هل الذكاء الاصطناعي يَـقـتُـل الأطفال ؟
بطبيعة الحال، حتى من الناحية الأخلاقية البحتة، ينطوي الذكاء الاصطناعي على إمكانات إيجابية هائلة، من تعزيز صحة الإنسان وكرامته إلى تحسين الاستدامة والتعليم بين الفئات السكانية المهمشة. لكن هذه الفوائد الموعودة ليست مبررا للاستخفاف بالمخاطر الأخلاقية والتكاليف الواقعية أو تجاهلها. فكل انتهاك لحقوق الإنسان يجب أن يُنظر إليه على أنه غير مقبول أخلاقيا. فإذا تسبب روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي ويحاكي الحياة في وفاة مراهق، فلا يجوز لنا أن نعتبر قدرة الذكاء الاصطناعي على الاضطلاع بدور في تطوير الأبحاث الطبية تعويضا عن ذلك.
مأساة سيتزر ليست حالة معزولة. ففي ديسمبر الماضي، رفعت عائلتان في تكساس دعوى قضائية ضد Character.AI وداعمتها المالية، شركة جوجل، زاعمة أن روبوتات الدردشة الآلية التابعة للمنصة استغلت أطفالهم في سن المدرسة مراهقيا وعاطفيا إلى الحد الذي أسفر عن وقوع حالات إيذاء النفس والعنف.
لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل، فقد ضحينا بالفعل بجيل من الأطفال والمراهقين على مذبح شركات التواصل الاجتماعي التي تستفيد من الإدمان على منصاتها. لم ننتبه إلى الأضرار الاجتماعية والنفسية التي تسببها "وسائط التواصل غير الاجتماعي" إلا ببطء شديد. والآن، بدأت بلدان عديدة تحظر أو تقيد الوصول إلى هذه المنصات، ويطالب الشباب أنفسهم بضوابط تنظيمية أقوى.
ولكن لا يمكننا الانتظار لكبح جماح قوى التلاعب الكامنة في الذكاء الاصطناعي. فبسبب الكميات الهائلة من البيانات الشخصية التي جمعتها منا صناعة التكنولوجيا، بات بوسع أولئك الذين يعملون على بناء منصات مثل Character.AI إنشاء خوارزميات تَـعرِفنا بشكل أفضل مما نعرف أنفسنا. الواقع إن إمكانية الاستغلال عميقة. فالذكاء الاصطناعي يعلم على وجه التحديد أي الأزرار التي ينبغي له الضغط عليها لاستغلال رغباتنا، أو لحملنا على التصويت بطريقة معينة. كانت روبوتات الدردشة المؤيدة لفقدان الشهية على منصة Character.AI مجرد المثال الأحدث والأكثر فظاعة. ولا يوجد أي سبب وجيه قد يمنعنا من حظرها على الفور.
لكن الوقت ينفد سريعا، لأن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطور بشكل أسرع من المتوقع ــ وهي تتسارع في عموم الأمر في الاتجاه الخطأ. يواصل "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي"، عالم العلوم الإدراكية الحائز على جائزة نوبل جيفري هينتون، التحذير من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انقراض البشر: "أخشى أن اليد الخفية لن تُـبقي علينا سالمين.
ونظرا لفشل شركات التكنولوجيا الكبرى المستمر في الالتزام بالمعايير الأخلاقية، فمن الحماقة أن نتوقع من هذه الشركات أن تضبط نفسها بنفسها. في 2024، ضخت شركة جوجل استثمارات قيمتها 2.7 مليار دولار في تطبيق Character.AI، على الرغم من مشكلاته المعروفة. لكن على الرغم من الاحتياج الواضح إلى التنظيم، فإن الذكاء الاصطناعي ظاهرة عالمية، وهذا يعني أننا يجب أن نسعى جاهدين إلى وضع تنظيم عالمي، يرتكز على آلية إنفاذ عالمية جديدة، مثل وكالة دولية للأنظمة القائمة على البيانات (IDA) في الأمم المتحدة، كما اقترحتُ شخصيا.
إن كون الشيء في حكم الممكن لا يعني أنه مرغوب. يتحمل البشر مسؤولية تحديد أي التكنولوجيات والإبداعات وأشكال التقدم يجب تحقيقها وتوسيع نطاقها، وأيها لا ينبغي له أن يتحقق. وتقع على عاتقنا مسؤولية تصميم، وإنتاج، واستخدام، وإدارة الذكاء الاصطناعي بطرق تحترم حقوق الإنسان وتسهل تحقيق مستقبل أكثر استدامة للبشرية والكوكب.
يكاد يكون من المؤكد أن سيويل كان ليظل على قيد الحياة لو كنا نعتمد على تنظيم عالمي لتعزيز "الذكاء الاصطناعي" القائم على حقوق الإنسان، ولو كنا أنشأنا مؤسسة عالمية لمراقبة الإبداعات في هذا المجال.
وبما أننا نعلم بالفعل أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يَـقـتُـل، فليس لدينا أي عذر يسمح لنا بالبقاء مكتوفي الأيدي في حين يستمر تقدم التكنولوجيا، مع إطلاق مزيد من النماذج غير المنظمة للجمهور كل شهر. مهما كانت الفوائد التي قد توفرها هذه التكنولوجيات يوما ما، فإنها لن تكون قادرة أبدا على التعويض عن الخسارة التي عاناها بالفعل جميع من أحبوا سيويل.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 38 دقائق
- أرقام
أوبن إيه آي تستحوذ على شركة لأجهزة الذكاء الاصطناعي مقابل 6.4 مليار دولار
أعلنت "أوبن إيه آي"، الأربعاء، استحواذها على شركة "آي أو" الناشئة للأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مقابل 6.4 مليار دولار، في صفقة شاملة تشمل حصتها الحالية في الشركة. وأوضحت الشركة في بيان، أن مؤسس الشركة "جوني آيف" وهو مسؤول سابق لدى "آبل"، سيتولى مهام الإبداع والتصميم العميق في "أوبن إيه آي"، مضيفة أن الشركتين ستندمجان لكن "آيف" ومجموعته الإبداعية "LoveFrom" سيبقوا مستقلين.


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
"أبل" مجبرة على الموافقة على تطبيق لعبة " Fortnite" أو العودة للمحكمة
طلبت قاضية فيدرالية من شركة أبل الموافقة على طرح تطبيق لعبة "Fortnite" بمتجر الشركة للتطبيقات في الولايات المتحدة، أو ستكون مجبرة على العودة إلى المحكمة لعدم امتثالها لذلك. وأكدت قاضية المحكمة الجزئية إيفون غونزاليس روجرز، أن المحكمة تلقت الطلب الأخير الذي قدمته شركة إيبك غيمز (Epic Games ) تطالب فيه بأن توافق "أبل" على طرح تطبيق "Fortnite" بمتجرها للتطبيقات (App Store) في الولايات المتحدة. وطلبت القاضية، التي بدت مستاءة بوضوح، من "أبل" أن تُبيّن للمحكمة "السلطة القانونية التي تستند إليها أبل في تجاهل أمر المحكمة"، بحسب تقرير لموقع "TechCrunch" المتخصص في أخبار التكنولوجيا، اطلعت عليه "العربية Business". وأشارت القاضية إلى أن "أبل" ستحتاج إلى العودة إلى المحكمة لشرح الوضع في حال عدم معالجة هذا الوضع، مضيفة أن "أبل" قادرة تمامًا على حل هذه المشكلة دون أي جلسة استماع أخرى. وقالت إنه يتوجب على "أبل" تسمية المسؤول بالشركة المكلف بضمان الامتثال لقرار محكمة سابق يلزم "أبل" بالموافقة على تضمين مطوري التطبيقات روابط لوسائل دفع خارجية في تطبيقاتهم على متجر تطبيقات أبل. وقدمت "إيبك"، بعد صدور هذا القرار الأخير في معركتها القضائية ضد "أبل" المستمرة منذ سنوات، لأبل نسخة من تطبيق لعبة "Fortnite" للموافقة عليها لطرحها بمتجر التطبيقات في الولايات المتحدة. لكن "أبل" أبلغت "إيبك" أنها قررت عدم اتخاذ أي إجراء بشأن طلبها حتى صدور حكم من الدائرة التاسعة بشأن طلب "أبل" بوقف جزئي للقرار القضائي الصادر. بمعنى آخر، أشارت "أبل" إلى أنها غير ملزمة بالموافق على تطبيق اللعبة حتى انتهاء الإجراءات القانونية المتعلقة بالاستئناف. ودفعت مماطلة "أبل" شركة إيبك إلى تقديم طلب يوم الجمعة الماضي للمحكمة لإجبار "أبل" على تنفيذ القرار القضائي الصادر، وهو ما ردت عليه القاضية روجرز مطالبة الشركة بالموافقة على التطبيق أو العودة للمحكمة.


الرجل
منذ 2 ساعات
- الرجل
وظائف النساء مهددة أكثر من الرجال بسبب الذكاء الاصطناعي.. دراسة حديثة
أظهرت دراسة جديدة أصدرتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون مع المعهد الوطني البولندي للأبحاث (NASK)، أن النساء يواجهن خطرًا أكبر من الرجال في سوق العمل بسبب تصاعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا سيما في الدول ذات الدخل المرتفع. وأوضح الباحث الرئيسي بافل جميريك، أن الدراسة تتجاوز النظريات، حيث طُوّر مؤشرًا يعتمد على وظائف حقيقية، لتحليل مدى تعرّض المهام البشرية للأتمتة، وقال في بيان رسمي: "أنشأنا أداة تتيح للدول تقييم المخاطر والتعامل معها بدقة أكبر، بناءً على بيانات فعلية وليست افتراضات". نسبة الخطر أعلى بين النساء تشير نتائج الدراسة، إلى أن نحو ربع القوى العاملة في العالم يشغلون وظائف معرضة لتدخل الذكاء الاصطناعي، لكن الفجوة بين الجنسين كانت لافتة، إذ تبيّن أن 9.6% من وظائف النساء تقع ضمن الفئة الأكثر عرضة للأتمتة، مقابل 3.5% فقط من وظائف الرجال. وشدد الباحثون على أن المخاطر تتركز في المهام الإدارية والكتابية، التي تُعد تقليديًا من مجالات عمل النساء، بالإضافة إلى قطاعات الإعلام، والبرمجيات، والتمويل. المهام ستتغير ولن تختفي الرجال أم النساء أيهما أكثر عرضة لفقدان وظيفته بسبب الذكاء الاصطناعي؟ - المصدر | pexels ورغم هذه المخاوف، أكدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي لن يُلغي الوظائف بشكل مباشر، بل سيغيّر طبيعة المهام نفسها، مشيرة إلى أن "التعرض للأتمتة لا يعني زوال المهنة بالكامل، بل احتمال أن تُنفّذ نسبة كبيرة من المهام باستخدام هذه التكنولوجيا". ودعت الدراسة الحكومات والنقابات ومنظمات العمل، إلى لعب دور محوري في تنظيم التأثير المتنامي للذكاء الاصطناعي على العمالة، وقال الباحث ماريك تروشينسكي من NASK: "المؤشر الجديد يساعد على تحديد الوظائف الأكثر تأثرًا، مما يتيح للحكومات الاستعداد وتوفير الحماية اللازمة للعمال". وتعزز هذه النتائج ما توصل إليه تقرير سابق صادر في عام 2025 عن منتدى الاقتصاد العالمي ومنصة LinkedIn، والذي أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يُفاقم الفجوة الجندرية، حيث يعمل نحو 33.7% من النساء في وظائف يشملها التحول التكنولوجي، مقارنة بـ25.5% فقط من الرجال، مما يضع النساء في موضع أكثر هشاشة في المستقبل القريب.