
المدارس الباكستانية في عُمان: خمسون عامًا من التميّز والتطوّر
مسقط - ش
تُجسّد المدارس الباكستانية في سلطنة عُمان عمق العلاقات الأخوية والاستراتيجية بين جمهورية باكستان الإسلامية وسلطنة عُمان.. بدأت هذه المسيرة التعليمية الرائدة بدعم كريم من الحكومة العُمانية التي قدّمت أرضًا لإنشاء أول مدرسة باكستانية في السلطنة، وأساسي الذي يمثل اللبنة الأولى لنظام تعليمي يجمع بين القيم الثقافية والتعليمية لكلا البلد..
صرح بذلك أمير حمزة ، رئيس مجلس إدارة المدارس الباكستانية في سلطنة عُمان وقال: مع احتفال المدرسة الباكستانية في مسقط بمرور خمسين عامًا على تأسيسها، نقف اليوم وقفة فخر وتأمل في إنجازاتنا المتعددة والتطورات التي شهدناها خلال العقود الخمسة الماضية..
وأضاف: بفضل وتوفيق من الله أصبح للمدارس الباكستانية في عُمان الآن سبعة أفرع، من أبرزها فرعا مسقط والسيب، فيما يقدّم فرع صلالة تعليمًادوليًا متطورا إلى جانب المنهج الباكستاني. كما يشهد فرع صحار خطط توسعية طموحة، في حين تستعد مدرستا السيب ونزوى لتوسيع نطاقهما الأكاديمي بدءًا من العام الدراسي المقبل. أما فرعا السويق والبريمي، فهما يواصلان أداء دورهما الفاعل في خدمة المجتمعات المحلية وتعزيز جودة التعليم. إن مجموعة المدارس الباكستانية في سلطنة عُمان ليست مجرد مبادرة تعليمية، بل هي رمز للتحالف الاستراتيجي والأخوي بين البلدين. تعمل هذه المدارس على تعزيز الروابط الثقافية والعلاقات الثنائية من خلال توفير تعليم عالي الجودة ورعاية أجيال شابة تحمل قيم التعاون والاحترام المتبادل.
وأوضح قائلا: من أبرز محطات التوسعة المستقبلية، العمل الجاري على إنشاء حرم جديد لمدرسة السيب، بعد تخصيص الحكومة العُمانية أرضًا بمساحة فدانين لهذا المشروع الحيوي. ونتقدّم بالشكر الجزيل لوزارة الإسكان على تسهيل عملية التخصيص، ولوزارة التربية والتعليم العُمانية على دعمها المتواصل وإشرافها المستمر، والذي تجلّى من خلال زيارات ميدانية دورية تهدف إلى تقييم وتعزيز الأداء التعليمي. وقد جاءت زيارة وفد الوزارة في 19 فبراير 2025 تأكيدًا واضحًا على التزامهم الدائم بدعم مسيرتنا التعليمية..
كما نخص بالشكر سعادة السفير السابق لجمهورية باكستان في سلطنة عُمان، السيد عمران علي تشودري، لدوره البارز في تسهيل إجراءات الحصول على الأرض. وتستعد المدرسة الباكستانية في مسقط لإطلاق مشروع بناء حرم جديد، في حين تشهد فروع البريمي وصلالة توسعات إضافية لمواكبة الزيادة في أعداد الطلبة وتلبية تطلعات أولياء الأمور..
وقال حمزة: تمثل هذه الإنجازات المتواصلة دليلاً على التزام المدارس الباكستانية في عُمان بتقديم تعليم نوعي يعزز القيم المشتركة ويُسهم في إعداد جيل واعٍ ومتميّز يخدم المجتمعات الباكستانيةوالعمانية.
نهوضٌ المدارس الباكستانية في عُمان بعد الجائحة ورؤيةٌ للمستقبل.
وأكد قائلا: مثلها مثل العديد من المؤسسات التعليمية حول العالم، واجهت مدارس باكستان في عُمان تحديات جسيمة خلال جائحة كوفيد-19، حيث تكبّدت خسائر مالية وأكاديمية كبيرة. إلا أن المدرسة لم تتعثر أمام هذه الأزمات، بل خرجت منها أقوى، لتنطلق في مسيرة طموحة من التعافي والتطور. فمنذ عام 2021، أُطلقت سلسلة من المبادرات الجريئة التي دفعت بالنظام التعليمي إلى آفاق جديدة، واضعةً إياه في مصافّ أفضل المدارس الدولية في السلطنة.
وكان التحول الجذري في مسيرة المدرسة مرتبطًا برؤية عُمان 2040، حيث أُجريت عمليات تدقيق أكاديمية ومالية عقب الجائحة لتقييم احتياجات المدارس. وبناءً على نتائج هذه التقييمات، تم اتخاذ خطوات سريعة لسد الفجوات، شملت تحسينات في البنية التحتية، ورفع معايير النظافة، وضمان توفير مياه شرب نظيفة. كما تم تزويد الفصول الدراسية في جميع الفروع بالسبورات الذكية، وتحديث المختبرات والمكتبات لتوفير بيئة تعليمية حديثة ومتطورة.
لم تقتصر الجهود على البنية التحتية فقط، بل أصبح التميز الأكاديمي من صميم أولويات المدرسة. فإلى جانب المنهج الباكستاني التقليدي، تم إدخال منهج كامبردج لتوسيع الخيارات التعليمية أمام الطلبة. كما أُعطيت أولوية كبيرة للتحول الرقمي، لتصبح المدرسة الباكستانية في مسقط مؤسسة رقمية بالكامل في ما يخص إدارة البيانات والعمليات الأكاديمية. وفي خطوة رائدة، أصبحت المدرسة أول شريك رسمي لليونسكو في سلطنة عُمان، بما يعكس التزامها بالتعليم العادل والشامل، خاصة أنها تخدم طلابًا من أكثر من 19 جنسية.
وفي عام 2024، تم تأسيس 'إدارة البحث والتطوير' بهدف دمج رؤية عُمان 2040 في الإطار الأكاديمي، إلى جانب أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ومهارات القرن الحادي والعشرين. ويركز المنهج الحالي على تنمية التفكير النقدي، والمهارات الرقمية، والصحة النفسية للطلبة، بما يضمن تخرج طلاب قادرين على مواجهة تحديات المستقبل. كما تشرف هذه الإدارة على برامج تدريب المعلمين لضمان التطوير المستمر لجودة التعليم.
وفي إطار تعزيز الاستدامة، بدأت المدارس الانتقال إلى بيئة تعليمية خالية من الورق من خلال اعتماد التعلم القائم على المشاريع. وستبدأ المدارس، اعتبارًا من العام الدراسي القادم، بإطلاق الصفوف الإلكترونية للصف الثامن والصف الأول الثانوي، إلى جانب تقديم 'دبلوم بي تيك الموسع في إدارة الأعمال – المستوى الثالث'، في خطوة تعزز من دمج التكنولوجيا في التعليم .
ولا تزال خدمة المجتمع والتواصل المجتمعي من أولويات مدارس باكستان في عُمان، حيث أُبرمت شراكات مع جامعات وكليات مرموقة لتوسيع فرص التعليم العالي والتطوير المهني. كما أُجريت عمليات تدقيق مالي في عام 2022، لأول مرة منذ عام 2016، وأظهرت النتائج أن المدارس أصبحت تحقق فائضًا ماليًا بعد سنوات من التحديات، مما يُعزز القدرة على مواصلة تطوير البنية التحتية والارتقاء بالمنظومة التعليمية.
وفي سياق تعزيز التواصل بين المدرسة وأولياء الأمور، تم تأسيس 'مجلس أولياء الأمور' ليعمل كسفراء للمدرسة، مما يعزز التعاون بين المؤسسة التعليمية والأسر. كما تحظى آراء الطلاب باهتمام بالغ، حيث تُعطى لهم الفرصة للتعبير عن طموحاتهم وتوجيه خياراتهم بما يتماشى مع رؤية المدرسة ورسالتها .
المدارس الباكستانية في عُمان: مسيرة تواصل العطاء وتُعيد رسم ملامح التميّز التعليمي
نتوجّه بخالص التقدير والامتنان إلى سعادة الدكتور نويد صفدر بخاري، السفير الحالي لجمهورية باكستان الإسلامية لدى سلطنة عُمان، على دعمه المتواصل الذي كان ولا يزال ركيزة أساسية في استمرار مسيرة مدارس باكستان في عُمان. وبفضل هذا الدعم، إلى جانب الجهود المؤسسية المتكاملة، يشهد عدد الطلاب تزايدًا مطردًا، مما يعكس النمو المستمر في المعايير الأكاديمية ويُعزّز مكانة المدارس كإحدى أبرز المؤسسات التعليمية الرائدة في السلطنة.
لقد حافظت مدارس باكستان في عُمان على إرثها العريق، وأعادت تعريف مفاهيم التميّز في التعليم، لتغدو اليوم نموذجًا في التقدّم، والانفتاح، والابتكار. ومع انطلاق المرحلة المقبلة من رحلتها، تستعد هذه المنظومة العريقة لتأدية دور محوري في صناعة قادة المستقبل، حيث تُبشّر الخمسون عامًا القادمة بمزيد من النجاحات والإنجازات، في تأكيد دائم على التزام المدارس بالتميّز الأكاديمي والتنافسية العالمية..
وستواصل المدارس التقدّم متمسكةبرؤيتها ورسالتها، في بناء مجتمع تعليمي متماسك يُعزز قيم الاحترام والمساواة والكرامة، مع انفتاح واعٍ على التنوّع الثقافي الذي يُشكّل مصدر قوة وإثراء. وتتّسق هذه الرؤية مع التوجيهات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – الذي يؤكّد دائمًا على أهمية التعليم ومراكز البحث والمعرفة كركائز أساسية للتنمية الاقتصادية..
وتفخر مدارس باكستان في عُمان بأن تكون جزءًا من هذا الهدف الوطني النبيل، من خلال إعداد كوادر مؤهلة لمواكبة متطلبات المستقبل، تمتلك المهارات والقيم التي تمكّنها من فهم العالم المتغيّر والمساهمة في تشكيله بإيجابية..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 17 ساعات
- جريدة الرؤية
بالصور.. "عبري الخيري" ينظم مخيم تفويج حجاج بيت الله الحرام
عبري- ناصر العبري تحت رعاية فضيلة الشيخ عبدالله بن علي الهنائي، بدأ فريق عبري الخيري تنظيم مخيم تفويج حجاج بيت الله الحرام، ممثلًا بلجنة الخدمة المجتمعية، وذلك بالتعاون مع دائرة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة الظاهرة ومكتب والي عبري. وجرى تنظيم هذا المخيم برعاية ميثاق للصيرفة الإسلامية، وبالتعاون مع شرطة عُمان السلطانية، وشركة نماء للكهرباء، والخدمات الهندسية بوزارة الدفاع، ومؤسسة سهيل بهوان للأعمال الخيرية، وبلدية عبري، إضافة إلى عدد من المنشآت الخاصة وأهالي الولاية. وقال عبدالله بن خلفان العبري رئيس الفريق إن المخيم يحتوي على مجموعة من الخدمات المتنوعة ويهدف إلى تقديم الدعم اللوجستي وتسهيل إجراءات تفويج الحجاج؛ مما يسهم في تقليل التزاحم على المراكز الحدودية. وأضاف أن المخيم يوفِّر معدات للصيانة واستراحات ضيافة في حالة تعطل أي مركبة، إضافة إلى وجود فنيين مختصين في الميكانيك والكهرباء. وأوضح العبري أنه تتوافر كذلك خدمات إضافية تهدف إلى تسهيل عبور ضيوف الرحمن عبر الولاية بكل سهولة ويسر. وأعرب العبري عن شكره لكل من ساهم في إنجاح هذه المبادرة التي تخدم ضيوف الرحمن، سائلًا الله أن يُسهِّل طريقهم وأن يتقبَّل منهم، وأن يعودوا إلى أهلهم سالمين غانمين.


جريدة الرؤية
منذ 19 ساعات
- جريدة الرؤية
السيدة خالصة.. حين تمشي الحكمة على الأرض ثم تصعد إلى السماء
زكريا الحسني في محطات الحياة، تمرُّ علينا وجوه كثيرة، نُصادفها في الزمان والمكان، فتترك فينا أثرا ثم ترحل. لكنّ بعض الوجوه لا تكتفي بالمرور أو ترك الأثر؛ بل تتجاوزهما إلى السكون في القلب، بحيث تُقيم فيه برصيدها العالي من الرزانة، ومن الطيبة، وبالنور الخاص الذي يشعُّ من النفوس النبيلة.. هكذا كانت السيدة خالصة بنت نصر بن يعرب البوسعيدي- رحمها الله- والدة السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المُعظم- أبقاها الله. لم تكن فقط خالتي، ولا مجرد جارةٍ عشتُ بالقرب منها في طفولتي؛ بل كانت حضورًا هادئًا في حياتنا، كأنَّها ظلٌ أمّ ثانية أطول من الثانية المعتادة، تمشي بيننا ببصيرة، تتحدث بفمٍ من القلب. أتذكرها جيدًا، كما لو أنَّ الزمن عاد بي إلى ذلك الحيّ؛ حيث كانت البيوت مُتقاربة، والقلوب أكثر قربًا. كنت صغيرًا، أطرق بابها حاملًا ما أوصتني به أمي، وأجد عندها دائمًا الوجه المُشرق، والابتسامة الهادئة، وكأنَّ الدنيا مهما تعقدت، تتوقف عند عتبتها لتتنفس بعض الطمأنينة. كانت امرأةً بسيطة في مظهرها، عظيمة في جوهرها. لم تكن كثيرة الكلام، ولكن متى تكلّمت، سكنت القلوب؛ لأنَّها كانت تتحدث بحكمة من جرّب، وصبرُ من رأى، ورِضا من فهم سرّ الحياة. كانت تعرف كيف تواسي دون أن تفرض، وكيف تُرشد دون أن تُحرج، وكيف تفيض بالأمومة حتى على من لم تلدهم. وما من لحظة مرّت بها إلّا وكانت راسخة، ثابتة، كجبلٍ وديعٍ يحتضن من حوله بالظل والسكينة. لم تكن تهتزّ في المِحن، ولا تتبدل في الأزمات؛ بل كانت مصدر اتزانٍ وهدوء، تستمده من إيمان عميق، ورضا داخلي لا يتزعزع. جُمعتْ في شخصها صفات الأمّ الحنون، والمرأة القوية، والإنسانة التي تقابل الجميع بابتسامة، دون أن تنقص هيبةً، أو تتخلى عن وقار. لم تكن يومًا تبحث عن الأضواء، لكنها كانت الضوء الذي يهتدي به من حولها دون أن يشعر. ولا نبالغ إن قلنا إنّ البيت الذي سكنته، لم يكن مجرد جدران وسقف؛ بل كان موئلًا للطمأنينة، ملتقى للمُحبين، ومرسى لكل من أرهقته الحياة. كانت قد صنعت فيه كهفاً للحنان، وللبركة، يمنح الأثر الذي لا يُمحى. وإن كان يُعرف الإنسان من أثره، فإنَّ خالتي "خالصة" تركت فيمن عرفوها بصمةً لا تُنسى، وذاكرةً لا يشوبها النسيان. وكانت ثمرة حياتها، السيدة الجليلة "عهد"، الشاهدة على هذا المجد الصامت، وعلى تلك التربية العميقة التي لا تنبت إلا من قلبٍ صادق، ويدٍ خفيّة تصنع العظمة دون أن تتحدث عنها. واليوم.. وقد عادت روحها إلى بارئها، لا أملكُ سوى أن أرفع يديّ بالدعاء: اللهم، يا من خلقت الطُهر وأودعته في بعض الناس، اغمر روحها بنور رحمتك، وارفع مقامها عندك، واجعل قبرها روضةً من رياض الجنة، فمن كانت بهذا النقاء، لا يليق بها إلا جوارك، يا واسع الرحمة، يا أرحم الراحمين.


جريدة الرؤية
منذ 4 أيام
- جريدة الرؤية
حين يعلو صوت الحنين
سهام بنت أحمد الحارثية harthisa@ الفقد ليس لحظة، بل عمرٌ جديد يبدأ دون من نحب... هو الامتحان الأعظم الذي تواجهه الأرواح، حين تُنتزع قطعة منها لا تُعوّض، ويرحل من كان ظلًا وسندًا ودعاءً لا ينقطع، وفي هذا المقام المهيب، وقفت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها-، تكتب بالكلمات ما تعجز عنه الحواس، وتُسطّر من الحزن ما لا تبلغه الدموع، مودّعة والدتها المرحومة السيدة خالصة بنت نصر البوسعيدي، التي ارتقت روحها إلى بارئها، وخلّفت في القلب فراغًا لا يملؤه سوى الرجاء. إنه فقد الأم… ذلك النوع من الرحيل الذي لا يُعلّم، ولا يُدرّب عليه الإنسان؛ بل يسكنه بغتة، كزلزال لا ينذر، ويقلب تفاصيل الحياة رأسًا على عقب، حين تغيب الأم، يغيب الأمان، ويغيب ذاك الحضن الذي وإن طال البعد عنه، يكفي أن نعلم بوجوده.. ويغيب الدعاء الصادق الذي يسبقك في كل صباح ومساء، دون أن تدري. لكن السيدة الجليلة لم تكتب من حطام الحزن؛ بل من نور الإيمان.. كتبت من مقام الرضا، لا الانكسار، ومن قمة الصبر، لا هوة الألم، واجهت الفقد بالكلمة، وسلّحت قلبها بالدعاء، وفتحت دفاتر البرّ، وقرأتها على الله، تسأله أن يُجزل الجزاء، ويعلي المقام، ويرزقها اللقاء. لقد كتبت عن والدتها لا لتُرثيها؛ بل لتشهد لها، لتُخبر الدنيا أن هذه الروح التي مضت، لم تكن كأي روح.. كانت يدًا خفية في الخير، وصوتًا لا يُسمع لكنه يصل، ووجهًا باسمًا في زمنٍ شحيح بالطيبة… كانت من أولئك الذين يمشون على الأرض في هدوء، لكن أثرهم لا يغيب، وسيرتهم لا تُنسى. واجهت السيدة الجليلة فداحة الفقد كما لا يفعل كثيرون؛ لم تتكئ على الحزن؛ بل على الذكرى الطيبة، ولم تنهَر أمام الموت، بل رفعت بصرها نحو السماء، وقالت: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ". في كلماتها عزاء لكل من فقد، ولكل قلبٍ انفطر على رحيل أم، ولكل نفسٍ تبحث عن عزاء لا يأتي من الناس، بل من الله وفي كلماتها درس أن الفقد لا يُواجه بالبكاء فقط، بل بالتسليم، وأن الوفاء لا يكون بالنداء، بل بالدعاء، وأن الكلمة إذا خُطّت بصدق، صارت دعاءً، وإذا سُكبت من الحنين، صارت صلاةً. وأقول يا سيدة القلوب الراضية.. نسأل الله أن يربط على قلبك، ويجبر كسرك، ويجعل حزن قلبك رفعةً، وصبرك نورًا، وأن يُريك في كل ذكرى من والدتك ما يُبهج، وفي كل دعاء لها ما يُطمئن، اللهم اجعل هذا الفقد شاهدًا على محبتها، وهذا الصبر دليلًا على بِرِّها، واملأ قلبها سكينةً لا تنفد، ورضًا لا ينطفئ، وأجرًا لا ينقطع.