logo
كيف تسعى مصر للحفاظ على "الذوق العام"؟

كيف تسعى مصر للحفاظ على "الذوق العام"؟

شفق نيوز٢٧-٠٣-٢٠٢٥

موسم رمضان لهذا العام في مصر كان حافلاً، لكنه مختلف. تصاعد الجدل فيه على خلفية مسلسلات رأى البعض أنها ابتعدت عن "الضوابط المجتمعية".
دفع هذا الجدل الدولة إلى التدخل؛ فأٌعلن عن تشكيل لجان جديدة وعن مؤتمر مرتقب لإعادة تقييم مسار الدراما المصرية.
لم يُوضّح أي مسؤول ما المقصود بالـ"ذوق العام" - مما فتح باب التفسيرات المختلفة.
كما فتح الباب أمام الخوف من ممارسة المزيد من الرقابة على الأعمال الفنية.
السيسي: "خائف على الذوق العام"
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول من فجّر هذا النقاش، خلال إفطار رمضاني نظمته القوات المسلحة، حيث دعا القنوات التلفزيونية ومنتجي الدراما إلى تقديم أعمال تتسم بالـ"جدية والالتزام"، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن المحتوى الذي وصفه بـ"الغم والهزل".
وجّه حديثه إلى صناع الدراما مطالباً بالبحث عن الأعمال التي تحقق فائدة للمجتمع، مؤكداً أهمية تقديم محتوى إيجابي يساهم في "بناء القيم"، دون التوسّع في شرح هذه القيم.
لاحقاً، وأمام جمهور "لقاء المرأة المصرية والأم المثالية"، استعرض الرئيس تحولات المشهد الدرامي في البلاد، قائلاً إن الدراما المصرية كانت صناعة مدعومة من الدولة، تتحرك وفق أهداف مجتمعية وضعها متخصصون في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، لتلعب دوراً في صياغة الوعي العام.
ومع تغير الظروف، أوضح السيسي أن هذه الصناعة فقدت تدريجياً هذا البُعد الثقافي، وأصبحت أقرب إلى سلعة تجارية تستهدف الربح في المقام الأول. وأعرب عن قلقه من هذا التحول، قائلاً إن "الذوق العام" أصبح عرضة لتأثيرات سلبية.
حتى أن الرئيس السيسي ساوى بين دور الدراما، ودور مؤسسات المجتمع الأخرى مثل المسجد والكنيسة والمدرسة والجامعة والأسرة.
وبعد توجيهات الرئيس المصري، أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، تحركاً فورياً، كاشفاً عن تشكيل "مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل تساهم في تعزيز الرسائل الإيجابية للإعلام والمسرح المصري تجاه الفرد والمجتمع".
ستجمع المجموعة الجديدة "كل الجهات المعنية بالإعلام والدراما في مصر"، بما في ذلك وزارة الثقافة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، إلى جانب مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، وشركات إنتاج مستقلة أخرى.
علماً أن المتحدة للخدمات الإعلامية أو "يونايتد ميديا" تعد الذراع الإعلامية الأكبر في البلاد، حيث تشرف على إنتاج وتوزيع غالبية الأعمال الدرامية والسينمائية المعروضة على القنوات المصرية.
ومن المعروف أن المجموعة تملك محفظة من القنوات الفضائية والمنصات الرقمية المؤثرة، وتلعب دوراً مركزياً في تشكيل الخريطة الدرامية الرمضانية.
إلى جانب هذه المؤسسات، أشار مدبولي إلى إشراك "نخبة من الخبراء المتميزين" في صياغة التوصيات التي ستصدر عن اللجنة الجديدة.
لم تحدد الجهات الرسميّة مسلسلات بعينها، لكن اتفق كثير من الإعلاميين والنقاد على تسمية عدد منها.
فمثلاً، تعتقد الناقدة ماجدة خيرالله، أن أربعة مسلسلات هي التي كانت وراء كل هذه الأزمة: "إش إش"، "العتاولة 2"، "فهد البطل"، و"سيد الناس".
وتقول في مقابلة مع بي بي سي عربي: "لم أعد أشاهد هذه المسلسلات، في البداية أعطيت كل منها فرصة متابعة لخمس حلقات، لكنني شعرت بأن مشاهدتها مضيعة للوقت".
الأمر الذي وجدته الناقدة المعروفة مزعجاً كان مشاهد الصراخ الدائم؛ إذ ترى أن هذا الأمر "غير منطقي ولا يحصل في الحياة العادية".
تقول خيرالله إن رفض مثل هذه المشاهد المبالغ فيها، لم يبدأ من النقاد، بل من الجمهور نفسه: "الناس هي من أثارت هذه الأزمة، وليست الصحافة أو النقاد. الكثافة في تقديم هذا النوع من الأعمال هي ما جعلت الأمر غير محتمل".
وانزعجت كثيراً من ربط مسلسلات الأحياء الشعبية بالـ"بلطجة والشرشحة".
ففي حين اختارت بعض المسلسلات تقديم مشاهد الحارات الشعبية من خلال ضجيج صاخب، وشتائم متكررة، وانفعالات مبالغ فيها، أثبتت أعمال أخرى أن الحي الشعبي لا يعني بالضرورة الفوضى.
تُشيد خيرالله، على وجه الخصوص، بمسلسل "أولاد الشمس"، الذي - برأيها - "قدّم دراما هادئة ومنطقية"، وأعطى فرصة ظهور نجمين شابين هما أحمد مالك وطه الدسوقي.
كما أشادت بمسلسل "80 باكو"، الذي عرض حالات إنسانية لبطلات العمل "دون أن يسقط في فخ الضجيج أو العنف (غير المنطقي)".
وترى خيرالله أن ما يُميّز هذه الأعمال هو احترامها لعقل المشاهد، وانطلاقها من أساسات فنية متينة، موضحة: "العمل الفني لابد أن يُبنى على كتابة راقية، وعلى مخرج واعٍ يفهم من هو جمهوره المستهدف. في النهاية، الدراما تدخل بيوت الناس، ويجب أن تحترم هذا الأمر".
رغم تصاعد موجة النقد التي رافقت موسم رمضان الدرامي هذا العام، لا ينكر عضو لجنة الدراما في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، زين العابدين شبلي، في مقابلته مع بي بي سي عربي، وجود أعمال تستحق الثناء.
من أبرزها "جودر 2"، الذي قدّم معالجة معاصرة لعوالم "ألف ليلة وليلة" بأسلوب بصري حديث وجاذب، ومسلسل "ولاد الشمس" الذي تعمّق في قضايا الأيتام وانتهاكات دور الرعاية، إلى جانب "قلبي ومفتاحه" الذي تناول موضوعي الطلاق التعسفي والزواج المشروط، و"ظلم المصطبة" الذي غاص في معاناة الريف المصري، وصولاً إلى "قهوة المحطة" الذي سلّط الضوء على أحلام شباب الصعيد في بلوغ الشهرة والنجاح.
لكنّ شبلي يرى أن تأثير بعض الأعمال، التي اتُّهمت بالإسفاف والعنف اللفظي، طغت على هذه التجارب الإيجابية.
مشهد تنظيمي مربك
مع تصاعد الجدل الرسمي حول مضامين الأعمال الدرامية في مصر، دخلت ثلاث لجان مختلفة على خط المشهد، لكل منها تبعيتها المؤسسية ومهامها الخاصة، ما أطلق نقاشاً واسعاً حول طبيعة هذه الكيانات وحدود تدخلها.
أحدث هذه اللجان جاءت بتكليف مباشر من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وتعمل تحت مظلة رئاسة مجلس الوزراء. اللجنة وُصفت بأنها "مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل"، هدفها وضع تصور شامل لدور الدراما في تعزيز القيم المجتمعية، بمشاركة جهات حكومية وإعلامية وإنتاجية، أبرزها وزارة الثقافة، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للإعلام، والمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، إلى جانب عدد من شركات الإنتاج الخاصة وخبراء مستقلين.
سألنا المكتب الإعلامي في وزارة الثقافة المصرية عن هذه اللجنة فأوضح أنه لا تشكيل رسمي بعد لها، ولا شيء في جعبتهم للحديث عنه بعد حول هذه اللجنة غير ما ورد على لسان رئيس الحكومة.
في المسار ذاته، أعاد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تفعيل لجنة الدراما التابعة له، وأسند رئاستها للناقدة ماجدة موريس. هذه اللجنة تُعنى برصد ومتابعة الأعمال الدرامية بعد عرضها، مع ضبط الأداء المهني وفق السياسات المعتمدة من المجلس، وتقديم توصيات إلى صناع القرار دون التدخل في عملية الإنتاج أو منح التصاريح المسبقة.
أما المجلس القومي لحقوق الإنسان، فواصل العمل عبر لجنة درامية مستقلة يرأسها الناقد طارق الشناوي، تتابع الإنتاج الدرامي من زاوية حقوقية وثقافية، مركزة على صورة الإنسان في الدراما المصرية والقضايا المرتبطة بالكرامة الإنسانية.
هذا التداخل بين اللجان أثار تساؤلات حول طبيعة التنسيق بينها، خاصة في ظل اختلاف المهام والمرجعيات. وفي مقابلة مع بي بي سي عربي، أوضح زين العابدين شبلي، عضو لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن اللجنة التي ينتمي إليها "تلتزم بمهام محددة تشمل رصد ومتابعة الأعمال بعد العرض، وضبط الأداء المهني وفقاً للتعليمات الصادرة عن المجلس، مع رفع توصيات إلى صناع القرار"، مؤكداً أن اللجنة ليست جهة رقابية سابقة على الإنتاج أو التصوير.
وفي مقابل هذه اللجنة ذات الطابع التنظيمي، يرى شبلي أن اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء تمثل جهة تخطيط أوسع نطاقاً، تعمل على رسم ملامح مستقبلية لصناعة الدراما المصرية. ويشير إلى أن لجاناً أخرى، كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للإعلام، تتناول المشهد الدرامي من زوايا مهنية وثقافية وحقوقية متنوعة.
ويعلّق شبلي على المشهد بالقول إن "وجود لجان متعددة ليس بالأمر المستجد في مصر"، لكنه يعترف بأن "تزامن هذه المبادرات قد يربك المشهد لدى المتابعين". رغم ذلك، يضيف أن "وجود منصات نقاش متعددة قد يكون مفيداً، شريطة ألا تؤدي إلى تضييق على حرية الإبداع".
الرقابة: ما هو "المقبول"؟
الرقابة على الدراما في مصر لا تقتصر على اللجان المشكلة حديثاً. فالأعمال الفنية تمر عبر جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهو جهاز حكومي مخوّل بمنح الموافقات على ما يُعرض من مسلسلات وأفلام.
يشرح شبلي أن نظام الرقابة يمر بمرحلتين: الأولى تتعلق بمراجعة النصوص قبل التصوير، والثانية تتم بعد الانتهاء من التصوير والمونتاج. لكنه يلفت إلى أن هذا النظام "لم يُطبق بالشكل الأمثل هذا العام"، مشيراً إلى وجود فجوات في المتابعة والتقييم.
أما ما يُعد مقبولاً أو غير مقبول في الدراما، فهو برأيه أمر نسبي، يعكس تعدد القيم داخل المجتمع المصري، حيث تختلف المعايير بين بيئة وأخرى. لكنه يشير إلى وجود "خطوط حمراء يتفق عليها الجميع، مثل رفض العنف والتحريض والكراهية وازدراء الأديان".
ويضيف أن اللجنة التي ينتمي إليها تؤدي دورها بعد العرض، من خلال تقديم تقارير وتوصيات، لا تقتصر على الانتقاد، بل قد تتضمن إشادة بأعمال جيدة أيضاً. ويوضح أن الهدف ليس الحذف أو المنع، بل المساهمة في تحسين الأداء المهني ومراعاة المعايير دون المساس بحرية الإبداع.
instagram
في ملامح هذه الرؤية المرتقبة، شدد مدبولي على أن الهدف "هو تطوير رؤية علمية وموضوعية للدراما المصرية"، مؤكداً أن هذا التوجه الجديد "لن يحدّ بأي شكل من الأشكال من الإبداع وحرية الفكر"، بل يستهدف الوصول إلى "دراما تعكس الواقع المصري، وتعكس الهوية الثقافية للمجتمع المصري، وتعلي من الشعور بالانتماء الوطني".
دون شرح أو توضيح المقصود بالهوية الثقافيّة، وكأن الدولة تفترض أن هذه الهوية واضحة في عقول المصريين.
من جهة أخرى، يقف طارق الشناوي، رئيس لجنة الدراما بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، على الضفة المقابلة لهذا الحراك، متخذاً موقفاً ناقداً لتكرار فكرة اللجان كحل تنظيمي.
فمن وجهة نظره، ليست اللجان إلا امتداداً لمحاولات سابقة أثبتت فشلها في الارتقاء بجودة المحتوى، مشيراً إلى تجربة "الكود الأخلاقي" التي حاول المجلس الأعلى للإعلام فرضها قبل سنوات، لكنها قوبلت برفض واسع، حتى من رموز كبيرة كعادل إمام.
"الإبداع لا يُصنع في الغرف المغلقة أو عبر التوصيات الإدارية"، يقول الشناوي، مؤكداً أن الدراما لا تنمو إلا في مناخ يسمح بطرح قضايا المجتمع بشجاعة ودون خوف.
في الموسم الرمضاني الحالي، يرى الشناوي بارقة أمل في بعض الأعمال التي كسرت التابوهات وطرحت قضايا شائكة، مثل مسلسل "لام شمسية" الذي اقتحم ملف التحرش بالأطفال بجرأة.
هو لا يبحث عن دراما موجهة، بل عن إنتاجات راقية وجاذبة تلقى قبولاً شعبياً دون أن تكون مضطرة للتنازل عن قيمها، مؤكداً: "العملة الجيدة تطرد الرديئة"، وأن دعم الأعمال الجيدة هو السبيل الحقيقي نحو صناعة متوازنة ومؤثرة.
هذا الرأي يلاقي صدى لدى الناقدة ماجدة خيرالله، التي ترى أن تعدد اللجان وتضخمها ليس سوى طبقة إضافية من الوصاية على الفن والجمهور على حدّ سواء.
تقول بصراحة: "أنا ضد هذه المقاربة، الجمهور قال كلمته. لسنا بحاجة إلى مزيد من الوصاية. لدينا نحو 30 مسلسلاً هذا الموسم تقدم أداء رائعاً. لو كنت مواطناً عادياً ووجدت مسلسلاً مزعجاً، ببساطة أتركه وأشاهد عملاً جيداً. مشاهدة المسلسل الرديء هي ترويج له".
وترى خيرالله أن الخلل لا يعالج بتقارير مكتبية، بل بدعم الكتابة الراقية وفهم الجمهور: "المسألة لا تُحل بوضع لجان. هناك لجان وافقت أصلاً على هذه الأعمال، وهناك رقابة ومنصات اشترتها بعد أن شاهدتها. هذه اللجان أصبحت وصاية على حرية الإبداع. نحن نطالب بالمزيد من الإبداع، ولا إبداع يُنتَج في أجواء مخنوقة".
بين هذين الموقفين، تنتظر الأوساط الفنية والثقافية ما سيحمله مؤتمر "مستقبل الدراما في مصر"، محاولة لرسم ملامح الدور القادم للدراما المصرية، في ظل معركة مفتوحة بين من يتمسكون بالحرية كشرط أولي للإبداع، وآخرين يطالبون بإعادة صياغة الذوق العام عبر بوابات التنظيم والرقابة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من هو توم فليتشر الذي يقود مطالب الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى غزّة؟
من هو توم فليتشر الذي يقود مطالب الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى غزّة؟

شفق نيوز

timeمنذ 12 ساعات

  • شفق نيوز

من هو توم فليتشر الذي يقود مطالب الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى غزّة؟

قبل أيام، أطلّ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، على شاشة بي بي سي محذّراً من تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة. وقال في تصريحه الذي لاقى انتشاراً واسعاً: "هناك 14 ألف طفل سيموتون خلال الـ48 ساعة القادمة إذا لم نتمكن من الوصول إليهم". التصريح أثار موجة تفاعل واسعة، ولاحقاً أوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) أنّ الرقم لا يشير إلى وفيات محتملة خلال 48 ساعة، بل إلى عدد الأطفال المعرضين لسوء تغذية حادّ خلال عام كامل، استناداً إلى تقديرات شراكة تصنيف الأمن الغذائي المرحلي (IPC)، وهي مبادرة دولية تعنى بتحليل مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في الدول المتأثرة بالنزاعات والكوارث. واليوم، دخلت أول قافلة مساعدات إلى القطاع، مؤلفة من 87 شاحنة، بعد 82 يوماً من منع السلطات الإسرائيلية إدخال المساعدات، مبرّرة قرارها باتهام حركة حماس بالاستيلاء على الشحنات. فمن هو توم فليتشر، الذي أعادته أزمة غزّة إلى واجهة النقاش الإعلامي؟ هو دبلوماسي بريطاني، عمل مستشاراً للسياسة الخارجية في رئاسة الحكومة البريطانية، وسفيراً لدى لبنان بين عامي 2011 و2015. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، عُيّن وكيلاً للأمين العام ومنسقاً للإغاثة في حالات الطوارئ، خلفاً لمارتن غريفيث. ووفق بيان التعيين، خدم فلتشر خلال مسيرته في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. يجمع بين العمل الدبلوماسي والأكاديمي، وشغل منذ عام 2020 منصب عميد كلية هيرتفورد في جامعة أوكسفورد. كما عمل إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون على قضايا تعليم اللاجئين، ودرّس في جامعة نيويورك والأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية. وقبل عمله في لبنان، شغل فليتشر مناصب في بعثات دبلوماسية في نيروبي وباريس، وكان سكرتيراً خاصاً لوزراء الخارجية في الحكومة البريطانية. فليتشر المولود في عام 1975، يحمل إجازة وماجستير في التاريخ الحديث من جامعة أوكسفورد (1998). يتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية، ويملك معرفة عملية جيدة بالعربية والسواحيلية. وقد اشتهر بلقب "الدبلوماسي العاري"، وهو عنوان كتابه عن تجربته في لبنان. ووصفته صحيفة "عرب نيوز" بأنه "مناهض للدبلوماسية"، في إشارة إلى كسره للأعراف التقليدية. من أبرز مبادراته الرمزية في بيروت، ارتداؤه زيّ عاملة مهاجرة إثيوبية تدعى كالكيدان، وتبادله المهام معها ليوم واحد لتسليط الضوء على أوضاع العاملات الأجنبيات. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نشر رسالة بعنوان "عزيزي لبنان" بمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس الدولة، قال فيها: "تتحمّلون المشقّات كأنها اعتياد، لكنكم نادراً ما تواجهون أسبابها. تستثمرون في تعليم الشباب، لكنهم يشعرون بأن لا صوت لهم. لطالما كنتم منارة لحقوق المرأة، لكن تمثيلها النيابي لا يعكس ذلك". وختم برسالة واضحة: "ابدأوا بتجاهل النصائح، بما في ذلك نصيحتي. هذا بلدكم". في يوليو/تموز من العام نفسه، كتب رسالة وداعية بعنوان "يلا باي" لخّص فيها مشاهداته في لبنان، وجاء فيها: "رصاص وبوتوكس، ديكتاتوريون ومطربات، أمراء حرب وواسطة، أسلحة وجشع وإيمان، حقوق الإنسان وحقوق الحمص..." وتابع: "السياسة عندكم مضنية، ليست فقط للسفراء بل لكل المواطنين. بعض الأوليغارشيين يوافقون على التغيير، لكنهم يعجزون عن تنفيذه، ويفاقمون التعقيدات عبر نظريات المؤامرة والمكائد". وأشار إلى أن بريطانيا قدّمت خلال فترة عمله دعماً مالياً وعسكرياً، وساهمت في مشاريع تعليمية وتجارية، مضيفاً: "حتى إننا ساعدنا وليد جنبلاط على الانضمام إلى تويتر". وفي ختام مهمته، كرّمه النائب وليد جنبلاط في قصر المختارة قائلاً: "بعد وصفك الأورويلي للبنان وحكّامه الأوليغارشيين، وأنا أحدهم، لا أزال قادراً على التغريد... بفضلك". بعد بعد خروجه من السلك الدبلوماسي، ألّف فلتشر عدة كتب، من بينها "الدبلوماسي العاري: فهم القوة والدبلوماسية في العصر الرقمي" (2016)، و"عشر مهارات للبقاء في عالم متغير" (2022)، إلى جانب روايتين سياسيتين: "السفير" (2022) و"القاتل" (2024). كما أسّس في عام 2018 مبادرة "مؤسسة الفرصة" (Foundation for Opportunity) لدعم الشباب وتمكينهم. وفي عام 2023، قدّم سلسلة وثائقية عبر بي بي سي بعنوان "المعركة من أجل الديمقراطية الليبرالية"، تناولت التحديات التي تواجه الأنظمة الديمقراطية حول العالم. في أبريل/نيسان 2024، شارك فليتشر مع دبلوماسيين بريطانيين سابقين في تقرير انتقد بنية وزارة الخارجية البريطانية، واعتبرها نخبوية وعاجزة عن مواكبة التحديات، داعيًا إلى إعادة هيكلتها وتنظيمها.

بسبب منشور يحمل "إشارات معادية للسامية"، مقدم البرامج الرياضية غاري لينيكر يغادر بي بي سي
بسبب منشور يحمل "إشارات معادية للسامية"، مقدم البرامج الرياضية غاري لينيكر يغادر بي بي سي

شفق نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • شفق نيوز

بسبب منشور يحمل "إشارات معادية للسامية"، مقدم البرامج الرياضية غاري لينيكر يغادر بي بي سي

أكّدت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق، غاري لينيكر سيغادر منصبه في الهيئة كمقدم برامج رياضية، بعد نهاية برنامجه "مباراة اليوم" للموسم الكروي الجاري 2024/2025. وأشارت بي بي سي إلى أن لينيكر لن يكون جزءاً من تغطيتها لكأس العالم 2026، والموسم المقبل من كأس الاتحاد الإنجليزي. وتأتي مغادرة لينيكر على خلفية مشاركته منشوراً عبر منصة "إنستغرام" لمجموعة مؤيدة للفلسطينيين، يحتوي على مقطع فيديو يتحدث عن "الحركة الصهيونية". وتضمّن مقطع الفيديو رسماً لجرذ، وهو ما يرتبط تاريخياً بإهانات معادية للسامية، ويعكس لغة استخدمتها ألمانيا النازية للتعبير عن اليهود. وحذف لينيكر المنشور في وقت لاحق بعد تعرضه لانتقادات عديدة، وقدّم اعتذاراً عن مشاركته، قائلاً إنه "لم يكن ليشارك أبداً منشوراً معادياً للسامية بشكل متعمد"، وإنه حذف المنشور "بمجرد علمه بالمشكلة". وأضاف لينيكير أنه علم لاحقاً أن المنشور يحتوي على "إشارات مسيئة"، وأنه يشعر "بأسف شديد" تجاه هذه الإشارات. وقال المدير العام لبي بي سي، تيم ديفي، إن غاري أقرّ بالخطأ الذي ارتكبه، و"بناء على ذلك، اتفقنا على تنحّيه عن تقديم أي برامج بعد انتهاء الموسم الحالي". وقدّم ديفي إشادة بلينيكر، قائلاً إنه لطالما كان "صوتاً بارزاً في التغطية الكروية في بي بي سي على مدار عقدين من الزمن". وشارك لينيكر في العديد من التغطيات للأحداث الرياضية المتنوعة، وكان المقدّم الرئيسي لبرنامج "مباراة اليوم" الأسبوعي المختص بكرة القدم، منذ العام 1999، ويُعد المقدّم الأعلى أجراً في الهيئة. وفي نهاية عام 2024، أعلنت بي بي سي أن لينيكر لن يقدم البرنامج بعد انتهاء الموسم الحالي، لكنه سيغطي كأس العالم 2026، وكأس الاتحاد الإنجليزي، وهو ما تراجعت عنه اليوم بعد الإعلان عن رحيله. "ربما يريدون رحيلي" ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها لينيكر الجدل بسبب تصريحاته ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي عام 2023، قالت بي بي سي إنها أجرت "حواراً صريحاً" مع النجم الإنجليزي بسبب تغريدة انتقد فيها سياسية الحكومة البريطانية بشأن قضية اللجوء، مقارناً بين خطابها وخطاب الحكومة الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي فبراير/شباط 2025، وقع لينيكر، إلى جانب 500 شخصية بارزة، على رسالة مفتوحة يحث فيها بي بي سي، على إعادة عرض فيلم وثائقي عن غزة، أزالته بي بي سي عن خدمة "آي بلاير" بعد أن تم حذفه بعد تبين أن الراوي هو ابن مسؤول في حركة حماس. وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار الجاري، بدا لينيكر وكأنه ينتقد الرئيس الجديد لبي بي سي سبورت، أليكس كاي-جيلسكي، حين صرّح لصحيفة التلغراف، أنه "لا يمتلك أي خبرة تلفزيونية"، وحثّه على عدم إجراء أي تغييرات على برنامج "مباراة اليوم". وفي مقابلةٍ حديثة مع المذيع في بي بي سي أمول راجان، قال لينيكر إنه شعر برغبة بي بي سي في رحيله أثناء تفاوضه على عقدٍ جديد، العام الماضي. وبعد الإعلان عن انتهاء مسيرته مع بي بي سي، قال لينيكر إنه يقرّ بالخطأ وحالة الانزعاج التي سببها، مضيفاً أن "التنحي هو الإجراء المسؤول". وأعاد لينيكر التأكيد على أنه لم يكن ليعيد أبداً نشر شيء معادٍ للسامية بشكل متعمد، لأن ذلك "يتعارض مع كل ما يؤمن به". بدوره عبّر مدير بي بي سي سبورت، أليكس كاي جيلسكي، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، عن حزنه لوداع لينيكر، قائلاً: "إنه لأمرٌ محزن أن أودع مذيعاً لامعاً كهذا، وأود أيضاً أن أشكر غاري على سنوات خدمته". فيما كتبت كاتي رازال، محررة بي بي سي للشؤون الثقافية، أن رحيل لينيكر يمثل "نهاية مؤسفة" لمسيرة مهنية في بي بي سي. وامتدحت رازال النجم الإنجليزي، قائلة: "غاري لينيكر من بين أعلى المذيعين أجراً في الهيئة لسبب وجيه: هو يتمتع بشعبية كبيرة لدى الجمهور، وواسع الاطلاع، وبارع في عمله". لكن رازال أشارت إلى إن لينيكر بدا "غير قادر أو غير راغب" على تقبل حقيقة أن كونه شخصية بارزة قد يمنعه من إبداء آرائه التي يرى العديدون أنها أثّرت على "حاجة بي بي سي للحياد".

غزيّون يروون معاناتهم لبي بي سي: "أطفالنا ينامون على الجوع"
غزيّون يروون معاناتهم لبي بي سي: "أطفالنا ينامون على الجوع"

شفق نيوز

timeمنذ 5 أيام

  • شفق نيوز

غزيّون يروون معاناتهم لبي بي سي: "أطفالنا ينامون على الجوع"

عندما تجمعت الحشود في مكان توزيع الطعام، شمالي غزة، تسلل الطفل، البالغ من العمر ست سنوات، إسماعيل أبو عودة، إلى المقدمة، وصاح: أعطني قليلاً. ملأ صحنه بالعدس، ولكن سقط منه وسال ما فيه، فعاد إلى أهله في الخيمة، باكياً. لكنّ أحد أعمامه استطاع الحصول على بعض الطعام، فاقتسمه مع إسماعيل. في اليوم التالي، لم تصل شاحنات الماء ولا الطعام إلى مخيم النزوح، الذي يعيش فيه، في مدرسة بمدينة غزة. وبقي الناس، الذين تجمعوا هناك، بزجاجاتهم وصحونهم الفارغة، وبكى إسماعيل مرة أخرى. قضت بي بي سي اليومين الأخيرين تتحدث إلى الناس في غزة. بينما تُصعّد إسرائيل عملياتها العسكرية. وتواصل، لأكثر من 10 أسابيع، حصارا يمنع دخول الطعام والمعدات الطبية والمساعدات الأخرى إلى القطاع. وتتزايد تحذيرات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى من أن قطاع غزة على شفير المجاعة. فيما تصر إسرائيل على عدم وجود "ندرة في الطعام" في غزة، وتزعم أنّ "الأزمة سببها أن حماس تنهب وتبيع المساعدات". ويعتبر وزراء في الحكومة الإسرائيلية وقف المساعدات بأنها "وسيلة ضغط أساسية"، لضمان الانتصار على حماس والإفراج عن الرهائن كلهم. وهناك 58 رهينة حالياً في غزة، يُعتقدُ أنّ 23 منهم لا يزالون على قيد الحياة. Reuters ولا تسمح إسرائيل بدخول الصحفيين الدوليين بحرية إلى غزة، وعليه فإنّ التواصل كان بواسطة الهاتف وتطبيق واتساب، واعتماداً على متعاونين فلسطينيين، موثوق فيهم، يعيشون في القطاع. وقال الذين تحدثت معهم بي بي سي إنهم لا يجدون طعاماً حتى لوجبة واحدة في اليوم. ومنظمات الإغاثة بدأت تغلق نقاط التوزيع بسبب ندرة الأغذية. والأسواق لم يعد فيها إلا القليل من السلع، تباع بأسعار مضاعفة، ليست في متناولهم. ويقول أحد القائمين على محل لتوزيع الطعام، إنه يعمل "بما توفر كل يوم" من طعام وزيت. وقال آخر إن المحل، الذي كان متطوعاً فيه، أغلق بابه منذ 10 أيام، عندما نضبت المواد الغذائية، ووصف الوضع بأنه كارثي. وتقول امرأة عمرها 23 عاماً، في شمال غزة، إنّ "الدوخة أصبحت شعوراً دائماً" بين الناس. وكذلك "الضعف العام والتعب، بسبب نقص الطعام والدواء". BBC أدهم البتراوي عمره 31 عاماً، كان يعيش في مدينة الزهراء الراقية، قبل نزوحه إلى وسط مدينة غزة. قال إن الجوع "هو أصعب ما يعيشه يومياً". حدثنا كيف أنّ الناس "يبتكرون أشياء" من أجل البقاء على قيد الحياة. وشرح لنا عبر تطبيق واتساب كيف يُفرط في طبخ المعكرونة ويعجنها ليصنع منها خبزاً. وقال: "اخترعنا طرقا في الطهي والأكل، لم نكن نتصور أبداً أننا سنكون بحاجة إليها". وأضاف أنّ الوجبة الواحدة -في اليوم- التي يتناولها في الفترة الأخيرة "تساعده على البقاء حياً طوال اليوم، ولكنها لا تكفي ما يحتاجه من طاقة". وفي دير البلح، بوسط غزة، قالت الممرضة، رواء محسن، إنها تجد صعوبة في إطعام ابنتيها، البالغتين من العمر، 3 سنوات و19 شهراً. وقالت إنّها خزّنت الحفاظات أثناء وقف إطلاق النار، ولكنّ مخزونها سينفد خلال شهر واحد. تواصلنا معها الثلاثاء عبر واتساب، فقالت إنه ابنتيها تعودتا على صوت القنابل التي تدوي عبر الشقة. وكتبت تقول: "أحياناً أشعر بالخوف أكثر منهما"، مضيفة أنها تستعين بكتب التلوين واللعب لإلهائهما. وفي اليوم التالي وصلتنا منها رسالة صوتية تقول فيها إنّ أوامر الإخلاء صدرت في منطقتها، قبل أن تضرب الغارات الإسرائيلية إحدى البنايات المجاورة. وعندما عادت إلى بيتها لتنظيفه، وجدت أن النوافذ والأبواب نُسفت تماماّ. وقالت: "الحمد لله أنني مازلت على قيد الحياة مع البنتين".وعندما سألناها إن كانت ستبقى في الشقة، أجابت: "أين لي أن أذهب؟". Reuters ويتحدث الأطباء في غزة، عن تأثير الحصار على المستلزمات الطبية. ويقولون إنهم لا يشعرون بالأمان في العمل، خاصة بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على المستشفيات. وقالت الممرضة، رندة سعيد، إنّها كانت تعمل في المستشفى الأوروبي في خان يونس عندما تعرض لغارة إسرائيلية هذا الأسبوع. ووصفت تلك اللحظة بأنها "حالة من الهلع والعجز التام". ودأبت إسرائيل على اتهام حركة حماس باستعمال المستشفيات لتخزين الأسلحة. ولكنّ حماس تنفي ذلك. وتوقف المستشفى الأوروبي عن العمل بعد الغارة الإسرائيلية عليه. وتقول رندة إنّ العاملين والمرضى انتقلوا إلى مستشفى ناصر القريب. وقالت: "مرضانا أمهات وأبناء وبنات وإخوة لنا. إنهم مثلنا. نعرف تماماً، من صميم قلوبنا، أنّ مهمتنا لا ينبغي أن تتوقف، خاصة أنهم الآن في أمس الحاجة إلينا". وتحدّث عاملون في مستشفى ناصر ومستشفيات غزة الأخرى لبي بي سي عن تأثير الحصار على عملهم وكيف أنهم يعانون من ندرة المستلزمات الطبية البسيطة، مثل مسكنات الألم والضمادات، وأنّهم أضطروا إلى إغلاق بعض الأقسام. وأكدّت الولايات المتحدة أنه يجري إعداد نظام جديد لتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، عن طريق شركات خاصة. ويتوقع أن تتولى القوات الإسرائيلية تأمين محيط مراكز التوزيع. وانتقدت الأمم المتحدة هذه الخطة، قائلة إن ذلك يبدو كأنه استعمال للمساعدات "كسلاح" في الحرب. أما والد إسماعيل، فيقول إنه لم يعد قادراً على إطعام أطفاله الستة، ويضيف: "أطفالي ينامون على الجوع... أحياناً، أجلس وأبكي كالطفل الصغير، عندما لا أستطيع إطعامهم".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store