أمهات غزة
هي أمي... من حملت ثقل الفصول، وسقت التراب بحليبها- سميح القاسم.
من بين الأشخاص الذين أحرص على متابعتهم، شابة يافعة تدعى داليا محيسن. تحمل في ملامحها جمال بناتنا، وتشبههن في حديثها وروحها. تقدم داليا نفسها قائلة: «ذات يوم حلمت بدراسة الهندسة، ولكن حلمي تأجل ليصبح هدفي أن أبقي أهلي على قيد الحياة.»
تكتب داليا، فأكتب عنها بتصرف:
«كنت أجلس عند نقطة إنترنت، تحيط بي جموع من الناس، ومع ذلك شعرت بوحدة قاتلة؛ الفراغ يملأ نفسي والجوع يعتصر معدتي ويشتت أفكاري، حتى بات كل شيء من حولي يبدو ضبابيًا. لم أكن أملك شيئًا آكله، ولا حتى فتات خبز يسد رمقي. على مقربة مني، جلست امرأة جامدة كأنها تمثال نُحت من الألم. فجأة، التفتت نحوي دون أن تنبس بكلمة، ثم اختفت للحظات. كنت أتابعها بعيني حتى عادت تحمل علبة لحم وكسرة خبز. قدمتهما لي بابتسامة ملائكية وقالت: «كُلي لتعود النضارة إلى وجهك.»
بدأت بالأكل ببطء، وملأت نفسي مزيجًا من الامتنان والحزن. بصوت رقيق وثابت، بدأت تحدثني؛ وجهها خالٍ من أي تعبير سوى الثقل الذي ينوء به الهواء بيننا. روت لي كيف استشهد أولادها على دوار الكويت في شمال غزة. خرجوا فقط لجلب الطحين، ولم يعودوا أبدًا. المجرمون قتلوهم بدم بارد. توقفت للحظة وكأن الذكرى تخنق أنفاسها، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا وهي تستعيد ذلك اليوم الذي دفعها إلى الهجرة جنوبًا.
التفتت إلي مجددًا، وقالت بصوت يحمل وجعًا لا حدود له: «أكره كلمة الجوع.» بالنسبة لها، الجوع لم يعد مجرد كلمة تصف حالة؛ الجوع يعني الموت، ويحمل في طياته حكاية مجزرة وألمًا لا يمكن احتماله.»
أمهاتنا في غزة هن رحمها الذي ينبض بالحياة، وجذورها التي تضرب عميقًا في الأرض، وعمودها الفقري الذي يستند إليه ما تبقى من أمل في وجه المآسي. هنّ أكثر من مجرد أمهات الشهداء؛ هنّ أمهات أمة بأكملها. قلوبهنّ تنبض بالصبر والعطاء رغم الجراح التي لا تندمل. دموعهنّ ليست مجرد حزن، بل هي تضحيات تسطر ملحمة الصمود. آهاتهنّ شهادة خالدة على معركة البقاء، وكأنهنّ يزرعن بآلامهنّ بذور الأمل في أرض لا تعرف اليأس. يحملن أثقال العالم بأيدٍ متشققة، كأن كل خط فيها يحكي عن ألمٍ وحكاية صمود.
في غزة، تعلمك أمك دروسًا تتجاوز المناهج المدرسية. تعلمك، إلى جانب جداول الضرب وجغرافيا الوطن العربي وبطولات الأجداد والابناء، أن البكاء ليس ضعفًا، بل تنفيسٌ للقلب المثقل. تعلمك أن الانحناء أمام المحن ليس استسلامًا، بل استعدادٌ للنهوض من جديد.
تشبه أمهات غزة عظمة النساء في التاريخ الإسلامي: كرم خديجة بنت خويلد، وتضحية أسماء بنت أبي بكر، وشجاعة نسيبة بنت كعب، وحنان رفيدة الأسلمية، وبأس خولة بنت الأزور، وصبر سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام.
وفي فلسطين، تولد الخنساء من جديد؛ أبرز شبيهاتها مريم فرحات، أم الشهداء، التي قدمت ثلاثة من أبنائها في سبيل الله دون أن يهتز إيمانها. كانت رمزًا للصبر والعطاء، تردد: «هل من مزيد؟» ليس قسوةً، بل إيمانًا بأن الحرية تستحق التضحية.
أمهاتنا في غزة هن مدارس للأمل، يغرسن في قلوبنا معاني الصبر والثبات. يحملن راية الحياة بشجاعة لا تعرف التراجع، ويمنحن العالم درسًا في العزة يتحدى كل آلة القتل. يدرك الصهاينة، كما ندرك نحن، أن التحرير يبدأ من الأمهات. لذلك، يسعون لكسرهن بكل وسيلة، فيستهدفون النساء وخاصة الحوامل، ويحرمونهن من التعليم والرعاية الصحية، ويستغلون أساليب خبيثة لكسر إرادتهن.
هنّ البداية والنهاية لكل حكاية مقاومة.
كل عام ومن بقي من أمهاتنا بخير، ورحم الله من استشهدن.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمان نت
منذ 7 ساعات
- عمان نت
قلق وترقب بعد اختفاء طفلين في منطقة أبو نصير حديث مواقع التواصل الإجتماعي..استمع
عاشت منطقة أبو نصير في العاصمة عمّان حالة من القلق والترقب بعد اختفاء طفلين في حادثتين منفصلتين، وبحسب ذويهما، فقد فُقد الطفل زيد عطالله ياسين، البالغ من العمر 13 عامًا، منذ يومين بعد خروجه من المنزل، وفي حادثة أخرى منفصلة، اختفت الطفلة يسرى المحسن منذ مساء الأحد، حيث خرجت إلى أحد محال السوبرماركت القريبة من منزل عائلتها في المنطقة، عشية الاحتفال بعيد الاستقلال، مما أثار حالة من الرعب بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي … حيث علق محمد جرادات : قبل كم يوم بنسمع قصة بنت انخطفت بالرصيفة و هسه طفلين بأبو نصير لا حول ولا قوة إلا بالله، شو القصص هاي بمجتمعنا ! إذا وراها حد لازم ينعدم بميدان عام لأنه دب الرعب بقلوبنا على أطفالنا، الأمن و الأمان والناس اللي فيها هم راس مال هالبلد مش ناقصنا حد يجي يهدم كل اللي وصلناله من أمان، الله يحمي جميع الاطفال يا رب و يحفظ البلد من كل شر و أضافت أمل : شو القصة شو مالها أبو نصير هاليومين كل شوي يختفي طفل؟ الأعمار متقاربة كمان في شيء مو طبيعي و بعد ساعات من البحث المتواصل في منطقة أبو نصير، أعلنت مديرية الأمن العام عن العثور على الطفلين زيد ويسرى، وقد لاقى هذا الإعلان ارتياحًا واسعًا في المنطقة وبين الأهالي حيث علق صلاح شاهين : الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا على سلامة أطفالنا وعودتهم إلى أهاليهم بخير وسلام، فمشاعر الفرح لا توصف بعد ساعات القلق والانتظار، و كل الشكر والتقدير لجهاز الأمن العام وكوادره على جهودهم الكبيرة والسريعة و قالت حنين النعيمات : الحمدلله عسلامتهم أولًا، ثانيًا، احنا لما نطلب نعرف وين كانوا الاطفال مش حب فضول طبعًا، ولكن عنّا أطفال وبدنا نزيد التوعية عندهم، ومتل ما أقلقتوا راحتنا صارلكم يومين ورعبتونا المفروض هالخبر يكون أوضح و كتب مهند الشوبكي : الكل بسأل عن التفاصيل و وين كانوا، هذا الحكي كله ما بطعمي خبز، التفاصيل الصح الكل يدير باله على أولاده ويعرف تفاصيل يوم ابنه او بنته بالكامل ومع مين بقعد ومع مين بتواصل على السوشال ميديا، الجيل هذا أوعى مما تتصور لازم الكل يدير باله كان هذا أبرز ما تداوله رواد مواقع التواصل الإجتماعي لهذا اليوم

الدستور
منذ 12 ساعات
- الدستور
"المتقاعدين العسكريين": رفاق السلاح خط أحمر
الدستور- محمود كريشان اصدرت المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء بيانا رسميا جاء فيه: تابعت المؤسسة ما تم تداوله عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي من معلومات ومحتوى يلامس بصورة مباشرة سمعة المتقاعدين العسكريين، ويمسّ بقدسية الانتماء العسكري وكرامة المتقاعدين العسكريين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن والدفاع عنه تحت راية القيادة الهاشمية الحكيمة. وقد جاء ذلك بعد مقابلة أُجريت مؤخرًا ضمن برنامج "صوتك حر" عبر أثير إذاعة حسنى، تضمن حديثًا لرئيس بلدية إربد الكبرى، ردًا على أن (مواطنًا كسب قضية رفعها على بلدية إربد بعد أن عقره كلب)، وتناول فيه موضوع انتشار ظاهرة الكلاب الضالة وما قد يترتب عليه من تبعات قانونية لمن يتعرض لها. وخلال المقابلة، أشار رئيس البلدية إلى أن أي مواطن يتعرض لأي من هذه الحيوانات أو يعتدي عليها قد يُعرّض نفسه للمساءلة القانونية، واستشهد في حديثه بما نُقل له عن أحد القضاة، مفاده أن أحد الضباط قد تم توقيفه سابقًا على خلفية قيامه بقتل كلب، وذلك كمثال على تعامل القانون مع هذه القضايا. وإذ تتفهم المؤسسة أن هذا الطرح جاء على سبيل الاستشهاد القانوني، وليس بقصد الإساءة أو التشهير، فإنها تؤكد في الوقت ذاته أن استحضار مثل هذه الأمثلة التي تمس منتسبي القوات المسلحة – حتى وإن كانت دون نية الإساءة – قد يُفهم أو يُفسَّر لدى البعض على نحو غير منصف، ويستدعي المزيد من التوضيح والدقة عند الحديث في الشأن العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بشريحة خدمت الوطن بكل إخلاص وتفانٍ، حيث تم الاستفسار من الجهات المعنية عن هذا الموضوع، وتبين أنها تعود إلى عام 2014، ولم يتم إيقاف الضابط نهائيًا. وفي هذا المقام، تؤكد المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء أن المتقاعدين العسكريين ورفاق السلاح خط أحمر لا نرضى الإساءة إليهم بأي شكل من الأشكال، لا تصريحًا ولا تلميحًا، فهم الركن الثابت في بناء الوطن، وواجهة من واجهات شرف الخدمة والانتماء، والحديث عنهم يجب أن يكون مقرونًا دومًا بالتقدير والاحترام، دون المساس بكرامة إنسان أو تشويه صورة جندي أفنى عمره في سبيل أمن الأردن واستقراره. عاش الأردن حرًا أبيًا، وعاشت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – والأجهزة الأمنية درع الوطن وسياجه المنيع، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو ولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، حفظهما الله وسدد على طريق الخير خطاهما.

الدستور
منذ 13 ساعات
- الدستور
الجمارك والأمن العام تنفذان التمرين الوهمي (تاج) في جمرك عمان
عمان - الدستور نفذت مديرية الأمن العام ودائرة الجمارك الأردنية اليوم الاربعاء، فعاليات التمرين الوهمي ( تاج) في مركز جمرك عمان في منطقة الماضونة بحضور مساعد مدير عام الجمارك الأردنية عميد جمارك يزن العضايلة ومدير مديرية شرطة شرق عمان العميد بشار الهباهبه وعدد من المدراء المعنيين والضباط من الأمن العام والدفاع المدني والجمارك الاردنية. واشتمل التمرين على فرضية نشوب حريق في إحدى المباني وامتداد الحريق لعدد من المركبات المتواجدة في الموقع بالإضافة الى التعامل مع المواد الخطرة، حيث قامت فرق الدفاع المدني وفريق السلامة العامة في المركز بالتعامل مع كافة فرضيات التمرين بإخماد الحريق والسيطرة عليه ومنع انتشاره، واسعاف المصابين وإخلائهم عن طريق الآليات المتخصصة وتدخل فريق التطهير الكيماوي للتعامل مع المواد الخطرة من خلال احدث المعدات والتقنيات المستخدمة في جهاز الدفاع المدني بهذا المجال. يأتي تنفيذ هذا التمرين لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تتضمنها الاستراتيجية التدريبية في جهاز الدفاع المدني والمتمثلة في تحقيق أعلى درجات السلامة والوقاية والتأهيل التدريبي لكافة أبناء الوطن على اختلاف مواقعهم في المؤسسات الوطنية العامة والخاصة ، وتأتي أهمية اختيار مركز جمرك عمان لتنفيذ مثل هذه التمارين كون المركز يحوي ساحات مخصصة لاستقبال عدد كبير من الشاحنات وطرق داخلية تؤهل الوصول الى اية نقطة حيوية داخل المركز، ورفع درجة الجاهزية لكافة شركاء الخدمة ومستوى التنسيق بين الجهات ذات العلاقة في التعامل مع الحوادث الحقيقية حال وقوعها لا قدر الله تعالى.