logo
مسيرات "أفريقية"... بين تقليص الكلف وتفاقم الأخطار

مسيرات "أفريقية"... بين تقليص الكلف وتفاقم الأخطار

Independent عربية٢٣-٠٣-٢٠٢٥

دخل عدد من الدول الأفريقية من ضمنها نيجيريا وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا نادي صناعة الطائرات المسيرة في تطور يكشف عن تزايد حاجة القارة السمراء التي تعرف اضطرابات شديدة إلى هذا السلاح.
ويملك الآن نحو 31 جيشاً وطنياً في أفريقيا طائرات مسيرة، وهي سلاح صغير بإمكانه التواري عن أنظار الرادارات ولا يكلف موازنات الدول كثيراً من الأموال لاقتنائه، ويتيح ميزة أخرى وهي تعقب أية عناصر وشن هجمات من دون وقوع ضحايا في صفوف الجيش بخلاف الطائرات الحربية التقليدية.
وتعد جنوب أفريقيا رائدة في صنع الطائرات المسيرة، إذ اشتهرت البلاد بطائرة "ميلكور 380"، وهي طائرة تمتاز بقدرة هائلة على الدقة والمناورة والسرعة، مما عزز من إمكاناتها كطائرة قتالية.
وحلقت هذه الطائرة للمرة الأولى على سبيل المثال في الـ19 من سبتمبر (أيلول) 2023 في خطوة تكشف عن شغف دول القارة السمراء بصنع المسيرات بعد سنوات قضتها في اقتناء هذا النوع من الأسلحة من دول مثل تركيا التي اشتهرت هي الأخرى بطائرات "بيرقدار" وغيرها.
الطفرة في صنع المسيرات محلياً تجعل الدول الأفريقية أقل اعتماداً على شراء هذا السلاح من الخارج (أ ف ب)
عمود فقري
اللافت في توجه عديد من الدول الأفريقية إلى المراهنة على صنع مسيرات تستخدمها في مجالات مثل تأمين الحدود ومواجهة الصيد الجائر وشن ضربات ضد الجماعات المسلحة هو أن دولاً مثل جنوب أفريقيا أو نيجيريا أو جنوب السودان تعتمد على مكونات محلية للقيام بذلك. وكشفت بيانات جمعها موقع "ميليتري أفريكا" في وقت سابق عن أن هناك ما لا يقل عن 13 شركة محلية في القارة السمراء تقوم بصنع الطائرات المسيرة. ويعزو كثر الطفرة التي يتم تحقيقها في صنع الطائرات المسيرة في أفريقيا إلى مساعي بلدان القارة السمراء لمواجهة التحديات الأمنية، وأيضاً دفع الشركات الأجنبية نحو خفض أسعار هذه الطائرات، فعلى رغم أن أسعارها رخيصة مقارنة بالطائرات التقليدية فإن عدداً من الدول يعمل على استغلال حاجة الدول الأفريقية للمسيرات من أجل الترويج لأسلحتها وبيعها بأسعار باهظة.
الباحث العسكري المتخصص في الشؤون الأفريقية أكرم خريف قال إن "هناك بالفعل دولاً أفريقية كانت سباقة في صنع الطائرات المسيرة على غرار جنوب أفريقيا التي بدأت في التصنيع منذ بداية التسعينيات". وأضاف خريف أن "هناك مبادرات محلية في نيجيريا وجنوب أفريقيا وغيرهما لصنع الطائرات المسيرة، وهناك دول مثل مصر والجزائر والمغرب أيضاً تقوم بصنع هذا السلاح الذي أصبح العمود الفقري للجيوش البرية في أفريقيا"، وشدد أيضاً على أن "هذه الجيوش تستخدم هذه الطائرات للاستطلاع واستهداف العدو على مقربة، ونرى أنه في أفريقيا ظهرت المسيرات بيد حتى العصابات والجماعات المسلحة سواء كانت إرهابية أو غيرها". وبين خريف أن "هذا يدل إلى أن المسيرات ستصبح مع مرور الوقت تحدياً وتهديداً للجيوش الوطنية وقوى الأمن في أفريقيا".
يملك الآن نحو 31 جيشاً وطنياً في أفريقيا طائرات مسيرة (أ ب)
وعلى رغم زيادة وتيرة الصنع المحلي لهذه المسيرات فإن دولاً مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر لجأت إلى إبرام صفقات لافتة مع دول مثل تركيا وروسيا لاقتناء طائرات مسيرة من أجل استخدامها في المعارك مع الجماعات المسلحة التي ما انفكت تكبد الجيوش الوطنية والمدنيين خسائر فادحة.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقليص الطلب الخارجي
وتحدثت صحيفة "لوموند" الفرنسية عما سمته اجتياح الطائرات المسيرة التركية والروسية الأجواء في منطقة الساحل الأفريقي، فبعد طردها الحليف الفرنسي التقليدي لجأت بوركينا فاسو ومالي والنيجر إلى أنقرة وموسكو سعياً إلى تحقيق الأمن المفقود. وقال الباحث السياسي المالي المتخصص في القضايا الأمنية الأفريقية حمدي جوارا إن "أفريقيا حالياً تتطور سريعاً، ويرى أبناؤها أن هناك حاجة ماسة إلى الدخول في سوق صنع الطائرات المسيرة، ومع ذلك فإن هذه المبادرات التي نراها هنا وهناك لم تصل إلى درجة الاستقلال الكامل في هذا المجال". وتابع جوارا في تصريح خاص "بيد أن المؤشرات كلها تشير إلى أن صنع الطائرات المسيرة أصبح يثير ويغري المهندسين الأفارقة كي يفتحوا لبلدانهم المجال للدخول في عصر صناعة تكنولوجيا كهذه، خصوصاً في ظل الكلفة الباهظة التي تشتريها الدول الأفريقية للمسيرة، والتي تكون مكلفة جداً، ولا شك أن رواج هذه الصناعات سيكون من دوافعه السعي إلى التقليص من الطلب الخارجي للقارة". واستنتج أنه "مع تنامي صنع المسيرات ستكون الأمور أسهل بكثير بالنسبة إلى الدول الأفريقية في الاستجابة للتحديات الأمنية من أن يتم شراء هذه الأسلحة من دول مثل الصين أو تركيا أو دول أوروبية".
أخطار عالية
لكن مساعي الدول الأفريقية لتطوير صناعتها المحلية للطائرات المسيرة تصطدم بعائق آخر، ألا وهو الأخطار العالية التي ينطوي عليها استخدام هذا السلاح. وأظهر مشروع "بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه" أن عدد القتلى في صفوف المدنيين جراء الضربات بطائرات مسيرة في عام 2023 قفز إلى نحو 1400 شخص بعدما كان 149 قتيلاً في عام 2020.
وفي إثيوبيا قتلت الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش ضد "جبهة تحرير شعب تيغراي" نحو 490 مدنياً في 26 غارة، في وقت قتلت فيه الطائرات نفسها 64 مدنياً في مالي.
وفي أحدث مذبحة تشهدها أفريقيا باستخدام الطائرات المسيرة قتل ما لا يقل عن 100 شخص في بوركينا فاسو في غارة نفذتها ميليشيات متحالفة مع الجيش بمنطقة سولينزو في شمال البلاد. وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي جثثاً متنافرة في شوارع هذه المنطقة، ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى "فتح تحقيق نزيه ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم بالغة الخطورة".
وقال الباحث السياسي محمد أوال "بالفعل هناك نوع من التجاهل من قبل الدول الأفريقية لاستخدامات الطائرات المسيرة، ليس العيب في أن تقوم بصنعها وتطويرها محلياً، بل بالعكس، هذا يفتح آفاقاً واسعة أمام دولنا، لكن في المقابل أخطار استخدامها عالية للغاية". وأوضح أوال أن "الجيوش المحلية بصورة خاصة تتجاهل هذه الأخطار وهي فوق المحاسبة، والأرقام أبرز دليل على حجم الخسائر التي بات يتكبدها المدنيون جراء هكذا ضربات، فعندما نتحدث عن 1400 قتيل في ضربات بطائرات مسيرة فإن الحصيلة ثقيلة جداً وتكشف عن استهتار بسلاح كهذا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمن يطلق النار على شخص أمام مقر الاستخبارات الأميركية
الأمن يطلق النار على شخص أمام مقر الاستخبارات الأميركية

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

الأمن يطلق النار على شخص أمام مقر الاستخبارات الأميركية

ذكرت تقارير إعلامية أن أفراد أمن أطلقوا النار على شخص في ساعة باكرة من صباح اليوم الخميس أمام مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في لانجلي بولاية فرجينيا، وقال مصدر مطلع لشبكة (إن بي سي) إن إطلاق النار لم يسفر عن قتلى. ولم يؤكد متحدث باسم "سي آي إيه" وقوع إطلاق النار، وقال "كانت هناك حادثة أمنية تعاملت معه قوات إنفاذ القانون أمام مقر وكالة الاستخبارات المركزية". وذكر حدث باسم شرطة فيرفاكس لشبكة "إيه بي سي نيوز" أن إطلاق النار وقع الساعة الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلي (08:00 بتوقيت غرينتش). اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وذكرت "سي آي إيه" في منشور على منصة "إكس" أن البوابة الرئيسة في "مجمع لانجلي" التابع للوكالة أُغلقت، وإنها وجهت الموظفين إلى البحث عن طرق بديلة. وجاء إطلاق النار بعد مقتل موظفين اثنين في السفارة الإسرائيلية على يد مسلح وسط العاصمة واشنطن مساء أمس الأربعاء، وليس هناك ما يشير إلى وجود صلة بين الحادثتين.

صافي الهجرة إلى بريطانيا يهبط إلى النصف في 2024
صافي الهجرة إلى بريطانيا يهبط إلى النصف في 2024

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

صافي الهجرة إلى بريطانيا يهبط إلى النصف في 2024

ما زرعه حزب المحافظين لتقييد الهجرة إلى بريطانيا في عهد حكومتهم الأخيرة قد يحصده "العمال" اليوم، إذ أعلن المكتب الوطني للإحصاء اليوم الخميس أن صافي الهجرة الطويلة الأمد قد انخفض بمقدار النصف تقريباً حتى وصل إلى 431 ألف شخص في 2024 مقارنة مع 860 ألفاً نهاية العام الذي سبقه. وصافي الهجرة هو الفارق بين من دخلوا البلاد والمغادرين لها، والآليات التي أدت إلى هذا الانخفاض وضعتها الحكومة المحافظة التي تزعمها ريشي سوناك وكان وزير داخليته جيمس كليفرلي، حين رفعت في 2023 الحد الأدنى لأجور العمالة الأجنبية، وصعبت على الوافدين بغرض العمل أو الدراسة جلب عائلاتهم معهم. زعيمة المحافظين كيمي بادينوك شعرت بالرضا لكنها لم تبالغ في إطراء حزبها، وقالت إن أرقام المهاجرين لا تزال مرتفعة والإجراءات تحتاج إلى صرامة أكبر من قبل الحكومة العمالية، أما زعيم حزب "ريفورم" اليميني نايجل فاراج فيرى في الأعداد الجديدة "كارثة" تحتاج إلى علاجات حقيقية وعملية، ولكنها إحصاءات اليوم برأيه تبقى أقل من "الخيانة" التي ارتكبها "المحافظين" بعد "بريكست"، على حد تعبيره. الأرقام الصادرة اليوم عكست تراجع عدد المرافقين للطلبة الأجانب في الجامعات بنسبة 86 في المئة وانخفاضاً بنسبة 35 في المئة بعائلات القادمين للعمل في السوق البريطانية، وهو ما قاد إلى تراجع إجمال الوافدين عام 2024 إلى 948 ألف مهاجر مقابل أكثر من 1.3 مليون شخص دخلوا الدولة في العام الذي سبقه. مع تقييد تأشيرات العائلات والمرافقين وتحميل الشركات أعباء مالية أكبر لاستقدام العمالة الأجنبية في 2023، تراجع عدد المهاجرين بغرض العمل في المملكة المتحدة خلال العام الماضي إلى النصف تقريباً، وهو ما يعادل أكثر من 100 ألف شخص موزعين على كل الفئات المسجلة في الوظائف المتاحة للمهاجرين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) الوافدون للدراسة نقص عددهم بنسبة 17 في المئة في 2024، وهو معدل قابل للزيادة في العام الجاري وتحذر جامعات بريطانية من تأثير ذلك في ميزانياتها التي تعتمد على رسوم الطلبة الأجانب كواحد من أبرز مصادر دخلها، إلا أن حكومة حزب العمال الجديدة لم تظهر أي تعاطف مع المؤسسات الأكاديمية على هذا الصعيد. الحكومة الجديدة بقيادة كير ستارمر، التي وصلت السلطة في الرابع من يوليو (تموز) 2024، لم تعدل القيود التي فرضتها سابقتها المحافظة بصورة عامة، وبخاصة في ما يتعلق بالأجور المطلوبة لاستقدام العمالة أو حتى للزواج من أجانب، فتقليص أعداد المهاجرين هو وعد انتخابي أطلقه حزب العمال أيضاً، وأطلق من أجل تنفيذه قبل أيام ورقة بيضاء تستهدف تقليصاً أكبر في الأرقام خلال ولاية البرلمان الحالي الممتدة إلى 2029. لم تعلن الحكومة تفاصيل تطبيق ورقتها البيضاء، لكن صافي الهجرة الجديد على رغم تراجعه، يبقى أكثر من الحد الذي ساد قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (300 ألف)، وصوت الناس على ضوئه في استفتاء مصيري عام 2016 لصالح "بريكست" تحت عنوان "استعادة السيطرة على الحدود ووقف تدفق الأجانب إلى البلاد". وزيرة الداخلية إيفيت كوبر رحبت بتراجع أعداد المهاجرين وفق الإحصاءات الحديثة، ولكن ذلك برأيها ليس كافياً، وما نتوقعه من "الورقة البيضاء" للحكومة تقديم حلول جذرية لمشكلة طال انتظار البريطانيين لحلها، وفق قولها. في الأرقام الرسمية الحديثة شكل مواطنو الاتحاد الأوروبي 13 في المئة من القادمين إلى المملكة المتحدة عام 2024، وفي ظل الاتفاق الجديد الذي أبرم قبل أيام لتحسين العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يرتفع عدد المهاجرين من دول التكتل خلال العام المقبل وما بعده بفعل موافقة حكومة ستارمر على حرية تنقل الشباب دون سن الثلاثين بين الطرفين لأغراض العمل والدراسة والإقامة. النسبة الكبرى من المهاجرين إلى المملكة المتحدة عام 2024 جاءت من خارج الاتحاد الأوروبي بواقع 81 في المئة، أما أكثر الدول المصدرة لهؤلاء فكانت الهند بأكثر من 150 ألف شخص جاءوا للدراسة والعمل وأغراض أخرى، تلتها باكستان بما يزيد على 76 ألفاً، ثم الصين بـ70 ألفاَ، ونيجيريا بـ52 ألفاً، وبعدها أوكرانيا 22 ألفاً. التراجع في أعداد القادمين العام الماضي طال أيضاً اللاجئين، إذ أكد مكتب الإحصاء أن عدد الوافدين إلى المملكة المتحدة لهذا الغرض نهاية مارس (آذار) الماضي وصل إلى أكثر من 32 ألفاً بقليل مقابل 38 ألفاً نهاية 2024، وعلى رغم ذلك يعتبر الرقم الجديد أعلى بنسبة تسعة في المئة قياساً بعدد اللاجئين عندما تسلم "العمال" السلطة قبل نحو عام، إذ بلغ نحو 30 ألف شخص كانوا يقيمون في الفنادق المخصصة للمتقدمين بطلبات اللجوء، وهم في غالبيتهم الساحقة قدموا عبر البحر بشكل غير شرعي.

الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا
الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا

Independent عربية

timeمنذ 5 ساعات

  • Independent عربية

الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا

ما إن بلغت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا مرحلتها الحرجة بعد محاصرة القوات الروسية العاصمة كييف، وجلس الوفدان الروسي والأوكراني في ضيافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول أواخر فبراير (شباط) 2022 بحثاً عن تسوية سلمية، حتى حشدت الدول الغربية قواها بحثاً عن حل آخر أوعز به بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني -وقتها- إلى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي. ولم يكن هذا الحل سوى رفض ما عاد به الوفد الأوكراني من إسطنبول، بنتائج إيجابية كانت تتفق مع مطالب الوفد الروسي، فضلاً عما قبل به زيلينسكي من ضرورة التركيز على استمرار القتال في ساحة المعارك. وذلك ما كان عملياً نقطة التحول صوب ما يشهده العالم من كوارث إنسانية تتواصل حتى اليوم، للعام الرابع على التوالي. حرب المسيرات وها هو "الرئيس المخلص"، الذي جاء على صهوة حصانه بصيحته حول قدرته على وقف الحرب، وإعلانه أن "هذه الحرب لم تكن لتبدأ، لو كان في موقعه بالبيت الأبيض"، مؤكداً قدرته على وقفها في غضون 24 ساعة. وبعيداً من كل ما قيل ويقال في هذا الصدد، نتوقف لنشير إلى ما يشغل بال العسكريين اليوم، وبعد نجاح موسكو في إنهاء احتفالاتها بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا الهتلرية دون خسائر تذكر. وكانت أوكرانيا أطلقت عدداً هائلاً من طائراتها المسيرة، نجح الجانب الروسي في إسقاط 524 منها عشية السابع من مايو (أيار) الجاري، أي قبل إعلان موسكو هدنة أعياد النصر التي استمرت ثلاثة أيام. تلك هي الطائرات المسيرة بكل ما جادت به عقول أبنائها من أشكال وأنواع متعددة، متباينة في التصميم والشكل والقدرات. وذلك بعد ما تأكد عن تخلف روسيا في هذا المضمار، بالمقارنة مع بلدان لا تضاهيها في التقدم التكنولوجي والإمكانات والقدرات التقنية. وها هو العقل العسكري الروسي، يستطيع بسرعة خاطفة تجاوز اللحظة، بما حفلت به من مآسٍ وأحزان، وبلوغ ما كان يصبو إليه خلال أشهر معدودات. وجاءت العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي تحولت إلى حقل تجارب وساحة قتال استعاد فيها المقاتل الروسي، وغيره من أبناء بلده المتعدد القوميات والأعراق، أمجاد أسلافه بانتصارهم المجيد في الحرب العالمية الثانية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وننقل عن المقدم أوليج إيفانيكوف مستشار الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية ومرشح العلوم التاريخية، ما قاله لموقع حول إن الصراع العسكري الحالي سيكون الأخير الذي يشارك فيه هذا العدد الكبير من المشاة، إذ تستخدم المسيرات مختلفة الأنواع والقدرات بالفعل في السماء والأرض وأعلى الماء وتحته. وسوف تصبح هذه الظاهرة في المستقبل واسعة الانتشار، بما ستظهر به من تقنيات أكثر حداثة. وهكذا تحولت كل هذه الطائرات المسيرة والروبوتات وأنظمة الحرب الإلكترونية التي كانت مجرد توقعات للعلماء وأفلام الخيال العلمي، إلى واقع عملي يستخدم في ساحات المعارك. وبالمثل، ستكون الحرب المقبلة مختلفة تماماً، ولن تتطلب هذا العدد الكبير من جنود المشاة بل سيكون الطلب على مشغلي الطائرات المسيرة، بحسب ما يتوقع المقدم الروسي مستشار الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، عشية الهدنة الاحتفالية التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، أن قوات الدفاع الجوي أسقطت في يوم واحد فقط 524 طائرة مسيرة من أنواع مختلفة، إضافة إلى صواريخ وقنابل موجهة في مناطق مختلفة من روسيا. حتى مع الأخذ في الاعتبار حقيقة وجود عدد من الضربات، فقد اعتُرف بعمل المدفعية المضادة للطائرات على أنه رائع استطاع إبطال مفعول أكبر هجوم متزامن بالطائرات من دون طيار والصواريخ والطائرات في التاريخ حتى الآن. وبناء على رد فعل الخبراء الدوليين، لا يمكن لأية دولة في العالم أن تفتخر بمثل هذه النتيجة. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأوكرانية اعترافه بأن "الهجمات على موسكو من غير المرجح أن تنجح بسبب الدفاعات الجوية الروسية المعززة"، ومن الواضح أنه حتى أكثر الشخصيات "عناداً" في القوات المسلحة الأوكرانية تدرك أنها لن تكون قادرة على تحقيق نتائج عسكرية بهذه الطريقة، ولا يمكن لأي طبيب إنقاذها من الآثار الجانبية، على حد قول الصحيفة الأميركية. بعض من التاريخ المعاصر وعن صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" واسعة الانتشار، ننقل ما قاله نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات قسطنطين ماكينكو حول أن استخدام الأسلحة عالية الدقة، وبالكلف المطلوبة لاستخدامها، أصبح أكثر اقتصاداً من استهلاك كتلة من الذخيرة غير الخاضعة للرقابة، وتسمح لك التقنيات الحديثة أيضاً بتصغير الأسلحة عالية الدقة، مما يجعلها أرخص كلفة. وأضاف قوله إننا ندخل عصر الصراعات العسكرية الصغيرة التي لا نهاية لها في جميع أنحاء العالم، وهنا في المستقبل، قد نتحدث عن الانقراض الكامل للأسلحة التي لا يمكن السيطرة عليها. ولم يغفل المتخصص الروسي الحديث القصور الذي كثيراً ما شاب القطاع العسكري في روسيا خلال تسعينيات القرن الماضي، ومنه تأخر القوات المسلحة الروسية في إدخال وتطوير التكنولوجيات "غير المأهولة"، قائلاً إنه لا يرجع في المقام الأول إلى بعض الأسباب التكنولوجية، لكن نتيجة مشكلات في تحديد أولويات التنمية. وأضاف أنه طرح هذه القضية قبل 15-20 عاماً ضمن مؤتمر صحافي على القائد العام للقوات الجوية، إذ تساءل عن أسباب تخلف روسيا في تطوير الطائرات من دون طيار، وعلى وجه الخصوص في صناعة طائرات من دون طيار، وهو ما أجاب عنه بجدية واضحة "لماذا نحتاج إليها؟ لدينا ما يكفي من الطائرات والطيارين"، وأعاد إلى الأذهان ما شاب قطاع الطيران إبان تولي أناتولي سيرديوكوف منصب وزارة الدفاع من قصور، وكان سيرديوكوف في السابق مسؤولاً مدنياً عن قطاع "الموبيليا وتجارة الأثاث" في لينينغراد (سان بطرسبورغ)، وقال إنه وفي عهد هذا الوزير الذي جاء من أروقة قطاع التجارة أوقف القبول في مدارس الطيران، وكان هناك عدد قليل من الطيارين، خلال وقت لم تكن هناك طائرات من دون طيار في القوات المسلحة الروسية. وفي هيئة الأركان العامة احتدم الجدل بحثاً عن إجابة لتساؤلات مفادها، لمن يعطي قيادة الطيران غير المأهول، للطيارين أو المسافرين البريين؟ ومن يحتاج إليها أكثر؟ واتضح أنه لا أحد في حاجة إليها، وأعاد إلى الأذهان زيارة لإسرائيل قال إنه اضطر إلى القيام بها منذ نحو 10 أعوام، وأضاف أنه زار آنذاك إحدى شركات "IAI" التي تشارك، من بين أمور أخرى، في إنتاج الطائرات من دون طيار. وقال إن أكثر ما أدهشه خلال ذلك الوقت أن كل من صنع هذه الأجهزة في إسرائيل تقريباً مهاجر من الاتحاد السوفياتي ويتحدث الروسية جيداً، مما يعيد إلى الأذهان وطأة تهجير اليهود التي أسهمت في قيام دولة إسرائيل وما نجم عن ذلك من متاعب وكوارث يعاني العرب منها حتى يومنا هذا. لكنه سرعان ما تدارك ذلك ليقول إنه حُقق تقدم حقيقي على صعيد مواجهة وتجاوز هذه المسألة قبل هذا التاريخ في جزيرة "كرونشتادت"، غير بعيد من سان بطرسبورغ، التي تمكنت أخيراً من الحصول على جهاز "أوريون" العادي الذي تسلمته القوات المسلحة هذا العام للمرة الأولى. وعاد ليقول "إننا هنا نحتاج أيضاً إلى فهم أن ذلك وفي واقع الأمر مجرد نظير للطائرة من دون طيار الأميركيةGeneral Atomics Predator ، بدأ إنتاجه بصورة دورية في الولايات المتحدة عام 1995، وهناك أيضاً أوقف تشغيله لأعوام عدة. أي إننا متأخرون 20-25 عاماً عن شركائنا الأميركيين في هذا المجال". أوكرانيا متخلفة عن روسيا هذا واعترفت المصادر الأوكرانية بتخلف كييف عن موسكو في مجالات تطوير واستخدام الطائرات من دون طيار، على رغم أن أوكرانيا كانت حققت تقدماً نسبياً على الجانب الروسي خلال الأسابيع الأولى من "العملية العسكرية الروسية الخاصة"، بما استطاعت تحقيقه من مشترياتها للطائرات المسيرة من تركيا وإسرائيل، فضلاً عما تدفق عليها من أسلحة غربية منذ ذلك الحين. وأشارت مطبوعة "زيركالو نديلي" (مرآة الأسبوع) الأوكرانية في مقال كتبه يوري كاسيانوف إلى أن "الأوكرانيين يحبون التباهي بنجاحاتهم المزعومة في تطوير واستخدام الطائرات من دون طيار. في الواقع، تخسر أوكرانيا حرب المسيرات بصورة يائسة، خلال وقت عادت روسيا لتتقدم عليها كثيراً من حيث عدد وخصائص القتال للطائرات من دون طيار". وقالت أيضاً إن "روسيا تعمل على إنشاء أفواج من الأنظمة غير المأهولة كجزء من البحرية، وستعمل هذه الأفواج في الجو والبر والبحر، وستكون مسلحة بمسيرات سطحية وتحت الماء وبرية وجوية، وستؤدي مهام الاستطلاع والضرب في منطقة عمليات الأسطول". وذلك فضلاً عن أنه من المقرر كذلك أن يكون هناك ما لا يقل عن خمسة أفواج من هذا القبيل، ثلاثة منها ستكون جزءاً من الأساطيل في الجزء الأوروبي من روسيا، واثنان منها سيكونان جزءاً من أسطول المحيط الهادئ. ومن المقرر أيضاً أن تُسلح هذه الأفواج بقوارب مسيرة (UBC) ومركبات مسيرة تحت الماء، وطائرات من دون طيار متوسطة وطويلة المدى "فوربوست" و"أورلان" إضافة إلى الذخائر على غرار "لانسيت"، وطائرات استطلاع وهجوم من أنواع مختلفة. ومن اللافت في هذا الصدد أن صحيفة "واشنطن بوست"، أكدت ما تدفق عن المصادر الأوكرانية من اعترافات بما قالته حول أن الجيش الأوكراني لا يستطيع منافسة الجيش الروسي من حيث استخدام الطائرات من دون طيار على الجبهات كافة. وذكرت الصحيفة، نقلاً عن جندي من القوات المسلحة الأوكرانية يحمل اسماً رمزياً "سويفت"، أن الطائرات الأوكرانية من دون طيار لا تملك القدرة على حمل كميات من المتفجرات يمكن مقارنتها في القوة بشحنة قنبلة يدوية. وهذا يحول دون قدرتها على إلحاق أضرار كبيرة بالمعدات الروسية. وأضاف قوله إنها "مثل لعبة الشطرنج". ونقلت الصحيفة الأميركية عن الجندي الأوكراني ما قاله حول إن "الجيش الروسي يحقق الفوز"، وذلك فضلاً عما قاله حول إن خسائر نظام كييف من الطائرات من دون طيار خلال شهر واحد تصل إلى الآلاف، وتوصل زميله إلى استنتاج مفاده أن "القوات المسلحة الأوكرانية لا تملك ما يكفي منها أبداً". وفي هذا الصدد كانت روسيا استعادت كثيراً من قدراتها الصناعية العسكرية، استناداً إلى ما استطاعت إعادته إلى الحياة العملية من مصانع عسكرية كانت القيادة السوفياتية والروسية السابقة حولتها إلى صناعة الأدوات المنزلية والمعدات غير العسكرية منذ أعوام البيريسترويكا، وما تلاها من تسعينيات القرن الماضي. ويذكر مراقبون كثر ما اتخذه الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين من قرارات حول تقليص تعداد القوات المسلحة الروسية إلى نصف المليون، فضلاً عن تحويل كثير من قطاعات الحياة في روسيا إلى الأنماط المدنية، مما أعاد ويعيد بوتين النظر فيه، منذ أعوام ولايته الثانية وإعلانه حول رفضه لتوسع الـ"ناتو" شرقاً، إلى جانب رفضه لعالم القطب الواحد، وضرورة التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، في خطابه الشهير الذي ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن الأوروبي خلال فبراير (شباط) 2007.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store