
تلعثُم "ChatGPT" في الأردن: كواليس الأزمة تسدل الستار عن قيمة الذكاء البشري وتُسقط عري الأقنعة الرقميّة
تاريخ النشر : 2025-06-21 - 07:13 pm
تلعثُم "ChatGPT" في الأردن: كواليس الأزمة تسدل الستار عن قيمة الذكاء البشري وتُسقط عري الأقنعة الرقميّة
د. دانا خليل الشلول
في ظل التطور والهائل المتسارع للذكاء الاصطناعي، بات استخدامه والاعتماد عليه في مختلف جوانب الحياة أمراً واقعاً، ومع ذلك، تبقى الأزمات والتحديات الكبرى اختباراً ومحكّاً حقيقيًا لقدرة هذه التقنيات على العمل بمعزل عن الذكاء البشري، وهذا ما ظهر وتجلّى بوضوح خلال الأحداث الأخيرة التي حدثت في المملكة الأردنيّة الهاشميّة جراء التطوّرات السياسيّة المفاجئة السريعة، حيث أدى توقف أنظمة "ChatGPT" المفاجئ إلى أهميّة تسليط الضوء على ضرورة التكامل لا الاستغناء بين القدرات البشرية والذكاء الاصطناعي، وضرورة الاستعداد للتعامل لمثل هذا النوع من الأحداث المفاجئة.
ففي خضم الأحداث التي شهدتها المملكة خلال اليومين السابقين، تفاجأ مستخدمو تطبيق الذكاء الاصطناعي "ChatGPT" في الأردن توقفاً كاملاً للخدمة، وبغض الطرف عن أسباب هذا العطل والتوقف عن العمل للتطبيق، فقد كشف عن نقطة ضعف جوهرية في الاعتماد الكلي على أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الظروف الطارئة، ففي اللحظات التي تتطلب استجابة سريعة، وتحليلًا دقيقًا للمعلومات، واتخاذ قرارات حاسمة، وجد الأفراد والمؤسسات أنفسهم أمام فراغٍ تقنيٍ لا يمكن سده إلا بالعودة إلى القدرات البشرية والاستعانة بها بشكلٍ كلي.
فيما تعتبر هذه الحادثة تذكيراً قوياً بأن الذكاء الاصطناعي ورغم قدراته الهائلة على معالجة البيانات، والتنبؤ، وتقديم الحلول، لا يزال يفتقر إلى خصائص أساسية يتمتع بها الذكاء البشري، فالذكاء البشري يتميز بالقدرة على التفكير النقدي والإبداعي، ففي الأزمات، لا تكون الحلول دائماً واضحة أو مستندة إلى بيانات سابقة، بل يتطلب الأمر قدرة على التفكير خارج الصندوق، وهو ما يبرع فيه العقل البشري، كما يمتلك البشر القدرة على الفهم السياقي والحدس؛ فهم قادرون على فهم السياق المعقد للأحداث، واستيعاب الفروق الدقيقة، واستخدام الحدس لاتخاذ قرارات سريعة، وهي مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها بشكل كامل، إضافةً إلى ذلك، تلعب القدرة على التعاطف والتواصل البشري دورًا حاسمًا في الأزمات، فالقدرة على التعاطف، وتقديم الدعم، والتواصل الفعال مع المتضررين هي جوانب حصرية للتفاعل البشري، ومن الجدير بالذكر أنَّ الذكاء البشري يتميز بـالقدرة على التكيف مع المجهول؛ بينما تعتمد الأنظمة الذكية على البيانات والخوارزميات المبرمجة مسبقًا، حيث يمتلك البشر قدرة فائقة على التكيف مع المواقف غير المتوقعة والمجهولة، وتطوير استراتيجيات جديدة في الوقت الفعلي.
وبحسب الخبير في الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاقتصاد الرقمي معاذ خليفات فإنَّ هذه الفورة التقنية التي تسوّق لنا الذكاء الاصطناعي كمنقذٍ شامل، لا بد أن نتوقف قليلًا، ليس للتشكيك في قدراته، بل للتساؤل: ماذا يحدث حين نمنحه دفة القيادة في لحظات الانهيار والأزمات الكبرى حين تختلط الحقيقة بالذعر، ويصبح القرار مسألة حياة أو موت فالاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي ليس بطولة، بل مخاطرة مصحوبة بسوء تقدير، والأمر المقلق هنا ليس وجود الذكاء الاصطناعي، ولا استخدامه، بل على العكس تماماً فالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة مهمة جداً ويفتح الباب أمام البشرية للإنتاجية وحياةٍ أفضل، لكن حالة الإذعان الصامت التي بدأت تتشكل حوله هو ما يقلقني، وكأننا نتهيأ نفسيًا لمرحلة لا يُتوقّع فيها من الإنسان سوى الضغط على زر وهذه ليست مبالغة، بل واقع نراه حتى في غرف الأخبار حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحرير العناوين، وصياغة التقارير، وربما غدًا لاختيار الضيوف وترتيب أولويات التغطية.
وتابع خليفات حديثه "البشر لا يزالون مهمين وسيبقون مهمين، ليس فقط لأنهم يشعرون ويتعاطفون، بل لأنهم يخطؤون أيضًا، وهذا في بعض الأحيان ما يمنح الحقيقة وجهها الكامل، فالذكاء الاصطناعي قد يُحسّن من الأداء، لكنه لا يملك حسّ التوقيت، ولا يقرأ ما بين السطور الاجتماعية والسياسية كما يفعل العقل البشري المدرّب على الشك قبل التصديق، وبذلك نتأكد أنَّه لا يمكن أن نترك زمام الأمور دوماً لخوارزمية."
ما حدث في الأردن ليس دعوة للتخلي عن الذكاء الاصطناعي، بل هو تأكيد على أهمية إدماجه كمنظومة متكاملة مع الذكاء البشري، كما يجب أن يُنظر إليه على أنّه أداة قوية لتعزيز القدرات البشرية، وليس بديلاً حتمياً عنها، فالجمع بين سرعة معالجة البيانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، مع القدرة البشرية على التفكير النقدي، واتخاذ القرار الاستراتيجي، والتكيف مع المواقف غير المتوقعة، هو ما سيشكل أساس المرونة الحقيقية في مواجهة التحديات المستقبلية،
حيثً تُعدّ حادثة توقف "ChatGPT" في الأردن درساً عمليّاً يبرهن على أن الذكاء البشري يظل ركيزة لا غنى عنها، لا سيّما في أوقات الأزمات الطارئة غير متوقعة النتائج أو الحدوث حتى، كما أنَّ المستقبل الأكثر أماناً وكفاءة يكمن في بناء أنظمة قوية تعتمد على التكامل السلس والتعاون الفعال بين الإنسان والآلة.
تابعو جهينة نيوز على
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 14 ساعات
- جهينة نيوز
تلعثُم "ChatGPT" في الأردن: كواليس الأزمة تسدل الستار عن قيمة الذكاء البشري وتُسقط عري الأقنعة الرقميّة
تاريخ النشر : 2025-06-21 - 07:13 pm تلعثُم "ChatGPT" في الأردن: كواليس الأزمة تسدل الستار عن قيمة الذكاء البشري وتُسقط عري الأقنعة الرقميّة د. دانا خليل الشلول في ظل التطور والهائل المتسارع للذكاء الاصطناعي، بات استخدامه والاعتماد عليه في مختلف جوانب الحياة أمراً واقعاً، ومع ذلك، تبقى الأزمات والتحديات الكبرى اختباراً ومحكّاً حقيقيًا لقدرة هذه التقنيات على العمل بمعزل عن الذكاء البشري، وهذا ما ظهر وتجلّى بوضوح خلال الأحداث الأخيرة التي حدثت في المملكة الأردنيّة الهاشميّة جراء التطوّرات السياسيّة المفاجئة السريعة، حيث أدى توقف أنظمة "ChatGPT" المفاجئ إلى أهميّة تسليط الضوء على ضرورة التكامل لا الاستغناء بين القدرات البشرية والذكاء الاصطناعي، وضرورة الاستعداد للتعامل لمثل هذا النوع من الأحداث المفاجئة. ففي خضم الأحداث التي شهدتها المملكة خلال اليومين السابقين، تفاجأ مستخدمو تطبيق الذكاء الاصطناعي "ChatGPT" في الأردن توقفاً كاملاً للخدمة، وبغض الطرف عن أسباب هذا العطل والتوقف عن العمل للتطبيق، فقد كشف عن نقطة ضعف جوهرية في الاعتماد الكلي على أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الظروف الطارئة، ففي اللحظات التي تتطلب استجابة سريعة، وتحليلًا دقيقًا للمعلومات، واتخاذ قرارات حاسمة، وجد الأفراد والمؤسسات أنفسهم أمام فراغٍ تقنيٍ لا يمكن سده إلا بالعودة إلى القدرات البشرية والاستعانة بها بشكلٍ كلي. فيما تعتبر هذه الحادثة تذكيراً قوياً بأن الذكاء الاصطناعي ورغم قدراته الهائلة على معالجة البيانات، والتنبؤ، وتقديم الحلول، لا يزال يفتقر إلى خصائص أساسية يتمتع بها الذكاء البشري، فالذكاء البشري يتميز بالقدرة على التفكير النقدي والإبداعي، ففي الأزمات، لا تكون الحلول دائماً واضحة أو مستندة إلى بيانات سابقة، بل يتطلب الأمر قدرة على التفكير خارج الصندوق، وهو ما يبرع فيه العقل البشري، كما يمتلك البشر القدرة على الفهم السياقي والحدس؛ فهم قادرون على فهم السياق المعقد للأحداث، واستيعاب الفروق الدقيقة، واستخدام الحدس لاتخاذ قرارات سريعة، وهي مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها بشكل كامل، إضافةً إلى ذلك، تلعب القدرة على التعاطف والتواصل البشري دورًا حاسمًا في الأزمات، فالقدرة على التعاطف، وتقديم الدعم، والتواصل الفعال مع المتضررين هي جوانب حصرية للتفاعل البشري، ومن الجدير بالذكر أنَّ الذكاء البشري يتميز بـالقدرة على التكيف مع المجهول؛ بينما تعتمد الأنظمة الذكية على البيانات والخوارزميات المبرمجة مسبقًا، حيث يمتلك البشر قدرة فائقة على التكيف مع المواقف غير المتوقعة والمجهولة، وتطوير استراتيجيات جديدة في الوقت الفعلي. وبحسب الخبير في الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاقتصاد الرقمي معاذ خليفات فإنَّ هذه الفورة التقنية التي تسوّق لنا الذكاء الاصطناعي كمنقذٍ شامل، لا بد أن نتوقف قليلًا، ليس للتشكيك في قدراته، بل للتساؤل: ماذا يحدث حين نمنحه دفة القيادة في لحظات الانهيار والأزمات الكبرى حين تختلط الحقيقة بالذعر، ويصبح القرار مسألة حياة أو موت فالاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي ليس بطولة، بل مخاطرة مصحوبة بسوء تقدير، والأمر المقلق هنا ليس وجود الذكاء الاصطناعي، ولا استخدامه، بل على العكس تماماً فالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة مهمة جداً ويفتح الباب أمام البشرية للإنتاجية وحياةٍ أفضل، لكن حالة الإذعان الصامت التي بدأت تتشكل حوله هو ما يقلقني، وكأننا نتهيأ نفسيًا لمرحلة لا يُتوقّع فيها من الإنسان سوى الضغط على زر وهذه ليست مبالغة، بل واقع نراه حتى في غرف الأخبار حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحرير العناوين، وصياغة التقارير، وربما غدًا لاختيار الضيوف وترتيب أولويات التغطية. وتابع خليفات حديثه "البشر لا يزالون مهمين وسيبقون مهمين، ليس فقط لأنهم يشعرون ويتعاطفون، بل لأنهم يخطؤون أيضًا، وهذا في بعض الأحيان ما يمنح الحقيقة وجهها الكامل، فالذكاء الاصطناعي قد يُحسّن من الأداء، لكنه لا يملك حسّ التوقيت، ولا يقرأ ما بين السطور الاجتماعية والسياسية كما يفعل العقل البشري المدرّب على الشك قبل التصديق، وبذلك نتأكد أنَّه لا يمكن أن نترك زمام الأمور دوماً لخوارزمية." ما حدث في الأردن ليس دعوة للتخلي عن الذكاء الاصطناعي، بل هو تأكيد على أهمية إدماجه كمنظومة متكاملة مع الذكاء البشري، كما يجب أن يُنظر إليه على أنّه أداة قوية لتعزيز القدرات البشرية، وليس بديلاً حتمياً عنها، فالجمع بين سرعة معالجة البيانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، مع القدرة البشرية على التفكير النقدي، واتخاذ القرار الاستراتيجي، والتكيف مع المواقف غير المتوقعة، هو ما سيشكل أساس المرونة الحقيقية في مواجهة التحديات المستقبلية، حيثً تُعدّ حادثة توقف "ChatGPT" في الأردن درساً عمليّاً يبرهن على أن الذكاء البشري يظل ركيزة لا غنى عنها، لا سيّما في أوقات الأزمات الطارئة غير متوقعة النتائج أو الحدوث حتى، كما أنَّ المستقبل الأكثر أماناً وكفاءة يكمن في بناء أنظمة قوية تعتمد على التكامل السلس والتعاون الفعال بين الإنسان والآلة. تابعو جهينة نيوز على


جو 24
منذ 15 ساعات
- جو 24
إيلون ماسك يعلن خطة "مرعبة" لإعادة كتابة التاريخ بالذكاء الاصطناعي
جو 24 : أطلق الملياردير الأمريكي إيلون ماسك موجة جديدة من الجدل، بعد أن أعلن عبر منصة "إكس" عن خطة مثيرة للقلق تهدف إلى "إعادة كتابة التاريخ البشري" باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتحديداً عبر نظامه الخاص المعروف باسم "غروك" (Grok). وأكد ماسك في منشوره أنه يعتزم إعادة تدريب "غروك" على نسخة "منقحة ومصححة" من المعرفة البشرية، متعهداً بإضافة المعلومات "المفقودة" وحذف ما وصفه بـ"الأخطاء"، في خطوة شبهها العديد من المتابعين برواية "1984" الشهيرة للكاتب البريطاني جورج أورويل، التي تروي كيف يقوم نظام استبدادي بتعديل الوثائق التاريخية لإحكام السيطرة على الرأي العام. وأشار إيلون ماسك إلى أن "البيانات غير المصححة" التي تدرَّب عليها نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى تحتوي على "كمّ هائل من القمامة"، حسب تعبيره، ما يستوجب تدخلاً لإصلاحها قبل استخدامها في بناء نظم ذكاء متقدمة. وأوضح ماسك أن خطته تتضمن إعادة كتابة ما وصفه بـ"المجمل الكامل من معارف البشرية" أو ما يُعرف علمياً بـ"كوربس المعرفة البشرية" (corpus)، وهي مجموعة ضخمة تشمل كل ما أنتجته البشرية من معلومات مكتوبة، كالمقالات والكتب والوثائق التاريخية والمحتوى الرقمي. ويأتي ذلك بعد جدل سابق واجهه روبوت "غروك" في مايو (أيار) الماضي، حين بدأ يكرر مزاعم حول "إبادة بيضاء" في جنوب إفريقيا، ضمن ردود على استفسارات لا علاقة لها بالموضوع، مدعياً أن مطوريه ألزموه بالتعامل مع تلك المزاعم على أنها "حقيقية ولها دوافع عرقية". تجدر الإشارة إلى أن "غروك" يتم تدريبه على مصادر متاحة للعامة، مع وعد بأن يعكس "وجهة نظر متمردة وخارجية عن البشرية"، في تباين واضح عن منافسه الأشهر "ChatGPT"، الذي تدرب على أكثر من تريليون كلمة من مصادر مختلفة. لذلك خطوة ماسك هذه اعتبرها كثيرون محاولة خطيرة لتوجيه مسار المعرفة الإنسانية، وإعادة تشكيل الحقائق بناءً على معايير فريقه، ما فتح باب التساؤلات حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، وحدود التدخل البشري في كتابة التاريخ. تابعو الأردن 24 على


الانباط اليومية
منذ 17 ساعات
- الانباط اليومية
تلعثُم "ChatGPT" في الأردن: كواليس الأزمة تسدل الستار عن قيمة الذكاء البشري وتُسقط عري الأقنعة الرقميّة
الأنباط - د. دانا خليل الشلول في ظل التطور والهائل المتسارع للذكاء الاصطناعي، بات استخدامه والاعتماد عليه في مختلف جوانب الحياة أمراً واقعاً، ومع ذلك، تبقى الأزمات والتحديات الكبرى اختباراً ومحكّاً حقيقيًا لقدرة هذه التقنيات على العمل بمعزل عن الذكاء البشري، وهذا ما ظهر وتجلّى بوضوح خلال الأحداث الأخيرة التي حدثت في المملكة الأردنيّة الهاشميّة جراء التطوّرات السياسيّة المفاجئة السريعة، حيث أدى توقف أنظمة "ChatGPT" المفاجئ إلى أهميّة تسليط الضوء على ضرورة التكامل لا الاستغناء بين القدرات البشرية والذكاء الاصطناعي، وضرورة الاستعداد للتعامل لمثل هذا النوع من الأحداث المفاجئة. ففي خضم الأحداث التي شهدتها المملكة خلال اليومين السابقين، تفاجأ مستخدمو تطبيق الذكاء الاصطناعي "ChatGPT" في الأردن توقفاً كاملاً للخدمة، وبغض الطرف عن أسباب هذا العطل والتوقف عن العمل للتطبيق، فقد كشف عن نقطة ضعف جوهرية في الاعتماد الكلي على أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الظروف الطارئة، ففي اللحظات التي تتطلب استجابة سريعة، وتحليلًا دقيقًا للمعلومات، واتخاذ قرارات حاسمة، وجد الأفراد والمؤسسات أنفسهم أمام فراغٍ تقنيٍ لا يمكن سده إلا بالعودة إلى القدرات البشرية والاستعانة بها بشكلٍ كلي. فيما تعتبر هذه الحادثة تذكيراً قوياً بأن الذكاء الاصطناعي ورغم قدراته الهائلة على معالجة البيانات، والتنبؤ، وتقديم الحلول، لا يزال يفتقر إلى خصائص أساسية يتمتع بها الذكاء البشري، فالذكاء البشري يتميز بالقدرة على التفكير النقدي والإبداعي، ففي الأزمات، لا تكون الحلول دائماً واضحة أو مستندة إلى بيانات سابقة، بل يتطلب الأمر قدرة على التفكير خارج الصندوق، وهو ما يبرع فيه العقل البشري، كما يمتلك البشر القدرة على الفهم السياقي والحدس؛ فهم قادرون على فهم السياق المعقد للأحداث، واستيعاب الفروق الدقيقة، واستخدام الحدس لاتخاذ قرارات سريعة، وهي مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها بشكل كامل، إضافةً إلى ذلك، تلعب القدرة على التعاطف والتواصل البشري دورًا حاسمًا في الأزمات، فالقدرة على التعاطف، وتقديم الدعم، والتواصل الفعال مع المتضررين هي جوانب حصرية للتفاعل البشري، ومن الجدير بالذكر أنَّ الذكاء البشري يتميز بـالقدرة على التكيف مع المجهول؛ بينما تعتمد الأنظمة الذكية على البيانات والخوارزميات المبرمجة مسبقًا، حيث يمتلك البشر قدرة فائقة على التكيف مع المواقف غير المتوقعة والمجهولة، وتطوير استراتيجيات جديدة في الوقت الفعلي. وبحسب الخبير في الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاقتصاد الرقمي معاذ خليفات فإنَّ هذه الفورة التقنية التي تسوّق لنا الذكاء الاصطناعي كمنقذٍ شامل، لا بد أن نتوقف قليلًا، ليس للتشكيك في قدراته، بل للتساؤل: ماذا يحدث حين نمنحه دفة القيادة في لحظات الانهيار والأزمات الكبرى حين تختلط الحقيقة بالذعر، ويصبح القرار مسألة حياة أو موت فالاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي ليس بطولة، بل مخاطرة مصحوبة بسوء تقدير، والأمر المقلق هنا ليس وجود الذكاء الاصطناعي، ولا استخدامه، بل على العكس تماماً فالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة مهمة جداً ويفتح الباب أمام البشرية للإنتاجية وحياةٍ أفضل، لكن حالة الإذعان الصامت التي بدأت تتشكل حوله هو ما يقلقني، وكأننا نتهيأ نفسيًا لمرحلة لا يُتوقّع فيها من الإنسان سوى الضغط على زر وهذه ليست مبالغة، بل واقع نراه حتى في غرف الأخبار حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحرير العناوين، وصياغة التقارير، وربما غدًا لاختيار الضيوف وترتيب أولويات التغطية. وتابع خليفات حديثه "البشر لا يزالون مهمين وسيبقون مهمين، ليس فقط لأنهم يشعرون ويتعاطفون، بل لأنهم يخطؤون أيضًا، وهذا في بعض الأحيان ما يمنح الحقيقة وجهها الكامل، فالذكاء الاصطناعي قد يُحسّن من الأداء، لكنه لا يملك حسّ التوقيت، ولا يقرأ ما بين السطور الاجتماعية والسياسية كما يفعل العقل البشري المدرّب على الشك قبل التصديق، وبذلك نتأكد أنَّه لا يمكن أن نترك زمام الأمور دوماً لخوارزمية." ما حدث في الأردن ليس دعوة للتخلي عن الذكاء الاصطناعي، بل هو تأكيد على أهمية إدماجه كمنظومة متكاملة مع الذكاء البشري، كما يجب أن يُنظر إليه على أنّه أداة قوية لتعزيز القدرات البشرية، وليس بديلاً حتمياً عنها، فالجمع بين سرعة معالجة البيانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، مع القدرة البشرية على التفكير النقدي، واتخاذ القرار الاستراتيجي، والتكيف مع المواقف غير المتوقعة، هو ما سيشكل أساس المرونة الحقيقية في مواجهة التحديات المستقبلية، حيثً تُعدّ حادثة توقف "ChatGPT" في الأردن درساً عمليّاً يبرهن على أن الذكاء البشري يظل ركيزة لا غنى عنها، لا سيّما في أوقات الأزمات الطارئة غير متوقعة النتائج أو الحدوث حتى، كما أنَّ المستقبل الأكثر أماناً وكفاءة يكمن في بناء أنظمة قوية تعتمد على التكامل السلس والتعاون الفعال بين الإنسان والآلة.