
نزع سلاح المقاومة في غزّة... أهداف حرب شاملة
يتّصل مطلب نزع سلاح المقاومة الفلسطينية بأهداف الاحتلال في غزّة، وفي مقدمتها إسقاط حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتفكيك بنيتها العسكرية. ومن زاوية أخرى، هو واحد من مكوّنات استراتيجية إسرائيل خلال الحرب ضدّ جبهات تشمل حدودها كلّها، وتستهدف فيها القوى التي تعتبرها مناوئةً، وتسعى إلى تدمير بنيتها، وشلّ فاعليتها العسكرية والسياسية. وهو تعبير عن تحوّل واضح في سياسة الاحتلال بعد 7 أكتوبر (2023)، فهي سياسة انتقلت من تحييد واحتواء ومحاصرة تنامي المقاومة إلى نهج تدميرها. بهذا المعني، ليس نزع السلاح مجرّد مطلب أمني لإعادة الاستقرار وإنهاء الحرب، لكنّه وثيق الصلة بفرض هيمنة إسرائيل وتوسيع نفوذها، وتكريس وضع إقليمي جديد، وردع (وتهديد) الأطراف كلّها، سواء من الجماعات أو الدول، لإحداث استقرار أمنى طويل نسبياً لإسرائيل، مع محاصرة التسلّح عموماً، وضمان تفوّقها العسكري، وهذا لن يتحقّق إلا بمفهوم النصر الحاسم، وضمنه نزع سلاح المقاومة، الذي تصفه "حماس" بوثيقة استسلام مرفوضة.
ويجري اليوم طرح العدو الإسرائيلي نزع السلاح شرطاً لوقف العدوان، في ظلّ جرائم ضدّ المدنيين وضغوط إنسانية هائلة، في ردّ انتقامي وعقاب جماعي يعتبرهما الاحتلال وسيلتي ضغط على حركة حماس، ويشير المستوى السياسي (نتنياهو وشركاؤه) إلى أن المواجهة شاملة، وتطاول المشاركين والمساندين للمقاومة في المنطقة، وتهدف إلى تأمين حدود إسرائيل، وصولاً إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط توجّهاً استراتيجياً، وهو خيار يستلزم تفكيك القدرات العسكرية للمقاومة، وتوسيع دائرة التطبيع، وتهميش القوى التقليدية في الإقليم، لمصلحة قيادة الاحتلال، ودمج أطراف منها في تحالف إقليمي جديد. ويتبنّى المستوى العسكري، هذه الرؤية أيضاً بشكل متطابق، بعدما أصبح نزع السلاح منذ "7 أكتوبر" هدفاً مركزياً لعملية السيوف الحديدية، ومختلفاً عما طُرح سابقاً بعد عمليتَي الجرف الصامد وحارس الأسوار، وتسوّق هذه الرؤية أيضاً ضماناً لإعادة الإعمار.
وينظر إلى نزع السلاح وإزاحة فصائل المقاومة ضرورةً أمنيةً، فيعتبر أيّ وجود عسكري في محيط دولة الاحتلال تهديداً محتملاً، ووُظِّف ذلك للعدوان على مزيد من الأراضي في سورية ولبنان، ما يشيع بيئةً أمنيةً مواتيةً لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، والضغط للقبول بالأمر الواقع، والبلدَان في وضع سياسي هشّ، إلى جانب أزمة اقتصادية عميقة، غير تداعيات العدوان عليهما، ما يؤهّل إلى حدوث توتّرات داخلية. وهذا الضعف العام، سمح بدخول أطراف عدّة، تطرح فكرة وجود علاقات تطبيع مع البلدَين مستقبلاً، ونفي أيّ وجود لجماعات تهاجم إسرائيل.
ويحاصر نزع السلاح أيضاً فكرة المقاومة حقّاً مشروعاً، ويجعلها شرطاً قابلاً للمراجعة. وتشنّ تلّ أبيب هجمات عسكرية بدعوى حماية أمن الحدود، كما في حالة لبنان، في إعادة لتبنّي مفهوم الجدار الحديدي (زائيف جابوتنسكي)، الذي يستعاد نقطةَ انطلاق لعمليات عسكرية هدفها إثبات أن المقاومة ليست حلّاً، والبديل تسليم الأطراف كلّها بإرادة إسرائيل وقدرتها على الهجوم والردع قبل التفاوض، ويتضّح ذلك من هجمات تُشنّ على الدول المحيطة، وأخرى لا يربطها مع دولة الاحتلال تماس جغرافي، كما هو الحال مع التصعيد ضدّ اليمن.
يحاصر مطلب الاحتلال بنزع السلاح فكرة المقاومة حقّاً مشروعاً، ويجعلها شرطاً قابلاً للمراجعة
وضمن قضايا ذات صلة بحصار إسرائيل لقوى الشرق الأوسط، يأتي التحريض على توجيه ضربات لإيران لإعاقة حصولها على سلاح نووي، سواء عبر ضربات منسّقة مع الولايات المتحدة بديلاً من التفاوض، أو الهجوم عليها بشكل منفرد، ويتصّل ذلك بمحاصرة أيّ جهة إقليمية تحاول حيازة قوّة عسكرية بوصفها تهديداً، وضُخِّمت دعاوى تهريب السلاح، حسب ما يشرح وزير الأمن المقال يوآف غالانت في مقابلة تليفزيونية، تناول فيها تسويق مزاعم وجود أنفاق ضخمة في محور فيلادلفي (صلاح الدين) وخلق انطباع زائف بوجود تهديد استراتيجي، وهو ما يستخدمه نتنياهو بشكل مستمرّ لشن الضربات الاستباقية في جبهات عدة، لتحقيق النصر الكامل، معلناً أن التوقّف يعنى خسارة المكاسب التي تحقّقت. وهذا يعكس استراتيجيةً ترتكز على الهيمنة عبر العدوان والحرب. وحتى استعادة الأسرى لم تعد شاغل قيادة الاحتلال، وإلى جانب أنها تريد نزع هذه الورقة من التفاوض وتقليل وزنها النسبي، فإن هذه الورقة لم تعد هدفاً أساسياً، ولم يكن مفاجئاً أن يقول وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مقابلة معه (21 إبريل/ نيسان) إن استعادة الأسرى هدف ثانوي، وهو يدعو إلى احتلال القطاع ويتبنّى استمرار الحرب.
وفي هذا السياق، يبرز الأمن أولوية قصوى، يتحقّق عبر نفي الجماعات المناوئة ونزع سلاحها، وسيطرة على الأراضي، ويسهم في استمرار هذا التوجّه التوسّعي هشاشة الوضع الإقليمي وعجز عن وقف تمدّد العدوان. كما يتزامن مطلب نزع السلاح مع استنزاف الحرب أهدافها عملياً، بإعلان "حماس" تخلّيها عن السلطة لمصلحة لجنة الإعمار، وتآكل إمكاناتها التنظيمية والسياسية، وبعرضها تسليم الرهائن في مقابل وقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال من القطاع. ويدفع بالطلب عربياً، تحت عنوان "وضع السلاح جانباً"، ما يخفف من وقعه باعتباره أحد متطلّبات الهدنة، غير أنه مطروح إسرائيلياً لتأهيل القطاع، ولتجسيد مطلب أمني "لا يمكن إعادة التأهيل من دونه، لأنه يضمن بيئة مستقرة وآمنة تفكّك الجناحَين السياسي والعسكري لحركة حماس بالكامل"، حسب ما جاء في تقييم استراتيجي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، نشر في فبراير/ شباط الماضي، إلى جانب أوراق لمراكز أبحاث عبرية وأميركية منذ أشهر الحرب الأولى، تتعلّق بمسألة التسليح ومواجهة القوى المناوئة لإسرائيل، والقضاء على المقاومة وجوداً، وتالياً النيل من فكرة وخطاب المقاومة (خطاب "التطرّف"). وحالياً، وعلى أرضية نتائج العدوان، تشترط دولة الاحتلال إعلان التخلّي عن السلاح، وبذات الصيغة تفرض شروطها في لبنان وتهدّد بالبقاء في الجنوب، مع توسيع المناطق المحتلّة في سورية.
قضية نزع السلاح أصبحت أداةً إسرائيلية لتحقيق الردع الإقليمي عبر إضعاف الأطراف المناوئة كلّها
ويرتبط نزع السلاح بتدمير المقاومة، وأيضاً تعطيل أيّ قوة من البروز والحدّ من فاعلية القوى الحالية، في مقابل تعزيز قوة الاحتلال العسكرية، ويظهر هذا النهج بتحريض الاحتلال ضدّ إيران، ومحاولات توجيه ضربة منسّقة مع الولايات المتحدة ضدّ المشروع النووي الإيراني وصواريخ طهران الباليستية، بل والحديث عن ضربة منفردة، ما تمسّكت واشنطن بالتفاوض، وكذلك الدفع لتصعيد الهجمات على جماعة الحوثيين في اليمن للقضاء على قدراتها وشلّها اقتصادياً. ويتكامل هذا التوجّه مع خطاب يتكرّر، وتعليقات قلقة من تسلّح الجيش المصري، وتعزيزاته في سيناء، وشراكاته العسكرية (منها المناورات الجوية الأخيرة مع الصين). وإن كان ما سبق يخصّ دولاً تحيط بإسرائيل، وخاضت معها مواجهات سابقة، فإن توجهات الاحتلال حيال قبول تسلّح دول خليجية ما زال يلقى تحفّظات، يظهر في نقاشات حول سعي السعودية إلى تنفيذ مشروع برنامج نووي، وتعاونها مع باكستان والصين، والتلويح بإمكانية تقديم مساعدة أميركية مقابل التطبيع، وحتى مع الإمارات التي تعتبرها ركناً أساسياً في بناء تحالف إقليمي مستند إلى اتفاقات إبراهام، فإنها لم تبد تعاوناً مع مشروعات بناء محطّات نووية سلمية، وتعاونت الإمارات مع كوريا الجنوبية وفرنسا.
وإجمالاً، لم تعد قضية نزع السلاح تقتصر على إضعاف المقاومة وصولاً إلى نفيها، وأداةً للضغط في التفاوض لإنهاء الحرب في غزّة، وحسب، لكنّها أداة لتحقيق الردع الإقليمي عبر إضعاف الأطراف المناوئة كلّها، وكلّ ما أمكن ذلك، بعد أن فشلت فكرة تأمين حدود غزّة بجدار أمني، ولم تحقّق سلسلة هجمات على القطاع كانت توصف بجزّ العشب هدفها من حماية الأمن. ومن جانب آخر نزع السلاح أداة لتثبيت صورة النصر الكامل لدى نتنياهو (الحاسم بتعبير ديفيد بن غورين)، وتحقيق أهداف الاحتلال استراتيجياً بمحاصرة أيّ قوى (دول أو جماعات) لمنعها من امتلاك القدرة والقوة أو التلويح بهما، حتى ولو كانتا محدودتي الأثر، خفيفتين ومصنّعتين محلّياً كما في حالة المقاومة، وهي قوة لا تقارن بما تمتلكه إسرائيل من واردات أسلحة شديدة التدمير، أو ما تصنعه وتستخدمه من أسلحة محرّمة، وأخرى توصف بأسلحة دمار شامل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
رئيس الشاباك الجديد يرفض صفقات التبادل ويصف حرب غزة بـ"الأبدية"
أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) المعين حديثًا، اللواء دافيد زيني، أعرب خلال اجتماعات مغلقة عن رفضه لصفقات تبادل الأسرى، واصفاً الحرب على غزة بـ"الأبدية"، مضيفاً أن القصف لا ينبغي أن يتوقف من أجل إعادة المحتجزين، ويأتي ذلك في ظل تعنت إسرائيلي واضح بشأن وقف الحرب الدموية التي يشنها الاحتلال على القطاع المحاصر. وقد أثارت هذه التصريحات استياء واسعًا بين عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة، حيث أصدرت الأخيرة بيانًا أعربت فيه عن غضبها الشديد، ووصفت تصريحات زيني بأنها "صادمة ومدانة"، معتبرة أن تعيينه في هذا المنصب "خطيئة على جريمة وظلم لشعب إسرائيل بأكمله". ويأتي هذا الجدل في ظل استمرار الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن إدارة ملف المحتجزين، حيث قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخرًا سحب وفد التفاوض الإسرائيلي من الدوحة، مما زاد من قلق عائلات المحتجزين حول مصير ذويهم. ويأتي هذا في وقت يعتزم فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياته في قطاع غزة، ونشر قوات إضافية، خلال الليل، حيث أفاد موقع "واللاه" العبري بأن الجيش الإسرائيلي أبلغ سكان بعض المستوطنات في غلاف غزة بإمكانية توسيع العملية العسكرية ليلاً، وحذّرهم من سماع أصوات انفجارات. وأضاف الموقع أن الجيش بدأ بالتحضير لنشر قوات إضافية داخل قطاع غزة. تقارير عربية التحديثات الحية الاحتلال يستأنف حرب غزة | عشرات الشهداء وحريق في مستشفى العودة وأمس الخميس، أعلن نتنياهو تعيين زيني رئيساً جديداً لجهاز الأمن العام (الشاباك)، متحدياً بذلك قرار المدعية العامة للدولة، التي كانت قد حذّرته قبل يوم من المضي في خطوة التعيين. وقال مكتب نتنياهو في بيان: "أعلن رئيس الوزراء نتنياهو، مساء اليوم، قراره تعيين اللواء دافيد زيني رئيساً جديداً للشاباك". وأضاف البيان أن زيني شغل سابقاً العديد من المناصب العملياتية والقيادية في الجيش الإسرائيلي، من بينها قائد الكتيبة 51 في لواء غولاني، وقائد وحدة "إيغوز" الخاصة، وقائد لواء "ألكسندروني"، ومؤسس لواء الكوماندوز، وقائد قيادة التدريب. كذلك أعدّ في مارس/آذار 2023 تقريراً لقائد فرقة غزة عن مدى الجاهزية لحدث مفاجئ ومعقّد، وخلص إلى إمكانية تنفيذ هجوم مفاجئ على القوات الإسرائيلية في معظم الجبهات، بحسب ما ورد في البيان. ويأتي هذا التعيين بعد أزمة عميقة بين رئيس (الشاباك) السابق رونين بار ونتنياهو على خلفية تقديم الأول إفادة للمحكمة العليا، تضمنت انتقادات حادة ضد الثاني الذي رد بنفي "الادعاءات" واعتبارها "كذباً وتضليلاً". ورغم رد نتنياهو على بار، وتعهده بتقديم إفادة مكتوبة إلى المحكمة العليا، أحدثت إفادة رئيس الشاباك جدلاً وصدمة في إسرائيل وأثارت تساؤلات عديدة بشأن احتمال إدانة نتنياهو قضائياً.


القدس العربي
منذ 3 ساعات
- القدس العربي
حكومة نتنياهو تشعر ببرودة تعامل ترامب وستوافق على وقف الحرب في غزة مقابل ضربة في إيران
الناصرة – «القدس العربي»: تقول مصادر في إسرائيل إن ما يجري في رفح من تدمير وتهجير سيتم استنساخه في خان يونس أيضا وذلك كجزء من خطة عسكرية يصمّم فيها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على احتلال 70 في المئة من القطاع، وحشر أهالي غزة داخل 30 في المئة منه، فيما تستمر مداولات الصفقة العالقة رغم وقفها واستعادة الطاقم المفاوض الإسرائيلي من الدوحة. وتنقل صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن كبار ضباط الجيش قولهم إن العمليات العسكرية في القطاع تخدم بشكل مباشرهدف استعادة المخطوفين وإن عملية توزيع المساعدات الإنسانية في الأسبوع القادم بطريقة جديدة ستغير اللعبة وتزعزع مكانة «حماس» نحو حسم حماس. في المقابل يواصل مراقبون ومسؤولون إسرائيليون سابقون التشكيك بذلك مؤكّدين أن نتنياهو يقود حربا بلا هدف وجدوى، ودوافعها سياسية. وتحت عنوان « تحرير مخطوفين أو حرب تضليل» يقول إيهود براك في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» الجمعة إن نتنياهو سيضطر في الأيام القريبة للاختيار بين «بن غفير وسموتريتش» وبين «ترامب وقادة العالم الحرّ»،بين حرب تضليل سياسية وبين استعادة المخطوفين وإنهاء الحرب. ويرى براك أنه لا توجد هنا حالة تماثل. حتى الذهاب مع ترامب وقادة فرنسا وبريطانيا سيكون منوطا بمصاعب، وهناك حاجة لقيادة يقظة مدججة بثقة بالنفس، ولرؤية تستطيع قراءة نفوس الشعب وما يحرك الأصدقاء والأعداء، والأهم شجاعة اتخاذ القرارات وقوة على تنفيذها، مع أقل كلمات غطرسة وأكثر أفعال. ويمضي براك في تصوير المطلوب:»بحاجة لقيادة توقف الحرب العبثية وإنهاء الكارثة الإنسانية في القطاع وتعيد المخطوفين دفعة واحدة واقتلاع حماس من سدة الحكم وانتزاع قدرتها على تهديدنا والانضمام ولو بتأخير لـ «الشرق الأوسط الجديد» في طبعة ترامب الشاملة تطبيعا مع السعودية والمشاركة في «طريق التجارة» من الهند إلى أوروبا. ويحذّر براك من أن الحرب تتنكر في هيئة حرب على أمن الدولة ومستقبلها وهي في الواقع حرب مضللّة سياسية.. حرب من أجل سلامة الإئتلاف. ويمضي في تحذيراته:»الحرب فصل حماقة جديد ومن المشكوك في قدرتها أن تأتي بنتائج مختلفة عن نتائج العمليات العسكرية السابقة، لكن المؤكد أنها ستعمق عزلة إسرائيل دبلوماسيا وقانونيا وتوقظ موجات من اللاسامية وتفرض حكما بالموت على قسم من المخطوفين. «الانتصار المطلق» على حماس لن يحدث لأنه عندما ستتوقف خلال مدة قصيرة نسبيا تحت ضغوط دبلوماسية على خلفية الكارثة الإنسانية أو أحداث في الميدان سنجد أنفسنا مجددا في ذات الوضع كما هو الحال اليوم». ويرى براك أن الطريق الوحيدة للانتصار على حماس منذ السابع من أكتوبر تكمن باستبدالها بجهة سلطوية أخرى تكون ذات شرعية في وعي المجتمع الدولي وفي القانون الدولي وفي نظر الجارات العربيات وبعيون الفلسطينيين أنفسهم. وهذا يعني بفي أي براك قوة عربية مؤقتة بتمويل دول الخليج: حكومة تكنوقراط فلسطينية مع بناء جهاز أمني يبنى بالتدريج برقابة عربية أمريكية، مع شرط إسرائيلي باستثناء أي شخص انتمى للذراع العسكري التابع لحماس، مع انسحاب إسرائيلي تدريجي ينتهي عند الحدود، مع استقرار التدابير الأمنية التي سيتفق عليها سلفا. وينبه إلى أن نتنياهو يتهرب من هذا السيناريو، محذرا من أن عناد إسرائيل على تحاشي النقاش حوله سيزيد من مخاطر المبادرة الدولية الواسعة والعربية لمقاطعة إسرائيل والدفع نحو دولة فلسطينية، فـ «التسونامي السياسي الآن يرتفع مقابل عيوننا». ويخلص براك للقول إن احتلال القطاع، وتهجير مليوني فلسطيني وبناء استيطان جديد، كل هذه الأمور أحلام فارغة ستعود كيدا مرتدا على إسرائيل وتحث على المواجهة مع بقية العالم. هذه الخيارات الماثلة أمامنا ومن المشكوك به أن يواجهها نتنياهو ووزراؤه من منطلق القلق على أمن الدولة ومستقبلها. هذا الفهم تؤكده صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها المكرسّة لـ هجوم جدي على نتنياهو معتبرة أن مؤتمره الصحفي الأخير يبرز حجم الخطر وحجم الحاجة للتخلص من هذا الرجل الخطير. وسبق براك في توصيف الحالة الراهنة التي ترتكب فيها إسرائيل جرائم حرب دون اكتراث بالعالم الغربي والعربي، كلٌ من النائب السابق قائد جيش الاحتلال يائير غولان، رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت ووزير الأمن الأسبق موشيه ياعلون وآخرون. وينضم عدد من المحللين البارزين لانتقادات المتصاعدة ضد نتنياهو خاصة أنه متهم بالدفع نحو أزمة دستورية بتعيينه جنرالا في الاحتياط رئيسا للشاباك بشكل مخالف لتعليمات المستشارة القضائية للحكومة. ويذهب المحلل السياسي البارز في القناة 12 العبرية بن كاسبيت لحد القول إن نتنياهو يدفع البلاد لحرب أهلية وإحراق الدولة في لعبة «روليتا روسية». ويتبعه محلل الشؤون السياسية في «هآرتس» يوسي فرطر الذي يقول تحت عنوان «خدعة القرن»:»إن نتنياهو كاذب» وبالنسبة له لا يوجد كذب لا يبرر الوسيلة فهو يحكم مجددا على آمال عائلات المحتجزين. في المقابل هناك تقديرات متشابهة ومتطابقة لدى عدد من المعلقين والمحللين الإسرائيليين حول العلاقة بين الحرب على غزة وبين ضربة في إيران مما يشي بأن هناك تسريبات عن مداولات تجري خلف الكواليس ووصلت لعدد من الصحفيين الإسرائيليين رغم أن المحادثات بين واشنطن وطهران إيجابية. وتحت عنوان «هذا هو الواقع يا أحمق» يقول المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل إن مشكلة إسرائيل ليست في أقوالها بل في أفعالها فاليوم تقتل مدنيين أكثر من أي وقت مضى منذ قامت، فيما لا يدرك قادة الحكومة والجيش عمق الأزمة الدولية، لافتا لوجود أفكار متداولة حول مقايضة مطروحة: إنهاء الحرب في غزة مقابل ضربة في إيران. ويتقاطع معه المحلل السياسي الأبرز في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع الذي يقول في مقال بعنوان «يقبرون غزة» إن الجيش يشق الطريق نحو تحقيق حلم المسيائيين الغيبيين في الحكومة. ويتابع كلما بقي من غزة ركام عملاق يتحول الاستيطان لحل مؤقت، بل هناك حاجة له». محذرا من أن إسرائيل متورطّة في بئر سياسية عميقة، وإن قصة إطلاق الرصاص قريبا من الدبلوماسيين(الأجانب) في جنين تبدو ملعقة سمّ إضافية لكأس الحنظل». ويتبعه زميله المحلل السياسي نداف أيال الذي يقول إن حكومة نتنياهو تشعر بالبرود من جهة إدارة ترامب وستوافق على إنهاء الحرب مقابل ضربة في إيران».


BBC عربية
منذ 4 ساعات
- BBC عربية
من هو الجنرال ديفيد زيني، ولماذا يثير تعيينه رئيسا للشاباك جدلا في إسرائيل؟
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الخميس، تعيين الجنرال ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن الداخلي المعروف اختصارا بـ "الشاباك"، وذلك خلفا لرئيس الجهاز الحالي "رونين بار" الذي تنتهي ولايته في 15 يونيو/حزيران المقبل. ويعد جهاز الشاباك واحداً من ثلاثة أجهزة استخبارية في إسرائيل، وهي : جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، وجهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد"، بالإضافة إلى الاستخبارات الداخلية "شاباك"، والذي يعرف أيضاً باسم "الشين بيت"، وهو معنيٌ بالأمن الداخلي لإسرائيل ومكافحة التهديدات التي تستهدفها من الداخل، ويخضع مباشرة لرئيس الحكومة. وأشار بيان صدر عن مكتب نتنياهو إلى أن تعيين الرئيس الجديد للشاباك لا يزال بحاجة إلى موافقة لجنة مراجعة والمجلس الوزاري المصغّر (الكابينت)، مؤكدا أن الجنرال ديفيد زيني لن يتدخل في التحقيق بشأن قضية "قطر غيت". وتشير عبارة "قطر غيت" إلى التحقيق الذي يجريه الشاباك، بشأن شبهات بتلقي بعض مساعدي نتنياهو رشاوى من دولة قطر. وأثار إعلان نتنياهو تسمية زيني لمنصب رئيس الشاباك جدلا في إسرائيل، بعدما حظرت المدعية العامة للدولة على رئيس الوزراء تسمية خلف لرونين بار، خشية "تضارب مصالح" مع قضية "قطر غيت"، في ظلّ توتر بين نتنياهو والسلطة القضائية على خلفية محاولاته إقالة رونين بار. وكان رئيس الشاباك الحالي، رونين بار، قد أعلن استقالته في أبريل/نيسان الماضي، قائلا إنه سيتنحى عن منصبه في 15 يونيو/حزيران، بعد ستة أسابيع من محاولة نتنياهو إقالته. من هو ديفيد زيني؟ هو لواء في الجيش الإسرائيلي يشغل منصب قائد قيادة التدريب والتأهيل في الجيش، بالإضافة إلى كونه قائد الفيلق التابع لهيئة الأركان العامة. ولد عام 1974 في القدس ونشأ في أشدود، في بيئة عائلية ذات خلفية دينية متجذرة. ينحدر من عائلة متدينة أصولها جزائرية، وهو الابن الأكبر بين عشرة أبناء للحاخام "يوسف وبنينا زيني"، الذي أصبح لاحقًا حاخامًا للمنطقة "د" في أشدود. جده هو الحاخام مائير زيني، أحد أشهر الشخصيات في يهود الجزائر، وعمه الحاخام إلياهو رحاميم زيني. تلقى الجنرال زيني تعليمه المبكر في مؤسسات دينية توراتية، شكلت محطته الأولى نحو التحاقه بالجيش. يعيش في مستوطنة "كيشت" بهضبة الجولان المحتلة، وهو متزوج وله 11 طفلا. يحمل درجة البكالوريوس في التربية، والماجستير في الأمن القومي والإدارة العامة. انضم للجيش الإسرائيلي عام 1992، والتحق بوحدة استطلاع هيئة الأركان العامة "سييرت متكال". تدرج في الجيش وتولى عدة مناصب أبرزها: قائد دورة قادة السرايا والكتائب، وقائد تشكيل عيدان، ومؤسس وقائد لواء عوز، وقائد لواء الإسكندروني، وقائد وحدة إيجوز. شارك زيني في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان. في عام 2006 تم تعيينه قائداً للكتيبة 51. وفي صيف عام 2007، قاد الكتيبة في نشاط عملياتي في قطاع غزة استمر حتى فبراير/شباط 2008. خلال عملية "الجرف الصامد" في عام 2014، وبعد إصابة قائد لواء "غولاني"، تم تعيينه مؤقتا بديلا له، وقاد اللواء خلال القتال في حي الشجاعية شرق غزة. في عام 2015، أسس زيني لواء الكوماندوز (عوز) وكان قائده الأول. وفي عام 2018 تمت ترقيته إلى رتبة عميد وتعيينه قائداً لتشكيل "عيدان". وفي عام 2020 أصبح قائدا للمركز الوطني لتدريب القوات البرية. في يونيو/حزيران 2023، تمت ترقيته إلى رتبة جنرال وتعيينه في منصبه الحالي - قائد قيادة التدريب والتأهيل في الجيش وقيادة الفيلق التابع لهيئة الأركان العامة. أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن نتنياهو قد اتخذ قرار تعيينه قبل نحو أسبوعين، لكنه لم يعلن ذلك حتى يتجنب ردود الفعل المعارضة لهذه الخطوة. لماذا يثير تعيينه جدلا؟ أثار تعيين رئيس جديد للشاباك جدلا وانتقادات في إسرائيل، نظرا لأنه ليس من داخل الجهاز، كما فاجأ الجميع، ومن بينهم المدعية العامة في إسرائيل التي أبدت تحفظاتها على ذلك التعيين. جاء تعيينه بعد 24 ساعة من قرار المدعية العامة، غالي بهاراف ميارا - والتي تتولى أيضا منصب المستشارة القضائية للحكومة – منع بنيامين نتنياهو، من تعيين رئيس جديد للشاباك، خلفا للرئيس الحالي للجهاز رونين بار، قبل استيفاء الفحص القانوني لقرار إقالته، وفقا لهيئة البث الرسمية. واعتبرت المحكمة العليا في إسرائيل، الأربعاء، أن إقالة حكومة نتنياهو لبار، كان قرارا "مخالفا للقانون". وعقب صدور قرار نتنياهو بتعيين الجنرال زيني، قالت المدعية العامة في إسرائيل، غالي بهاراف ميارا، في بيان مقتضب، إن "رئيس الحكومة تصرّف على نحو يتعارض مع التوجيهات القانونية". وأضافت أن "هناك مخاوف جدية من أنه تصرّف ضمن تضارب في المصالح، كما أن عملية التعيين تشوبها عيوب". ويقود الشاباك تحقيقاً مع مكتب نتنياهو، بخصوص علاقات مالية مزعومة بين دولة قطر ومسؤولين في مكتب رئيس الوزراء. وعلى هذا النحو، يواجه تعيين زيني عقبة قانونية كبيرة، ومن المتوقع أن تصدر المدعية العامة رأيًا رسميًا حول قانونية هذا التعيين خلال الأيام المقبلة، ما قد يؤدي إلى إلغائه. يواجه تعيين زيني كذلك رفضا من المعارضة الإسرائيلية، إذ دعا زعيم المعارضة، يائير لابيد، الجنرال ديفيد زيني إلى عدم قبول المنصب "طالما لم تبتّ المحكمة العليا في القضيّة"، في حين أعلنت منظمة "الحركة من أجل جودة الحكومة في إسرائيل" غير الحكومية عن نيّتها تقديم دعوى قضائية بشأن "هذا التعيين الباطل". هل أُقيل من الجيش؟ بدا قرار نتنياهو تحديا للنيابة العامة ولشريحة من المجتمع الإسرائيلي، وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن قائد الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، استدعى الجنرال زيني إلى "محادثة توضيح" معه صباح الجمعة، حيث لم يكن على علم بنية نتنياهو تعيينه. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن قيادة الجيش تفاجأت بقرار نتنياهو، تعيين رئيس جديد للشاباك، وإنه تم إعلام رئيس الأركان، إيال زامير، بالقرار "قبل دقائق قليلة من صدور البيان الصحفي لمكتب نتنياهو"، مشيرة إلى أن زامير "لم يكن جزءًا من عملية اتخاذ القرار بشأن هذه القضية، ولم يتم التشاور معه". وبعد هذا اللقاء، ثارت أنباء عن إقالة قائد الجيش للجنرال زيني من منصبه العسكري، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أصدر بيانًا قال فيه إن "الجنرال ديفيد زيني لم يُفصل من الجيش الإسرائيلي. وقد تم الاتفاق على تقاعده من الجيش، في ضوء تعيينه رئيسًا لجهاز الأمن العام - الشاباك. الجنرال زيني ضابط محترم يتمتع بامتيازات عديدة". لماذا حاول نتنياهو إقالة رونين بار؟ في مارس/آذار الماضي، قررت الحكومة الإسرائيلية إقالة رونين بار بناء على اقتراح من نتنياهو، برّره بـ"انعدام الثقة الشخصية والمهنية" بينهما، ما يمنع "الحكومة ورئيس الوزراء من ممارسة مهامهما بصورة فعّالة"، لكن تقارير أشارت إلى أن السبب يرجع إلى تحقيق يجريه الشاباك، بشأن الإخفاق الإسرائيلي في التصدي لهجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ورداً على القرار، قال رئيس الشاباك رونين بار إنّ "وجود ولاءات شخصية لرئيس الوزراء يتناقض مع قانون الشاباك والمصلحة العامة". وأكد أن التحقيقات التي أجراها الجهاز "أظهرت إخفاقات داخلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن أظهرت أيضاً سياسات الحكومة ورئيسها"، فيما بدا انتقادات قوية لنتنياهو. وعلقت المحكمة العليا في إسرائيل قرار إقالة بار على الفور، على خلفية طعون عدة تقدمت بها المعارضة ومنظمات غير حكومية والمدعية العامة للدولة، ونددت تلك الطعون بقرار نتنياهو بوصفه "غير قانوني ويهدد الديموقراطية بشكل خطير". وأعلنت حكومة نتنياهو في أواخر أبريل/نيسان تراجعها عن قرار الإقالة الذي أثار احتجاجات واسعة، وذلك غداة إعلان بار أنه سيترك منصبه في 15 من يونيو/حزيران المقبل. "تراجع عن خطوة مماثلة" قبيل إعلان رونين بار عزمه الاستقالة، وفي خضم الأزمة بين نتنياهو والمؤسسة القضائية بشأن إقالة بار من منصبه، كان نتنياهو قد رشح القائد السابق لسلاح البحرية الأميرال، إيلي شارفيت رئيساً جديداً لجهاز الشاباك، وذلك في نهاية مارس/آذار 2025. لكن نتنياهو تراجع عن قراره بعد ساعات فقط من اتخاذه، وأوضح بيان لمكتبه حينذاك أن "رئيس الوزراء شكر الأميرال شارفيت على استجابته لنداء الواجب، لكنه أبلغه أنه بعد المزيد من التفكير ينوي النظر في مرشحين آخرين". هذا ما أعلنه نتنياهو، لكن تقارير أفادت بأنه تراجع عن قراره بعد أن تفاجأ بأن شارفيت كان قد شارك، خلال العام الماضي 2024، في تظاهرات شعبية معارضة لقوانين الإصلاح القضائي التي طرحتها حكومة نتنياهو، والتي اعتبرها معارضون تحد من صلاحيات واستقلال السلطة القضائية.