
استعدوا للصدمة: «بلزاك» يكتشف خبايا الرقمنة
«ما أشبه اليوم بالبارحة»، عبارة مألوفة متداولة على الألسنة، كثيرًا ما تطلق على مواقف عدَّة، سواء أكان الغرض من إطلاقها واقعياً أم ساخراً، وذلك إن دلّ على شيء فإنه دليل دامغ بأن للحقيقة وجهين، أحدهما مؤلم والآخر يثير الضحك والسخرية. لكن في كلتا الحالتين، الضحية التي نحزن عليها أو نسخر منها هي البشر الذين هم في حقيقة الأمر مرآة واقعية لما نمر به من أحداث متشابكة وغير منطقية إلى حد كبير، تعكس قانون الطبيعة الذي انبثق منه القانون الوضعي. فعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن المظلوم هو من يقع في المشكلات، لكن الطمَّاع والجشع والمؤذي لا يصيبه سوى أبهى الحظوظ، ويرفل في حياة رغدة. وعبَّر عن تلك المُفارقة المؤلمة التي تثير السخرية الكاتب الفرنسي «أونوريه دي بلزاك» Honoré de Balzac بأسلوبٍ أيضًا مؤلم وساخر، حين صرَّح: «القوانين تضاهي شبكة العنكبوت التي تسمح للحشرات الكبيرة أن تمر عبرها، في حين أنها تصطاد الحشرات الصغيرة»، وهذا دليل من أحد روَّاد الكتابة الواقعية الفجَّة بأن العالم لا يتهاون مع البسطاء.
وبإمعان النظر في صيرورة أحداث الكون، يلاحظ تكرار المواقف والأحداث عبر الأزمنة بنفس التفاصيل، وإن اختلفت الظروف والأحداث. وهذا يؤكِّد نظرية أن التاريخ يعيد نفسه، وكما عبَّر الفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو» Michelle Foucault، فالحقب التاريخية أشبه بحلقات الزنبرك؛ متشابهة ومتصلة وتسير في إطار لا نهائي. وأغرب من هذا كله معرفة أن ما نمر به حاليًا في عصرنا الرقمي من أحداث وتغيُّرات مجتمعية متسارعة قد حدث بالفعل منذ ما يربو قليلًا على مئتي عام، وبالتحديد في نهاية القرن الثامن عشر الذي شهد البداية الحقيقية للثورة الصناعية الأولى وينطبق على ثورة الرقمنة التي تعدّ بداية لأسلوب حياة شديد التطوُّر وغير مسبوق.
واستطاع الكاتب الفرنسي «أونوريه دي بلزاك» Honoré de Balzac (1799- 1850) أن يرسم ببراعة وواقعية ملامح ذاك العصر في رائعته «الأب جوريو» Père Goriot (1835)، التي تناقش ما مرّ به المجتمع الفرنسي من تغييرات جوهرية، بداية من حقبة سقوط حكم نابليون إلى أن اعتلى «آل بوربون» عرش البلاد، وسمِّيت حقبة إحكام قبضتهم على مقاليد السلطة بـ «عصر الاستعادة البوربوني» The Bourbon Restoration (1814-1830). وبالرغم من أن «بلزاك» لا يعتزم أن يكتب رواية تاريخية أو يتناول التدوين لحقبة عينها، لكنه وجد أن الخلفية التاريخية محور أساسي يشرح سير الأحداث وأسباب التغييرات الجوهرية التي انبلجت في المجتمع الفرنسي. ومن ثمَّ، عمل «بلزاك» على سبر أغوار الأحداث التي صاغت المجتمع الفرنسي بوجه عام، وكانت السبب في تبدُّل قناعات الأفراد، بوجه خاص.
وعلى هذا، كانت وجهته الأولى شرح الثورة الفرنسية وتأثيرها على المجتمع، وكيف أفضت إلى تكوين الجمهورية الأولى، والتي منها صعد نجم «نابليون بونابرت»، الذي استطاع تكوين إمبراطوريته الكاسحة التي أقصت «آل بوربون» بعيدًا عن عرش البلاد، والتي بعد سقوط «نابليون»، استعاد «آل بوربون» الحكم وشهدت حقبتهم ما نشأ في المجتمع من حراك من جرَّاء التوتّرات المحتدمة التصاعد بين الطبقة الارستقراطية التي استعادت مكانتها مع تسلم «لويس الثامن عشر» مقاليد السُّلطة، والطبقة البرجوازية التي أفرزتها الثورة الصناعية الأولى؛ فبالرغم من امتلاك كلتا الفرقتين الأموال الطائلة، فإن الطبقة البرجوازية لا تسطيع أن تضاهي النموذج الأخلاقي المتأنِّق الخاص بالطبقة الأرستقراطية. وبينما تتصارع الطبقتان البورجوازية والأرستقراطية، كان عموم الشعب يعيش على أرض الواقع الأليم، ويعاني من فقر مدقع وتجاوزات تأتي على كرامتهم وأمنهم الشخصي، وخاصة في أكثر مدينة ازدحامًا في أوروبا في ذاك الوقت. فكان أجر الفرد الفرنسي العادي أقل من حدّ الفقر. ومن ثمَّ، أضحى الشغل الشاغل لأي فرد، وخاصة الناشئين، هو إيجاد وسيلة للصعود للطبقة البرجوازية، حتى ولو كان ذلك يتطلَّب التنصل من ماضيهم ومن جميع قناعاتهم الأخلاقية الصالحة. وشهدت البلاد على إثر ذلك فوضى أخلاقية عارمة، وقدَّمت الطبقات الفقيرة العديد من التنازلات لصعود السلَّم الاجتماعي من أجل مضاهاة منزلة الطبقات البورجوازية، في حين أنَّ الطبقة الأرستقراطية كانت تراقبهما بغضب شديد. وقصد «بلزاك» من تصوير ذاك المشهد التاريخي كخلفية للأحداث هو التشديد على أن المجتمع الفرنسي خلال هذا الوقت كان يدور في فلك نظام طبقي صارم، لا يعتبر إلَّا من يماريه المكانة الاجتماعية والثروة.
كانت قوَّة «بلزاك» وتأثيره الشديد على المجتمع تتأتى من قدرته على تصوير أحداث واقعية، تحض الفرد على التماهي مع الأحداث والشخصيات، لدرجة الإيمان العميق بأنه رأى أو سمع نفس الحكاية من آخرين. وبراعة «بلزاك» جعلته من القوَّة لأن يصعد لمصاف كبار الأدباء ذوي التأثير النافذ. وبناء على ما شهده في مجتمعه، كان يردد: «القوة لا تتكشف بالضرب بقوة أو بشكل متكرر، بل بالضرب الحقيقي». وبالنسبة لـ «بلزاك» كانت قوَّته تكمن في الواقعية الدقيقة في الكتابة، وكذلك في استخدامه للرمزية المناسبة التي تسهِّل على القارئ فهم الأفكار التي يسوقها ووجهات نظره.
وتدور أحداث رواية «الأب جوريو» Père Goriot في باريس عام 1819، حينما كانت رمزًا للحرِّية والتقدُّم والرقي في أوروبا. وتنصب أحداث الرواية على ثلاث شخصيات: العجوز الخرف «الأب جوريو»، والشاب القروي طالب كلية الحقوق الذي يحاول أن يشق طريقه في حياة المدينة الصاخبة «راستينياك»، والمجرم الغامض الذي يعيش في الظلّ «فوترين». وبالرغم من تباين مراكزهم الاجتماعية وتوجهاتهم، يعيش هؤلاء مع آخرين في مبنى سكني مؤلَّف من ثلاثة طوابق؛ الطابق الأوَّل يقطنه الميسورون الذين يعيشون في شقق فخمة، والثَّاني تعيش فيه الأسر متوسطة الحال، وأمَّا الثالث فهو مخصص للفقراء ويتألَّف من حجرات فقيرة، متهالكة الأثاث. والمبنى يرمز للمجتمع الفرنسي حينذاك الذي يتألَّف من طبقة الأثرياء، والطبقة المتوسطة، وطبقة الفقراء؛ بالرغم من تباين مواقفهم وخلفياتهم الاجتماعية والشخصية، وإن كان القاسم المشترك فيما بينهم الفقر الذي ساوى بينهم.
في بادئ الأمر، عندما انتقل «الأب جوريو» للسكن في تلك البناية، استقبلته المالكة بترحاب شديد، وكان حينها أحد سكَّان الدور الأرضي الميسورين. «الأب جوريو» كان تاجرًا، وبفضل عمله الدؤوب كوَّن ثروة وارتقى للطبقة البرجوازية. ولرغبته في تثبيت أقدام بنتيه في الطبقة الميسورة، زوجهما من رجلين ينتميان للطبقة الرَّاقية، وأخذ يغدق عليهما الأموال إلى أن امتلك القليل الذي بالكاد يكفيه. ولذلك، انتقل للعيش في الطابق الثالث الفقير بجوار الطالب «راستينياك» والمجرم «فوترين». وبدلًا من تقدير شخصيته المعطاءة المتدفِّقة بالحب والتسامح، أغلق زوجا ابنتيه أبواب منزلهما أمامه، بعد أنّ كان محل ترحاب، عندما كان يغدقهما بالأموال. وكذلك، حرما على بنتيه زيارة والدهما. وفي الحقيقة، كانت ردَّة فعل البنتين أقوى من موقف زوجيهما؛ فلقد انغمستا في حياة باريسية من اللهو والمظاهر، بل وأصبح لكل واحدة منهما عشيق، وامتنعتا عن زيارة والدهما المريض العجوز، وتركتاه يعاني الوحدة والآلام دون ونيس. لكنهما كانتا لا تقصدانه إلا عند الحاجة إلى المال.
وقسوة الزمان على «الأب جوريو» امتدت للآخرين؛ فصاحبة المنزل أصبحت تعامله بضيق وغلظة عندما انتقل للعيش في الطابق الثالث، وأصبح محل سخرية الجيران الذين أشاعوا أنه بدد ثروته على عشيقاته، بسبب مشاهدة سيدات من الطبقة الراقية يعودانه من حين لآخر، دون أن يعلموا أنهما بنتاه. حتى عند موته، لم يحضر الجنازة سوى جاره «راستنياك» واثنين من مأجورين من مكتب الجنازات. وأمَّا بنتاه، فأرسلتا خادماً معه شعار العائلة، ولم تحضرا الجنازة.
وأمَّا «راستنياك» فهو نموذج للشاب الطموح القادم من بيئة فقيرة، ومستعد للقيام بأي شيء كي يرتقي بمرتبته الاجتماعية. وبسبب أن المجتمع الباريسي لا يرتقي فيه الفرد إلَّا من خلال قوَّة علاقاته الاجتماعية، نبذ «راستنياك» القيم والأخلاق الأصيلة، وأصبح يقدِّم تنازلات كثيرة حتى يصير مقبولًا لدى الطبقات الثرية. ولم يجد غضاضة في خداع أسرته الفقيرة المُعدمة عند طلب أموال؛ لكي ينفقها على صديقته وعلى عشيقته. وكذلك، خدع الفتاة التي أحبها، وكان على استعداد للاشتراك مع المجرم «فوترين» في خطة لقتل أخيها؛ لأنه العقبة أمام حصولها على ثروة طائلة إذا تزوَّجها. وفي الوقت نفسه، احترف حيلة العشيق للحصول على المال، وكان أوَّل من خدعه ابنة صديقه «الأب جوريو» الذي كان يكن له الحب والاحترام.
والمجتمع الباريسي ذاك يضاهي تمامًا ما يحدث في العالم الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث قيمة الشخص لا تحددها جودة منشوراته، بل عدد الأصدقاء والمتابعين وعلامات الإعجاب وتداول المنشور؛ بغض النظر عن طبيعة المحتوى، مع ملاحظة أن المحتوى الرديء يحصد الإعجاب والشهرة والمكاسب.
وأمَّا حتمية الانتماء للطبقات الراقية الثرية حتى ينال الفرد الاحترام، فإن الإنستغرام، على رأس وسائل التواصل الأخرى، قد تخصص في نشر صور المشاهير، الذين يرتدون أحدث صيحات الموضة ويرتادون أفضل الأماكن. وأمَّا الأفراد الطموحة، فهي على استعداد لتقديم تنازلات من أجل الإعلان عن منتجات لشركات وأماكن كبرى وفخمة، كي يبدو حينها كأحد المشاهير ويجني الأموال والمتابعين، وبالتأكيد، الشهرة.
وأمَّا شبكة التوظيف «لينكيد إن» Linked-in، فتصعيد الملف الشخصي وترشيحه لأصحاب الأعمال من أجل الحصول على وظيفة يتم قياسه بشبكة العلاقات التي ينتمي لها الفرد، وكذلك تأييد أفراد شبكته لما يمتلكه من مهارات، ربما لا يعلمون عنها شيئًا سوى أن ذاك الفرد أحد أعضاء الشبكة التابعين لها، ولسوف يرد لهم التأييد. ناهيك عن الأعمال المشبوهة للجان الإلكترونية التي هي كفيلة إمَّا بتصعيد فرد أو جماعة، أو حتى إسقاط مجتمعات ودول؛ فالمادة عندهم هي أساس الوفاء الوقتي بالطبع، وبدونها تغلق الأبواب في وجه من يقصدهم.
عالم وسائل التواصل الرقمي قائم على المظاهر والنفعية، وكل من اشتهروا على تلك التطبيقات هم البرجوازيون الجدد، والفقراء أصبحوا من لا يمتلكون المتابعين، ولا يلاحقهم أحد بعلامات الإعجاب. ومن ثمَّ، يصيرون محلّ تجاهل أو سخرية، وخاصة إذا كانوا شخصيات لها وزنها في العالم الواقعي.
عبقرية «أونوريه دي بلزاك» التي تغلغلت في العالم الأدبي، استطاعت الوصول للقارئ بسبب صدق وواقعية ما يقدمه من أفكار. والنموذج الذي طرحه «بلزاك» هو أداة لقياس كفاءة المجتمع ومدى اقترابه من شفير الانحلال الأخلاقي والتدهور المجتمعي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 30 دقائق
- الجزيرة
أهالي الأسرى الإسرائيليين يطالبون ويتكوف بصفقة شاملة وترك مقترح نتنياهو
طالبت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة اليوم السبت المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بتقديم مقترح جديد لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مؤكدة رفضها إبرام صفقات جزئية. ووجهت هيئة عائلات الأسرى -في بيان- رسالة إلى ويتكوف مفادها ضرورة "ترك مقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية) وتقديم مقترح شامل وفرضه بعد الوصول إلى طريق مسدود". وتضمن مقترح ويتكوف الأخير -الذي وصف بأنه منحاز لإسرائيل- وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما يعود بموجبه نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء ونصف الأموات، والانخراط خلاله بمفاوضات سعيا لوقف دائم لإطلاق النار. وأكدت الهيئة أن من يجرؤ على إبرام صفقات جزئية "يخالف إرادة الشعب الصريحة"، مشددة على أن "اتفاقا شاملا لإعادة أحبائنا هو الطريقة الوحيدة لتحقيق النصر وإعادة بناء الدولة". وفي هذا السياق، قالت إن "إنهاء الحرب هو الطريقة الوحيدة لإعادة الرهائن (الأسرى) وإنقاذ دولة إسرائيل"، مشيرة إلى أن "الحرب والمخاطرة بحياة الرهائن والجنود لن تعيد المختطفين". واتهمت هيئة عائلات الأسرى نتنياهو بمعارضة اتفاق يعيد الأسرى لمصالح سياسية وشخصية، وقالت إن هذا السلوك "ضد إرادة الشعب". إعلان وأشارت إلى أن معظم الأسرى المحتجزين عادوا من خلال اتفاق، مؤكدة أن "الاتفاق فقط يعيد الرهائن أحياء"، وطالبت نتنياهو بإنهاء الحرب وإعادة المحتجزين دفعة واحدة. وناشدت الهيئة كل الإسرائيليين المشاركة مع عائلات الأسرى في مظاهرات الليلة للمطالبة بصفقة تبادل. وفي وقت سابق اليوم السبت، وجه أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، "نداء عاجلا"، أكد فيه أن أسيرا إسرائيليا يدعى متان تسنغاوكر محاصر مع مرافقيه من وحدة الظل بكتائب القسام بمكان ما في قطاع غزة. وحمّل أبو عبيدة المسؤولية كاملة ل جيش الاحتلال عن سلامة الأسير إذا تعرض لأي أذى خلال محاولة استعادته، وختم تغريدته بـ"وقد أعذر من أنذر". وأكدت حركة حماس مرارا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة دفعة واحدة مقابل إنهاء حرب الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، والإفراج عن أسرى فلسطينيين. لكن نتنياهو يصر على صفقات جزئية ويتهرب بطرح شروط جديدة، بينها نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية، ويصر حاليا على إعادة احتلال القطاع. ووفق التقديرات الإسرائيلية، فإنه لا يزال هناك 55 أسيرا محتجزا في غزة، 20 منهم على الأقل يُعتقد أنهم أحياء.


حضرموت نت
منذ 30 دقائق
- حضرموت نت
كريستيانو رونالدو: لن أشارك في كأس العالم للأندية رغم العروض
كشف النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قائد منتخب البرتغال والنصر السعودي، أنه اتخذ قراره بعدم المشاركة في بطولة كأس العالم للأندية المقبلة، رغم تلقيه العديد من الدعوات والعروض للمشاركة. وقال رونالدو في تصريحات نقلها الصحفي الموثوق فابريزيو رومانو: 'الأمر شبه محسوم، لن أكون في كأس العالم للأندية. تلقيت الكثير من العروض والمقترحات، لكن قراري شبه نهائي'. وأضاف: 'نعم، كانت هناك محادثات واتصالات، لكن لا يمكنك التواجد في كل البطولات. عليك أن تفكر على المدى القصير، المتوسط، والطويل، ومع ذلك، القرار قد اتُّخذ'. وتابع النجم البرتغالي: 'ذهنيا أعيش يومًا بيوم. لم يتبقَّ لي الكثير من السنوات في الملاعب، لكنني أستمتع بكل لحظة'. وعن مستقبله وموعد اعتزاله، قال رونالدو: 'لا يوجد يوم محدد للاعتزال. أشعر بالسعادة، وسأواصل اللعب حتى أشعر أن الوقت قد حان للتوقف'. وتأتي تصريحات رونالدو في وقت تستعد فيه الأندية الكبرى للمشاركة في النسخة الموسعة من البطولة، التي تنطلق في 14 يونيو المقبل بمشاركة 32 فريقًا لأول مرة في تاريخ المسابقة.


بوست عربي
منذ 31 دقائق
- بوست عربي
الهجرة الدائمة.. لماذا يغادر المسلمون الهند بأعداد مذهلة؟
تشهد الهند موجة نزوح لأعداد كبيرة من المسلمين الذين يشكلون حوالي 15% من إجمالي السكان في البلاد، نتيجة السياسات التمييزية التي تمارس بحقهم منذ عقود، وخاصة في ظل حكم الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا ذو الأغلبية الهندوسية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وتشمل هذه السياسات والإجراءات التمييزية التي باتت تمارس بشكل منهجي عمليات إعدام خارج نطاق القانون، وتصريحات تمييزية في أماكن العمل، وخطابات تحريضية من سياسيين، ومعدلات مرتفعة من الإسلاموفوبيا، وفق تقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني. وبحسب تحليل مركز بيو للأبحاث، فإن الهند هي ثاني أكبر مصدر للمهاجرين المسلمين على مستوى العالم، بعد سوريا. ويعيش حالياً نحو ستة ملايين مسلم من مواليد الهند في الخارج. ويُشكلون ما يُقدر بنحو 33% من المهاجرين الهنود، مما يُشير إلى أن معدل الهجرة أعلى بكثير من الطوائف الدينية الأخرى. ويعتبر الإسلام ثاني أكبر ديانة في الهند بعد الهندوسية، إذ تضم الهند ما يزيد على 172 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر دولة تضم سكاناً مسلمين إذا استثنينا الدول ذات الأغلبية المسلمة (مثل إندونيسيا وباكستان). العداء المتزايد واتسم المناخ السياسي في الهند، في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة مودي، الذي تولى السلطة منذ عام 2014، بتصاعد النزعة القومية الهندوسية. وتزايدت وتيرة حوادث العنف الطائفي، والقوانين التمييزية، وخطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين. وواجه المسلمون في الهند مجموعة من التحديات خلال هذه الفترة، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القانون بسبب مزاعم ذبح الأبقار، والحملات ضد الزواج بين أتباع الديانات المختلفة، والمقاطعات الاقتصادية والاجتماعية، والقيود المتزايدة أمام التوظيف والسكن. وأدى خطاب الكراهية الذي ينشره الزعماء السياسيون وانتشار الروايات المعادية للإسلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تأجيج العداء. وفي عدة حالات، تم استهداف أماكن العبادة الإسلامية، وكان هناك ضغط متزايد على الهوية والممارسات الإسلامية في الحياة العامة. وأوصت لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية بأن تصنف الحكومة الأمريكية الهند باعتبارها "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" في تقريرها لعام 2025، مشيرة إلى انتهاكات منهجية صارخة للحريات الدينية. وأصبحت الحياة اليومية للمسلمين في الهند محفوفة بالمخاطر. ووفقاً لدراسةٍ أجراها مركز دراسات المجتمعات النامية في الهند، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، أفاد 44% من الشباب المسلم بتعرضهم للتمييز بسبب دينهم. وكشفت دراسة أخرى أن 47% من المسلمين يخشون أن يتم اتهامهم زوراً بالإرهاب. وقال الدكتور نظام الدين أحمد صديقي، الأكاديمي القانوني والمؤسس المشارك لمشروع مشكاة، الذي يُعنى بتعزيز الحوار العام الإسلامي: "الأمر لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يشمل جوانب اجتماعية وسياسية ونفسية. يشعر المسلمون الهنود بشكل متزايد بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلدهم". هجرة دائمة وبينما اعتاد المسلمون في الهند على الهجرة المدفوعة بأسباب اقتصادية، وتمتلك المجتمعات المسلمة في ولايات كيرالا وأوتار براديش وتيلانجانا تاريخاً طويلاً في هجرة العمالة إلى دول الخليج، إلا أن الخبراء يقولون إن ما تغير أيضاً هو طبيعة هذه الموجة الجديدة والدافع وراءها. ففي الماضي، كانت الهجرة مؤقتة. وكان الناس يذهبون إلى دول الخليج للعمل ويعودون. وقال الأكاديمي القانوني، صديقي: "أما الآن، فيذهبون للاستقرار. ويريدون أن ينشأ أطفالهم في مجتمعات أكثر أماناً ومساواة." واستشهد صديقي بأمثلة يومية على حالات الإقصاء التي مورست بحقه، مثل رفض منحه مسكناً للإيجار، أو مواجهة الشكوك بسبب إطلاق اللحية، أو التردد في الصلاة في الأماكن العامة. المشهد الطائفي في الهند ويرتبط الشعور بالاغتراب أيضاً لدى المسلمين بنقاط اشتعال رئيسية في المشهد الطائفي في الهند. وتفاقم اضطهاد المسلمين في الهند بسبب صعود القومية الهندوسية والتطرف في السنوات الأخيرة. وقد اتبع حزب بهاراتيا جاناتا أجندة تتمحور حول القومية الهندوسية أدت إلى تهميش وتنفير الأقلية المسلمة. وسن حزب بهاراتيا جاناتا قوانين وسياسات مثيرة للجدل والتمييز ضد المسلمين مثل قانون تعديل المواطنة (CAA)، الذي يمنح الجنسية للاجئين غير المسلمين من البلدان المجاورة. وقانون السجل الوطني للمواطنين (NRC)، الذي يتطلب من الأشخاص إثبات جنسيتهم أو مواجهة الترحيل؛ والقانون المدني الموحد (UCC)، الذي يسعى إلى استبدال قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الدين بقانون مشترك لجميع المواطنين. كما قام حزب بهاراتيا جاناتا بدعم ورعاية الجماعات الهندوسية المتطرفة مثل فيشوا هندو باريشاد، وراشتريا سوايامسيفاك سانغ، وباجرانج دال التي شاركت في أعمال عنف وترهيب مختلفة ضد المسلمين. وروجت هذه الجماعات لأيديولوجيا كراهية، وتشويه صورة المسلمين على أنهم غزاة وإرهابيون وخونة وقتلة أبقار. كما حاولوا تحويل المسلمين إلى الهندوسية من خلال الإكراه أو الإغراء. وكان هدم مسجد بابري عام 1992 – وهو مسجد يعود للقرن السادس عشر تدّعي جماعات هندوسية ملكيته – لحظةً فارقةً لدى المسلمين خلّفت عواقبها ندوبًا دامت عقوداً. وزاد حكم المحكمة العليا عام 2019، الذي منح الموقع للهندوس، من خيبة الأمل. وفي الآونة الأخيرة، أدت النزاعات حول أماكن العبادة، مثل مسجد جيانفابي في فاراناسي ومعبد شاهي عيدجا في ماثورا، إلى تأجيج التوترات الطائفية. وقال صديقي: "كل أسبوعين، يتجدد الجدل حول التاريخ أو الثقافة أو الوجود الإسلامي". واستشهد أيضاً بالقوانين الجديدة التي تنظم ممتلكات الأوقاف والدفع نحو وضع قانون مدني موحد كأمثلة على الجهود التشريعية التي قال إنها تهدف إلى إضعاف المؤسسات المركزية للمجتمع الإسلامي. وأضاف: "من الصعب النضال على جميع الجبهات. ما إن تتلاشى قضية، حتى تحل محلها قضية أخرى". وصرح خواجة محمد، مالك شركة ياسين للسفر، وهي وكالة تأشيرات وسفر مقرها في تيلانجانا، وهي ولاية يقل عدد سكانها المسلمون عن 13٪، قائلاً: "حوالي 30٪ من الحالات التي تصلنا هي حالات مسلمة". وأضاف محمد: "يستثمر الناس أيضاً بكثافة في دول الشرق الأوسط مثل الإمارات وتركيا، وهو ما لم يكن الحال سابقاً. هذا يعني أنهم ينوون البقاء طويل الأمد أو الاستقرار في هذه الدول". ومع ذلك، حذّر أبورفاناند جاه، الأستاذ بجامعة دلهي، من اعتبار الهجرة دينية بحتة. وقال: "إنّ من يهاجرون هم من يملكون الموارد. والمسلمون جزء من هذه الطبقة أيضاً، وكثيرون غيرهم أيضاً". ومع ذلك، فإنه يلاحظ أن خيبة الأمل تتزايد، وخاصة بين الشباب الهنود الذين لا يرون أي مستقبل اقتصادي أو اجتماعي في البلاد. وقال جاه: "هذه هي المرة الأولى، منذ الاستقلال، التي يشعر فيها شباب الهند باليأس التام. الاقتصاد في حالة ركود، والكراهية تملأ الأثير. من سيرغب في البقاء في مثل هذا الوضع؟" آمال العودة وعلى الرغم من الهجرة والاغتراب، يقول كثيرون ممن غادروا إنهم سيعودون إذا تغير المناخ السياسي في البلاد. ويأمل توفيق أحمد الذي هاجر إلى كندا عام 2020 أن يعود يوماً ما إلى الهند لرعاية والديه المسنين. وقال: "أريد العودة إلى الهند لأن والديّ هناك، وسيحتاجان إلى الرعاية والدعم مع تقدمهما في السن". وعن دوافعه للهجرة من البلاد قال أحمد:"لقد خاب أملي تماماً في بلدنا. إنها حقًا مشوهة من نواحٍ عديدة – عدم المساواة، والطبقية، والتخطيط العمراني. كان بامكاني الاستمرار، ولكن بصفتي مسلماً، فإن كراهية غالبية السكان للمسلمين لا تُصدق. ومستويات الإسلاموفوبيا في ازديادٍ مُذهل". وأضاف أحمد، الذي يعيش مع وزوجته في تورنتو، أنه إذا عاد سيستقر على الأرجح في مدينة يعتبرها أكثر أماناً، مثل حيدر أباد أو شانديغار. وأوضح أن البقاء في مسقط رأسه في ولاية أوتار براديش، التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، يعني "عيش حياة خاضعة للغاية". وقال: "إن العيش هناك يعني مجرد تحمل العديد من الأفعال اليومية العدوانية الصغيرة المتزايدة الشراسة التي تقوم بها الأغلبية في البلاد ضدك". ويعتقد الأكاديمي القانوني، صديقي، أن المصالحة ممكنة، ولكن فقط من خلال الإصلاح المؤسسي ومحاسبة المجتمع. وقال: "ليس بإمكان المسلمين وحدهم إصلاح هذا الأمر. يقع العبء على عاتق الأغلبية والقضاء والمؤسسات الديمقراطية لبذل المزيد من الجهود". ويستند في حديثه إلى كلمات بي آر أمبيدكار، أحد أهم مهندسي الدستور الهندي، الذي حذّر من ضرورة كسب الأغلبية ثقة الأقليات. وقال صديقي: "لقد هُزمت هذه الثقة، ويجب الآن إعادة بنائها، إن لم يكن من أجل المسلمين، فمن أجل الهند نفسها".