
تاريخ موجز للسياحة الواعية
في روما، يبدو أن جميع الطرق تؤدي إلى نافورة «تريفي». في زيارتي الأخيرة، كل مرة كنت أطلب من خرائط جوجل توجيهي إلى أحد المواقع في المركز التاريخي للمدينة، كانت ترسلني عبر هذه النافورة السياحية التي أمر البابا كليمنت الثاني عشر ببنائها في القرن الـ18. كانت المساحة أمام النافورة بمثابة بركة مياه للسياح المتدفقين من كل مكان. وكانت هذه فقط بداية موسم الذروة في روما. كثيراً ما يشكو السياح الأجانب من كثرة الأعداد. لكن السكان المحليين يشكون أيضاً، ولديهم قصص يروونها.
مقطع فيديو من كاميرات المراقبة يُظهر زائراً في معرض «أوفيتزي» المزدحم في فلورنسا، يقف أمام لوحة من القرن الـ18 لأحد ورثة عائلة ميديتشي (التي لعبت الدور الأهم في تاريخ فلورنسا من ناحية الاقتصاد والسياسية والثقافة بين القرنين الـ15 والـ18)، ثم يتعثر قليلاً ويثقب اللوحة إما بيده أو بكوعه. الصيف الماضي، أعلن عمدة روما أنه «لا يمكن أن يكون هناك مكان للمشاغبين والحمقى»، بعد أن استخدم زائرٌ مفتاحاً لنقش اسمه على أحد جدران الكولوسيوم. وفي العام السابق، فعل زائر من بريستول الشيء نفسَه.
وقبل شهر، ظهرت تقارير عن سائح أميركي طعن نفسَه بسياج معدني أثناء محاولة التقاط سيلفي عند الآثار التي يبلغ عمرها 1953 عاماً. وللإنصاف، لم يكن السياح السبب وراء قانون إيطاليا العقابي الصادر عام 2024 ضد تشويه الفن والمعالم والمواقع الطبيعية، والذي يفرض غرامات تصل 70 ألف دولار.. بل كان يستهدف مَن يسمَّون «المخربين البيئيين»، أي النشطاء الذين هاجموا نافورة تريفي وأوبرا «لا سكالا» في ميلانو باسم حماية الكوكب. ومع هذا، فإن الانتهاكات الحقيقية أو المتخيّلة من قبل السياح أشعلت غضباً محلياً من البرتغال إلى اليابان، وصل أحياناً إلى مشارف كراهية الأجانب.
في طوكيو، وصف أحدُ المشاهير السياحَ والمهاجرين بـ«الأنواع الغازية»، وتكهّن بأن الزوار قد يتجاوزون مدة إقامتهم، مما قد يُضعف في نهاية المطاف الثقافةَ اليابانية الفريدة. ويمكن إلقاء اللوم بشكل كبير على إجراءات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19، والتي أدت إلى تحرر الطلب المكبوت، في موجة السفر الانتقامي الحالية. في البداية، رحبت كثير من الدول بعوائد هذه الوفرة، لكن سرعان ما خرجت الأعداد والسلوكيات السيئة عن السيطرة. ومع ذلك، فإن جذور التوتر بين الزوار والسكان المحليين أقدم بكثير. ولطالما كانت طبيعة السياحة، حتى قبل صياغة الكلمة الإنجليزية في أواخر القرن الـ18، مُقلقةً. عند ما صوّر دانتي الدائرةَ الثامنة من الجحيم، تخيّل شياطين بقرون تجلد طوابير العُصاة لحثهم على الانضباط، وشبّههم بالزوار الذين كانوا يُجبَرون على السير في اتجاه واحد على جسر «سانت أنجلو» المؤدي إلى كاتدرائية القديس بطرس. حتى في القرن الـ14، كانت حشود الزوار تمثل مشكلة، رغم أن الباباوات أنفسهم شجعوها لتحفيز الاقتصاد المحلي. كان الزوار (الحجاج) أول السياح، وقد سافروا ليس فقط لرؤية المواقع المقدسة، بل لشراء البركات والتذكارات، وأحياناً لإقامة علاقات مع السكان المحليين. أما الطبقات الأرستقراطية البريطانية، فقد شرعت في «جولات كبرى» خلال القرن الـ18، يأكلون ويشربون ويمرحون في كبرى مدن أوروبا.
ولكن لم يتم تعميم السياحة إلا في منتصف القرن الـ19 عندما قام «توماس كوك» بتحويلها إلى تجربة عائلية محترمة ومنظمة للطبقة الوسطى. كانت جولات كوك نموذجاً لما يتوقعه كثيرون اليوم من السفر: تجربة مريحة، مغلقة على الذات، تتيح للناس أن يظلوا كما هم في قلب بلد أجنبي. وربما تكون هذه الجولات أصل سلوكيات الترف الزائد لدى بعض المسافرين اليوم. كما أنها كانت بذرة صناعة تشكّل الآن نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما يشمل نحو 8% من اقتصاد اليابان، وأكثر من 10% من اقتصاد إيطاليا. لذا، فإن ما نسميه الآن «أزمة» له جذور ضاربة في القدم. أما المذنبون المفترضون فهم خليط من زائر ساذج، وسائح بورجوازي، وأحمق وقح. وقد تفاقم الوضع أيضاً نتيجة تضخيم التوقعات من قبل شركات الطيران، وسلاسل الفنادق، وصناعة الرفاهية، والمطاعم، وغيرها من الصناعات التي تهدف إلى استنزاف هذه الحركة البشرية من أموالها. والمقصود هو منع الغضب المحلي إزاء السلوكيات السيئة من أن ينحرف نحو الجنون. فالأفعال السيئة، حتى لو ارتكبتها أقلية صغيرة، قد تؤدي إلى قومية متعالية وقواعد إقصائية.
ومن المهم هنا أن نتذكر أن السياح المحليين أنفسهم قد يتصرفون كالسكان الأصليين أيضاً. هدّئوا من روعكم، ستجد الدول الكبرى، مثل فرنسا وإيطاليا واليابان وغيرها، صعوبةً في تقييد السياحة دون أن تقلل من جاذبيتها، حتى لمواطنيها.
والمثال الواضح هو الولايات المتحدة، حيث أدت القصص المتكررة حول مضايقات أو احتجاز السياح عند الحدود إلى تراجع في أعداد الزوار. لقد خفضت مدينة نيويورك توقعاتها للزوار الدوليين بنسبة 17%. وقد ينخفض إنفاق السياح الأجانب في أميركا خلال عام 2025 بما يصل إلى 12.5 مليار دولار، حسب مجلس السفر والسياحة العالمي. قبل هذه القيود، كانت السياحة والسفر تشكل ما يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 30.5 تريليون دولار. ربما يكون هناك حلّ ما في الاعتماد على المرشدين البشريين، المعتمدين لتخصيص الجولات السياحية وإنقاذ الزوّار من حماقاتهم. وليس هذا بالجديد. ففي مقال للفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون عام 1625، نصح المسافرين بأن يَصحبوا معهم شخصاً يتقن اللغة وله معرفة بالبلد، كي يتمكن من إرشادهم لما يستحق المشاهدة.
وبالنسبة للنزاعات، قال بيكون إنها «يجب تجنبها بعناية وحكمة». أي تصرفوا بأدب. ربما يؤدي إنشاء نظام للمرشدين الأكفاء إلى مزيد من البيروقراطية. لذا ينبغي علينا، نحن السياح، أن نكون أكثر وعياً بسبب سفرنا. ومن المهم الخروج من منطقة الراحة، واختبار تجربة مختلفة تماماً. وملاحظتي الخاصة: تخلَّ عن قائمة الوجهات النمطية، وابتكر قائمتك الخاصة.. قم بالبحث، ولا تكن جزءاً من الحشود التي لا تعرف سوى التحديق في نافورة تريفي. فالمدن الكبرى، رغم ازدحامها، تحتوي دائماً على بدائل هادئة تتيح لك استيعاب روحها دون الاختناق في ما يشبه حفلة صاخبة. الابتعاد عن الزحام قد يكون الفارق الحقيقي.
هوارد تشوا-أويان*
*كاتب يُعنى بشؤون الثقافة والأعمال
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صقر الجديان
منذ 11 ساعات
- صقر الجديان
مصر.. القبض على صانعتي محتوى يكشف عن تهم خطيرة بالقاهرة
وكشفت التحريات عن تورطهما في تشكيل شبكة منافية للآداب بالتعاون مع أشخاص من دول عربية، إلى جانب حيازتهما مواد مخدرة بقصد الاتجار بها. وتلقت الأجهزة الأمنية بقسم شرطة أول أكتوبر بلاغات من مواطنين اتهموا 'فراولة' و'تفاحة' بنشر محتوى يتضمن ألفاظا وتصرفات تنافي القيم المجتمعية وتسيء إلى الآداب العامة، وبعد تقنين الإجراءات، تمكنت قوات الأمن من القبض على المتهمتين في مقر إقامتهما حيث عثر بحوزتهما على كمية من مخدر 'الآيس' وعدد من الأقراص المخدرة. وخلال التحقيقات اعترفت المتهمتان بحيازة المواد المخدرة بقصد الاتجار بها، وأقرتا بنشر مقاطع فيديو تحتوي على محتوى غير لائق بهدف زيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية. وكشفت فحوصات هواتفهما المحمولة عن وجود محادثات ورسائل تؤكد تورطهما في إدارة شبكة منافية للآداب، حيث كانتا تستقطبان أشخاصاً من دول عربية لممارسة أعمال غير أخلاقية مقابل مبالغ مالية تصل إلى 4 آلاف دولار يومياً. وأوضحت التحريات أن المتهمتين كانتا تديران نشاطهما عبر التواصل الهاتفي مع عملائهما، حيث يتم الاتفاق على المبلغ المالي وإرسال العنوان لتنفيذ الأعمال المنافية للآداب، وقررت جهات التحقيق حبس المتهمتين لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات، مع استمرار التحقيق في الشبكة المرتبطة بهما. وأحيلت المتهمتان إلى النيابة العامة التي وجهت لهما تهم تشكيل شبكة منافية للآداب، ونشر محتوى خادش للحياء، والاتجار بالمواد المخدرة، كما تم التحفظ على المواد المخدرة المضبوطة والهواتف المحمولة لفحصها بدقة، وجارٍ التحقيق لكشف باقي أطراف الشبكة المحتملين. تأتي واقعة 'فراولة وتفاحة' في سياق حملة واسعة تشنها أجهزة الأمن المصرية على صناع المحتوى المخالف والمنافي للآداب والقيم، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن توقيف عدد من صانعي المحتوى، من بينهم 'أم سجدة' و'أم مكة' و'سوزي الأردنية'، بتهم مشابهة تتعلق بنشر محتوى خادش للحياء أو إساءة استخدام وسائل التواصل. وتتيح القوانين المصرية، مثل قانون مكافحة جرائم الإنترنت لعام 2018، للسلطات ملاحقة الأفراد بتهم مثل 'انتهاك القيم الأسرية'، رغم انتقادات تزعم أن هذه التهم تفتقر إلى تعريف واضح، مما يمنح السلطات هامشاً واسعاً في التفسير.


العين الإخبارية
منذ 12 ساعات
- العين الإخبارية
صراع على فتاة ينتهي بقتيل عمره 16 عاما على يد 9 طلاب في أمريكا
في مشهد مأساوي، فقدت ساوث كارولينا فتى يبلغ من العمر 16 عاما، تري دين رايت، إثر مؤامرة مدروسة نشأت من نزاع "على فتاة". وُجد رايت في 24 يونيو/حزيران مصاباً بعدة طلقات نارية في شارع First Neck قرب جونسونفيل، على بُعد 45 ميلاً من ميرتل بيتش، ليفارق الحياة لاحقاً في المستشفى، فيما أثار الحادث صدمة كونه وقع أمام كاميرات المراقبة. وقال الشريف تي جي جووي إن "الخلاف كان بين شخصين يعرف أحدهما الآخر، ولم يكن إطلاق النار عشوائياً، بل نتيجة مشاكل سابقة مرتبطة بفتاة". وبعد يوم واحد، ألقت السلطات القبض على ديفان سكوت رايبر (19 عاماً) بتهمة القتل وحيازة سلاح خلال ارتكاب جريمة عنف، فيما ظل محتجزاً من دون كفالة. وكشفت التحقيقات عن تورط آخرين من المراهقين في القضية. كما جرى توقيف جيانا كيسنماشر، صديقة الضحية (17 عاماً)، بعدما تبين أنها اصطحبت صديقها لمواجهة القاتل، لتُوجَّه إليها تهمة "مساعد قبل ارتكاب الجريمة". وقد أُفرج عنها لاحقاً بكفالة مع وضعها قيد الإقامة الجبرية. وأضاف الرائد مايكل نان أن المراهقين الآخرين كانوا على علم بأن رايبر مسلح وأن المواجهة كانت محتملة، مؤكداً أن خمسة من المتهمين يتعامل معهم القانون كبالغين. من بين المعتقلين أيضًا هنتر كيندال 18 عامًا، سيدني كيرنز 17 عامًا، وكورين بلفيزو 18 عامًا، حيث أُفرج عن كيرنز وبلفيزو بكفالة 20,000 دولار لكل منهما، بينما يظل كيندال ورايبر رهن الاحتجاز دون كفالة. أربعة مراهقين إضافيين اعتقلوا أيضًا بسبب تورطهم في النزاع الرومانسي القاتل، ولم تكشف السلطات عن هويتهم بعد، في حين من المتوقع أن يسلم مشتبه آخر نفسه قريبًا. وقالت أشلي ليندسي، والدة الضحية: "كل جلسات المحكمة والكفالة جعلتني مشغولة جدًا، ولا أجد وقتًا لأفكر وسط فقدان طفلي الثمين". وصفت السلطات هذه القضية بأنها استثنائية ونادرة، حيث أكد نان: "كل قضية مختلفة، ولم أرَ من قبل حالة مشابهة لهذه، وستكون غير عادية في أي مكان". تستعد المحكمة لاستدعاء رايبر في 19 أغسطس/آب، فيما يمثل كيندال وبلفيزو أمام محكمة مقاطعة فلورنس في 17 سبتمبر/أيلول، بينما يظل الرأي العام مترقبًا لمعرفة التفاصيل الكاملة لهذه الجريمة التي هزت المجتمع المحلي. IT


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
الليلة بـ٤ آلاف دولار.. تفاصيل ضبط التيكتوكرز فراولة وتفاحة
أعلنت وزارة الداخلية المصرية توقيف صانعتَي المحتوى الشهيرتين على منصات التواصل، والمعروفتين باسم "فراولة وتفاحة". جاء ذلك بعد تلقي عدة بلاغات تتهم فراولة وتفاحة بنشر مقاطع مصوّرة خادشة للحياء تخالف القيم المجتمعية، إلى جانب استغلال وسائل التواصل لتحقيق مكاسب مالية. تفاصيل المداهمة وبحسب مصادر أمنية، نفّذت قوة من الشرطة عملية مداهمة في محل إقامتهما بدائرة قسم أول أكتوبر – الجيزة، حيث جرى ضبط كمية من مخدر "الآيس" وأقراص مخدرة. وبمواجهتهما، أقرت المتهمتان بحيازة المواد المخدرة بغرض الاتجار، فضلًا عن اعترافهما بإنتاج مقاطع مثيرة للجدل بهدف زيادة نسب المشاهدة وجني الأرباح. وكشفت التحقيقات الأولية أن نشاط المتهمتين لم يقتصر على المحتوى المصوَّر، إذ أظهرت التحريات الأمنية تورطهما في تشكيل شبكة مشبوهة تستقطب شبانًا من جنسيات عربية مقابل مبالغ مالية تصل إلى نحو 4 آلاف دولار في الليلة. أدلة من الهواتف وخلال فحص الأجهزة والهواتف التي تم ضبطها بحوزتهما، عُثر على رسائل ومحادثات توثق الاتفاقات التي كانت تُبرم عبر الهاتف، مع تبادل العناوين عقب التوصل إلى الاتفاق المالي، ما عزز من اتهامهما بممارسة أنشطة مخالفة للقانون. قررت جهات التحقيق بمدينة 6 أكتوبر حبس "فراولة وتفاحة" أربعة أيام على ذمة التحقيق، بتهم نشر الفسق والفجور، حيازة مواد مخدرة بقصد الاتجار، وتكوين شبكة منافية للآداب العامة. aXA6IDY0LjEzNy44Mi4zMSA= جزيرة ام اند امز IT