
العودة من المنفى…
ميديا – الناس نيوز ::
الشرق الأوسط – سمير عطالله – منذ تسلم الرئيس أحمد الشرع السلطة الانتقالية في دمشق، بدأ كثيرون العودة إلى ديارهم ومنازلهم، وبينهم، طبعاً، الصحافيون والكتّاب، على اختلاف نتاجهم. ويتميز «أدب العودة» هذا بأساليب العائدين: الحاد، وشديد الحدة، وما لا حدة مِن بعده. ها هو ذا بئر الأقلام قد انفتح، وكل عائد يحمل معه جروحه ويملأ الدنيا حبراً وألماً ومرارة.
شهدت سوريا موجتين من المنفيين: الأولى في أواخر الخمسينات – أوائل الستينات. وكان من نجومها نزار قباني، وأدونيس، ومحمد الماغوط، وإلياس مسوح، وسامي الجندي… ورهط ممن أُدخلوا السجون أو هربوا قبل دخولها. الموجة الثانية كانت بعد السبعينات، وضمت عدداً آخر من دون حجم الأسماء الأولى.
«المنفيون» الأوائل تركوا ميراثاً أدبياً في تذكر عاصمتهم، مليئاً بذكريات البيت الدمشقي وبحرته وحديقة الياسمين.
العائدون الآن «بعد غياب 45 عاماً»، أو20، أو 3 عقود، يكتبون عن ابتهاجهم بإلغاء التجنيد الإجباري، وعمّا عانوه في السجون، وعن فرحتهم بمعانقة وطن كانوا ممنوعين من معانقته، وعن أُمّ توفيت من دون أن يستطيعوا رؤيتها.
أديبة عائدة كتبت شيئاً لم أقرأ مثله في كل ما قرأت عن المرحلة الستالينية. قالت إن النظام كان يتعمد شبكات الطرق السيئة لكيلا تنفتح الناس بعضها على بعض. وظل، إلى عقد مضى، يحظر اللغات الأجنبية؛ بحجة الحفاظ على اللغة العربية، لكن السبب الحقيقي كان إغلاق جميع نوافذ المعرفة.
وعندما انهار الاتحاد السوفياتي، أعلن عبد الحليم خدام نفسه أنه كلف دراسة تأثير ذلك على النظام في دمشق.
طيلة 60 عاماً ظلت سوريا تقرأ، أو تتظاهر بأنها تقرأ، 3 صحف يومية هي «تشرين» و«الثورة»… ونسيتُ اسم الثالثة تماماً. وكان ذلك على غرار صحيفتَي «برافدا» و«إزفستيا» في موسكو.
مثل الأدباء الروس، نشر أدباء سوريا نتاجهم في الخارج. وكانت للجارة بيروت الحصة الكبرى من ذلك النتاج، غير أنها ظلت نسبة ضئيلة جداً مقارنة بما كان يمكن أن تكون عليه، أو أن الأديب السوري كان يعيش حالة عادية.
وقد انعكس ذلك على جميع أحوال الفنون؛ بما فيها الرسم والتمثيل. حتى بدا كأن سوريا خارج هذا الحقل الإبداعي مقارنة بغزارته في المجتمعات العربية التقليدية، أو المنضمة حديثاً إلى ما كانت سوريا متقدمة فيه في الماضي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
منذ 16 ساعات
- الناس نيوز
نعمة الطوائف ونقمة الطائفية: في العقد الاجتماعي وقلق الهوية السورية…
ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – د. محمد خالد الشاكر – لم يشهد التاريخ السوري فرزاً دوغمائياً نكائياً طائفياً أكثر مما يشهده اليوم؛ فلم تعد الطائفية في سورية خطاباً شعبوياً على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بقدر ما تحولت إلى حالة مرعبة، أصبحت تتسلّل رويداً رويداً إلى الخطاب السوري، إعلامياً، وثقافياً، وسياسياً. قبل تأصيل ظاهرة تصاعد الخطاب الطائفي بسبب عدم تبلور الهوية السورية، تاريخياً، في إطار عقد اجتماعي يعكس تعدّدية المجتمع؛ لابد من التعريج على أسبابه المباشرة التي ولدت من رحم صراع دموي ومدمّر، فالتحوّلات القسرية التي طرأت على المجتمع السوري خلال سنوات الحرب 2012- 2024، دفعت بالشخصية السورية المذعورة إلى الانكفاء على خصوصيّتها ردّ فعل للواقع المحتدم؛ فتحول المجتمع السوري المسالم والمتآلف إلى خاصرة رخوة من الخوف والانقسام والتشظي طائفياً، وإثنياً، ومذهبياً، وسياسياً، وعسكرياً. وكما تفرض التعدّدية السياسية نفسها ميزة لتعزيز قيم العدالة والحكم الرشيد في مواجهة الاستبداد، تشكل المجتمعات المتعددة طائفياً وإثنياً إحدى ميزات المجتمعات المتحضرة اليوم، وذلك من خلال حوكمة مؤسّساتها، التي تضطلع بصهر الهويات الفرعية في بوتقة الدولة الوطنية، فكلما أحسنت السلطات الحاكمة إدارة التنوّع والاختلاف، نجحت في إدارة التنوّع ونقلته من تعدّدية الصراع إلى تعددية التوازن والتكامل. تواجه المؤسّسة الثقافية السورية اليوم المهمّة الأكثر إلحاحاً في طريق بناء الدولة السورية، وذلك في قدرتها على مواجهة الخطاب الطائفي الشعبوي المنفلت، وانتشال العقلية السورية من إرثها الثقيل المحمّل بعقود من القهر والخوف والموت والاستبداد. لقد أصبحت الطائفية وجبة شهية مادتها الكراهية والتشفي والانتقام، فطفت على السطح مفردات الضد من الوطنية، كتسفيه الاعتقاد والخصوصية الدينية، والحديث عن تاريخية هذه الطائفة، وغموض تلك، ووصف هذه الطائفة بالغلو والكفر؛ يؤازرها سرديات لي عنق التاريخ من خلال الحديث عن علاقة هذه الطائفة بالمحتل الفرنسي، وربط تلك الطائفة بالنظام البائد، والأخرى بإسرائيل، قابله انكفاء على الخصوصية، أدّى إلى تصاعد حمّى الهويات الفرعية؛ وكأن السوريين يتجهزون لمرحلة ملوك الطوائف، في مرحلة أحوج ما يكونون فيها إلى وضع اللبنات الأولى لبناء الدولة السورية، وبلورة هويتها الوطنية الجامعة. يرى جان جاك روسو ( 1712- 1778) 'أن البشر مسالمون بطبيعتهم، لكن القوانين والمؤسّسات هي التي تفسدهم' في إشارة إلى طبيعة العقد الاجتماعي أو الدستور الذي يحكم الأفراد والجماعات، وبالأدق قدرة السلطة والقوانين على إيجاد آلية للالتزامات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، بوصفها علاقة جدلية تؤدّي، في نهاية المطاف، إلى تحقيق الإرادة العامة، وتحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلاد، فلا دولة بدون سيادة، ولا سيادة بدون إرادة عامة مشتركة، ولا إرادة عامة بدون عقد اجتماعي يعكس تطلعات الجميع. أدّت التطورات التاريخية لفكرة الدولة بعد مؤتمر وستفاليا (1648) إلى إنهاء الحروب الدينية في أوروبا، وحل المشكلة الطائفية. كما أدّت التطورات التاريخية لمفهوم الديمقراطية والهزات التي عانتها أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الانتقال من فكرة الدولة القومية إلى دولة المواطنة حلّاً لإشكاليات الهويات الفرعية وصراعاتها، فأصبح الفرد وبغض النظر عن خصوصيته مواطناً له الحق في أن يكون له وطنٌ، لا يعيش فيه فحسب، وإنما يشارك في بنائه. أسّست فكرة المواطنة لتدوين الحقوق الطبيعية، أو ما يسميها بالمفهوم الإيكولوجي عالم العقائد توماس بيري ( 1914- 2009) بـ 'شريعة الأرض'، أي الحقوق التي تولد مع الإنسان وفي بيئته، ومنها الحقّ في الحياة والوجود، والحقّ في الحرية، والحق في التعبير، والحقّ في الكرامة، والحق في الملكية، بوصفها حقوقاً متأصلة في النفس البشرية وموجودة في مراحل ما قبل الدولة، ومن ثم، لا يحقّ لأية سلطة مصادرتها أو النيْل منها. عرفت سورية أولى إرهاصات تشكيل الهوية الوطنية خلال فترة الحكم العثماني، عندما أسّس بطرس البستاني ( 1819- 1883) صحيفة 'نفير سورية' أول صحيفة وطنية، كما أسّس 'المدرسة الوطنية العليا' التي ضمّت طلاباً من جميع الطوائف. منذ تأسيس الدولة 1920، لم تشهد سورية أي حراك جماهيري يعكس الممارسة الفعلية لديمقراطية قادرة على بلورة هوية سورية نابعة من فكرة سيادة الشعب. ولهذا، لم تعرف سورية حكومة وطنية بشرعية شعبية بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فقد كانت غالبية الحكومات السورية نتاج تحالفات كولونيالية. على سبيل المثال، ضمّت الوزارة الأولى بعد إعلان الاستقلال في مارس/ آذار 1920 مجموعتين، هما مجموعتا رضا باشا الركابي الموالي للإنكليز وعلاء الدين الدروبي الموالي للفرنسيين، تزامن ذلك مع تشكيل برلمانات بديمقراطية هشّة، أوصلت المتنفذين، والباشوات، والإقطاعيين، والتجار، وشيوخ العشائر من جميع الطوائف والإثنيات. طوال فترة الاحتلال الفرنسي، استمر استنساخ الأزمة البنيوية للهوية السورية نتاجاً كولونيالياً، فتشكّلت هوية سياسية نخبوية هي الأخرى من تجّار المدن، وكبار ضباط الجيش العثماني السابقين، والإقطاعيين، وشيوخ القبائل، والأشراف، ورجال الدين، والوجهاء، بصفتها تركيبة غير متجانسة هوياتياً بالمعنى الوطني، تجمعها، أفقياً، المصالح وتقاسم السلطة، بينما تغيب، عمودياً، الجماهير السورية؛ في دولةٍ صُممتْ بالأساس بطريقة استعمارية، بحيث يصعب على أية دولة خارجية الانتصار فيها وحدها، كما يصعب على أي طرف سوري الاستئثار بها داخلياً. وهو ما يفسّر بقاءها محكومة بثنائية الانقلابات والاستبداد، كما هشاشتها في مواجهة التحديات الخارجية، بسبب متواليات القضم الجغرافي من أجزائها منذ الاستقلال. مع انقلاب 1970 الذي أسس للمرحلة الأسدية 1970- 2024 جرى من جديد، وبطريقة ما، استنساخ التحالف الكولونيالي ذاته للهوية السورية، بوصف ذلك تركيبة جاهزة للاستئثار بالسلطة، حيث عقدت السلطة في مرحلة الأسد الأب وابنه تحالفاتها مع كبار التجار في تزاوج خبيث بين المال والسلطة، كما أعادت صياغة المشيخة من داخلها على أسس ولائية، وأفرغت العقيدة العسكرية للجيش واستبدلتها بالأجهزة الأمنية؛ فتحوّلت سورية إلى دولة عسكرتارية شمولية، تئن فيها جميع الطوائف والإثنيات تحت وطأة الولاء للسلطة، الذي نقل الهوية السورية من مرحلة القلق إلى الإلغاء، فعاشت سورية حكماً بوليسياً يخفي تحت رماده، جمر الصراعات البينية سياسياً، وطبقياً، ومناطقياً، وطائفياً، وعشائرياً، وهي التصدّعات التي أسّست في مراحل لاحقة لانفجار مجتمعات المخاطر في مارس/ آذار 2011. أدّى تحوّل الثورة السورية إلى صراع طائفي مخيف وبدفع خارجي إلى تصاعد الهويات الفرعية السورية، وبالأخص المذهبية منها، ما دفعها إلى الانكفاء على خصوصيتها حالة طبيعية في النفس البشرية خلال الأزمات. وتصاعدت المسألة الطائفية أكثر مع سقوط النظام، خصوصاً مع رفض آليات إدارة المرحلة الانتقالية، التي رأت فيها باقي الطوائف وبعض الكرد، وكثير من النخب السنية، استئثاراً لسلطة دينية سنّية بعينها، تجافي تطلعات السوريين في التشاركية والمواطنة. وهو الموقف الذي يأخذ بالتزايد بين السوريين يوماً بعد، خصوصاً بين قوى المعارضة من السياسيين والعسكريين والمدنيين المنشقين عن النظام، الذين بدؤوا يشعرون بأنهم فئة غير مرغوب فيها في عقلية الحكم الجديد، ما يضع سورية أمام حالة من اتساع دوائر الانقسام السوري طائفياً، وإثنياً، وسياسياً. يقف السوريون اليوم أمام استحقاقٍ أخير مهم ومفصلي، متمثلاً في الهيئة التشريعية ولجنة صياغة الدستور في مرحلة قلقة وهشّة يقف فيها الجميع أمام خطر وجودي؛ ولحظة تاريخية يجدُر بهم اقتناصها لإعادة صياغة هويتهم السورية من خلال البحث عن مشتركاتهم التاريخية، بدءاً من الأخذ بنعمة التعدّدية في المجتمعات المتحضرة، والتوجه إلى ما هو جامع. فهم عرب من مسيحيين وعلويين ودروز وسنة، وهم مسلمون من كرد وعرب. سورية اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى دستور عصري يؤطّر الهوية السورية، ويصوغ عقدها الاجتماعي في إطار دولة المواطنة، الكفيلة وحدها بإبعاد غول الطائفية الذي يطلّ برأسه على جميع السوريين، وفي أضعف حالاتهم من الجوع، والخوف، والدمار، والانقسام. وهي المهمّة التي تبدأ من ثورة ثقافية بخطاب سوري جامع، يطفئ نار النكايات الطائفية قبل أن يكتوي بها جميع السوريين.


حضرموت نت
منذ يوم واحد
- حضرموت نت
رئيس انتقالي حضرموت يُشيد بالمناقب النضالية للمنصب 'عمر باوزير'
المكلا (المندب نيوز) خاص بعث رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت، العميد الركن سعيد أحمد المحمدي، برقية عزاء ومواساة، في وفاة المنصب عمر محمد عبدالله باوزير، الذي وافته المنية بعد صراع مع المرض في أحد مشافي مدينة المكلا. وأشاد العميد المحمدي، بمناقب الفقيد باوزير أبن مديرية الديس الشرقية الذي يعد من مناضلي الرعيل الأول في ثورة شعب الجنوب التحررية، مشيرًا إلى حضور الفقيد القوي في ميادين العزة والشرف أبان النضال السلمي لشعب الجنوب، مؤكدًا على أن الفقيد من الشخصيات الاجتماعية المعروفة وله إسهامات في فعل الخير وإصلاح ذات البين. وتقدم رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت، بخالص العزاء والمواساة إلى أبناء الفقيد محمد ،مروان، مازن، معتز، عوض، وعبداللطيف ولجميع أسرة الفقيد وأهله ومحبيه كافة، بهذا المصاب الجلل، سائلًا المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع الرحمة والمغفرة، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون


الناس نيوز
منذ 2 أيام
- الناس نيوز
'مارشال سورية' بتمويل خليجي…
ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – عدنان عبد الرزاق – اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟ فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت 'الشروط الخمسة' لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر 'كشف الشرع' خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح 'مشروع مارشال السوري' هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها 'وول ستريت جورنال' على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب… وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي. يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر 'إعادة إعمار سورية' تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة. قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد. وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك. لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية 'النفوذ الناعم' تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ 'الحلم الفارسي' الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير 'مارشال سورية' وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه. نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح 'خطة مارشال سورية' اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين. أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار. ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد 'مارشال سورية' لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟! وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على 'مارشال سورية' إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟! وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في 'مارشال سورية'، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟ ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة. فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.