمل الطرف الأوكراني الكثير نظرا للكلفة المحدودة للمسيرات والتي باتت تستخدم على نحو يومي في الحرب بين البلدين. بذلك تكون التكنولوجيا المتقدمة، والتي تطورت معها المسيرات كسلاح جوي فعال وفتاك، قد قدمت للبلد الأصغر والأضعف عسكريا في الحرب الروسية-الأوكرانية الفرصة لتجاوز اختلال موازين القوة وتوظيف أداة رخيصة الثمن لتدمير أسلحة باهظة الكلفة وتغيير معادلة العمق الروسي الذي لا يمس في مقابل الأراضي الأوكرانية المستباحة. فقد مكنت التكنولوجيا، ومعها بالقطع الكفاءة الاستخباراتية، أوكرانيا من توجيه ضربة مؤلمة لروسيا في مطاراتها الواقعة في العمق السيبيري. القوة المفرطة التي تمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها تغري بالتوسع في الحروب والصراعات العسكرية وإطالة أمدها وبالمثل، تغير التكنولوجيا المتقدمة من معادلات استراتيجية أخرى وتعيد ترتيب أهمية الأدوات العسكرية المستخدمة في الحروب بين البلدان وتزيد في جميع الأحوال من قدراتها التدميرية. ليست تكنولوجيا الحرب في القرن الحادي والعشرين تكنولوجيا أقل دموية من سابقاتها، بل على العكس فهي تنشر الدماء والدمار على نحو أوسع نظرا للكلفة المحدودة لأدوات كالمسيرات التي يستخدمها الأوكرانيون في أوروبا ودول كإسرائيل وإيران في الشرق الأوسط وحركات اللادولة كالحوثيين وتسمح للأطراف الأضعف في معادلات القوة من تجاوز اختلال القدرات العسكرية بتوجيه ضربات من نوعية هجوم المسيرات الأوكراني أو من نوعية المسيرات والصواريخ التي يطلقها الحوثيون. ولا يقل عن هذا الأمر خطورة ما ترتبه استخدامات الذكاء الاصطناعي فيما خص الحروب والصراعات العسكرية. فقد تطورت قدرات كرصد وتحديد مواقع ومهاجمة العناصر البشرية والمقومات المادية للدول وحركات اللادولة، على النحو الذي أظهرته ضربات إسرائيل المتتالية ضد إيران وحركة حماس وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن. هنا أيضا لا يرادف التقدم التكنولوجي التراجع في خرائط الدماء والدمار الناجمة عن الحروب، بل يعني في التحليل الأخير وبسبب القوة المفرطة المزيد من القتل والتشريد. فالقوة المفرطة التي تمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها تغري بالتوسع في الحروب والصراعات العسكرية وإطالة أمدها (على النحو الذي آلت إليه الأمور بين روسيا وأوكرانيا وتتواصل به الحرب في غزة) وتغري أيضا بالتوسع في استهداف العناصر البشرية والمقومات المادية لدى الأطراف المعادية (على النحو الذي تمارسه روسيا يوميا بتدمير البنى التحتية الأوكرانية وتستخدمه إسرائيل ضد حماس وحزب الله). وما بين تغيير التكنولوجيا المتقدمة لاستراتيجيات الحروب وأدواتها، بعد أن صارت المسيرات التي لا تكلف سوى آلاف الدولارات قادة على تدمير مقاتلات وقاذفات بمليارات الدولارات (الهجوم الأوكراني الأخير) وبين القوة المفرطة التي تمكن استخدامات الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها ومن توظيفها في سياق عمليات استخباراتية مدبرة (عملية الباجر التي نفذتها إسرائيل ضد عناصر حرب الله) تتصاعد عالميا سباقات تسلح محمومة ولهاث محموم أكثر خلف أسلحة الدمار الشامل دون خطوط حمراء. وحتما ستتمثل نتائج تلك التطورات الخطيرة في اتساع نطاقات الحروب والصراعات العسكرية وارتفاع مناسيب الدماء والدمار، وفي إبعاد دول هي في أمس الحاجة إلى تخصيص إمكاناتها للعمل التنموي والأمن الإنساني ولجهود التكيف البيئي وللطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر عن كل ذلك والزج بها إلى أتون سباقات التسلح وجنون أسلحة الدمار الشامل. وإذا كان القليل من بين دول عالم اليوم لا يعاني من محدودية الإمكانات المادية ويستحوذ على ما يكفيه لإطلاق جهود التنمية المستدامة وتطوير تسليح جيوشه (دول الخليج خاصة السعودية والإمارات نموذجا) فإنه كان من الأجدر بالدول هذه والأفضل لها أن تبتعد عن سباقات التسلح وأن توجه الموارد الموظفة لشراء الأسلحة إلى مساعدات تنموية لجوارها المباشر والإقليمي (وهو فيما خص السعودية والإمارات دول شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير المصدرة للنفط أو الغاز الطبيعي). ليست الأزمة الحادة التي تتعرض لها منظومة العلاقات الدولية في 2025 وحسب من صناعة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولا من نتاج التعريفات الجمركية التي يفرضها على الشركاء والمنافسين على حد سواء، بل هي أيضا ترتبها التغيرات المتسارعة التي تأتي بها التكنولوجيا المتقدمة إلى ساحات الحروب والصراعات العسكرية وتزيد من حدتها الأبواب التي صارت مشرعة لجحيم سباقات التسلح والقوة المفرطة وأسلحة الدمار الشامل. كاتب من مصر


العربي الجديد
٢٩-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
اجتماع أممي لمواجهة "حالة طوارئ عالمية" تهدد محيطات العالم
تستعد دول العالم للاجتماع في فرنسا الشهر المقبل لمواجهة ما تصفه الأمم المتحدة بـ"حالة طوارئ عالمية" تهدد محيطات العالم ، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتلوث البلاستيك الذي يخنق الحياة البحرية، والاستغلال المفرط للأسماك والموارد البحرية الأخرى. ويهدف المؤتمر الثالث للأمم المتحدة حول المحيطات إلى توحيد الحكومات والعلماء والشركات و المجتمع المدني من أجل اتخاذ إجراءات حاسمة وجمع التمويل اللازم لمعالجة هذه الأزمات وغيرها مما يواجه المحيطات وسكان العالم الذين يعتمدون عليها في بقائهم على قيد الحياة. وقال الأمين العام للمؤتمر لي جونهوا للصحافيين، أمس الثلاثاء، إنه يأمل بألا يكون المؤتمر اجتماعا روتينيا آخر، بل أن يكون "فرصة محورية" لتسريع العمل وحشد الناس في جميع القطاعات وفي جميع أنحاء العالم. ويعقد المؤتمر، الذي ترعاه فرنسا وكوستاريكا، في مدينة نيس على الريفييرا الفرنسية خلال الفترة من السابع إلى الثالث عشر من يونيو/حزيران، ومن المتوقع أن يضم أكثر من 60 من قادة العالم، وعشرات الوزراء، ونحو أربعة آلاف مسؤول حكومي، وستة آلاف من ممثلي المجتمع المدني، بحسب ما أفاد لي لوكالة أسوشييتد برس. الأمم المتحدة: احتمالات تخطي معدل الاحترار 1.5% بحلول 2029 تبلغ 70% من جهة أخرى، حذّرت الأمم المتّحدة، اليوم الأربعاء، من أنّ احتمالات أن يتخطّى معدّل الاحترار المناخي في العالم بالمقارنة مع ما كان عليه قبل الثورة الصناعية، 1.5 درجة مئوية خلال الفترة الممتدة بين 2025 و2029، باتت الآن تبلغ 70%. وقال مكتب الأرصاد الجوية البريطاني في تقرير مناخي سنوي أعدّه لحساب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إنّ معدّل الاحترار سيظلّ عند مستويات تاريخية من الارتفاع بعدما كانت حرارة سطح الكوكب عامي 2023 و2024 الأعلى على الإطلاق. وقالت الأمينة العامة المساعدة للمنظمة كو باريت: "عرفنا للتو أكثر عشر سنوات حرا تسجل حتى الآن. وللأسف لا يظهر تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أي تراجع". بيئة التحديثات الحية الاحترار المناخي يفاقم المخاطر لدى النساء الحوامل ويحتسب الاحترار البالغ 1.5 درجة مئوية مقارنة بالمعدل المسجل بين 1850 و1900 قبل أن يبدأ الإنسان بحرق الفحم والغاز والنفط بكميات صناعية والتي ينجم عن اشتعالها ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز الدفيئة المسؤول بشكل واسع عن التغير المناخي. وهذا الاحترار بمعدل 1.5 درجة مئوية هو أكثر الأهداف طموحا في اتفاق باريس حول المناخ المبرم في العام 2015، إلا أن الكثير من خبراء المناخ باتوا يعتبرون أنه غير قابل للتحقيق لأن انبعاثات ثاني اكسيد الكربون لم تبدأ بالتراجع بعد، لا بل تستمر بالارتفاع. وعلق خبير المناخ بيتر ثورن، من جامعة مينوت في أيرلندا، قائلاً: "هذا يتناسب تماما مع اقترابنا من تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية على المدى الطويل في نهاية عشرينيات هذا القرن أو مطلع الثلاثينيات منه". (فرانس برس، أسوشييتد برس)