
حديث الجمعة : (( الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ))
حديث الجمعة : (( الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ))
من المعلوم أن إرادة الله عز وجل اقتضت أن يبعث في البشرعبر الأزمنة المتعاقبة مرسلين يبلغونهم رسالاته التي ضمّنها هديه وفيه خيرهم في عاجلهم وآجلهم. وقد ختم سبحانه وتعالى المرسلين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إلى العالمين ، وأوكل إليه تبليغ رسالته الخاتمة المصدقة لما بين يديها من رسالات، والمهيمنة عليها ، والمكملة لها بما تحتاجه البشرية من هدي وتشريعه إلى يوم الدين .
ولقد اصطفى الله تعالى حملة رسالاته إلى خلقه منذ بدء الخليقة ممن اصطفاهم واجتباهم من خيرة خلقه، وقد صنعوا على عينيه ، وأودع فيهم من الصفات والخصال والمؤهلات ما يؤهلهم للقيام بأعظم مهمة على الإطلاق باعتبار ما يبلغونه عنه من هدي فيه خلاص البشرية في الدارين.
ومعلوم أن مهمة التبليغ عن الله عز وجل تتطلب الجرأة والشجاعة من المرسلين المبلغين عنه ،لأن الظروف التي أحاطت بمهمتهم كانت غالبا في منتهى الخطورة والصعوبة بسبب استكبار وتعنت من يرسلون إليهم، ذلك أن رسالات الله عز وجل كانت تتضمن ما يغير من سوء أحوال قد ألفوها ودرجوا عليها ، فيشق عليهم أن يتخلوا عنها ، ويكون رد فعلهم تكذيب المرسلين ، وتهديدهم بكل أنواع التهديد بما في ذلك التصفية الجسدية . وكان المرسلون صلوات الله سلامه عليهم أجمعين يؤدون مهمة التبليغ بكل شجاعة ، لا يخشون إلا الله عز وجل الذي كان يلهمهم العزم، والصبر ، وتحمل كل أذى يلقونه من الذين ينكرون رسوليتهم ورسالاتهم.
ولقد قص علينا القرآن الكريم الكثير من أخبار أولئك المرسلين وهم يواجهون متاعب التبليغ، وقد أثنى الله تعالى عليهم ، وأشاد بصبرهم وثباتهم أمام ما كانوا يواجهونه من متاعب ومخاطر جمة . ولقد قتل منهم وهم على صبرهم وثباتهم لا يخشون إلا خالقهم سبحانه وتعالى .
ومما سجله الوحي وله علاقة بتبليغ الرسالات عن الله عز وجل لخلقه قوله تعالى في الآية التاسعة الثلاثين من سورة الأحزاب : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا )) ،وهي آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى أن يغير عرفا فاسدا من الأعراف التي درج عليها الناس في جاهليتهم، وهو تحريم الاقتران بحليلة الدعيّ إذا طلقها ، وكان ذلك مما أحله الله تعالى ،وأباح في شرعه، وجعله سنة في خلقه.
وعلينا أن نتصور حال الحرج الذي واجهه رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمره الله تعالى أن يتزوج بابنة عمته زينب بنت جحش التي كانت تحت زيد بن حارثة الذي كان دعيّا تربي في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس آنذاك يحرمون ذلك ، بل يستشنعونه إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطاع ربه فيما أمره دون اكتراث بأحد أو خشية من أحد مع أنه لم يكن من السهل يومئذ أن يُحطم عرف فاسد من أعراف الناس وقد ساد فيهم، وورثوه عن آبائهم وأجدادهم ، وكان أمرا عظيما في اعتقادهم خصوصا وأن أول من أبطله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إبطاله بأمر من الله عز وجل ، وهو عبارة عن تبليغ تشريعه الذي شرعه لعموم المؤمنين إلى قيام الساعة .
وهذا الحدث إنما ساقه الله تعالى ليكون فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إسوة للذين آمنوا به حين يتعلق الأمر بتغيير ما ليس مما شرعه سبحانه وتعالى ، وقد دأب الناس عليه اعتقادا وعادة ، وكان يشق عليهم التخلي عنه وتركه .
ولما كانت العبرة بعموم لفظ كلام الله عز وجل لا بخصوص أسباب نزوله كما هو الحال في هذه الآية موضوع هذا الحديث لهذه الجمعة ، فإن حكمها ينطبق على تبليغ كل ما لا يقبله الناس أولا يستسيغونه بسبب ما يعتادون عليه من أحوال أو سلوكات ضالة ، لأنه يشق عليهم التخلي عنها والعودة إلى ما شرع لهم الله تعالى ، وما أمرهم به مما بلغه لهم رسوله صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم وسنة مشرفة.
ولا شك أن المعتبر فيما يجب تبيلغه هو خشية الله تعالى دون خشية أحد سواه في أمر الناس ما اعتادوا عليه من عادات وتقاليد ينزلها أصحابها منزلة المقدس وهي مخالفة لشرع الله تعالى .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يواجه العادات والتقاليد التي درج عليها الناس في جاهليتهم ، من قبيل تحريم الزواج من حليلات الأدعياء لا يخشى في ذلك أحدا إلا الله عز وجل ، فسار على نهجه بعده الخلفاء الراشدون لا يخشون في تبليغ ما أمر الله تعالى بتبليغه أحدا ثم سار على نهجهم عموم الصحابة رضوان الله عليهم ، واقتدى بهم في ذلك التابعون ، وكل من تبعهم بإحسان من أهل العلم لا يخشون في ذلك أحدا إلا الله ، وظلوا على ذلك منذ البعثة النبوية ، وسيبقى على هذه الحال إلى قيام الساعة، وهم قدوة لعموم المسلمين الذين يستجيبون لأمر الله تعالى بالتبليغ عنه دون خشية أحد سواه، وهو الرقيب عليهم سبحانه وتعالى .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير عموم المؤمنين بما تعبدهم به الله تعالى من خشيته دون سواه فيما يجب تبليغه من شرعه درءا لمفاسد التقاليد والعادات ، وعلى رأس من يجب تذكيرهم بذلك أهل العلم الذين هم ورثة الأنبياء استجابة لأمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . وما أحوج الأمة المسلمة اليوم إلى السير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم في خشية الله تعالى دون سواه فيما يجب الجهر به من قول الحق ونصرته ، ونحن في هذا الظرف بالذات، والمسجد الأقصى مهدد بالتهويد والهدم والزوال ، وأهله المنافحون عنه والمرابطون من أجله يبادون إبادة جماعية ، وعموم الأمة تتفرج عليهم مشغولة بكل أنواع اللهو، إلا القلة قليلة منها التي تسيّر المسيرات والمظاهرات لنصرتهم بالكلمة وهو أضعف الإيمان ، وليس لها من سبل إلى نصرتهم بسبب الحصار الخانق المفروض عليهم بكل قسوة ، وولاة أمورالمسلمين لا يبالون بما هم فيه من شدة ، وبما يعانون منه من ظلم الصهاينة وحلفائهم ، وهم يستنصرونهم ، ويستنجدون بهم ليل نهار ، ولا ناصر ، ولا منجد ، ولا مغيث ، ولا من يوصل إليهم رغيف خبز أو جرعة ماء أو جرعة دواء، وهم في العراء وتحت خيام مرقعة عبارة عن أسمال ، ووسط الردم الذي يقصف ليل نهار … وما خفي أعظم .
و أمام هذا الوضع انقسم علماء الأمة إلى قسمين : قسم آثر خشية الله عز وجل على خشية سواه ، وقد رفعوا أصواتهم منددين بما يفعله اليهود والصليبيون بالمسلمين في أرض الإسراء والمعراج ، ويحثون الأمة وولاة أمورها على نصرتهم ، ويذكرونهم بما أوجب الله تعالى عليهم من واجب النصرة ، وقسم آخر اختاروا ـ مع شديد الأسف والحسرة إما الصمت المطبق وهو ما لا يليق برتبهم العلمية خشية غير الله تعالى أو اختاروا الانحشار في زمرة المترسمين الذين يخشون فقدان رسومهم وامتيازاتهم ، ويخشون إغضاب ولاة أمورهم ، منصرفين إلى مدحهم والثناء عليهم دون تذكيرهم بما أوجب الله تعالى عليهم من نصرة عباده المؤمنين المستضعفين ، أو تذكيرهم بما ولاهم من مسؤولية جسيمة سيسألون عنها بين يديه يوم العرض عليه وهوعليهم رقيبا لا يخفى عليه من أمرهم شيئا .
اللهم إنا نسألك الخشية منك دون سواك ، ونسألك الصبر والثبات على ذلك حتى نلقاك ونحن كذلك غير مفتونين في ديننا .
اللهم إنا نسألك بفرج قريب عاجل لإخواننا في غزة والضفة ، وأنت أعلم بما هم فيه من شدة ، و من قتل وهدر لدمائهم ، وتجويع لهم ، وحصار ،وتهجير ، وليس لهم من ناصر ولا من منقذ سواك ، وقد تقاعس المليار ونصف المليار من المسلمين عن نجدتهم التي أوجبتها عليهم .
اللهم أن كان دعاؤنا محجوبة استجابته عندك بسبب ذنوبنا ، فاستجب اللهم دعاء أطفال صغار لم يذنبوا ، ودعاء من لا ترد لهم دعاء من عبادك الصالحين . اللهم عليك بالظالمين الصهاينة وأعوانهم إنهم لا يعجزونك وأنت رب العالمين القاهر فوقهم ، وجبار السماوات والأرض ، اللهم قد أمهلتهم حتى ظنوا من جهلهم أنه لا قدرة ولا قوة لك سبحانك .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أريفينو.نت
منذ 6 ساعات
- أريفينو.نت
المجلس العلمي المحلي للناظور يحتفي بختم الطالبة آية أصغر للقرآن الكريم عن سن لا تتجاوز 14 سنة..
أريفينو : 24 مايو 2025. في أجواء إيمانية مفعمة بالخشوع والتقدير لكتاب الله تعالى، نظّم المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور، يوم الجمعة 25 ذوالقعدة 1446 الموافق 23 ماي 2025م، حفلاً دينياً بهيجاً بمناسبة ختم الطالبة آية أصغر، البالغة من العمر أربعة عشر سنة، للقرآن الكريم كاملاً، وذلك بفضاء كتاب ابن عاشر التابع لمعهد الإمام مالك للتعليم العتيق. وشهد الحفل حضور عدد كبير من النساء ، إلى جانب أسرة الطالبة وطالبات المعهد، حيث تخللت المناسبة تلاوات عطرة من الذكر الحكيم، وكلمة توجيهية لعضو المجلس العلمي الأستاذة حليمة الغازي، ركّزت فيها على فضل حفظ القرآن، ودور الأسرة والكتاتيب ومعاهد تحفيظ القرآن وتعليم العلوم الشرعية في تنمية هذا المسار المبارك لدى الناشئة. كما نوهت بمجهودات كل من المشرفة على طالبات المعهد حبيبة قيشوح والفقيه محمد أبركان والدعاء لهما بدوام الصحة والعافية والاستمرار في تخريج أجيال من الحافظات والخاتمات. إقرأ ايضاً وتُعد الطالبة آية أصغر نموذجاً مشرفاً للجيل الصاعد، حيث تمكنت من إتمام حفظ المصحف الشريف في سن مبكرة، وهو إنجاز يُحسب لها ولمعهد الإمام مالك للتعليم العتيق، ويُجسد ثمار المثابرة والإخلاص في طلب العلم الشرعي. وفي ختام الحفل، تم تكريم الطالبة بشهادة ختم القرآن وهدايا رمزية، عربون وفاء وتحفيز لمزيد من التألق في مسيرتها القرآنية والعلمية. كما عبّر الحاضرون عن سعادتهم بهذا الحدث، مؤكدين أن مثل هذه المبادرات تُسهم في ترسيخ القيم الدينية والوطنية لدى الشباب. ويأتي هذا النشاط ضمن البرامج التي دأب المجلس العلمي المحلي للناظور على تنظيمها، دعماً لطلبة التعليم العتيق، وتشجيعاً على حفظ القرآن الكريم والتخلق بأخلاقه.


صوت العدالة
منذ 16 ساعات
- صوت العدالة
انطلاق فوج الحجاج لاداء فريضة الحج بعمالة المضيق الفنيدق.
صوت العدالة : عبدالقادر خولاني. كانت مدينة المضيق محطة لانطلاق فوج الحجاج لهذه السنة من أمام مجلس عمالة المضيق الفنيدق ،العملية التي اعدها و اشرف على مختلف مراحلها رئيس مجلس العمالة السيد احمد حلحول لفائدة الحجاج بهدف تيسير السفر الى مطار طنجة ابن بطوطة حيث سيسافرون جوا الى الديار المقدسة بالمملكة العربية السعودية لاداء فريضة الحج. اللهم اجعله حجاً مبروراً واجعل سعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً وعملهم مقبولاً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور وارجعهم الى اهلهم ان شاء الله سالمين. والشكر موصول للسيد رئيس مجلس العمالة على هذه البادرة التي اصبحت عرفا طيبا بعمالة المضيق الفنيدق.


بالواضح
منذ 21 ساعات
- بالواضح
باحثون يؤكدون في الرباط: لا مستقبل للتعليم دون قيم
في الجلسة العلمية الأولى ، قدّم الدكتور سعيد هلاوي مداخلة وازنة حول الجامعة بوصفها مؤسسة نموذجية في ترسيخ القيم ، مؤكداً أن دور الجامعة يتجاوز التعليم نحو التكوين القيمي للمواطن ، مشيرًا إلى الحاجة الماسة إلى تجديد العلاقة بين الجامعة والزوايا في إطار من التعاون والتكامل . كما تناول الدكتور عبد المغيث بصير بالدراسة والتحليل الدور التاريخي للزاوية البصيرية في نشر القيم والأخلاق ، مستعرضاً مساهماتها في بناء الإنسان المغربي المؤمن بوطنه ، والمتمسك بثوابته الدينية . أما الدكتور محمد نصيحي فقد قدم مداخلة متميزة بعنوان ' مظاهر التكامل بين الجامعة والزوايا '، دعا فيها إلى بناء شراكات علمية وروحية تحفظ الهوية وتعزز الانتماء . وفي سياق الجلسة العلمية ذاتها، قدّم الأستاذ حسن الطويل ، الباحث في سلك الدكتوراه، مداخلته الموسومة بـ' المؤسسات العلمية التربوية ودورها في بناء القيم'، تناول من خلالها إشكالية تراجع المنظومة القيمية في المجتمع المعاصر، محذرًا من انعكاساتها السلبية على التماسك الاجتماعي والسلوك العام. واعتبر أن أزمة القيم الراهنة هي في عمقها أزمة تربية، تستدعي إعادة الاعتبار للمؤسسات التعليمية والتربوية بصفتها الحاضنة الطبيعية لبناء الوعي الأخلاقي والوطني. كما شدّد على أهمية التكامل بين المؤسسات الحديثة والتقليدية، ولا سيما الزوايا، لما لها من رصيد روحي وتربوي أصيل، داعيًا إلى مراجعة السياسات التربوية بما يجعل من سؤال القيم مدخلًا لكل إصلاح تنموي ومجتمعي . وتواصلت أشغال الندوة بجلسة علمية ثانية خُصصت لقراءة تربوية صوفية في أطروحة ' معالم التربية السلوكية في تجربة العلامة الشيخ محمد المصطفى ماء العينين قدّمها الدكتور عبد الهادي السبيوي ، حيث بسط معالم التصوف السني كمدرسة للقيم السلوكية والروحية المؤسسة على التزكية والتدرج ، مبرزًا كيف أن هذه التربية تسهم في بناء الإنسان القيمي الواعي . كما شهدت الجلسة ذاتها مداخلتين نوعيتين لكل من الدكتورة النجاة ماء العينين ، التي تناولت مفاهيم الأخوة والسمو الروحي في التجربة التربوية الصوفية ، والدكتور سعيد هلاوي الذي قارن بين هذا النموذج الصوفي ومدارس التصوف الكبرى في التراث الإسلامي . الجلسة الختامية كانت بامتياز لحظة تأمل في مسار رجل من رجال القيم والوطن ، المقاوم محمد بصير ، من خلال عرض وثائقي توثيقي شيق بعنوان ' محمد بصير … القصة الحقيقية ' ، سلط الضوء على شخصيته النضالية وتكوينه العلمي وانخراطه في مشروع وطني قيمي مقاوم . وقد تخللت الندوة لحظات تكريم وعرفان ، تم خلالها توزيع الشهادات والدروع ، بعدها تمت قراءة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى السدة العالية بالله ، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، واختمت أشغال اللقاء العلمي بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين ، في أجواء امتزج فيها العلم بالوفاء ، والتاريخ ب الروح ، والوطنية بالإيمان .