أحدث الأخبار مع #سميحالقاسم


الشرق الأوسط
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
قصيدة المقاومة عند سميح القاسم
يتناول الناقد والشاعر المصري د. محمد السيد إسماعيل في كتابه «انفتاح النص الشعري» الصادر في القاهرة ضمن سلسلة «كتابات نقدية» التي تصدرها «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» العديد من المفاهيم النظرية والتطبيقية في الشعر العربي الحديث، لكنه يتوقف بمزيد من التفصيل والتحليل عند تجربة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم عبر تجليات قصيدة المقاومة والتمرد. ويرى المؤلف أن قصيدة المقاومة ارتبطت بشعراء الأرض المحتلة ارتباطاً وثيقاً إلى الدرجة التي كادت تقتصر عليهم. ومن هنا اتسم شعر سميح بمجموعة من السمات الفنية يأتي في مقدمتها الوضوح، والمباشرة، والاستنفار، والإيمان بعدالة قضيته، وانتصارها الأكيد رغم كل ما يصيبها من انكسارات، وتضحيات، وهو إيمان لا يرجع فحسب إلى أفكار الواقعية الاشتراكية، التي يعتنقها الشاعر، وما تقدمه من نموذج «البطل الإيجابي»، بل يرجع في الأساس إلى إيمانه بالشعب الفلسطيني، وثقافته، وحتمية انتصاره قياساً على تجارب النضال العالمية كلها. ظلت قصيدة القاسم، حسب المؤلف، في مقدمة شعر المقاومة، وهو ما انعكس على جماليات النص، وطبيعة التجربة، فوجدنا نموذج الإنسان البسيط المنكسر، والمحاصَر. ومن الدواوين الممثلة لهذا التوجه ديوان: «ملك أتلانتس وسربيات أخرى»، والعنوان يستلهم أسطورة تحكي غرق إحدى الجزر التي تدعى «أتلانتس»، حيث يتخذ من هذه الجزيرة رمزاً لفلسطين. والديوان مقسم إلى ست قصائد طويلة تقترب من طبيعة القصيدة الملحمية، وأكثر هذه القصائد تعبيراً عن المأزق الفلسطيني هي قصيدة: «أشد من الماء حزناً». بتأمل عنوان القصيدة، سوف نجد «دالة الحزن» هي الأكثر حضوراً وإشعاعاً، وقد تكرر استخدامها كثيراً داخل القصيدة حتى أصبحت عبارة «أشد من الماء حزناً» أشبه بلحن الختام الذي ينهي به الشاعر مقاطعه الشعرية التي تتكون منها القصيدة. جاءت تلك العبارة أشبه بالقرار الذي ينتهي به المقطع الشعري، تمهيداً لاستئناف مقطع آخر، أو موجة أخرى، ومن مجموع هذه الموجات أو المقاطع تتكون القصيدة الغنائية الطويلة ذات النفس الملحمي الواضح. وجاء التكرار باعتباره إحدى وسائل استمالة القارئ، والتأثير عليه، واستحضاره في وعي الشاعر، فهو المستهدف أولاً وأخيراً لأغراض متعددة، منها السخرية، كما في قوله بالفوضى: «وحول جنونك تقعي الملايين حول الملايين/ فوق الملايين/ تحت الملايين/ تمضي إلى الذبح قطعان ماعز». وتتطور السخرية إلى ما يعرف بالرسم، أو الصورة الساخرة للشخصيات، أو من يسميهم الشاعر بـ«الكائنات الغرائب» الذين «لهم قصب السبق دون سباق/ اللهم ما تتيح المقاعد للمُقعدين/ ولهم جثة رحبة في الزحام الفقير/ وإنهم نخبة الرق أسياد زوجاتهم في المحافل/ زوجات أسيادهم في القرار الصغير». يمكن وصف قصيدة سميح القاسم بصفة عامة بأنها قصيدة شفاهية ذات طابع احتفالي، وهذا ما يفسر ما تتسم به من تكرار، وسخرية، وزخرفة أسلوبية، كما يفسر اعتماده في تلك القصيدة على الجمل القصيرة، والقوافي المتتابعة. وفي الأخير، يستنهض الشاعر الإنسان الفلسطيني المأزوم، والمحاصر، ويخاطبه بعقيدة التفاؤل التي لا يتراجع عنها قائلاً: «بروحك يسكن طير يهاجر صيفا/ ليرجع قبل الشتاء بموت جديد/ وتعطيك قنبلة الغاز إيقاع رقصتك القادمة/ لتنهض في اللحظة الحاسمة/ أشد من الماء حزناً وأقوى من الخاتمة».

الدستور
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- الدستور
أمهات غزة
هي أمي... من حملت ثقل الفصول، وسقت التراب بحليبها- سميح القاسم. من بين الأشخاص الذين أحرص على متابعتهم، شابة يافعة تدعى داليا محيسن. تحمل في ملامحها جمال بناتنا، وتشبههن في حديثها وروحها. تقدم داليا نفسها قائلة: «ذات يوم حلمت بدراسة الهندسة، ولكن حلمي تأجل ليصبح هدفي أن أبقي أهلي على قيد الحياة.» تكتب داليا، فأكتب عنها بتصرف: «كنت أجلس عند نقطة إنترنت، تحيط بي جموع من الناس، ومع ذلك شعرت بوحدة قاتلة؛ الفراغ يملأ نفسي والجوع يعتصر معدتي ويشتت أفكاري، حتى بات كل شيء من حولي يبدو ضبابيًا. لم أكن أملك شيئًا آكله، ولا حتى فتات خبز يسد رمقي. على مقربة مني، جلست امرأة جامدة كأنها تمثال نُحت من الألم. فجأة، التفتت نحوي دون أن تنبس بكلمة، ثم اختفت للحظات. كنت أتابعها بعيني حتى عادت تحمل علبة لحم وكسرة خبز. قدمتهما لي بابتسامة ملائكية وقالت: «كُلي لتعود النضارة إلى وجهك.» بدأت بالأكل ببطء، وملأت نفسي مزيجًا من الامتنان والحزن. بصوت رقيق وثابت، بدأت تحدثني؛ وجهها خالٍ من أي تعبير سوى الثقل الذي ينوء به الهواء بيننا. روت لي كيف استشهد أولادها على دوار الكويت في شمال غزة. خرجوا فقط لجلب الطحين، ولم يعودوا أبدًا. المجرمون قتلوهم بدم بارد. توقفت للحظة وكأن الذكرى تخنق أنفاسها، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا وهي تستعيد ذلك اليوم الذي دفعها إلى الهجرة جنوبًا. التفتت إلي مجددًا، وقالت بصوت يحمل وجعًا لا حدود له: «أكره كلمة الجوع.» بالنسبة لها، الجوع لم يعد مجرد كلمة تصف حالة؛ الجوع يعني الموت، ويحمل في طياته حكاية مجزرة وألمًا لا يمكن احتماله.» أمهاتنا في غزة هن رحمها الذي ينبض بالحياة، وجذورها التي تضرب عميقًا في الأرض، وعمودها الفقري الذي يستند إليه ما تبقى من أمل في وجه المآسي. هنّ أكثر من مجرد أمهات الشهداء؛ هنّ أمهات أمة بأكملها. قلوبهنّ تنبض بالصبر والعطاء رغم الجراح التي لا تندمل. دموعهنّ ليست مجرد حزن، بل هي تضحيات تسطر ملحمة الصمود. آهاتهنّ شهادة خالدة على معركة البقاء، وكأنهنّ يزرعن بآلامهنّ بذور الأمل في أرض لا تعرف اليأس. يحملن أثقال العالم بأيدٍ متشققة، كأن كل خط فيها يحكي عن ألمٍ وحكاية صمود. في غزة، تعلمك أمك دروسًا تتجاوز المناهج المدرسية. تعلمك، إلى جانب جداول الضرب وجغرافيا الوطن العربي وبطولات الأجداد والابناء، أن البكاء ليس ضعفًا، بل تنفيسٌ للقلب المثقل. تعلمك أن الانحناء أمام المحن ليس استسلامًا، بل استعدادٌ للنهوض من جديد. تشبه أمهات غزة عظمة النساء في التاريخ الإسلامي: كرم خديجة بنت خويلد، وتضحية أسماء بنت أبي بكر، وشجاعة نسيبة بنت كعب، وحنان رفيدة الأسلمية، وبأس خولة بنت الأزور، وصبر سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام. وفي فلسطين، تولد الخنساء من جديد؛ أبرز شبيهاتها مريم فرحات، أم الشهداء، التي قدمت ثلاثة من أبنائها في سبيل الله دون أن يهتز إيمانها. كانت رمزًا للصبر والعطاء، تردد: «هل من مزيد؟» ليس قسوةً، بل إيمانًا بأن الحرية تستحق التضحية. أمهاتنا في غزة هن مدارس للأمل، يغرسن في قلوبنا معاني الصبر والثبات. يحملن راية الحياة بشجاعة لا تعرف التراجع، ويمنحن العالم درسًا في العزة يتحدى كل آلة القتل. يدرك الصهاينة، كما ندرك نحن، أن التحرير يبدأ من الأمهات. لذلك، يسعون لكسرهن بكل وسيلة، فيستهدفون النساء وخاصة الحوامل، ويحرمونهن من التعليم والرعاية الصحية، ويستغلون أساليب خبيثة لكسر إرادتهن. هنّ البداية والنهاية لكل حكاية مقاومة. كل عام ومن بقي من أمهاتنا بخير، ورحم الله من استشهدن.