د. عبدالراضي رضوان يكتب: لنحيا بالوعي «17».. الإنسان بين الدين والفلسفة
أمَّا الدين فقد ارتفع بالإنسان إلى أعلى مراتب الوجود الكوني أفضليةً: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وذلك بأمور ثلاثة:الأول: جعله خليفة لله في الأرض تعكس خلافة الإنسان لله في الأرض أسْمَى مراتب التفضيل و التَّكريم الإِلَهي: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).الثاني: العقل الذي هو أثمن هبات الله للإنسان وهو مناط التكليف والتكريم والاختيار.الثالث: طبيعة خلق الإنسان الشريفة حيث خصَّه الله بثلاث من السمات لم تتوفر إلا للإنسان ، فقد خلقه الله بيده سبحانه ونفخ فيه من رُوحه وأسجد له الملائكة : قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ).وبسبب من هذا التكريم وتلك الأفضلية فقد مُنح الإنسان عدد من حقوق الإنسان التي تكفل له القدرة على القيام بأعباء الخلافة في عمارة الكون ، أهمها:1. خلقه في أعدل هيئة وصورة تناسب وظيفته: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).2. الحفاظ على حياته وماله وعرضه وحريته التي جعلها الدين أهم مقاصد التشريع وذلك صيانةً لكرامة الإنسان وضمانةً لِحُقوقه وكفالةً لعدم الإخلال بها والتعدِّي عليها:* فتم فرض المساواة حقا إلزاميا واجبا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).* وتمَّ تحريم القتل وتغليظ عقوبته بما لايطاق عاجلا أو آجلا حفاظا على حق الحياة: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).* وتم تحريم السرقة وتشديد عقوبته لردع من ينتهك حق الملكيَّة الفردية : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).* منع الإكراه تعزيزا لحق الحُرِّية والاختيار حتى في الاختيار الديني فضلا عما دون ذلك: (لا إكراه في الدين).* تحريم الزنا وتجريمه حماية لحق الإنسان في نسب شريف وأسرة طاهرة العِرْض: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).3. تسخير ما في الكون لِخِدمة الإنسان :(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).بينما نجد الفلسفة تبتعد كثيرا عن الدين في أكثر المسائل الجوهرية بشأن حقيقة الوجود الإنساني باستثناء بعض المدارس والفلاسفة مثل الألماني مارتن هيدجر بعيداً عن تصنيف الفيلسوف المصري الدكتور عبد الرحمن بدوي للفيلسوف الألماني مارتن هايدجر بأنه ملحد ، ذلك التصنيف الذي لا يصح بحال من الأحوال ولم يوافقه عليه أحد من الأثبات.فهل يمكن القول بأن هايدجر عندما أقام نسقه الفلسفي على أساس من ( الوجود ) حياة الإنسان ، (الموت) الذي هو جزء من كينونة الإنسان ، وبينهما القلق تجاه مصير الإنسان الحتمي ، ذلك القلق الذي ليس شعوراً بل قيمة فلسفية باحثة عن معنى الوجود وكيفية تحقيقه بالدازاين ( Da zein).الوجود الحقيقي المتعين بالعالَم ، ذلك الوجود الذي تفقد حياة الإنسان معناها إذا لم يحققه باختياره وإرادته الحرة ، وإلا أصبح مغترباً عن ذاته ، منتفياً وجوده الحقيقي، متهرباً من مسؤوليته الوجودية تجاه العالم ، فاقداً البصمة المؤثرة في الحياة ، متحولا إلى رقم في قطيع استهلاكي روتيني مغلق تافه.هل يمكن القول بأنه أول فيلسوف غربي يدرك عظمة الخلق الإنساني على النحو الذي طرحه التصور الإسلامي بأن الإنسان سيد الكون الذي خلقه الله تعالى خليفة في الأرض لعمارتها وأمدَّه بكل مقومات الامتياز المناسبة لأداء تلك المهمة وتحمل الأمانة التي عجزت عن تحملها السموات والأرض والجبال ، فمنحه العقل وأدوات الإدراك والحواس وأرشده بالوحي لكي يعمل بإيجابية وتأثير يُحاسب على التقصير فيه ، فلا تزول قدماه حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مم جمعه وفيما أنفقه ، وعن علمه فيما عمل به؟فإن كان ذلك كذلك فما هي المصادر التي اعتمد عليها هايدجر من تراثنا ومن فلاسفتنا ومفكرينا خاصة أنه بدأ حياته لاهوتياً ، بل يرى بعض نقاده كذلك مثل جلال صادق العظم أن نسقه الفلسفي عبارة عن لاهوت مُقَنَّع ، أو على الأقل كما يقول جاك دريدا عن كتاب هايدجر الرئيسي ( الوجود والزمان ) : إنه لم يُقرأ جيدا بعدُ ، ولايزال يعاني سوء الفهم أو عدمه ، وما زال الكثير من مواضعه غير واضح وغامض وعسير على الفهم.ويؤيد ما ذهب إليه جاك دريدا أن هايدجر نفسه قد انتقد الفيلسوف الفرنسي سارتر بأنه قد استعار اصطلاحاته لكنه حرَّفها ؟؟؟كاتب المقال : عميد كلية دار العلوم الأسبق بجامعة القاهرة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 30 دقائق
- الجمهورية
سائلة تقول:توفى ابني ومكنش بيصلي..هل يجوز أن أقضي عنه الصلاة؟
وأوضح أن الصلاه هي الميثاق بين العبد وربه،ف الصلاة ليست رفاهية ولا يصح تركها لحين المقدرة على أدائها فالبعض يعيش بمبدأ:إن شاء الله هبقي أتوب بعدين واصلي. شدد عضو الفتوى على أنه مهما كان حال الفرد عليه ألا يترك صلاته فهناك خمس فروض أنت مجبر و مطالب بيهم يوميا.

الجمهورية
منذ 30 دقائق
- الجمهورية
بالتعاون مع الأزهر الشريف ..
وشارك في الندوات عدد من علماء الأوقاف والأزهر الشريف، حيث تناولوا أهمية الحفاظ على البيئة بوصفه واجبًا دينيًّا وإنسانيًّا، مؤكدين أن الشريعة الإسلامية تحث على النظافة العامة، وحماية موارد الطبيعة، والابتعاد عن كل ما يُفسد أو يُلوث عناصر البيئة، مشيرين إلى أن عمارة الأرض من مقاصد الإسلام الكبرى. وأوضح العلماء أن الاعتداء على البيئة، كإلقاء المخلفات في الطرقات أو المسطحات المائية، أو تلويث الهواء، يُعد من صور الإفساد في الأرض التي نهى الله عنها، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾، كما أن الإضرار بالناس نتيجة إهمال البيئة داخل في قوله ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار". وأكد المشاركون أن الحفاظ على البيئة ليس مجرد سلوك حضاري، بل فريضة شرعية تسهم في حماية النفس وصحة المجتمع، لافتين إلى أن الإسلام ينظر إلى البيئة باعتبارها أمانة في أعناق الناس جميعًا، ينبغي الحفاظ عليها للأجيال القادمة، عبر وعي جماعي وسلوك رشيد. وتأتي هذه الندوات في إطار جهود وزارة الأوقاف لترسيخ القيم الأخلاقية والوطنية، والتصدي للقضايا المجتمعية المعاصرة، برؤية دعوية وسطية تعزز الوعي السلوكي، وتسهم في بناء الشخصية الوطنية الواعية والمنضبطة.


بوابة الفجر
منذ ساعة واحدة
- بوابة الفجر
بالتعاون مع الأزهر الأوقاف تنظم ندوات بعنوان "الحفاظ على البيئة وأثره على الفرد والمجتمع" بـ(1544)
نظّمت وزارة الأوقاف، بالتعاون مع الأزهر الشريف، ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"، تحت عنوان: "الحفاظ على البيئة وأثره على الفرد والمجتمع"، وذلك عقب صلاة العشاء، بـ(1544) مسجدًا بمختلف محافظات الجمهورية. وشارك في الندوات عدد من علماء الأوقاف والأزهر الشريف، حيث تناولوا أهمية الحفاظ على البيئة بوصفه واجبًا دينيًّا وإنسانيًّا، مؤكدين أن الشريعة الإسلامية تحث على النظافة العامة، وحماية موارد الطبيعة، والابتعاد عن كل ما يُفسد أو يُلوث عناصر البيئة، مشيرين إلى أن عمارة الأرض من مقاصد الإسلام الكبرى. وأوضح العلماء أن الاعتداء على البيئة، كإلقاء المخلفات في الطرقات أو المسطحات المائية، أو تلويث الهواء، يُعد من صور الإفساد في الأرض التي نهى الله عنها، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾، كما أن الإضرار بالناس نتيجة إهمال البيئة داخل في قوله ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار". وأكد المشاركون أن الحفاظ على البيئة ليس مجرد سلوك حضاري، بل فريضة شرعية تسهم في حماية النفس وصحة المجتمع، لافتين إلى أن الإسلام ينظر إلى البيئة باعتبارها أمانة في أعناق الناس جميعًا، ينبغي الحفاظ عليها للأجيال القادمة، عبر وعي جماعي وسلوك رشيد. وتأتي هذه الندوات في إطار جهود وزارة الأوقاف لترسيخ القيم الأخلاقية والوطنية، والتصدي للقضايا المجتمعية المعاصرة، برؤية دعوية وسطية تعزز الوعي السلوكي، وتسهم في بناء الشخصية الوطنية الواعية والمنضبطة.