
الحضارة بوصفها أثرا مشتركا
اللَّـه عطانا خير وأنعام
والحمد له واجِب علينا
ياللي عطانا إيمان وإلهام
ومن فضله الضافي عطينا
تردد هذان البيتان البليغان في ذاكرتي بينما يحتفل العالم باليوم الدولي للحوار بين الحضارات منذ أيام.
بهذين البيتين، يضع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- لبنة أخلاقية في بناء المفهوم الحضاري الذي طالما آمن به، وجسّده في مشروعه الوحدوي والإنساني. البيتان لا يحتفيان بالعطاء من باب الامتنان الفردي فقط، بل يضعان منظومة معرفية متكاملة قوامها: الإيمان، والإلهام، والعطاء. وهي منظومة تنسحب على تعريف الحضارة حين نعيد تأمّلها لا بوصفها سلعةً مادية أو إنجازاً عمرانيّاً، بل كرؤية أخلاقية تُنتج المعرفة وتبني القيم وتنفتح على الآخر.
ما الذي يجعل من حضارة ما علامة مضيئة في تاريخ البشرية؟
ليس التوسع الإمبراطوري، ولا الوفرة الاقتصادية، بل قدرتها على إنتاج الخير العام، وتوزيع المعرفة، وتوليد الحوار. الحضارة ليست تراكُماً في الحجم، بل تحوّلٌ في النوع، ومتى افتقدت القدرة على مخاطبة الآخر، فإنها تحكم على ذاتها بالتقوقع، ولو بلغت ما بلغت من التقنية.
لقد بدت هذه الفكرة حاضرة بقوة في فلسفة التأسيس التي قامت عليها دولة الإمارات، وهي دولة لم تنشأ على ردود الفعل، بل على فعل التراكم البنّاء، حيث غدا الحوار مبدأ وجوديّاً، وممارسة يومية، وأداة لبناء علاقات لا تستثني أحداً من قوس الانتماء الإنساني.
مَن يقرأ في العمق، يدرك أن السياسات الثقافية في الإمارات تعمل على جعل التعدد منطلَقاً للحوار، لا مدعاة للفرز أو الإقصاء. ثمة تأكيد مستمر على أن الحوار لا يُصطنع، بل يُمارس؛ ولا يُستخدم ظرفياً، بل يُؤسس له بوصفه شرطاً للحضارة.
في هذا السياق، الحوار ليس فعلاً ناعماً فحسب، بل ضرورة حضارية صلبة. إنه آلية لدرء العنف، ومواجهة التعصب، وإعادة تعريف الإنسان في علاقته بالآخر. وهو أيضاً أحد أكثر أشكال القوة نعومة وتأثيراً. لا عجب أن الحضارات التي ازدهرت كانت تلك التي فتحت نوافذها للتنوع، وتفاعلت مع الثقافات دون أن تفقد جذورها.
تأمُّل تجربة الترجمة، على سبيل المثال، يُفضي إلى اكتشاف العلاقة الوثيقة بين الحوار والنقل المعرفي؛ إذ إن كل نصٍّ مُتَرجَم هو شكل من أشكال الإنصات إلى الآخر، وكل مشروع ترجمة كبير هو تعبير عن رغبة في بناء لغة مشتركة لا تنفي الاختلاف بل تنظّمه. ومشروع 'كلمة' للترجمة الذي يديره مركز أبوظبي للغة العربية هو واحد من أبرز تجليات هذا النهج الإماراتي في صناعة الجسور لا الجدران.
كما أن المعارض الدولية للكتاب التي تنظمها الإمارات، وفي مقدمتها معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي استضاف أكثر من مائة دولة؛ لا تهدف إلى التسويق الثقافي فحسب، بل إلى ترسيخ فكرة أن التنوع مصدر إثراء. ففي كل منصة نقاش، وفي كل ركن عرض، وورشة، ومؤتمر، تُعاد صياغة الحوار كقيمة مدنية عليا.
الحوار الحضاري، إذًا، ليس مجرد استجابة أخلاقية، بل تعبير عن وعي استراتيجي بضرورة بناء المشترك الإنساني، لا سيما في عالم تزداد فيه النزعات الانعزالية. من هنا، يمكن فهم حضور الإمارات في المحافل الدولية كصوت متّزِن يدعو إلى العقل والتسامح، ويرى أن السلام ليس وقف إطلاق نار، بل إطلاق لفكر جديد يرى في الإنسان قيمة مطلقة.
لقد نجحت الإمارات، منذ تأسيسها، في أن تشيّد لحضارةٍ قوامُها هذا الثلاثي: العمل، العطاء، الحوار. والعمل هنا ليس مجرد حركة إنتاج، بل هو التزام بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخر. والعطاء ليس إحساناً، بل بناءٌ مستمرٌّ للثقة. أما الحوار فهو الصيغة الأعلى لفهم الذات من خلال الآخر، وهو شرط لنقل الأثر الحضاري إلى الإنسانية جمعاء.
في ضوء ذلك، فإن الاحتفاء بالحوار بين الحضارات لا ينبغي أن يكون مناسبة احتفالية، بل وعياً متجدداً بأن مصير الإنسان مرتهن بقدرته على الإصغاء والتفاهم والانفتاح. والمجتمعات التي تفهم ذلك، لا تتقدم فقط، بل تترك أثرها في الزمن.
وبينما تَجهَد بعض الدول في بناء الهيبة عبر القوّة، تبني الإمارات حضورها عبر التأثير. تأثيرٌ يستند إلى نموذج إنساني يرى أن احترام التعدد مقدمة لبناء الحضارة، لا تهديداً لها. وهذا ما يجعل تجربة الإمارات اليوم ليست مجرد نموذج سياسي ناجح، بل رؤية حضارية تقترح على العالم شكلاً جديداً من العيش المشترك، لا يلغي الاختلاف، بل يحتفي به ويحوّله إلى مصدر معرفة.
في النهاية، لا يُقاس الحضور الحضاري إلا بقدرة الإنسان على أن يكون رسول خير، وصوت سلام، وأداة وصل في زمن التنافر. والحضارة، في جوهرها، ليست ما نملكه، بل ما نهبه للعالم من أثر نبيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 2 ساعات
- البلاد البحرينية
سمو ولي العهد رئيس الوزراء يلتقي د. مارسين تشيبلاك الأمين العام للمحكمة الدائمة للتحكيم
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أن مملكة البحرين تولي أهمية بالغة لتعزيز البيئة الداعمة لممارسات التحكيم والوساطة المستقلة، بما يسهم في دعم ركائز العدالة ويدعم مسيرة التنمية والازدهار، مشيراً سموه إلى أن مملكة البحرين تواصل تبني المبادرات الهادفة إلى تعزيز أطر التعاون مع مختلف الدول والمؤسسات المعنية في مجال التحكيم، وذلك انطلاقًا من رؤى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وتطلعاته نحو ترسيخ مكانة البحرين كمركز رائد في هذا المجال. جاء ذلك لدى لقاء سموه حفظه الله، في قصر الرفاع اليوم، بحضور سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء، وسمو الشيخ محمد بن سلمان بن حمد آل خليفة، وعدد من أصحاب السعادة من كبار المسؤولين، سعادة د. مارسين تشيبلاك الأمين العام للمحكمة الدائمة للتحكيم، حيث أشار سموه إلى الدور الذي تضطلع به المحكمة الدائمة للتحكيم ودورها الدولي الهام، لافتاً سموه إلى حرص مملكة البحرين على تعزيز أوجه التعاون والتنسيق المشترك مع مختلف المؤسسات القضائية والتحكيمية الدولية على الصُعد كافة، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات والتجارب، بما يسهم في ترسيخ دورها كشريك داعم للمبادرات العدلية والحلول السلمية الدولية، بما يصب في دعم مساعي ترسيخ العدل والتنمية في المنطقة والعالم. من جانبه، أعرب سعادة د. مارسين تشيبلاك الأمين العام للمحكمة الدائمة للتحكيم، عن شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لما احرص سموه المتواصل على تعزيز أواصر التعاون الثنائي مع المحكمة الدائمة للتحكيم بما يسهم في تحقيق الأهداف المشتركة، متمنياً لمملكة البحرين دوام النماء والتقدم.


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
سمو ولي العهد رئيس الوزراء: مواصلة الجهود على مختلف الأصعدة لتعزيز السلامة المدنية
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على نهج مملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه الداعي للسلام وحل الأزمات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، ودعم كافة الجهود الإقليمية والدولية التي تسهم في ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، مشيراً سموه إلى أن مملكة البحرين تواصل جهودها على مختلف الأصعدة لاتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها تعزيز السلامة المدنية، في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة. ولفت سموه إلى حرص مملكة البحرين على إدارة الطوارئ المدنية عبر نهج استباقي ومتكامل، يقوم على الجاهزية المؤسسية، ورفع كفاءة الأجهزة المعنية، وتكامل الجهود بين مختلف الجهات، إلى جانب تعزيز التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة بما يخدم المصالح المشتركة، ويحفظ أمن واستقرار المنطقة. جاء ذلك لدى زيارة سموه حفظه الله اليوم، يرافقه سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء، ومعالي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني، وعدد من أصحاب السعادة من كبار المسؤولين، إلى مركز المدار بوزارة الخارجية، حيث كان في استقبال سموه لدى وصوله، سعادة الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني وزير الخارجية ، وقد اطّلع سموه على مستجدات العمل بالمركز، وإسهاماته بالتنسيق مع قطاعات وإدارات الوزارة والبعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج في تحقيق أهداف الدبلوماسية البحرينية، بما يسهم في تعزيز السلام ويحفظ أمن الوطن. مشيداً سموه بالجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة الخارجية. وأشار سموه إلى أن مملكة البحرين بكوادرها الوطنية من مختلف مواقع العمل والمسؤولية ضمن فريق البحرين يثبتون دوماً جدارتهم في تنفيذ المهام المناطة بهم وفق أعلى درجات الاحترافية والإتقان، ويحققون بحرصهم وعملهم التكاملي، النجاحات في مختلف التحديات التي تواجه المملكة. لافتاً سموه إلى أهمية الاستمرار في البناء على ما تحقق من إنجازات في مختلف الميادين، معرباً عن تمنياته بأن يواصل الجميع العمل بروح الفريق الواحد لتحقيق كل ما من شأنه الخير والنماء للوطن والمواطن. من جانبه، أعرب سعادة وزير الخارجية عن شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء على زيارته لمركز المدار ودعمه المستمر لمسارات العمل بوزارة الخارجية المركز، مشيراً إلى أن توجيهات سموه ستظل دوماً نبراساً يحتذى في مختلف مسارات العمل بالوزارة.


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
سمو ولي العهد رئيس الوزراء: الجهود المخلصة التي يقوم بها رجال الأمن تعد مثالاً حيًا لقيم العطاء والمسؤولية والتضحية
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء أن الجهود المخلصة التي يقوم بها رجال الأمن تعد مثالاً حيًا لقيم العطاء والمسؤولية والتضحية، مؤكدًا سموه أن روح العطاء والولاء التي يتحلى بها كافة أبناء البحرين تشكل الركيزة الأساسية التي يعول عليها في مواصلة تحقيق الإنجازات، التي ترفد المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله ورعاه. جاء ذلك لدى زيارة سموه حفظه الله اليوم، يرافقه سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة وزير ديوان رئيس مجلس الوزراء، ومعالي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني، وعدد من أصحاب السعادة من كبار المسؤولين، إلى غرفة العمليات الرئيسية بوزارة الداخلية، حيث كان في استقبال سموه لدى وصوله، الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية وكبار الضباط والمسؤولين بوزارة الداخلية، وقد اطّلع سموه على إيجازٍ حول دور غرفة العمليات الرئيسية في التجاوب مع البلاغات الواردة، وتنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، وتنفيذ المهام المناطة بها، بما يعكس المستوى المتقدم من الجاهزية للتعامل مع كافة المستجدات والمتغيرات، معرباً سموه في هذا الصدد عن شكره وتقديره لمعالي وزير الداخلية وكافة منتسبي الوزارة، على تفانيهم وعملهم الدؤوب في حفظ أمن الوطن وصون مكتسباته. وأكد سموه أن المتغيرات الإقليمية والدولية تفرض تحديات متنامية تتطلب رفع الجاهزية وتنفيذ خطط استباقية تضمن صون أمن واستقرار مملكة البحرين، وتعزز كفاءة منظومتي السلامة المدنية والسلامة العامة، لافتًا سموه إلى أن ما تبذله الكوادر الوطنية من جهودٍ مخلصة ضمن فريق البحرين هي محط فخرٍ واعتزازٍ دائم، وإن أبناء البحرين أثبتوا في كل موقف جاهزيتهم العالية واستعدادهم التام لأداء واجبهم الوطني، مضيفاً سموه أن الثقة كبيرة في تجاوز مختلف التحديات بفضل رؤية وتوجيهات حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة حفظه الله ورعاه، وعزيمة وتلاحم أبناء البحرين. وأشار سموه إلى أن الجهات المعنية تواصل جهودها على مختلف المستويات وتتخذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان أمن الوطن واستقراره وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين والمقيمين. من جهته، أعرب الفريق أول معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية ، عن خالص شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ، على تفضل سموه بزيارة وزارة الداخلية وغرفة العمليات الرئيسية، والتي تحمل مردودًا معنويًا كبيرًا على كافة منتسبي الوزارة، مشيدًا بدعم سموه لرجال الأمن للقيام بواجبهم وبذل المزيد من الجهود المخلصة من أجل حفظ أمن واستقرار الوطن. وأشار معاليه إلى أن كافة القطاعات المعنية بوزارة الداخلية، تتابع مهامها على مدار الساعة لتعزيز الإجراءات الاحترازية للحماية المدنية، وحفظ النظام العام، مضيفًا أن توجيهات سموه الكريمة للتعامل بكفاءة ومهنية، مع كل ما يطرأ من مستجدات في ظل التطورات الإقليمية الراهنة، تسهم في تعزيز الجاهزية لإدارة الطوارئ المدنية واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع الحالات الطارئة.