
التعليم في الدولة: بين التحديات والحلول واستثمار الكفاءات الوطنية
التعليم في الدولة: بين التحديات والحلول واستثمار الكفاءات الوطنية
بعد نشر المقال الأول حول واقع التعليم، جاءت ردود الأفعال كأنها صدى لصوت طال انتظاره. وجدنا تفاعلاً واسعاً وتساؤلات كثيرة تتطلب إجابات، ومقترحات تستحق أن تُطرح للنقاش. ما قُدّم لم يكن مجرد نقد، بل تعبير عن واقع يعيشه الطلبة وأولياء الأمور، وهو ما يجعل الاستمرار في طرح هذا الملف ضرورة، أملاً في أن تجد هذه الأفكار آذاناً صاغية.
يظل غياب الارتباط بين التعليم وسوق العمل مشكلة قائمة، فالطالب يقضي سنوات في الدراسة، ثم يخرج إلى الواقع ليجد أن تخصصه غير مطلوب، أو أنه يفتقر إلى المهارات التي يحتاجها سوق العمل. لا بد أن يكون هناك تكامل بين النظام التعليمي واحتياجات الاقتصاد الوطني، بحيث يتم توجيه الطلبة منذ مرحلة مبكرة إلى المسارات التي تضمن لهم مستقبلاً مستقراً.
التعليم ليس مجرد مناهج نظرية، بل يجب أن يكون بوابة تُهيئ الطالب لحياته المهنية، وهذا لا يمكن تحقيقه دون تخطيط حقيقي يواكب تطورات السوق ويستشرف احتياجاته. المناهج الدراسية هي الأخرى محل جدل، حيث يعاني الطلبة من مفارقة غريبة، بين مواد ركيكة لا تثري العقل ولا تحفزه على التفكير النقدي، وأخرى معقدة تتجاوز قدرتهم على الاستيعاب دون فائدة فعلية.
إعادة التوازن في تصميم المناهج أصبحت ضرورة، بحيث تقدم المعرفة بطريقة سلسة وعملية، بعيداً عن الحشو أو التعقيد غير المبرر. في المقابل، نجد إهمالاً واضحاً للمواد الأدبية مثل التربية الإسلامية، اللغة العربية، الجغرافيا، والاجتماعيات، رغم أنها جزء لا يتجزأ من بناء شخصية الطالب وربطه بهويته وثقافته. هذه المواد ليست مجرد معلومات، بل أدوات توسع مدارك الطالب وتفتح له آفاقاً لفهم العالم من منظور أوسع.
ما يثير الاهتمام أن هناك مناهج في بعض المدارس الخاصة أثبتت نجاحها بجدارة، حيث يتم قبول طلبتها في الجامعات مباشرة دون الحاجة إلى دراسة اللغة أو سنة الفاونديشن. فقط يتقدمون لاختبار SAT ويتمكنون من دخول أرقى الجامعات العالمية. هذا يطرح تساؤلاً كبيراً: إذا كان بعض الطلبة قادرين على اجتياز متطلبات التعليم العالي دون الحاجة لسنة تحضيرية، فلماذا لا يتم تعميم هذه المناهج أو تطوير المناهج الحكومية لتكون بنفس الكفاءة؟ الفرق ليس في الطلاب، بل في المناهج وطرق التدريس التي تمنح الطالب الأساس القوي منذ البداية. لكن التحديات لا تتوقف هنا، فقد شهدنا تحول معظم المدارس في الدولة إلى إدارات خاصة تديرها شركات تعليمية، مما خلق مشكلة جديدة. هذه الشركات، رغم خبراتها الإدارية، تتعامل مع التعليم كقطاع استثماري، مما يؤثر على الأولويات ويجعل الربحية أحيانًا تتقدم على جودة التعليم. الأمر لا يتعلق فقط بجودة التعليم، بل أيضاً بالقدرة على استيعاب الطلبة، حيث لم يعد هناك عدد كافٍ من المدارس الحكومية التي تستوعب جميع الطلاب، مما يجبر أولياء الأمور على التوجه إلى المدارس الخاصة، التي أصبحت مكلفة جداً ولا يستطيع الكثير تحمل تكاليفها. هذا الواقع يجعل من الضروري إعادة النظر في سياسات التعليم، ليس فقط من ناحية جودة المناهج، ولكن أيضاً من ناحية القدرة الاستيعابية وضمان توفير التعليم بأسعار مناسبة للجميع. أحد الحلول التي يمكن أن تضع الدولة في مقدمة الابتكار التعليمي عالمياً هو إقامة معرض تعليمي سنوي على غرار المعارض الكبرى التي تستضيفها الدولة، مثل معرض الغذاء الخليجي، معرض التكنولوجيا، ومعرض الدفاع (آيدكس).
فكرة هذا المعرض تتجاوز مجرد أيام التنوير الجامعي، بل تكون حدثاً سنوياً ضخماً يستقطب الجامعات، الشركات الكبرى، المؤسسات التعليمية، وخبراء التعليم من مختلف أنحاء العالم. المعرض يمكن أن يكون منصة تجمع بين الأكاديميين، أصحاب العمل، والطلاب، حيث يتم تقديم أحدث الأبحاث حول التعليم، التخصصات المستقبلية، والتقنيات الحديثة في التعليم. يمكن أيضاً دمج المعرض مع أيام التوجيه الجامعي إذا استدعى الأمر، بحيث يكون هناك شق أكاديمي وشق مهني، مما يخلق تجربة تعليمية شاملة للطلبة وأولياء الأمور. وإشراك المجتمع في تطوير التعليم يجب أن يكون جزءاً أساسياً من هذه الرؤية. التعليم ليس قضية تخص الجهات الرسمية وحدها، بل هو مشروع وطني يتأثر به الجميع، ولذا فإن قياس مدى رضا المجتمع عن التعليم من خلال استبيان شامل قد يكون خطوة ضرورية. إذا كانت هناك فجوة بين ما يقدمه التعليم وما يتوقعه المجتمع، فإن رصد هذه الفجوة وتحليلها سيمكن صناع القرار من اتخاذ خطوات أكثر دقة وفاعلية في الإصلاح. ورغم كل ما سبق، لا يمكن لأي إصلاح حقيقي أن يتحقق دون الاستعانة بالكفاءات الوطنية التي تمتلك خبرة طويلة في المجال التعليمي.
لدينا في الدولة نخبة من الخبراء الذين عملوا في وزارة التربية والتعليم والمناطق التعليمية، وهم الأدرى بتفاصيل النظام التعليمي، والأقدر على تطويره بما يتناسب مع احتياجات المجتمع. هؤلاء ليسوا مجرد أكاديميين، بل أشخاص عاشوا التعليم عن قرب، وفهموا تحدياته على أرض الواقع، ولابد أن يكون لهم دور في صياغة مستقبل التعليم في الدولة. حين كنت ملحقاً عسكرياً في أستراليا، كان الابتعاث يعتمد على التفوق الأكاديمي، لكن رغم أن الطلبة المبتعثين كانت معدلاتهم مرتفعة، إلا أنهم عند وصولهم إلى دولة الابتعاث وجدوا أنفسهم يواجهون تحديات كبيرة بسبب ضعف التعليم الأساسي لديهم. رغم كثافة المناهج وساعات الدراسة الطويلة، إلا أن العديد منهم احتاجوا إلى سنة دراسية للغة، وأخرى تحضيرية (Foundation) لتأهيلهم قبل دخول الجامعة.
هذا يعني أن المشكلة ليست في كمية المعلومات التي يتلقاها الطالب، بل في جودتها ومدى توافقها مع المعايير العالمية. التعليم يجب أن يكون جسراً يعبر بالطالب إلى المستقبل، لا متاهة تجعله يدور في دائرة مغلقة من الدراسة دون نتائج عملية. الإصلاح الحقيقي لا يأتي من تعديلات شكلية أو قرارات سريعة، بل من رؤية متكاملة تبدأ من المدرسة وتنتهي بسوق العمل. إن لم يكن هناك تخطيط يراعي احتياجات الدولة والمجتمع، سنظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها.
*لواء ركن طيار متقاعد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
مصر تطلق «اختبار SAT» بداية من يونيو المقبل.. ما التفاصيل؟
أعلن وزير التربية والتعليم المصري محمد عبداللطيف عن إعادة تقديم اختبار SAT في مصر بشكل رسمي بدءًا من شهر يونيو/حزيران 2025. جاء ذلك خلال مراسم توقيع بروتوكول تعاون بين الوزارة ومؤسسة كولدج بورد College Board الأمريكية، والتي تُعد من أبرز المؤسسات الدولية المتخصصة في مجال التقييم والاختبارات التعليمية، وذلك بمقر الوزارة في العاصمة الإدارية الجديدة. ويأتي هذا التعاون في إطار خطة وزارة التربية والتعليم الرامية إلى تطوير منظومة التعليم قبل الجامعي، والعمل على تعزيز برامج الاستعداد الجامعي المعتمدة دوليًا، وفي مقدمتها إعادة تقديم اختبار SAT في مصر، الذي يُعد من الاختبارات الرئيسية في منظومة التعليم الأمريكية. وخلال مراسم التوقيع، أكد محمد عبداللطيف أن هذه الشراكة تمثل تطورًا مهمًا ضمن استراتيجية الوزارة لتأهيل الطلاب المصريين للمنافسة الأكاديمية على المستويين الإقليمي والدولي. وأوضح أن التعاون مع مؤسسة كولدج بورد سيسهم في توفير فرص تعليمية متنوعة ومتكافئة تتماشى مع احتياجات مختلف فئات الطلاب. وأشار الوزير إلى أن عودة اختبار SAT إلى مصر بعد توقف دام أكثر من 4 سنوات، يُعد مؤشرًا على الثقة المتزايدة في منظومة التعليم الدولي داخل مصر، واستعادة لموقع التعليم الأمريكي المعتمد، الذي يتطلب آليات تقييم معترف بها عالميًا. كما شدّد على أهمية اختيار مراكز الاختبارات بدقة، بما يضمن الالتزام الكامل بمعايير النزاهة والخصوصية، إلى جانب التنسيق المستمر بشأن تبادل البيانات المتعلقة بالمراكز، مع الحفاظ الكامل على سرية معلومات الطلاب ووفقًا للقوانين المعمول بها. وتضمنت بنود البروتوكول إعادة إطلاق اختبار SAT رسميًا في مصر اعتبارًا من يونيو/حزيران 2025، إلى جانب التزام الطرفين بتقديم الدعم اللازم للطلاب الراغبين في التقديم للجامعات داخل مصر وخارجها، مع تحديد المراكز المعتمدة التي ستُجرى فيها الاختبارات وفقًا للمعايير المعتمدة دوليًا. aXA6IDE4NS4xOTkuMjI4LjE4NSA= جزيرة ام اند امز ES


البوابة
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- البوابة
وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا من يونيو المقبل
أعلن محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، اليوم، إعادة تقديم اختبار SAT في مصر رسميًا بداية من شهر يونيو 2025. جاء ذلك خلال فعاليات توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة التربية والتعليم ومؤسسة كولدج بورد (College Board) الأمريكية، إحدى أبرز المؤسسات التعليمية عالميًا في مجال التقييم والاختبارات الدولية، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية، حيث وقع البروتوكول الأستاذ هشام جعفر مدير عام الإدارة العامة التعليم الخاص، والدكتور ماثيو تشوفانيك، المدير الإقليمي لمؤسسة كولدج بورد الأمريكية لجنوب غرب أسيا وشمال أفريقيا، بحضور السيد روبن هاروتونيان مستشار الدبلوماسية العامة، بسفارة الولايات المتحدة بالقاهرة، والأستاذة أميرة عواد منسق العلاقات الدولية. التعليم: اختبار "SAT" من أهم الاختبارات في الولايات المتحدة.. وعودته بعد توقف لأكثر من ٤ سنوات يعكس الثقة في منظومة التعليم الدولي في مصر ويأتي توقيع هذا البروتوكول في إطار رؤية وزارة التربية والتعليم لتطوير منظومة التعليم ما قبل الجامعي، وتعزيز برامج الاستعداد الجامعي المعترف بها عالميًا، وعلى رأسها إعادة تقديم اختبار SAT في مصر بداية من شهر يونيو المقبل. وأكد الوزير محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، خلال فعاليات مراسم التوقيع، أن التعاون مع مؤسسة كولدج بورد يمثل نقلة نوعية في استراتيجية الوزارة نحو تأهيل الطالب المصري ليكون قادرًا على المنافسة إقليميًا ودوليًا، مشيرًا إلى أن الشراكة تهدف لتوفير فرص تعليمية عادلة ومتنوعة تُلبي احتياجات جميع الطلاب. وتابع الوزير أن عودة اختبار SAT إلى مصر، الذي يعد من أهم الاختبارات في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد توقف لأكثر من ٤ سنوات يعكس الثقة في منظومة التعليم الدولي في مصر واستعادة لمسار التعليم الأمريكي المعتمد والمتكامل، والذي ينبغي أن يكون متوافقا مع آليات تقييم معترف بها عالميًا. وأشار الوزير إلى أهمية اختيار مراكز الامتحانات بعناية، لضمان اختيار مؤسسات موثوقة ومؤهلة، بما يضمن سير الامتحانات بسلاسة ووفق أعلى معايير النزاهة والخصوصية، مؤكدًا على أهمية تبادل المعلومات المتعلقة بالمراكز، مع الحفاظ التام على خصوصية بيانات الطلاب، والالتزام بالقوانين المنظمة لذلك. ومن جانبه، أكد الدكتور ماثيو تشوفانيك، المدير الإقليمي لمؤسسة "كولدج بورد" الأمريكية لجنوب غرب أسيا وشمال أفريقيا، حرصه على التعاون مع الحكومة المصرية، مؤكدا أن مؤسسة كولدج بورد ملتزمة بدعم الطلاب المصريين وتمكينهم من الوصول لأفضل مؤسسات التعليم العالي حول العالم، مشيرًا إلى أن مصر تمثل سوقًا تعليمية واعدة، وأن المؤسسة حريصة على أن تكون شريكًا فعالًا في مسيرة تطوير التعليم المصري. التعليم الأمريكي في مصر وأكد المدير الإقليمي لمؤسسة "كولدج بورد" الأمريكية لجنوب غرب أسيا وشمال أفريقيا أن تحسين جودة التعليم الأمريكي في مصر يمثل أولوية مشتركة بين المؤسسة ووزارة التربية والتعليم المصرية. ونصت بنود البروتوكول على إعادة إطلاق اختبار SAT رسميًا في مصر بدءًا من شهر يونيو 2025، والتزام الجانبين بدعم الطلاب الساعين للالتحاق بالجامعات داخل مصر وخارجها من خلال الاختبار، وتحديد المراكز التي سيتم فيها الاختبارات.


الشارقة 24
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- الشارقة 24
حمدان بن محمد يبحث ورئيس تتارستان تطوير أوجه التعاون التنموي
الشارقة 24 – وام: استقبل سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اليوم الاثنين، رستم نور علي مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان الصديقة، وذلك على هامش فعاليات اليوم الأول لمعرض الدفاع "آيدكس 2025"، المقام في أبوظبي . تطوير مختلف أوجه التعاون ورحّب سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، بضيف البلاد، وبحث معه سبل تطوير مختلف أوجه التعاون التنموي بين دولة الإمارات وجمهورية تتارستان بصفة عامة، بما في ذلك المجالات الدفاعية، وبما يخدم مصالح الشعبين الصديقين . منصة عالمية وتطرق اللقاء، إلى تطور معرض الدفاع الدولي "آيدكس 2025" كمنصة عالمية لعرض أحدث ما توصلت إليه الصناعات الدفاعية، من تقنيات وأنظمة وحلول مستدامة متطورة . الحضور حضر اللقاء، سعادة الفريق الركن إبراهيم ناصر العلوي وكيل وزارة الدفاع، وسعادة اللواء الركن مبارك سعيد غافان الجابري نائب رئيس اللجنة العليا المنظمة لمعرضي آيدكس ونافدكس 2025.