
خفايا وحدة "بيكي بلايندرز" القتالية الأوكرانية ومسيراتها المدمرة
تحولت مجموعة متطوعين، جمعهم شغف بالمسلسل التلفزيوني "بيكي بلايندرز" Peaky Blinders، إلى إحدى أكثر الوحدات العسكرية الأوكرانية هيبة في ميادين القتال – زاعمين أنهم قضوا على مئات الجنود الروس المشاركين في آلة الحرب التي أطلقها فلاديمير بوتين.
ففي بداية الغزو الروسي، هبت مجموعة من المدنيين للدفاع عن بلداتهم وقراهم، متسلحين فقط ببنادق صيد مثلما فعلت عصابة شيلبي في المسلسل التلفزيوني الشهير [نسبة إلى توماس شيلبي زعيم عصابة "[بيكي بلايندرز]. لكن بعد ثلاثة أعوام من القتال العنيف، تطورت الوحدة – التي أطلقت على نفسها اسم "بيكي بلايندرز" – لتصبح من بين أكثر فرق المسيرات فتكاً ضمن قوات كييف.
ويخوض عناصر الوحدة لعبة فتاكة من الكر والفر، فيطلقون مسيرات رخيصة ومصنعة بكميات كبيرة، ويستخدمونها لإلقاء القنابل على دبابات العدو وخنادقه، متفادين أي رد روسي في غابات دونيتسك شرق أوكرانيا. والحال أن هذه المنطقة هي مسرح لبعض من أعنف معارك الحرب.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما أسلحتهم التي يتحكمون بها عن بعد، فيصل ثمنها إلى 800 جنيه استرليني (نحو 1030 دولاراً أميركياً)، مع الإشارة إلى أن الوحدة تخسر بالمعدل ست مسيرات يومياً إن كانت الرياح عاتية.
ومن ثم، فإن نسبة 85 في المئة من الإصابات الروسية اليومية تسجَل في هذه المنطقة، في إطار محاولات قوات بوتين – المعروفة لدى عناصر الوحدة باسم قوات "أورك" Orcs [نسبة إلى أسماء المسوخ البشرية في مؤلفات جون تولكين]، للاستيلاء على مقاطعة دونيتسك ومقاطعة لوهانسك المجاورة لها.
ومن جهتها، اكتسبت الوحدة، وهي جزء من قوات "الحرس الوطني"، شهرة واسعة بعد أن دافعت بضراوة عن مدينة فوفتشانسك في مقاطعة خاركيف شرق أوكرانيا، التي تعرضت للدمار جراء القتال. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2024، توجهت عناصرها المذكورة ليدافعوا عن مدينة بوكروفسك في دونيتسك، نظراً لكونها هدفاً رئيساً لروسيا، التي أرسلت جحافل من الجنود ضمن محاولاتها للاستيلاء عليها.
وبعد أن قامت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) بتصوير أحد جنود وحدة "بيكي بلايندرز"، وقّع على قبعتين مميزتين من قبعات الوحدة، وطلب من المراسلين تسليمهما للممثل كيليان مورفي الذي جسد شخصية زعيم العصابة الخيالية توماس شيلبي.
5
وحدة "بيكي بلايندرز" القتالية الأوكرانية
وحدة "بيكي بلايندرز" القتالية الأوكرانية
1/5 تكبدت وحدة "بيكي بلايندرز" خسائر خلال الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات (فيسبوك)
تكبدت وحدة "بيكي بلايندرز" خسائر خلال الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات (فيسبوك) 2/5 جندي أوكراني يشعل سيجاراً لحظة إطلاقه لإحدى المسيرات (أ ب)
جندي أوكراني يشعل سيجاراً لحظة إطلاقه لإحدى المسيرات (أ ب) 3/5 أنطون سبيتسن (إلى اليسار)، وهو قائد وحدة "بيكي بلايندرز" وأحد مؤسسيها مع شقيقه أولكسندر (فيسبوك)
أنطون سبيتسن (إلى اليسار)، وهو قائد وحدة "بيكي بلايندرز" وأحد مؤسسيها مع شقيقه أولكسندر (فيسبوك) 4/5 يعتمد عناصر "بيكي بلايندرز" زياً يذكر بتوماس شيلبي وأعضاء عصابته الخيالية في بيرمنغهام، حيث كانوا يحملون بنادق صيد ويرتدون ثياباً مدنية عندما تأسست وحدتهم (بي بي سي)
يعتمد عناصر "بيكي بلايندرز" زياً يذكر بتوماس شيلبي وأعضاء عصابته الخيالية في بيرمنغهام، حيث كانوا يحملون بنادق صيد ويرتدون ثياباً مدنية عندما تأسست وحدتهم (بي بي سي)
5/5 وحدة "بيكي بلايندرز" خلال الشتاء في شرقي أوكرانيا (فيسبوك)
وتشير التقارير إلى أن الممثل الفائز بجائزة أوسكار شعر بالتقدير والامتنان، فاحتفظ بإحدى القبعتين، ووقع على الأخرى وأعاد إرسالها إلى جنود الجبهة مع رسالة دعم لقضيتهم.
أما مخرج المسلسل، ستيفن نايت، فلم يتوان عن القيام بمبادرة إضافية، حيث أرسل 30 قبعة مسطحة أخرى من تصميم "غاريسون تايلرز"– المصمم الرسمي لأزياء المسلسل - إلى مجموعة المتطوعين الذين كانوا في الأساس غير محترفين.
ولا يزال عناصر الوحدة، بالقسم الأكبر منهم، يعتمرون تلك القبعات المسطحة حتى أثناء القتال، وقد طُرز على كل منها شعارهم الخاص: "فلنعثر عليهم وندمرهم".
وفي حديث مع قناة "أي بي سي" ABC، صرح أنطون سبيتسن وهو قائد الوحدة وأحد مؤسسيها قائلاً: "بدأ الأمر كدعابة، لكننا تطورنا لاحقاً إلى وحدة قتالية فاعلة، وبدأنا بتجنيد أعضاء فيها".
وتابع "جميع أعضاء الوحدة من المتطوعين، وليس لدينا أي جنود احترافيين"، مضيفاً "لقد سبق أن أثبتنا قدرتنا على الدفاع الفاعل عن أراضينا، سواء كنا معماريين أو مزارعين أو موسيقيين".
وفي سياق مواز، كان أنطون، المولود في مقاطعة خاركيف، يعمل قبل الغزو كمعلم يقدم دروساً مجانية في اللغة الإنكليزية للأوكرانيين اليتامى. وبفضل شركته في مجال البناء، تمكن من ترميم مستشفى للأطفال متخصص في علاج الأمراض العصبية، ممولاً ذلك من جيبه الخاص.
بيد أن أنطون لقي حتفه إثر إصابة قاتلة تعرض لها في ميدان المعركة، وقد نعاه شقيقه الأصغر أولكسندر في مطلع فبراير (شباط). وقد خلف أولكسندر شقيقه أنطون في قيادة الوحدة، التي قطعت عهداً بالثأر من بوتين.
وقال أولكسندر في رثاء شقيقه "اليوم بالنسبة إليّ هو الأكثر سواداً، والأصعب في حياتي. فاليوم، رحل شقيقي، أقرب الأشخاص إلي وأعزهم. فكم يصعب عليّ الكتابة عن حياة أنطون وتذكرها. لكنه عاش بطلاً، ومات بطلاً".
وأضاف "في خضم المعركة، تعرض لإصابة بالغة سلبت نبض حياته، فارتقى إلى جنات الخلود، ورحل إلى الأبد. ارقد بسلام يا شقيقي".
أما ياروسلاف تشيجنكو، أحد جنود الوحدة، فكان قبل الغزو رب عائلة يدير شركته الخاص المتخصصة في ترميم المباني وتجديدها.
لكن عندما قرر رفاقه التطوع وطلبوا مساعدته، شرع في تجميع الأموال وتأمين الآليات الضرورية للجبهة الأمامية، قبل أن يدرك أنه سيحقق منفعة أسمى لبلاده لو انضم إليهم في الحرب.
واليوم، يتولى تقديم محتوى إعلامي عن الوحدة، وينشر صوراً عن أعضاء الفريق وهم يحملون الرشاشات ويعتمرون تلك القبعات المسطحة التي باتت بمثابة رمز لهويتهم.
وصرح قائلاً: "لقد كان أنطون أشجع الأشخاص الذين عرفتهم في حياتي. فكان قدوة لنا، ونحن تبعناه بلا تردد. وسلكنا معاً طريقاً محفوفاً بالأخطار".
وأكمل "لكنها ليس النهاية. فنحن سنواصل مسيرته ونحافظ على المعايير الرفيعة التي وضعها. رحمك الله يا أخي".
وورد على قناة "تيليغرام" التابعة للوحدة القتالية: "لسوء الحظ، شهدت مجموعتنا حادثة مأسوية. ولهذا السبب، بقيت قناتنا متوقفة لبعض الوقت. بيد أن أحداً لم يوقف الحرب. ولولا الصعوبات التي اعترضتنا، لواصلنا تقدمنا. فعدد المحتلين لا يزال كبيراً ويجب اتخاذ تدابير حاسمة لردعهم".
في هذا السياق، جاء في أحدث منشور على قناة وحدة "بيكي بلايندرز" عبر "تيليغرام"، التي يتابعها 25 ألف شخص: "يتضح الآن أن الوضع ليس قاتماً تماماً من جانبنا، ولا مشرقاً بالكامل من جانبهم".
وتابع المنشور "عاجلاً أم آجلاً، سينضب بارود المدافع، وتنفد الذخائر التي تعود إلى عهد الاتحاد السوفياتي، على رغم ما يقال عن كونها 'لا متناهية'. لكن الأهم هو أن نبقى ثابتين على موقفنا وأن نضرب بقوة أكبر في كل مرة".
وختم المنشور "وبهذه البساطة، تتناثر جثث الجنود الروس في كل زاوية وفي كل اتجاه. وبالنظر إلى مجرى الأحداث من زاوية أوسع، يكفي أن تروا الثمن الذي يدفعونه [أي الروس] مقابل تقدمهم على الجبهة".
وتأتي هذه التصريحات في وقت يحذر المسؤولون الأوكرانيون البارزون من أن جيوش أوروبا ليست مجهزة لشن حرب جديدة بقيادة الروبوتات، وسط تقدم روسيا المستمر، و"بسرعة صاروخية"، في مجال التكنولوجيا العسكرية.
وفي حديث مع "اندبندنت"، قال أولكسندر بروكودين، محافظ منطقة خيرسون الأوكرانية الواقعة على الجبهة الأمامية "لا بد أن يستعد كل جيش في أوروبا لهذه الحرب الجديدة. ومع أن كلامي قد يبدو وقحاً، لكنه ما من جيوش مستعدة لما هو قادم، ولهذه النوعية من الحروب، لا في أوروبا ولا في المملكة المتحدة. ومن ثم، فهي حرب بين الروبوتات، والآلات، والطائرات المسيرة. وليست أبداً حرباً من النوع الذي اعتاد عليه الناس".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
موسكو قالت إنه "ليس من مصلحة أحد المماطلة" في مباحثات السلام مع أوكرانيا.. غداة اتهام من زيلينسكي لها بـ"العمل على كسب الوقت"
نفى الكرملين، اليوم الأربعاء، أن يكون يماطل في المباحثات الهادفة إلى تسوية النزاع في أوكرانيا فيما ينبغي على موسكو وكييف عرض شروطهما للتوصل إلى وقف لإطلاق النار على خلفية جهود دبلوماسية برعاية واشنطن. وقال دميتري بيسكوف، الناطق باسم الرئاسة الروسية، رداً على سؤال: "ليس من مصلحة أحد المماطلة في هذه العملية. الجميع يعمل بشكل نشط". وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد اتهم روسيا، أمس الثلاثاء، بالعمل على "كسب الوقت" لمواصلة الحرب. وكتب زيلينسكي عبر منصات التواصل الاجتماعي: "من الواضح أن روسيا تحاول كسب الوقت بهدف مواصلة حربها واحتلالها"، بحسب تعبيره. من جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، أنه يتوقع أن تعرض روسيا "خلال أيام" شروطها لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا، معتبراً أن هذه الخطوة ستسمح لواشنطن بتقييم مدى جدية موسكو في سعيها للسلام. العرب والعالم روسيا و أوكرانيا بوتين من كورسك: الجيش الأوكراني ما زال يحاول اختراق الحدود الروسية وقال روبيو، خلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ، إنه "في وقت ما، قريباً جداً، ربما خلال بضعة أيام، ربما هذا الأسبوع، سيقدّم الجانب الروسي الشروط التي يريدها أن تتحقّق" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وأضاف أن توقّعه هذا مرده إلى المكالمة الهاتفية التي أجراها يوم الاثنين الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك أيضاً إلى المحادثة التي أجراها هو شخصياً خلال عطلة نهاية الأسبوع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وأوضح الوزير الأميركي أن الروس سيعرضون "شروطاً عامة فحسب تمكننا من التقدّم نحو وقف لإطلاق النار، وهذا الوقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح لنا بعد ذلك بالدخول في مفاوضات مفصّلة لإنهاء النزاع". وأضاف "نأمل أن يحدث هذا الأمر. نعتقد أن ورقة الشروط التي سيطرحها الروس ستخبرنا بالكثير عن نواياهم الحقيقية". وكان ترامب قال في أعقاب مكالمته مع بوتين، إن روسيا وأوكرانيا مستعدتان لبدء مفاوضات "فورية" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينهما، لكن نظيره الروسي كان أكثر حذراً إذ قال إن موسكو ستقترح "مذكرة" بشأن اتفاق سلام مستقبلي محتمل.


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
تصاعد التحايل الضريبي في بريطانيا والأثرياء في المقدمة
تطلب تدخل هيئة مراقبة الإنفاق الحكومي لإبراز ظاهرة مشتبه في حصولها منذ زمن بعيد: مزاعم الحكومة في شأن التصدي للتحايل الضريبي بعيدة كل البعد من الواقع. إذا استمع المرء إلى الحكومة – ليس فقط حكومة "العمال"، بل حتى حكومات "المحافظين" خلال الأعوام الأخيرة – قد يعتقد بأن بريطانيا باتت دولة أصبح فيها إخفاء الثروات عن أعين هيئة الإيرادات والجمارك الملكية من الماضي. وقالت رايتشل ريفز في خطابها خلال مؤتمر حزبها في سبتمبر (أيلول) عام 2024: "سنتصدى للتحايل والتهرب الضريبيين". وكررت الأمر نفسه في موازنتها الربيعية، إذ أعلنت أن وزارة المالية ستواجه "الاحتيال الذي يمارسه الأغنياء، والاحتيال الذي تسهله الشركات الكبرى، والاحتيال الذي يمارسه الأفراد والشركات بما يتيح لأفراد آخرين وشركات أخرى إخفاء أموال في الخارج". أما جيريمي هانت، وزير المالية "المحافظ السابق"، فقال عام 2023: "نحن ضد أنواع الاحتيال والتهرب الضريبيين كلها، وسنواصل العمل بجد لتقليص الفجوة الضريبية". وللإنصاف، يستطيع أي شخص أن يختار أي وزير مالية في الحكومات أو وزير مالية في حكومات الظل خلال العقود الأخيرة من الزمن، وسيجد خطاباً يندد ببرامج التحايل الضريبي، ويرفق ذلك بتعهد حاسم بإنهائها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تحذر هيئة التدقيق الوطني ضمن تقرير لها من أن الفجوة الضريبية – أي الفارق بين ما تعتقد هيئة الإيرادات والجمارك الملكية بأنه ضرائب مستحقة وبين ما تجمعه فعلياً – قد ازدادت، مما "يثير احتمال أن يكون مستوى عدم الامتثال بين الأثرياء أكبر مما كان يُعتقَد". وظهر ذلك جلياً من خلال تراجع حجم الغرامات المفروضة على الأثرياء – أي الأشخاص الذين يتقاضون أكثر من 200 ألف جنيه استرليني سنوياً (268 ألف دولار تقريباً) أو يملكون أصولاً تزيد على مليوني جنيه – من 2153 إشعاراً بغرامات بلغت قيمتها 16.2 مليون جنيه في 2018-2019 إلى 456 إشعاراً بقيمة 5.8 مليون جنيه في 2023-2024. وهذا خلال فترة ارتفع فيها عدد الأثرياء في المملكة المتحدة من 700 ألف شخص في 2018-2019 إلى 850 ألفاً في 2023-2024. وتبرز قائمة الأغنياء التي أصدرتها صحيفة "صنداي تايمز" خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة كيف أن الأغنياء يزدادون ثراءً بصورة لافتة عاماً بعد عام. وأعلنت ريفز في أول موازنة لها عن زيادات ضريبية تستهدف الأثرياء، بما في ذلك تقليص الامتيازات التي يتمتع بها الأشخاص غير المقيمين ضريبياً وزيادة ضريبة الأرباح الرأسمالية وفرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة. كذلك وضعت نصب عينيها مخصصات وقود الشتاء وغيرت قواعد ضريبة الميراث الخاصة بالمزارعين ورفعت قيمة مساهمات أصحاب الأعمال في التأمين الوطني. وعلى رغم أن بعض هذه الإجراءات دخل حيز التنفيذ وسيكون له أثر واضح، تظهر نتائج تقرير الهيئة الوطنية للتدقيق أن لدى الأثرياء وسائل للتهرب مما استهدفهم من هذه الإجراءات. وهذا لا يشمل الأشخاص غير المقيمين ضريبياً المعرّفين قانونياً بوضوح والذين يطبق عليهم القانون الخاص بهم عبر آلية بسيطة. وتمثل رد فعل عدد كبير منهم في مغادرة المملكة المتحدة إلى بلدان أخرى ترحب بهم وباستثماراتهم وبالوظائف التي يولدونها. وفي هذا المجال، كشفت ريفز عن قصر نظر شديد. ولا تتعلق المسألة بهؤلاء، بل بفشل السياسيين المتكرر في التصدي للتهرب الضريبي في مجالات ذات صلة محلية أكبر. كثيراً ما يتحدثون، لكن أداءهم في السلطة مخزٍ. ولسوء الحظ، لا يمكن قول الشيء نفسه عن إجراءات ريفز السريعة مثل خفض مخصصات وقود الشتاء وغيرها – فالفقراء يستهدفون بسهولة ولا يملكون سبلاً للتهرب. ومن المرجح أن نشهد تكراراً لذلك في موازنة ريفز المقبلة، المقرر صدورها خلال الخريف، إذ إن التمهيد لها بدأ فعلياً، مع تكاثر المؤشرات إلى ضرورة توفير أموال إضافية لتمويل الخدمات العامة وتعزيز الإنفاق الدفاعي. والرسالة واضحة مع دخولنا الصيف: استعدوا لزيادات ضريبية إضافية. وإلى جانب امتلاك وسائل التهرب الضريبي، يملك الأثرياء الموارد. ولا يتطلب قياس حجم القطاع البريطاني المكرس للتحايل الضريبي (التهرب الضريبي غير قانوني وبالنتيجة لا يمارس بالجرأة نفسها) دراسات معمقة أو أكثر من بضع دقائق. وثمة مستشارون كثر، جميعهم مستعدون لتقديم ما يُعرَف بتعبير مثير هو "الكفاءة الضريبية" مقابل أجر. أما أولئك الذين يملكون أكبر الأرصدة النقدية، فيمكنهم الاستفادة من صناديق ائتمان معقدة لا يمكن اختراقها، أنشئت لهم في جزر القنال وآيل أوف مان وفي أماكن أبعد مثل جبل طارق وجزر كايمان وجزر فيرجن البريطانية. والمفارقة الغريبة، بالنظر إلى الوعود الطنانة المتكررة في شأن شن حملات ضريبية جديدة على أثرياء المملكة المتحدة، أن هذه الأماكن كلها التي تفتخر الشركات البريطانية بوجود مكاتب وروابط لها فيها، هي تحت حماية المملكة المتحدة. ولم تتخذ أية خطوة ذات مغزى للحد من استغلال مناطق الـ"أوفشور" هذه. وهي، إلى جانب السياحة، مصدر دخل وفير. ووفق وزارة الخارجية التي تشرف على هذه المناطق، من الأفضل أن تستمر هذه الممارسة بدلاً من أن تعاني هذه المناطق وتلجأ إلى لندن طلباً للمساعدة المالية والرعائية. وفي موازنتها، خصصت ريفز تمويلاً إضافياً لهيئة الإيرادات والجمارك الملكية، يشمل تحديداً مكافحة التهرب الضريبي في الخارج (أوفشور). لكن هيئة التدقيق الوطني حضت الحكومة ضمن تقريرها على مضاعفة جهودها لتحصيل الأموال المستحقة للخزانة العامة. وتخلص الهيئة إلى أن مليارات من الجنيهات تترك من دون تحصيل سنوياً. المطلوب اتخاذ خطوات إضافية لضمان أن يدفع الأثرياء نصيبهم المنصف، بيد أن ذلك لم يمنع متحدثاً باسم هيئة الإيرادات والجمارك الملكية من التعليق على تقرير الهيئة بلهجة ملؤها الإصرار: "من واجبنا أن نضمن أن يدفع الجميع الضريبة المستحقة بموجب القانون، بغض النظر عن ثروتهم أو مكانتهم. تنفذ الحكومة أكبر خطة طموحة على الإطلاق لسد الفجوة الضريبية وتحقيق 7.5 مليار جنيه إضافية لمصلحة الخدمات العامة سنوياً بحلول عام 2029-2030". هل يمكننا أن ننتظر من هيئة التدقيق الوطني أن تمارس عملها الرقابي في المستقبل وتشعر بالرضا إزاء النتيجة؟ لا تعولوا على ذلك.


الشرق الأوسط
منذ 11 ساعات
- الشرق الأوسط
بياع الخواتم
مساء الاثنين الماضي، موعد نشرات الأخبار الرئيسة في كل مكان، ذَهلَ المذيعات وهنَّ يقدمنَ للمشاهدين، الذين سوف يذهلون بدورهم، نبأ غير متوقع: الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلن أن التفاوض حول نهاية الحرب الروسية–الأوكرانية، سوف يبدأ فوراً. شيء شبيه بإعلان الاتفاق على التفاوض حول هدنة الحرب العالمية. قطار ترمب السريع يتوقف فجأة عند أخطر نزاع عسكري يمزق أوروبا منذ ثلاث سنوات. ومهندس (قائد) القطار هو الرجل الذي كان يقول قبل أشهر وسط العجب، والتعجب، إنه عندما ينصرف إلى المسألة، فسوف يحلها في 24 ساعة. الحقيقة أن الرجل قدم نفسه لنا بوصفه صانع عجائب، وليس بوصفه صانع سلام. إنه شخص متخيَّل مثل «بياع الخواتم» في المسرحية الرحبانية. وسوف ترون. ولكن هل الوقت وقت عجائب، والكرة من تحت هذا العالم لا تعرف في أي اتجاه تدور؟ لا يوجد شيء بعيد، أو مستبعد عند «الرئيس الطائر». وعندما تهبط الطائرة الرئاسية، وتطفئ محركاتها، لكي تكون على استعداد للإقلاع الفوري في الرحلة التالية، بعد الإعلان عن نبأ التفاوض بين موسكو وكييف بساعة، كان البيت الأبيض يبلغ رؤساء أوروبا بالأمر. سوف يكون هذا شيئاً تاريخياً مثل تلك المؤتمرات التي أعطت أسماءها سلام العالم. وعلى الذين شككوا في جديّة الرجل أن يسارعوا إلى الاعتذار بطريقة ما. لا يكف عن العمل، ولا يكف عن التحدث، ولا يكف عن السفر، ولا يكف عن الوعد بحل القضية التالية... هذا لا يعني أن كل شيء قد انتهى، لكن بالتأكيد، كل شيء قد بدأ. والمسائل ليست بهذه السهولة الرومانسية، لكن الحلول خلال 24 ساعة أصبحت على الطاولة. القول إن حل النزاع الأوكراني-الروسي ممكن خلال 24 ساعة يعارض كل منطق. ولذلك، سوف يصر عليه.