
الحلقة الرابعة عشرة: مفاجأة!
بالرغم من أن المترادفات حقيقة لغوية في كل لغات العالم، إلا أن النقاش حول وجود الترادف من عدمه قديم جدا.
وقد عرفت الساحة اللغوية الإسلامية هذا الخلاف منذ القديم بين المؤيدين والمعارضين للترادف، فقال بالترادف السواد الأعظم من العلماء ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي وابن فارس صاحب (مقاييس اللغة) والجوهري صاحب (معجم الصحاح) وابن منظور صاحب (لسان العرب)، بينما نفاه آخرون منهم أبو هلال العسكري في كتابه (الفروق اللغوية) والراغب الأصفهاني في كتاب (المفردات في غريب القرآن). كما عرفت لغات العالم ذاتَ النقاش بين المثبتين والنافين للترادف؛ فمن مشاهير اللغويين الذين كانوا يقولون بالترادف نذكر فردينان دو سوسور Ferdinand de Saussure وليونارد بلومفيلد الامريكي Leonard Bloomfield وجون ليونز John Lyons عالم اللغة البريطاني، بينما كان النافون للترادف ينكرون الترادف التام الحقيقي ولا يمنعون الترادف الجزئي كما ذكرناه آنفا ومن هؤلاء جورج لاكوف George Lakoff وجون سيرل نعوم تشومسكي Noam Chomsky.
لكن النظرية التي جاء بها محمد شحرور في نفي الترادف فريدة من نوعها، لأنه قسم على أساس نفي الترادف بين كلمة الكتاب والقرآن كتاب الله إلى أجزاء لا رابطة بينها هي الكتاب والقرآن والذكر والفرقان، وأهدر على أساس ذلك التراث الإسلامي كله، لأنه قال إنه لا يعترف بالتراث الإسلامي الذي يؤمن بالترادف، وأهدر على أساسه السنة النبوية كلها لأنه فرق بين كلمتين 'الرسول' و'النبي'، وقال إن النبي شخص مجتهد لا قيمة تشريعية لكلامه، وأعاد على أساسه قراءة القرآن العظيم بشكل يختلف جذريا مع الدين الذي عرفه المسلمون طيلة أربعة عشر قرنا، وأعاد على ذات الأساس النظر في أركان الإيمان والإسلام جميعا.
فمن أين جاء محمد شحرور بفكرة نفي الترادف؟
خلال قراءاتي الكثيرة لمحمد شحرور استوقفني أمر لافت يخص المستشرقين، أركز -كطبيب نفسي- على ما لا يقال les non dits أكثر من تركيزي على القول ذاته من أجل سبر أغوار النفس البشرية. شحرور لا يذكر المستشرقين إلا قليلا (déni )، وحين يذكرهم فإنه يمر عليهم مرور الكرام. كيف يعقل هذا والمستشرقون هم أرباب القراءات للقرآن الكريم؟!
لا شك أن خلف الأمر أسرارا وإلا فلا يعقل من باحث كرس عقودا من عمره للقراءات المعاصرة أن يغفل دراسات المستشرقين الذين فتحوا هذا الباب ولم يغلقوه ولم يأت بعدهم من طعن في القرآن أفضل منهم، ولا تزال كتبهم مراجع أساسية فيه. فما كان مني سوى الرجوع إلى كتب المستشرقين التي تتناول القرآن الكريم. لم يكن الاختيار صعبا. لابد لمن يريد أن يتناول موضوع القرآن الكريم في دراسات المستشرقين أن يمر وجوبا على المؤسسين الأوائل: 'ثيودور نولدكه' و'اغناسيوس جولدتسيهر'!
ويا للمفاجأة! كل نظريات محمد شحرور مأخوذة من كتب هذين الشيخين! وحين أقول كلها فإني أعني ذلك بالحرف الكامل! سواء نظريته في تقسيم القرآن والقول إن قراءات القرآن مجرد تصحيفات ولا علاقة لها بالقرآن الكريم، أو في الإيمان بالله حين يقول إن الله -عز وجل- لا يعلم الغيب ولا يقسم الأرزاق، أو في كلام الله حين يقول إنه الموجودات الخارجية، أو في السنة النبوية حين يرميها بالتحريف والتسييس وينفي عنها قيمتها التشريعية ويقول إنها مجرد عادات وتقاليد، أو حين يفرق بين النبي والرسول ويقول إن النبي مجرد شخص مجتهد لا سلطان له على المسلمين.
وحتى الرسوم التوضيحية التي يحاول أن يزين بها كتبه فإنه استلهم أنموذجها من عند 'نولدكه'، وقد فصلت في الموضوع تفصيلا شافيا في كتابي 'وهم الحداثة ' الذي يصدر بعد رمضان بحول الله، لكن سألخص الكشف وأنقل نماذج للقراء الأعزاء في مقالات آتية بإذن الله. ولي لكم بعد المفاجأة مفاجأة أخرى! وصح فطوركم!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حدث كم
٢١-٠٥-٢٠٢٥
- حدث كم
بإذن من أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى يعقد المجلس دورته الربيعية العادية يومي 23 و 24 ماي الجاري بالرباط
بإذن من أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى يعقد المجلس دورته الربيعية العادية يومي 23 و 24 ماي الجاري بالرباط بإذن من أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، يعقد المجلس دورته الربيعية العادية (وهي الدورة الـ 35) يومي 23 و 24 ماي الجاري بالرباط. وفي ما يلي نص بلاغ المجلس العلمي الأعلى بهذا الخصوص : 'بإذن من أمير المؤمنين مولانا محمد السادس – أعز الله أمره – رئيس المجلس العلمي الأعلى، وتنفيذا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425 (22 أبريل 2004 ) بإعادة تنظيم المجالس العلمية كما وقع تغييره وتتميمه، ولاسيما الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه؛ وتطبيقا لمواد الظهير الشريف رقم 1.04.231 الصادر في 7 محرم 1426 (16 فبراير 2005) بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى، ولاسيما المادتان الخامسة والسادسة منه؛ والظهير رقم 1.23.47 الصادر في 26 من ذي القعدة 1444هـ (15 يونيو 2023م) والظهير رقم 1.23.48 الصادر في 26 من ذي القعدة 1444هـ (15 يونيو 2023م)؛ يعقد المجلس العلمي الأعلى دورته الربيعية العادية (وهي الدورة الخامسة والثلاثين) يومي الجمعة والسبت 25 و 26 ذي القعدة 1446هـ / 23 و 24 ماي 2025م، وذلك بعد صلاة العصر بمقر الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى بمدينة العرفان، الرباط. وستعكف لجن المجلس على دراسة القضايا المدرجة بجدول أعمال الدورة، وهي كالآتي: – برنامج ميثاق العلماء في إطار خطة تسديد التبليغ، مواكبة وتفعيل؛ – خطة تسديد التبليغ في سياق الانفتاح والتعاون مع مؤسسات المحيط ؛ – التدبير الجهوي للمؤسسة العلمية في سياق المواكبة وتوحيد رؤية الاشتغال ؛ – حصيلة عمل هيئة الإفتاء بين الدورتين ؛ – متابعة أشغال اللجنة العلمية للدراسات والأبحاث ؛ -متابعة أشغال لجنة إحياء التراث الإسلامي'. ح:م


حدث كم
٢١-٠٥-٢٠٢٥
- حدث كم
بإذن من أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية يومي 23 و24 ماي الجاري بالرباط
بإذن من أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية يومي 23 و24 ماي الجاري بالرباط بإذن من أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، يعقد المجلس دورته الربيعية العادية (وهي الدورة الـ 35) يومي 23 و 24 ماي الجاري بالرباط. وفي ما يلي نص بلاغ المجلس العلمي الأعلى بهذا الخصوص : 'بإذن من أمير المؤمنين مولانا محمد السادس – أعز الله أمره – رئيس المجلس العلمي الأعلى، وتنفيذا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425 (22 أبريل 2004 ) بإعادة تنظيم المجالس العلمية كما وقع تغييره وتتميمه، ولاسيما الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه؛ وتطبيقا لمواد الظهير الشريف رقم 1.04.231 الصادر في 7 محرم 1426 (16 فبراير 2005) بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى، ولاسيما المادتان الخامسة والسادسة منه؛ والظهير رقم 1.23.47 الصادر في 26 من ذي القعدة 1444هـ (15 يونيو 2023م) والظهير رقم 1.23.48 الصادر في 26 من ذي القعدة 1444هـ (15 يونيو 2023م)؛ يعقد المجلس العلمي الأعلى دورته الربيعية العادية (وهي الدورة الخامسة والثلاثين) يومي الجمعة والسبت 25 و 26 ذي القعدة 1446هـ / 23 و 24 ماي 2025م، وذلك بعد صلاة العصر بمقر الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى بمدينة العرفان، الرباط. وستعكف لجن المجلس على دراسة القضايا المدرجة بجدول أعمال الدورة، وهي كالآتي: – برنامج ميثاق العلماء في إطار خطة تسديد التبليغ، مواكبة وتفعيل؛ – خطة تسديد التبليغ في سياق الانفتاح والتعاون مع مؤسسات المحيط ؛ – التدبير الجهوي للمؤسسة العلمية في سياق المواكبة وتوحيد رؤية الاشتغال ؛ – حصيلة عمل هيئة الإفتاء بين الدورتين ؛ – متابعة أشغال اللجنة العلمية للدراسات والأبحاث ؛ -متابعة أشغال لجنة إحياء التراث الإسلامي'. ح:م


الشروق
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- الشروق
ملتقى الإمام الونشريسي
الونشريس قطعة غالية من جزائرنا الحبيبة، وكانت في بعض الفترات تسمى عين الدنيا، كما قال الأستاذ أحمد توفيق المدني- رحمه الله- وقد أنجبت- عبر التاريخ- رجالاً، هم الرجال في ميدان السنان، وفي ميدان القلم واللسان، ومنهم قامة علمية عز نظيرها في العالم الإسلامي في عصره، إنه الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي (توفي 1508 م) بعد عمر ناهز الثمانين، وقد ولد في الونشريس، وكبر في تلمسان، وتوفاه الله في فاس. لقد أحسن من اقترح أو سعى لإطلاق اسمه على جامعة تيسمسيلت، بدل النكرات التي أطلقت أسماؤهم على بعض جامعاتنا، وهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني مع عدم جحود جهودهم في ما يسّرهم الله له من أعمال الخير. عقدت جامعة أحمد بن يحي الونشريسي بالتنسيق مع جامعة وهران 2، والمجلس الإسلامي الأعلى في يومي 12-13/05/2025، الملتقى الدولي الثاني للإرث الفكري والديني والسياسي والاجتماعي لهذا العالم الذي أحسنت الجزائر صنعاً عندما أنشأت 'كرسيا علميا' باسمه في جامع الجزائر، فـ 'أجدر بالجزائر أن تحتفل (به) وأن تهتم بآثاره'. (سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي 1/129) فهو كما وصفه معاصروه: 'أحد فحول الفقه المالكي'، بل هو 'حامل لواء المذهب المالكي بالمغرب الإسلامي على رأس القرن العاشر… ولهذه المكانة قيل فيه عندما حضرته الوفاة: لقد أظلمت فاس بل الغرب كله بموت الفقيه الونشريسي أحمد رئيس الفتوى بغير منازع وعَارِف أحكام النَّوَازِلِ أَوْحَدِ لم ينبغ الونشريسي في الفقه المالكي فقط، ولكنه نبغ في عدة علوم، ومنها النحو الذي قيل فيه: 'لو حضر سيبويه لأخذ النحو من فيه'، و'لو كان سيبويه حيا لتتلمذ عليه'.. لقد ترك الإمام الونشريسي تراثا علميا جليلا في علوم شتى، ولكن شهرته قامت على موسوعته التي سماها 'المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب'، الذي طبع في اثني عشر جزءا في دار الغرب الإسلامي، ويعتبر هذا الكتاب 'كنزا كبيرا في معرفة أحوال العصر'. ( تاريخ الجزائر الثقافي (1/123) ، وهناك من الدارسين من عد هذا الكتاب رائداً في علم الاجتماع الديني. لقد دعا أحد المحاضرين إلى نشر هذا الكتاب بعد تشكيل لجنة لتحقيقه تحقيقا علميا، وهو ما دعا إليه الإمام محمد البشير الإبراهيمي في ديسمبر 1962، عندما وسع لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف آنذاك، حين كتب: 'وستكون الخطوة الإيجابية النافعة لهذا المجلس تهيئة كتاب 'المعيار' والقيام بطبعه مع الاستعانة بإخواننا فقهاء المغرب الأقصى.. فهذا الكتاب كتاريخ ابن خلدون لا يتم طبعهما ما لم تكن لإخواننا علماء المغرب الأقصى يد في تصحيحهما'. (آثار الإمام الإبراهيمي، ج 15 م (309). لقد كان الإمام الونشريسي ذا شخصية قوية، وكان يدعو إلى عدم جعل الدين في خدمة السلطان (سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي 1/132) . وهذا ما جعل بعض الحكام يمسونه بسوء. ونرجو من إخواننا أن يركزوا في الملتقيات القادمة على 'الكيف'، لا على 'الكم'، فقد كان عدد المحاضرين- حضوريا وعن بعد- كبيرا جدا، ما قلل من الاستفادة العلمية.