
جوبيتر يقع في غرام
... وأنت ذاهب الى هناك، يفترض أن تحمل معك كمية اضافية من الخيال. أنت لست فقط في حضرة القياصرة، ورهبة القياصرة. أنت في حضرة الآلهة، ورهبة الآلهة. هكذا قال لي الشاعر الفرنسي الفذ لوي أراغون، في سهرة على شرفة أحد فنادق المدينة، بعدما عرض احدى مسرحياته في القلعة. بهره بهاء القمر هناك. سألني «هل رأيت مثلي باخوس وهو يقدم كأس النبيذ الى القمر»؟
وقال «في احدى الليالي الأندلسية كنت بصحبة السا (عشيقته الروسية السا تريوليه التي كتب لها «مجنون السا» بخلفية أندلسية آسرة)، أحسست بجنون القمر، وهو يرى عاشقين عند حافة الجنون يرشفان الحياة حتى الثمالة». في بعلبك لاحظ أن الرومان بنوا قلعتهم في هذا المكان لأنه يليق بالآلهة. وها أن جوبيتر يبدو وقد وقع في غرام كارمن البعلبكية، كثيراً تختلف عن كارمن الباريسية. هنا الشرق الذي قال فيه جان ـ بيار فيليو «لقد أرهق الأنبياء بكثرة الأسئلة، وحتى بفوضوية الأسئلة».
هذه ليلة، بحضور لم تفارق الدهشة وجهه، لكأنها خارجة للتو من الميثولوجيات القديمة. لطالما حدثنا سعيد عقل عن «الميثولوجيا اللبنانية»، وهي تضاجع الأزمنة. اخراج سحري لجورج تقلا التي كانت أصابعه ماثلة في الوجوه، وفي الأزياء، وفي اللحظات المثقلة بآلام الجسد وآلام الروح ؟ أليست قضية جورج بيزيه حين وضع مسرحية كارمن «قضية الألم». الألم بسبب حريتنا المحطمة، وسط مجتمع نجح التاريخ في تدجينه، مثلما يتم تدجين الزواحف. هنا الكثير من العتب على الله، لأنه يغض الطرف عما يفعله القساة في هذا العالم. فتنني تعقيب مثير للكاتب الفرنسي جان دانيال على المسرحية «لقد خلقنا لكي نتألم، ولا أعتقد أن هذا قد حدث بالصدفة»!
تقلا ذهب بعيداً، وهو ابن هذا الشرق الذي لا يعلم أهله أكانوا على أبواب الجنة أم على ابواب جهنم، في القراءة الفذة للجزء اللامرئي من المسرحية. لم أكن أتصور أبداً أن هذه المسرحية تحتوي على ذلك القدر من التكثيف الدرامي، وحتى الفلسفي . كارمن الغجرية التي ولدت في التيه، وهي تعمل في مصنع للسيكار، دون أن تتشكل شخصيتها بين جدران البيت، أو بين جدران المدرسة، وانما في الريح. ذات مرة قبض عليها الشرطي المنضبط (دون جوزيه) بعدما طعنت زميلة لها بالسكين وشوهت وجهها. لكنها تمكنت من اغوائه لقاء قضائه ليلة حارة معها، انتهت بحالة عشق أحدثت تغيييرأً عاصفاً في شخصية الشرطي، ليخرج من وظيفته، ويتخلى عن خطيبته، البريئة والمرهفة، ويعيش مع عشيقته حياة الخارجين على القانون. لكن كارمن، ابنة الريح ما لبثت أن بدأت تضيق ذرعاً بذلك الحب الذي ربطها بالسلاسل، لتقع في حب مصارع شاب أثار اعجابها، ما دفع بدون جوزيه الى قتلها بالسكين، ليغرق في دموعه، وهي ملقاة على الأرض.
كارمن ولدت وترعرعت من أجل أن تهدم الهيكل، دون أن تكتشف أنها تهدم الحياة (أي حياة ؟). لطالما حلمت بأن يصل قلبها مع ذلك الرجل الى نهاية المطاف، باضاءة المرأة ـ المرأة العاصفة ـ في المرأة. شيء من رقصة الفالس على ضفاف الأزل. «يا الهي... انه الرقص على ضفاف العدم». لماذا يفترض بالمرأة أن تبقى رهينة اللامعنى. ها هي تغضب، وها هي تثور. تخلع الخاتم كمن تخلع قلبها. ثمة ثلاجة لا نهاية لها يولد فيها العالم ويموت فيها العالم. هكذا قال أندريه مالرو، صاحب «الوضع الانساني». مشكلة كارمن، ايها السادة الحضور في «الوضع الانساني>.
ألهذا رأينا كارمن في بعلبك كارمن البعلبكية ؟ المخرج ترك لنا حرية النحيب. لكن صوت ماري غاترو الأوبرالي كان يكسر البكاء بقدر ما يكسر الفرح. هي التي تأثرت بماريا كالاس حين قالت «كان صوتي هو الذي يقودني لكي أكتشف بهاء ذلك العالم، ومرارات ذلك العالم». هل حقاً أن الحياة الحقيقية، وكما أوحت لنا كارمن، أن نعيش في الطبقة الدنيا من الحياة، ثم نحاول ونحاول، ثم نقع ويسدل الستار ؟
لا بد أن كارمن كانت تنظر بذهول الى من يدخنون السيكار. لم يكن ونستون تشرشل هناك لتسمعه يقول «ادخن السيكار واتأمل في رقصة الدخان، كما لو أنها رقصة الغجر في ضواحي المدن، لكي اشعر بقوة اللاأشياء». كارمن لم تكن الشيء، ولا اللاشيء. قالت عنها ماري «الجميلة بقدر ما الخطيئة جميلة». كم تتعذب حواء لأنها ارتكبت تلك الخطيئة الجميلة ـ الفائقة الجمال ـ لتكون أم كل المعذبين والمعذبات على هذه الأرض.
هي امرأة، مثلما رأيناها على المسرح، لا تريد فقط أن تكون الصلاة، ولا أن تكون فقط الاعصار. بلغة مقتضبة، ولا تمت بصلة الى الفلسفة، هي الحياة كما هي، لا كما ينبغي أن نحلم بها. لا ندري ما كان تأثيرها في الحضور، أكان مأخوذا بالمشاهد الخلابة، أم بما في وراء الوجوه، وما وراء الأصوات ؟
شخصياً، رحت أراقب ردة فعل الحجارة التي تشاركنا تلك اللحظات الباهرة، مبعثرة , كما أيامنا المبعثرة. وكانت تصغي،لـ جوبيتر وتتمايل جذلاً وافتتاناً الى الموسيقى وهي تلعب في رؤوسنا، كما لو أنها أناشيد بنات الجن في استقبال أوليس الذي كانت بنيلوب تنتظره، وهي تغزل خيوط الصوف، خيوط الزمن، حين يغترب الزمن ويبتعد. وقيل انها كانت تغزل ثوباً للدهر.
أجل لكأن الحجارة دموع الأباطرة. لا، لكأن دموع الآلهة في حقبة الجفاف البشري. قطعاً لم نكن هناك لنكون تماثيل الرخام، ولا تماثيل الفحم البشري. كارمن البعلبكية دخلت الى اقاصي اللاوعي، واستقرت هناك. كانت ليلة الليالي في ظل تلك التراجيديا اللبنانية (التراجيديا الاغريقية) التي لا تنتهي، ولن تنتهي..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
للمرة الأولى باللهجة المغربية.. ناصيف زيتون يُقدّم "يا مسافر" مع زهير بهاوي (فيديو)
في تعاونٍ فنّي جديد، طرح النجم العربي ناصيف زيتون ديو غنائيًا مع الفنان المغربي زهير بهاوي بعنوان "يا مسافر". وفي التفاصيل، تمزج الأغنية بين اللهجتَين المغربيّة والمصريّة، وشارك في كتابة كلماتها زهير بهاوي وميد شريف، فيما لحّنها بهاوي، وتولّى ميد شريف مهمّة التوزيع الموسيقي. ويجمع العمل الجديد بين البوب المغربي والإيقاعات المصريّة، ما منحه نكهةً موسيقيّة فريدة وقريبة من الذوق العربي العام. واختار ناصيف أن يُؤدّي مقاطع الأغنية باللهجتَين المصريّة والمغربيّة، حيث تميّز بإتقانه اللافت للّهجتَين، ونقل من خلال صوته مشاعر الشوق والحبّ بصدق عميق، ممّا أضفى على العمل بُعدًا غنيًّا جذب المستمعين من مختلف الأذواق واللهجات. أمّا زهير بهاوي، فتميّز كذلك بأسلوبه الغنائيّ الذي جمع بين الحداثة والروح المغربيّة الأصيلة، مع طاقةٍ شبابيّة واضحة في الأجزاء التي أدّاها. وصُوّر العمل على طريقة الفيديو كليب في مدينة تطوان المغربيّة، تحت إدارة المخرج عمر العمراني، الذي اختار أن يعكس أجواء صيفيّة مرحة يغلب عليها الرقص والمرح والحبّ، مع إبراز جمال الحياة المغربيّة ببساطتها. وقد اختار فريق العمل تصوير الكليب بأجواء صيفيّة نابضة بالحياة، بين ألوان البحر الزّاهية ورمال الشاطئ الذهبيّة ضمن مشاهد شبابيّة مليئة بالحركة، من رياضات مائيّة ونشاطات صيفيّة نهارًا، إلى أجواء السهر والرقص والغناء ليلاً. ويُذكر أن هذا التعاون يُضاف إلى سلسلة النجاحات الفنّيّة التي حقّقها ناصيف زيتون من خلال أعمال مشتركة مع فنّانين من مختلف البلدان، مثل "يا سيدي إنسى" مع الفنّان التونسي مرتضى فتيتي، و"Mi Amor" مع الفنان السويدي ريكي ريتش، و"ما في ليل" مع النجمة العربية رحمة رياض. وتُواصل أغنيته "حلوة" باللهجة اللبنانيّة التي طرحها مؤخرًا حصد أصداء إيجابيّة واسعة، مُتصدّرةً قوائم الأغاني الأكثر تداولًا على يوتيوب.


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
تعديل موعد حفل راغب علامة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب لأسباب خارجة عن إرادة الفنان راغب علامة وفريق تنظيم الحفل ، تم تغيير موعد الحفل الفني الذي كان مقرراً في الثامن من آب/أغسطس، ليُقام بدلاً من ذلك بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2025. يأتي هذا التعديل نتيجة ظروف تنظيمية خارجة عن إرادة الطرفين، وقد تم اتخاذ القرار حرصاً على تقديم تجربة مميزة تليق بالجمهور الكريم، وضمان أعلى مستويات التنظيم والراحة. نتوجّه بالشكر لكل من كان يترقّب هذا الحدث، ونؤكد أن التحضيرات مستمرة لتقديم ليلة فنية استثنائية تليق بتوقّعاتكم.


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
لبنان زياد
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كتبت رئيسة جمعية غايا غادة حيدرعبر حسابها: على مهلك يابا سمعني شوفي مواعيد وشوفي خبار على مهلك يا زياد مين بدّو يضوي القنديل ويفتح الشبابيك مين غيرك قادر يخلق للصمت بديل ويمرق صوت من قلبه يغسل التعب يعني تخيّل يا صاحبي شو هالحالة اللي وصلنالها سرق الموت الجسد وبقي زياد زياد الحكاية زياد اللي رسم وجعنا بغنية زياد القصة، واللوحة، وهمس الزهر زياد فيروز زياد لبنان لبنان اللي رسمه بلحن وخلّى الناس تغني الوجع وهيي تضحك بعيونها وتشرد بحنينها هالمرّة طلعت وحدك على الضو وطلعت وحدك على الريح أووف شو حالحرية طلعت هيي الطفلة الوحشية أخدتك وأخدت الراعي وبقينا نحن بلا ولا شي يا صوتك الندى يا ظلّك الحنين يا دمعة من السما انطفى القنديل دروب مليانة ترانيم يا طير مين غيرك بعدو بيحمل رسايل يلّف الهوا، ويرد اوراق الخريف النسايِل يا ضو اللي سرقت زياد وأخدت النغمة دخلك، بلكي تْرجِع هالنجمة بعدنا ناطرين قصيدة، كلمة، أو حتى تنهيده ما بقى يكفي الحكي سكّر الليل شبابيكه وسافر الحنين وبقي زياد ساكن بالهمسة وبين نغمة وكلمة بيعيش الوجدان وكل ما نشتاق منلقط صوتو ونغني بصوت مكسور، بس مليان بلا ولا شي منحبك زياد