
هنا كتب شعراء العالم قصائدهم .."مقهى الحافة" في طنجة
احتفظ المقهى على مدى قرن من الزمن، بمظهره البسيط ونمطه التقليدي، رافضاً العروض التجارية السياحية الضخمة، متمسكاً بروح المكان الأوّل.
بُني المقهى على جرف صخري يطلّ مباشرة على مضيق جبل طارق، ما يمنحه إطلالة خلابة على البحر الأبيض المتوسط حتى جنوب إسبانيا. يتألف من 5 طبقات مدرّجة ومنحدرة من السطح حتى المستوى الخامس، فيها طاولات صغيرة من الزليج المغربي (السيراميك)، وأحواض فخارية مملوءة بالنباتات، توحي بجو بسيطٍ وأصيل.
لا يتّبع المقهى موضةَ الفخامة، بل يجذب الزائرين إحساساً بالطبيعة والبحر، إلى جانب تقديم أنواع شاي بالنعناع والفطور البلدي المغربي.
شعراء أميركا في طنجة
شكّلت طنجة منذ منتصف القرن العشرين، فضاء فريداً للكُتّاب والفنانين الأجانب، أبرزهم بول بولز (1910–1999)، الروائي والشاعر الأميركي الذي استقر في المدينة منذ عام 1947 حتى وفاته، وجعل من مقهى الحافة، ملتقى أدبياً وعودة إلى الحلم كما قال:" أعود إلى مقهى الحافة وأواصل الحلم. غيّر الزمن كل شيء ما عدا هذا المكان، بقي سرّياً وهادئاً، كما كان في الماضي؛ ساحراً جيلاً بعد جيل".
جعل بولز من طنجة موطناً دائماً له، ومركزاً للأدب العالمي، حيث ترجم أعمالاً مغربية مهمة، مثل رواية "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري، من مدينة طنجة، وسجّل الموسيقى الشعبية المغربية، كما كتب روايته الأشهر "السماء الواقية" التي كرّست صورته كرمز في الأدب الأميركي الحديث.
شهد المقهى أيضاً حضور الكاتب الأميركي ويليم بوروز (1914–1997)، أحد أبرز رموز جيل "البيت"، الذي عاش في طنجة بين 1954 و 1958 وأنجز فيها أجزاءً من روايته "الغداء العاري"، التي غيّرت تقنيات السرد عبر أسلوب مونتاج روائي (قطع وتركيب) .
كما زار المقهى الشاعر ألن غينسبرغ (1926–1997) بدعوة من بول بولز عام 1961، وهو شاعر قصيدة "عواء" الشهيرة التي أصبحت أيقونة لحرية التعبير. جعل هؤلاء الأدباء مقهى الحافة المطلّ على البحر، مكاناً مفضلاً للقاءاتهم وتأملاتهم، فصار رمزاً لحرية الفكر وفضاء للانفتاح الإبداعي، حيث مثّلوا الثقافة المضادّة الأميركية في أوجها، ووجدوا في طنجة فضاء للحرية بعيداً عن القيود الغربية، ما جعل المدينة حاضنة عالمية للإبداع، ومكاناً يتقاطع فيه الأدب والموسيقى والشعر، مع تجارب إنسانية متحررة.
في السينما الوثائقية
يظهر المقهى في الفيلم الوثائقي بعنوان "بول بول: الغريب الكامل"، فضلاً عن مشاهد من المدينة، ويتحدث فيه بول بولز عن اللقاءات مع الكاتب المغربي الشفاهي محمد مرابط، وألن غينسبرغ، وغيرهما داخل المقهى.
كما وصف المكان في كتابه مدينة "الألف والأضواء" قائلاً: "هنا يلتقي لاعبو الشطرنج، والشعراء، والكتّاب، والفنانون".
أغنية للمقهى
أهدى الفنان الإسباني لويس إدواردو أوتي (1943–2020)، قصيدة للمقهى بعنوان "مقهى الحافة" ضمن ألبومه الموسيقي الصادر بين عامي (1992–1993).
يصف الصحفي الإسباني خيسوس كاباليرو الأغنية بأنها تستحضر: "مقهى الحافة الذي سيُكمل بعد عام قرناً من الوجود".
كما تضمن نصّ الأغنية إشارات أدبية وصوراً شاعرية مرتبطة بالمكان، مثل جملة "عندما أحببتك، على شرفات مقهى الحافة".
نال مقهى الحافة في طنجة اهتمام عدد من الصحفيين والكُتّاب الأجانب، الذين اعتبروه رمزاً للذاكرة الثقافية المغربية. وتناولت مقالات في الصحافة العالمية تاريخه الممتد منذ عام 1921، وإطلالته على مضيق جبل طارق، ودوره كملتقى لكُتّاب عالميين.
كما نُشر مقال خاص عن مقهى الحافة في تموز 2025، على موقع "إم دبليو إن لايف ستايل"، وهي منصّة تابعة لمجلة "موركو وورلد نيوز"، مركزّاً على تاريخ المقهى وأجوائه وارتباطه بالكُتّاب العالميين، بينما تناول الكاتب الاسباني خوان غويتيسولو المقهى في روايته "كونت جوليان".
عبر الزمن، حافظ المقهى على سماته الفريدة، فضاء مفتوحاً، كتاباً، بحراً، ذاكرة، وشاهداً على عبور الأجيال وتحوّلات الفنّ والأدب في طنجة. كما تحوّل إلى أحد المعالم السياحية البارزة في المدينة، التي تشكّل جزءاً من الهوية العمرانية والثقافية، إلى جانب ما تزخر به من مواقع تاريخية أخرى.
يستقطب المقهى زوّاراً متنوّعين، سواء القادمين للإقامة في طنجة أو العابرين منها نحو وجهات مغربية أخرى، لما يوفّره من بيئة هادئة، تتيح فرصة الاسترخاء والاستمتاع بطابع المكان التقليدي.
تمّ إدراج المقهى ضمن لائحة الآثار الوطنية، بموجب قرار صادر عن وزارة الثقافة المغربية، إلى جانب مجموعة من المواقع التاريخية المصنّفة. ويقضي القرار بعدم السماح بإحداث أي تغيير في فضائه، إلا بعد إشعار الجهات المعنية.
أيقونة تاريخية
غير أن هذا الزخم الثقافي الذي ميّز المقهى منذ عشرينيات القرن الماضي، بدأ يتراجع تدريجياً مع مطلع سبعينياته. تغيّرت البنية الاجتماعية والثقافية للمدينة، وانتقل النشاط الإبداعي إلى فضاءات أكثر تنظيماً، مثل دور الثقافة والمراكز الأكاديمية الجديدة، ما أفقد المقهى دوره التقليدي بوصفه نقطة التقاء للكُتّاب والفنانين والشعراء.
لم يكن هذا التراجع معزولاً عن التحوّلات الكبرى التي شهدتها طنجة نفسها، من مدينة ذات طابع كوزموبوليتي مفتوح على التيارات الفكرية العالمية، إلى فضاء يتجه تدريجياً نحو السياحة الثقافية، بوصفها أولوية اقتصادية.
ونتيجة لذلك، اقتصرت وظيفة المقهى على استقطاب الزوّار المحليين والأجانب الذين يبحثون عن تجربة اجتماعية أو مشهد بانورامي يطلّ على البحر، بعيداً عن تلك اللقاءات الأدبية والفنية التي شكّلت في السابق جزءاً من هويته.
يجسّد المقهى ذاكرة حيّة لعصر ثقافي مضى، ورمزاً للحنين إلى زمن شهد حضور شخصيات أدبية وفنية بارزة ، لكنه في الوقت نفسه يعكس تحوّل المدينة ذاتها من مركز للنقاش الثقافي، إلى مقصد سياحي، يسعى إلى استثمار رمزيته الماضية.
هكذا تحوّل من فضاء للعنفوان الأدبي، إلى معلم سياحي تاريخي، يحمل الذاكرة الثقافية، أكثر مما يسهم في صناعة الحاضر الإبداعي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
حين لا تتكرر اللحظات
تكبر شيئًا فشيئًا، وتدرك مع الوقت أنك لا تُغريك التجمعات الكبرى، ولا الأماكن المزدحمة، ولا الاختيارات الأكثر رواجًا؛ تدرك أن فضفضة والدتك ظهيرة يوم السبت حول كل أحداث الأسبوع ألذ من حلقة نقاش شيّقة ومعقدة مع بروفيسور يحمل ثلاث شهادات دكتوراه، إحداها عن القطط البرية في صحراء الربع الخالي! وتدرك أن نقاشك اليومي مع إخوتك عند قهوة المغرب، والذي غالبًا ما ينتهي بخلاف لطيف، أطيب على نفسك من وجبة عشاء فاخرة في مطعم يتطلب حجزًا مسبقًا؛ وأن قهوة الفجر قبل طلوع الشمس مع جدك لوالدك في قريتكم النائية عن ضوضاء المدينة، أحلى لديك من تناولها على أطراف بحيرة إنترلاكن. وتدرك أيضًا أن إفطار الجمعة بحضور والدك -الذي تكاد لا تراه إلا في هذه اللحظة نظير عمله وانشغالاته طيلة الأسبوع- أهم لديك من اجتماع مهم مع مدير عملك، الذي تراه في أحلامك أكثر مما تراه في واقعك! ومن جماليات التقدم في العمر أنك تعيش كل لحظة وتعتني بها وكأنها كنز نادر؛ كما في الفلسفة اليابانية "إيشيغو إيشيه" (Ichigo Ichie) التي تعني: "هذا اللقاء لن يتكرر أبدًا". كل محادثة مع والدتك، وكل جلسة قهوة مع إخوتك، وكل مائدة عشاء بحضور والدك لها وقعتها المميزة وتأثيرها الخاص الذي تتلذذ به في كل مرة، مدركًا أن هذه اللحظات لن تعود أبداً. هذه الرؤية التي وُلدت في مراسم الشاي اليابانية في القرن السادس عشر تحثك على أن تحضر في اللحظة بقلبك وعقلك معًا؛ فكل لحظة تستحق أن يُحتفى بها، ككرنفال لا يحدث إلا مرة واحدة كل عام. وليست هذه دعوة للتشاؤم، بل على العكس؛ عندما تدرك واقعية الحياة وحتمية الأشياء، يجب أن تكون هذه المعرفة دافعًا للحياة بشكل أعمق وأوسع. ولن تدرك ذلك إلا عندما تتقدم في عمرك شيئًا فشيئًا، تاركًا خلفك طيش الشباب وحماقة الصبا. والمفارقة هنا هي الشعور؛ إذ كلما تقدمت سنة واحدة، أو حتى نصفها، ستجد أن قائمة أمنياتك تتغير، ودائرة اهتماماتك تتبدل، وأنك تميل إلى تفضيل الشعور والمعنى والوصول للغاية الكبرى بدل الركض خلف الرغبات المؤقتة. هكذا يكون استشعار التقدم في العمر طيبًا وهنيئًا؛ أن تعيش اللحظة، وتقدّر القرب، وتدرك أن ما يمنح الأشياء قيمتها هو تفاصيلها التي لا تُشترى.


عكاظ
منذ 8 ساعات
- عكاظ
كيف وصل العالم إلى البيوت السعودية قبل 42 سنة
في مشهد يفيض بالحنين، يعود بنا البيت السعودي القديم إلى حقبة منتصف الثمانينيات الميلادية (1405هـ)، حين كان المجلس العربي التقليدي بأرضياته المزخرفة ومسانده الحمراء، يحتضن نقاشات الأهل حول ما ينقله الراديو، أو ما تُخطه الصحف من أخبار ساخنة. وفي الصورة التي نشرها حساب عاشق الماضي عبر منصة «إكس» والتي توثق تلك المرحلة، تتربع صحيفة «عكاظ» في قلب المجلس بعنوانها البارز: «قمة الدار البيضاء.. عربياً لمواجهة التحديات»، وهو عنوان يلخص مرحلة دقيقة من التاريخ العربي، حين اجتمع القادة العرب في المغرب لمناقشة الحرب العراقية الإيرانية، والأزمة اللبنانية، ومستقبل القضية الفلسطينية. في زاوية المجلس، شاشة تلفزيون قديمة تستعد لنشرات الأخبار، وصوت خافت لأكواب الشاي يختلط بوقع خطوات الأمهات في ممرات البيت. هنا، كان العالم يصل إلى الناس عبر نافذة الصحافة، قبل أن تغزو الهواتف الذكية كل تفاصيل حياتنا. الأحداث آنذاك لم تكن عابرة: الحرب العراقية - الإيرانية في أوجها، و«عكاظ» تتابع تفاصيل الدعم العربي للعراق وتداعيات الحرب على أمن الخليج، القضية الفلسطينية في الواجهة، مع تنامي العمليات ضد الاحتلال، أزمة لبنان تتأرجح بين النار والهدنة، بينما المبادرات السعودية تحاول وقف نزيف الدم. كل هذه الأخبار كانت تدخل إلى البيوت عبر جريدة تحملها الأيادي، في بيت لم يعرف إلا البساطة، وقيم الضيافة، وروح الألفة. وجود صحيفة «عكاظ» في المجلس لم يكن تفصيلاً بسيطاً، بل كان انعكاساً لثقافة التواصل مع العالم، ولإيمان السعوديين منذ وقت مبكر بأن الإعلام نافذة للمعرفة، حتى في بيوت الطين والحجر. بين أرفف هذا البيت وسجاده العتيق، تختبئ قصة جيل صنع حاضرنا. بيت سعودي قديم، ودلة صفراء، وصحيفة تحمل أخبار القمم العربية.. لوحة تعيدنا إلى زمن كان فيه الحبر يكتب التاريخ، والمجالس تحفظه. أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 11 ساعات
- مجلة سيدتي
رحلة سينمائية مبهرة للفيلم المغربي القصير عايشه للمخرجة سناء العلاوي.. جولة مرتقبة
بعلاقة صادقة ومؤثرة بين أمٍّ وابنتها تتخطى حيز الزمان والمكان، يخوض الفيلم المغربي القصير عايشه للمخرجة سناء العلاوي رحلة سينمائية، بدأت بعرضه العالمي الأول في مسابقة الأفلام القصيرة بالدورة الـ 65 من مهرجان كراكاو السينمائي، ومن بعدها تمكن من خطف الأنظار في عدة مهرجانات سينمائية دولية رحلة الفيلم المغربي القصير "عايشه" منذ العرض العالمي، عُرض الفيلم في أربعة مهرجانات مرموقة وهي مهرجان SXSW بلندن، مهرجان ديربان السينمائي الدولي بجنوب أفريقيا، مهرجان بروكلين السينمائي بأمريكا، ومهرجان بالي السينمائي الدولي. جولة مرتقبة للفيلم خلال الشهرين القادمين وخلال الشهرين القادمين، يشارك الفيلم في مهرجان HollyShorts السينمائي بهوليوود (7 - 17 أغسطس)، مهرجان Imagine This Women's International Film Festival السينمائي لأفلام المرأة (11- 14 سبتمبر)، مهرجان المكسيك الدولي للأفلام القصيرة (1 - 30 سبتمبر)، مهرجان شنيت العالمي للأفلام القصيرة وتُقام عروضه في الأرجنتين، كوستا ريكا، وهونغ كونغ (21 – 31 أغسطس)، ومهرجان تيرانا الدولي في ألبانيا (21 -27 سبتمبر.). فيلم "عايشه" قصته وأبطاله تدور أحداث فيلم "عايشه" حول فتاة في السابعة عشرة من عمرها تُعاني من أمٍّ منعزلة عاطفياً، بينما تتخذ حياتها منعطفاً مأساوياً. تنضم الأم إلى طقوس الكناوة لمواجهة علاقتها المكسورة مع ابنتها. الفيلم من تأليف وإخراج سناء العلاوي وإنتاج بيوتر كاتشوروفسكي لشركة Native Line، وبطولة هند ظافر، منال بناني، محمد أمين كيحال، سناء العلاوي، كنزة فريدو، سمية بلقرية، ومصطفى راشدي. الفيلم من تصوير أوسكار يان كرول، ومونتاج ميخاو بوتشيك، وفنانا التحريك توميك بوبكاول وكاسومي أوزيكي، وتأليف الموسيقى لعثمان الشرادي، وتلوين مونيكا ياكوتوفيتش، وتصميم شريط الصوت مارسين لينارسيك، وهندسة الديكور نبيل غوات. وتتولى MAD Distribution توزيع الفيلم في العالم العربي، بينما تتولى MAD WORLD المبيعات في باقي أنحاء العالم. المخرجة سناء العلاوي في سطور سناء العلاوي مخرجة وكاتبة سيناريو مغربية، خريجة جامعة إيتفوش لوراند في بودابست، نالت جائزة أفضل أطروحة للعام عن بحثها في فن اللقطة الطويلة في السينما، وجامعة أكسفورد؛ حيث استكشفت تطور السينما المغربية من ماضيها الاستعماري إلى حاضر ما بعد الاستعمار. يمكنكم قراءة.. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي » وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي » ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن »