
في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيل
على وقع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تنطلق بتوقيت ليلي لقصف تل أبيب، جلس السفير الأميركي في إسرائيل والقس والواعظ السابق مايك هاكابي من أجل كتابة رسالة ملحمية إلى الرئيس دونالد ترمب، محرضًا إياه على التدخل في الحرب الإسرائيلية على إيران.
"السيد الرئيس، لقد نجاك الله [من محاولة الاغتيال] في بتلر، بنسلفانيا، لتكون أكثر رئيس تأثيرا خلال قرن، وربما في التاريخ كله. القرارات التي تقع على عاتقك لا أود أن يتخذها أي شخص آخر".
وبنبرة وعظيّة مكثفة أضاف "هناك أصوات عديدة تتحدث إليك يا سيدي، لكن هناك صوت واحد فقط يهم: صوته هو (الرب)".
بحسب هاكابي الذي لا يرى العالم إلى من فوق منبر كنيسته المعمدانية، لم تكن هذه المرة الأولى التي تنقذ فيها العناية الإلهية رجال السياسة الأميركيين.
وفي كتابه "الثلاث "سي أس C's" التي جعلت أميركا عظيمة: المسيحية، الرأسمالية والدستور" (THE THREE C's THAT MADE AMERICA GREAT: CHRISTIANITY, CAPITALISM AND THE CONSTITUTION)، قدم رواية دينية لقيام الولايات المتحدة الأميركية.
يروي هاكابي أحداث الثورة الأميركية كانعكاس لتدخل إلهي مباشر تغير فيه مجرى التاريخ بسبب تسخير الطقس لرجال مؤمنين يريدون إعلاء سلطان الله في الأرض.
ففي مارس/آذار 1776، حين نصب الثوار مدافعهم على تلال دورشيستر خلال حصار بوسطن، قرر البريطانيون شن هجوم ليلي لإزالتها، لكن عاصفة ثلجية مفاجئة أفشلت الهجوم، وقرر الجنرال ويليام هاو الانسحاب الكامل، في أول نصر إستراتيجي للثوار دون قتال.
وفي أغسطس/آب من العام نفسه، وبعد الهزيمة في معركة بروكلين هايتس، وجد جورج واشنطن نفسه محاصرًا على ضفاف نهر إيست، لكن ضبابًا كثيفا نزل ليلًا أتاح لجيشه الانسحاب الآمن عبر القوارب دون أن يكتشفه البريطانيون.
ثم في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، حين عبر واشنطن نهر ديلاوير لمهاجمة خصومه في ترينتون، شهد جنوده عاصفة ثلجية ورياحًا عاتية كانت تضرب وجه العدو، وأسهمت في إرباكهم وتحقيق نصر خاطف وأسر مئات الجنود. يروي هاكابي هذه الوقائع كعلامات تأييد إلهي لا لبس فيه، مؤمنًا بأن السماء نفسها انحازت لمولد أميركا.
الإنجيليون لإسرائيل: "حلبٌ قصدنا وأنت السبيل"
بالنسبة لأول سفير إنجيلي أميركي لإسرائيل، لا يُعدّ دعم إسرائيل خيارًا سياسيا فحسب، بل التزامًا دينيا ينبع من النص المقدس. ففي تفسيره لوعد الله لإبراهيم في سفر التكوين "أبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه" (تكوين 12:3)، قال هاكابي لمقدم البودكاست والناشط تشارلي كيرك "دون تقديم أي اعتذار، أؤمن أن من يبارك إسرائيل سيُبارك، ومن يلعنها سيُلعن. وأريد أن أكون من المُباركين".
وفي خطاب ألقاه من القدس عام 2017، قدم هاكابي المطّلع على الخلاف اللاهوتي بين عقيدته المسيحية الصهيونية جملةً توضح عمق ما يؤمن به "يمكنك أن تكون يهوديا ولا علاقة لك بالمسيحية، ولكن لا يمكنك أن تكون مسيحيًّا دون أن يكون لك علاقة وثيقة باليهودية".
هذه العقيدة تُشكّل قطب الرحى في لاهوت هاكابي الإنجيلي، وتُبرز أهمية وجود دولة إسرائيل الحديثة، وضرورة استعادتها ليهودا والسامرة (الضفة الغربية) لتحقيق نبوءات غيبية، لا مجرد حدث جيوسياسي عابر.
بالنسبة للكنيسة المعمدانية الإنجيلية التي ينتمي إليها هاكابي، لا تمثل إسرائيل مجرد دولة على الخريطة، بل محطة نبوءة رئيسية يقف فيها المؤمنون بعصمة الكتاب المقدس انتظارًا للقطار الذي يحمل عودة يسوع المسيح، والمحطة القادمة ستكون نهاية العالم!
يرى الإنجيليون قيام الدولة العبرية عام 1948 تجسيدًا لنصوص نبوئية من العهد القديم، أبرزها ما ورد في سفر حزقيال (الإصحاح 37) وكتاب دانيال، إذ تشير هذه الكتب إلى عودة اليهود إلى "أرض الموعد" كعلامة كبرى على اقتراب قيام الساعة.
ينازع المعمدانيون اليهودَ وصف "شعب الله" ولا يسلمون لهم به. ولكنهم يرون في إسرائيل كدولة قومية لليهود، دورًا جوهريا في الخطة الإلهية التي تمهّد لعودة المسيح الثانية. يؤمن المعمدانيون بأن المسيح سيعود إلى الأرض عودة ماديّة ليؤسس مملكته التي تمتد لألف عام في القدس فيما يُعرف بـ"الملك الألفي". ولكن عودته لن تتم حتى يُعاد بناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى، كما تحكي النبوءة.
في زيارة لهاكابي للأراضي المحتلة عام 2017 قدم خطابًا يؤطر فيه الخلاف السياسي بلغة دينية صريحة قائلا "لا وجود لما تسمّى الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. لا وجود لما تسمّى مستوطنات، إنها مجتمعات، وأحياء، ومدن. ولا وجود لما يُسمّى احتلالًا".
وتبلغ تصورات الإنجيليين لنهاية العالم ذروتها في معركة هارمجدون، المعركة الخاتمة للصراع بين قوى الخير بقيادة المسيح، وقوى الشر بقيادة "المسيح الدجال"، والتي ستقع في شمال فلسطين، حيث ينتهي الصراع بانتصار الرب وإقامة ملكوته الأرضي.
مع صعود الإنجيليين في الحكومة الأميركية، تقفز النبوءات من الكتاب المقدس وقاعات الدرس اللاهوتي إلى المؤسسات السياسية وتوضع على أجندة العمل لدى مبعوثي الحكومة الأميركية إلى الشرق الأوسط.
شاب نشأ في مذبح الرب
بدأت رحلة هاكابي المولود في أركنساس عام 1955 مع الكلمة المكتوبة في الصحافة المدرسية، حيث ترأس صحيفة المدرسة في المرحلة الإعدادية، وفي أول عمل استقصائي له كتب بحماسة شبابية عن قذارة مقصف المدرسة، دافعًا الإدارة إلى التحرك. حين قرأ المشرف المقالة، نظر إليه وقال "ينبض في عروقك دم محرّر صحافة صفراء".
كان والده الذي يعمل رجل إطفاء يرى في اشتغال ابنه بالصحافة ترفًا لا يعين على إعالة الأسرة، لكن معلّمته للإنجليزية رأت موهبته وأهدته كتابا لتطوير مستواه، وقالت للفتى الذي هزّته نظرة أبيه للصحافة "الكلمات رصاص الرجل الأعزل". سيكبر الفتى الأعزل ويسخّر كلماته للدفاع عن حق حمل السلاح، واتخاذ خيار العنف المفرط ضد ما يسميه بالإسلام المتطرف.
كتب هاكابي في شبابه مقالات وعظية للشباب، دعا في بعضها الشباب المسيحي للابتعاد عن الرقص في الحفلات الموسيقية، ليس لأنه حرام، وإنما لأنه يخل بوقار الشاب المسيحي الصالح!
كتب "لا أظن أن كل من يذهب إلى حفلات الرقص يفعل ذلك ليتعاطى الكحول أو ليثير شهوات رفيقته، لكني لا أجد في الرقص خيرًا يُذكر". نصيحته كانت واضحة "ابتعدوا عن الرقص، لأنه قد يدفع الناس لإساءة الظن بكم".
كما كان يردد رجال الدين
لاحقًا، انخرط هاكابي في الصراع العقائدي الذي هزّ الكنيسة المعمدانية الجنوبية فيما يتعلق بعصمة الكتاب المقدس، وعقيدة المسيحية وتولي المرأة منصبًا قياديا في الكنيسة. كان هاكابي في صف المحافظين الذين رأوا أن المرأة لا تكون رأسًا دينيا، والعقيدة هي لبّ الدين، والإنجيل نص معصوم!
قال عن خصومه الليبراليين الذين رأى في تأويلاتهم تمييعًا للعقيدة المسيحية، "لقد أعادوا تعريف الإنجيل ليجعلوه رسالة اجتماعية ناعمة لا تُغيّر القلوب".
عرف هاكابي أن أقصر الطرق إلى السياسة هي منبر الوعظ، فامتطاه. صنعت معركته اللاهوتية منه قائدًا سياسيا؛ فقد كونت له قاعدة جماهيرية، وصقلت مهاراته الخطابية. يقول سكوت لامب مؤلف سيرته إنه اختار هاكابي لأنه شخصية محورية في اليمين الإنجيلي، يجمع بين الدين والسياسة والإعلام، وجعل "أميركا العميقة" مرئية من جديد.
تولى هاكابي منصب حاكم أركنساس لعشرة أعوام من 1996 إلى 2007، ونافس في 2008 على منصب المرشح الجمهوري للرئاسة، ولكن الكنائس التي دعمته لم تستطع أن تؤمن له ميزانية ينافس بها المرشحين الأثرياء مثل ميت رومني، فلم يصمد للمنافسة. قال لاحقًا "لم تكن معركتي ضد أفكار خصومي، بل ضد ميزانياتهم".
التاريخ البديل لأميركا
يقدم هاكابي محكيّة دينية لنشأة الولايات المتحدة تخرج من صفحات الكتاب المقدس وتتغلغل في كل سطر من الوثائق التأسيسية للجمهورية الناشئة. فبحسب روايته، لم تُؤسس أميركا لتكون دولة علمانية، بل لتكون منارةً للعقيدة المسيحية ومنصة لتحقيق المقاصد الإلهية على الأرض.
في كتابه عن القواعد الثلاث لعظمة الولايات المتحدة ، يسوق هاكابي نصوصًا تاريخية من مواثيق المستعمرات الأولى، يُبرز فيها كيف أن المستوطنين الأوائل اعتبروا مهمتهم في الأرض الجديدة جزءًا من "خطة الخلاص".
يستشهد على ذلك بوثيقة ميثاق فرجينيا (1609) التي نصّت على أن الهدف الأول من إنشاء المستعمرة هو "تحويل الشعوب إلى العبادة الحقة لله". كما يورد من ميثاق ماساشوستس (1629) عبارة تؤكد أن "حياة مستعمرينا قد تكون محفزًا للسكان الأصليين للإيمان بالمسيح". في ميثاق نورث كارولينا (1662)، يظهر هذا البعد الروحي أكثر وضوحًا "مدفوعون بحماسة تقوية لنشر الإيمان المسيحي".
ويذهب هاكابي إلى أبعد من ذلك بإشارته إلى ما يعتبره أول دستور أميركي فعلي المعروف بـ"الأوامر الأساسية لكونيتيكت" (Fundamental Orders of Connecticut)، الذي ينص صراحة على أن "الحكومة يجب أن تسير بحسب كلمة الله حفاظًا على الوحدة والسلام".
يرى المؤلف حضور الدين في نشأة أميركا ليس مجرد عنصر تاريخي، بل زاوية رئيسية لفهم أميركا، فهي ليست جمهورية ديمقراطية فحسب، بل "أمة دينية"، تستمد شرعيتها الأخلاقية من نصوص مقدسة.
حتى مؤسسات التعليم العالي، مثل هارفارد وييل وبرينستون، لا تُستثنى من رواية هاكابي؛ إذ يشير إلى أن هذه الجامعات العريقة لم تُبْنَ أساسًا لأغراض أكاديمية، بل لتدريب رجال الدين وتخريج الكوادر الكنسية قبل أن تنحرف لاحقًا عن رسالتها الأصلية.
لا تبدأ هذه الرواية البديلة لتأسيس أميركا من فلسفة التنوير أو الثورة الفرنسية، بل من أسفار الكتاب المقدس. وفي هذا الإطار، يرى هاكابي أن الصراع القائم اليوم بين الديمقراطيين والجمهوريين في الملفات الداخلية والخارجية هو امتداد لصراع عقائدي على هوية الأمة: هل ستظل أميركا أمة مؤمنة تقوم على العقيدة المسيحية أم تُختطف إلى دروب العلمنة والانفلات الأخلاقي؟
إعلان
بمثل هذا التصور، لا يعود دعم إسرائيل مجرد سياسة خارجية، بل يصبح دفاعًا عن الأصل الذي قامت عليه الجمهورية، عن البذرة الأولى التي زُرعت بنص كتابيّ وحُرِست بعناية العناية الإلهية.
الموقّعون عن يسوع
لم تكن رسالة الاصطفاء الإلهي لترامب التي كتبها هاكابي سابقة في تاريخ دولة تلتحم فيها القرارات السياسية بنصوص الكتاب المقدس وشخصياته.
فقد سبق أن اعترف الرئيس هاري ترومان بقيام دولة إسرائيل عام 1948 برسائل القساوسة البروتستانت، التي مثلت ضغطًا لاهوتيا بمنح القرار السياسي بعدا مقدّسا، حتى اعترف ترومان بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلانها، من أبرزها رسالة القس بيتر مارشال، التي غمسها في لغة الكتاب المقدّس قائلًا "سيدي الرئيس، إن الرب وعد إبراهيم ونسله بالأرض.. وإن فشلت أميركا في تأييد وعد الرب، فستُسلب بركتها".
بعد ربع قرن، حين كان الشارع الأميركي يموج سخطًا تجاه حرب فيتنام ، لم يتردد القس بيلي غراهام، المقرّب من الرئيس نيكسون، في تكرار النغمة ذاتها، لكن بلحن مختلف: الحرب هذه المرة ليست لإنشاء دولة، بل لمواجهة "دين مضاد" كما وصف الشيوعية.
كتب غراهام إلى الرئيس "الشيوعية دينٌ في حد ذاتها.. إنها معركة حتى الموت: إمّا أن تموت الشيوعية، وإما تموت المسيحية". كان غراهام يقدّم لنيكسون شرعية توراتية للصمود، حيث أصبح البنتاغون أداة بيد الرب لكسر الشر.
ثم جاءت الألفية الجديدة، ومعها تبدّلت الجغرافيا، لكن لم تتغير العقيدة. ففي أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وبينما كانت الإدارة الأميركية تحشد لحرب العراق، كتب القس الإنجيلي جون هاغي إلى الرئيس جورج بوش الابن قائلا "الرب استخدم ملوكًا في الكتاب المقدس لينفذوا مشيئته.. والآن يستخدمك الرب لتطهّر العالم من بابل الجديدة"، مشبهًا صدام حسين بـ"نبوخذ نصّر"، جنّد هاجي الحرب كروح أخروية تجعل من القصف تنفيذا لإرادة السماء، لا إستراتيجية لواشنطن.
لم يكن هاكابي أول رجل دين أميركي يجلل المعارك الدنيوية التي تخوضها الإدارة الأميركية بوشاح من النبوءات الدينية، لكنه برسالته تلك سلّط الضوء على مشهد اشتباك اللاهوت بالسياسة في حكومة تعد النموذج الديمقراطي الأكبر في العالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
هل تقود إسرائيل نفسها إلى فخ العراق؟
قرار تل أبيب بشنّ حرب جديدة ضد إيران في الثالث عشر من يونيو/ حزيران كارثة وشيكة. فلن يستفيد أحد منها، بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية، وسيقاسي الكثيرون. فقد أودى تبادل إطلاق النار بالفعل بحياة ما لا يقل عن 224 شخصًا في إيران، و19 في إسرائيل. من المؤسف أن دروس المغامرات العسكرية الفاشلة السابقة في المنطقة قد تم تجاهلها تمامًا. لقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الحرب بأنها "استباقية"، وتهدف – كما قال- إلى منع طهران من تطوير سلاح نووي خاص بها. وبهذا، يكرر الخطأ الإستراتيجي ذاته الذي وقع فيه السياسيان اللذان شنّا آخر هجوم "استباقي" مزعوم في المنطقة: الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. فمع تحليق المقاتلات الإسرائيلية وصواريخها في أجواء الشرق الأوسط لتنفيذ ضرباتها القاتلة ضد مواقع عسكرية إيرانية وقادة عسكريين، أصبح العالم في لحظة أكثر خطورة. وكما حدث مع الغزو الأميركي- البريطاني للعراق، فإن هذا الهجوم غير المبرر سيؤدي حتمًا إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة تعاني أصلًا من التوتر. ادّعى نتنياهو أن الهجمات تهدف إلى تدمير قدرات إيران النووية، وقد استهدفت القوات الإسرائيلية حتى الآن ثلاث منشآت نووية: نطنز، وأصفهان، وفوردو، مما تسبب في أضرار متفاوتة. ومع ذلك، من غير المرجح أن توقف هذه الضربات فعليًا برنامج إيران النووي، ويدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الحقيقة. فلقد صُمّم موقع نطنز عمدًا ليكون في عمق الأرض، مما يجعله مقاومًا لأي قصف إلا من أقوى القنابل الخارقة للتحصينات. ولا تملك تل أبيب القدرة على تدميره بشكل دائم، لأنها لا تمتلك قنابل "اختراق التحصينات الهائلة" أو قنابل "الانفجار الهوائي الهائل" التي تنتجها الولايات المتحدة. وقد امتنعت واشنطن عن تزويد إسرائيل بهذه الأسلحة، حتى خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي كانت على علاقة وثيقة بالمسؤولين الإسرائيليين وسعت لحمايتهم من العقوبات بسبب جرائم الحرب في قطاع غزة. ومؤخرًا، أشارت إدارة ترامب مجددًا إلى أنها لن تزود تل أبيب بهذه الأسلحة. ومن ردود الفعل الرسمية الأميركية بعد الهجوم، لا يبدو واضحًا تمامًا إلى أي مدى كانت واشنطن على علم مسبق بالعملية. فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في البداية أن الهجوم كان عملية إسرائيلية "أحادية الجانب"، قبل أن يصرح ترامب بأنه كان "على علم تام". ويبقى مدى تورط الولايات المتحدة – وموافقتها- في هذا الهجوم مسألة غامضة، لكنّه أنهى على الفور أي آمال بأن تسفر الدبلوماسية المكثفة بين واشنطن وطهران في الأسابيع الأخيرة عن اتفاق جديد، وهو ما يشكل مكسبًا قصير الأمد لنتنياهو. بيدَ أن أي عمل إضافي ضد إيران يبدو مشروطًا بجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع. وهذه مقامرة خطيرة من قبل تل أبيب، نظرًا لوجود عدد كبير من المنتقدين للتدخلات الأميركية بين كبار مستشاري ترامب. بل إن الرئيس الأميركي نفسه سعى لجعل الانسحاب من التدخلات الخارجية حجر زاوية في إرثه السياسي. وتؤثر أفعال إسرائيل سلبًا بالفعل على مصالح ترامب الأخرى، من خلال دفع أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع، وتعقيد علاقاته مع دول الخليج التي ستتكبد الكثير في حال تعطّلت حركة الشحن عبر مضيق هرمز. فإذا بدت إسرائيل وكأنها تحقق نصرًا، فسيسارع ترامب إلى نسبه لنفسه، بلا شك. أما إذا بدا أن إستراتيجية نتنياهو تعتمد بشكل متزايد على محاولة جرّ واشنطن إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط، فقد ينقلب ترامب عليه. وكما هو الوضع الحالي، فإنه ما لم تلجأ إسرائيل إلى خرق القواعد الدولية، وتستخدم سلاحًا نوويًا، فإن تحقيق أي مكاسب إستراتيجية إضافية في إيران سيظل مرهونًا بتدخل أميركي. أما الهدف الثاني المعلن لنتنياهو- وهو إسقاط النظام الإيراني- فيبدو بعيد المنال. فقد قُتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في هجمات محددة، كما دعت تل أبيب الشعب الإيراني إلى الانتفاض ضد حكومته. غير أن هذا العدوان الأحادي من جانب إسرائيل من المرجح أن يثير سخطًا واسعًا تجاه تل أبيب بين الإيرانيين، أكثر من أي نقمة تجاه حكومتهم، بصرف النظر عن طبيعة النظام ومدى ديمقراطيته. بل إن الادعاء الإيراني بأن القنبلة النووية تُشكّل رادعًا ضروريًا في مواجهة العدوان الإسرائيلي سيبدو الآن أكثر منطقية لأولئك الذين كانوا يشككون في ذلك داخل إيران. وفي البلدان الإقليمية الأخرى التي كانت علاقاتها بطهران قد بدأت تتراجع، تهدد أفعال نتنياهو الآن بإعادة إحياء تلك التحالفات. لكن حتى لو نجحت إسرائيل في زعزعة استقرار طهران، فإن ذلك لن يُفضي إلى سلام في المنطقة. وهذه هي العبرة التي كان ينبغي استخلاصها من سقوط صدام حسين في العراق. فقد أدى انهيار الدولة العراقية لاحقًا إلى تصاعد كبير في التطرف، وانتهى الأمر بظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أرعب أجزاء واسعة من المنطقة خلال العقد الثاني من الألفية. ولا تملك إسرائيل أدنى فرصة لترتيب انتقال سلس للسلطة إلى نظام أكثر مرونة في طهران. كما أن احتلال إيران لتحقيق هذا الهدف أمر مستبعد تمامًا، لا سيما أن الدولتين لا تتشاركان حدودًا. كما أن دعم الولايات المتحدة لمثل هذا المسعى يصعب تصوره في ظل إدارة ترامب، لأنه سيزيد، بلا شك، من مخاطر استهداف الولايات المتحدة بهجمات انتقامية. بعبارة أخرى، قد تُحقق هجمات نتنياهو مكاسب تكتيكية قصيرة المدى لإسرائيل، مثل تأخير طموحات إيران النووية، أو تعطيل مفاوضاتها مع واشنطن، لكنها تعد بكارثة إستراتيجية طويلة المدى.


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
"فاصل إعلاني" يقطع حديث بارديم عن غزة.. ونجم "إف 1" يكرر تضامنه من على السجادة الحمراء
قاطع برنامج "ذا فيو" (The View) حديث الممثل الإسباني خافيير بارديم، بينما كان يُدين "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، منتقلا فجأة إلى فاصل إعلاني، الأمر الذي أثار جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن نجم فيلم "إف 1" (F1) لم يتراجع، بل كرر موقفه مساء اليوم نفسه خلال العرض الأول للفيلم في نيويورك، مرتديا دبوسا كُتب عليه "فلسطين" ومؤكدا أن "آلاف الأطفال يموتون أمام أعيننا بجودة 4K". تصريحات نارية في برنامج "ذا فيو" واستغل بارديم ظهوره في البرنامج الترفيهي الشهير للتعبير عن الألم الذي يشعر به يوميا عند مشاهدة صور "الأطفال الفلسطينيين الذين يُقتلون ويجوعون حتى الموت"، مشيرا إلى أن إسرائيل تفرض حصارا كاملا يمنع وصول الماء والدواء والمساعدات الطبية. وقال "لا أستطيع التعبير عن حجم الألم الذي نشعر به، أنا والعديد من الناس، يوميا". الممثل الحاصل على جائزة الأوسكار شدد على أن التركيز يجب أن يكون على وقف "الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني"، مؤكدا أن وصف "الإبادة الجماعية" لا يأتي من فراغ، بل تبنّته منظمات حقوقية ودولية، وحتى بعض الناجين من المحرقة النازية "الهولوكوست". وخلال حديث بارديم عن غزة، قاطع البرنامج كلامه بفاصل إعلاني، إذ بدأت موسيقى الفاصل تعلو تدريجيا فوق صوته، فأثار ذلك موجة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المشاهدين رأوا في المقاطعة دليلا على "عدم استعداد الإعلام الأميركي لسماع أصوات تنتقد إسرائيل"، في حين أشار مصدر من داخل البرنامج إلى أن الفاصل جاء نتيجة انتهاء وقت الفقرة. في مساء اليوم ذاته، كرر النجم البالغ من العمر 56 عاما تصريحاته خلال العرض الأول لفيلمه الجديد "إف 1" (F1) في نيويورك، مرتديا دبوسا على شكل الكوفية الفلسطينية كتب عليه "فلسطين". وصرّح لمجلة "فارايتي" قائلا "إنها إبادة جماعية تُرتكب أمام أعيننا بجودة 4K. آلاف الأطفال يموتون، ويجب أن يتوقف التمويل الأميركي للقنابل التي تقتلهم". ودعا الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات فعلية ووقف العلاقات مع إسرائيل قائلا "كفى كلاما، نريد أفعالا". يشار إلى أن بارديم ليس النجم العالمي الوحيد الذي أعرب عن تضامنه مع غزة، إذ انضم إلى قائمة متزايدة من مشاهير هوليود الذين طالبوا بوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع. ففي عام 2023، وقّع أكثر من 350 فنانا عالميا، بينهم مارك روفالو، وريتشارد غير، وسوزان ساراندون، على رسالة تصف ما يحدث في غزة "بالإبادة الجماعية"، وذلك قبل أيام من انطلاق مهرجان كان السينمائي. وانضمت المغنية كيهلاني أيضا إلى قائمة المتضامنين، من خلال إصدار مقطع موسيقي مخصص لفلسطين تضمن قصيدة افتتاحية مؤثرة، رغم تعرضها لضغوط كبيرة من المؤسسات الأكاديمية، كما أسهمت المغنية أريانا غراندي في الجهود الإنسانية لإغاثة الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.


الجزيرة
منذ 32 دقائق
- الجزيرة
باكستان تنفي إغلاق معابرها الحدودية مع إيران
إسلام آباد – نفت وزارة الخارجية الباكستانية، اليوم الأربعاء، ما يتم تداوله من إغلاق المعابر الحدودية بين البلدين، وذلك بعد انتشار تقارير إعلامية خلال الأسبوع الجاري مفادها إغلاق الحدود المشتركة مع إيران. وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان إنه "خلافا لبعض التقارير الإعلامية، لا تزال جميع المعابر الحدودية على طول الحدود الباكستانية الإيرانية تعمل بكامل طاقتها". وقد نشرت عدة قنوات باكستانية يوم الأحد الماضي تقارير نقلا عن مسؤولين في إقليم بلوشستان المحاذي لإيران، بأن المعابر قد تم إغلاقها بسبب الوضع المتوتر في إيران، في ظل استمرار القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل. وكان المتحدث باسم حكومة إقليم بلوشستان، شاهد رند، قد قال لوكالة الأناضول إن باكستان اتخذت هذه الإجراءات بعد إجراءات مماثلة من الجانب الإيراني. ويأتي ذلك وسط استمرار الجهود الباكستانية لإجلاء رعاياها المقيمين في إيران، حيث قررت باكستان إجلاء الدبلوماسيين وعائلاتهم وعدد من العاملين في السفارة الباكستانية والقنصليات الباكستانية في إيران. كما عملت باكستان منذ أيام على إجلاء عدد من المواطنين الباكستانيين، حيث نقلت قناة "جيو نيوز" الباكستانية عن مسؤولين في دائرة الهجرة أن عدد المواطنين الذين تم إجلاءهم من إيران حتى يوم الإثنين – بما في ذلك الطلاب – قد وصل إلى ما يقرب من 714 مواطنا عبر معبر تفتان الحدودي مع إيران. كذلك، ترأس وزير الخارجية الباكستاني، محمد إسحاق دار، اجتماعا اليوم الأربعاء لمراجعة التقدم المحرز في عمليات إجلاء المواطنين الباكستانيين من إيران. وحث الوزير الخطوط الجوية الباكستانية الدولية بالتنسيق مع وزارة الخارجية لضمان التنفيذ السلس والفعال لخطط الإجلاء. وتحاذي باكستان إيران عبر إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان بحدود يبلغ طولها حوالي 905 كيلومترا، وتنتشر فيه عدة معابر مشتركة بين الطرفين. وتستخدم هذه المعابر في تنقل الأفراد وتبادل البضائع، كما تنتشر عمليات تهريب البترول من إيران إلى باكستان عبر تلك الحدود.