
حج آمنمكة المكرمة والمشاعر المقدسة.. اهتمام لا ينتهي
منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى في أواسط القرن الثاني عشر الهجري، وخدمة الحرمين الشريفين في صلب المشروع الأساسي للدولة، لا بوصفه مجرد التزام ديني، بل كمسؤولية سيادية ورسالة حضارية. توارثت الدولة السعودية بجميع مراحلها هذا الشرف العظيم، وظلت مكة المكرمة والمدينة المنورة في قلب الأولويات، إلى أن بلغت ذروتها في العهد الزاهر للملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث شهدت المدينتان المقدستان أعظم مشروع تطويري وخدمي في تاريخهما الحديث.
حين دخل الإمام سعود الكبير مكة المكرمة عام 1218هـ / 1803م، لم يكن ذلك توسعًا سياسيًا تقليديًا، بل كان ترجمة لرؤية إصلاحية تستعيد للإسلام صفاءه، وتمنح الحرمين الشريفين رعاية آمنة بعد قرون من التدهور. اهتمت الدولة السعودية الأولى بإرساء الأمن والتنظيم داخل مكة، وضبطت الأسواق، وأمنت سبل الحجاج، وفرضت هيبة النظام والعدل داخل المسجد الحرام.
وفي المدينة المنورة، حرصت الدولة على ترميم بعض المنشآت الوقفية، وضبط أداء الأئمة والخطباء، ومنع البدع التي شاعت في العهد العثماني.
رغم اضطراب الأحوال السياسية بعد سقوط الدولة الأولى، حرصت الدولة السعودية الثانية (1240هـ – 1309هـ) على أن تبقى مكة والمدينة بمنزلة «القبلة الروحية» لمشروعها السياسي، ولم تتمكن من استعادة السيطرة الكاملة على الحرمين، لكنها أبقت على خطابها الديني المتمسك بقدسيتهما، وحاولت التفاوض مع الدولة العثمانية حول قضايا الحج، وأمن القوافل، وحقوق الحجاج.
مع استعادة الملك عبدالعزيز للحجاز عام 1343هـ / 1925م، دخل الحرمان الشريفان مرحلة جديدة من الرعاية المنتظمة، بدأت بتنظيم شؤون الحجاج، وإصلاح المرافق، وتأسيس أول إدارة رسمية لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
ثم تتابعت مشاريع التوسعة بدءًا من أول توسعة سعودية كبرى في عهد الملك سعود، ثم توسعة الملك فيصل والملك خالد، وصولًا إلى العهد الذهبي في زمن الملك فهد والملك عبدالله، اللذين شهد الحرمان في عهدهما أعظم مشاريع البنية التحتية والتطوير التكنولوجي.
لكن ذروة هذه الرعاية تجلّت في العهد الحالي، العهد الزاهر للملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث تم دمج الرؤية التاريخية بالقدرات الحديثة، لتصبح مكة والمدينة نموذجين عالميين في الحوكمة الدينية والإدارية والرقمية.
كل ذلك أتى متسقًا مع رؤية السعودية 2030، التي تضع في مقدمة أهدافها جعل الحج والعمرة تجربة رقمية ميسّرة آمنة ومُلهمة.
ومنذ قيام الدولة السعودية الأولى إلى عهد النماء والرخاء، تظل رعاية الحرمين الشريفين عنوانًا خالدًا للمشروع السعودي، ومصدر شرعية تاريخية ومعنوية تجسدت في كل مرحلة من مراحل الدولة، وصولًا إلى هذا العهد المشرق الذي أضحى فيه الحرم المكي والنبوي وجهتين للعبادة، ومقصدين للإبهار الحضاري والإنساني على حد سواء.
وتتنوع التوثيقات التاريخية لمكة المكرمة بين المخطوطات المزخرفة، والرسوم التشكيلية، والصور الفوتوغرافية النادرة، لتشكل جميعها مشهدًا بصريًا مدهشًا يرصد تحول المكان المقدّس في وعي المسلمين والرحالة والمؤرخين على مر العصور.
تُظهر المخطوطات الفارسية والهندية عناية خاصة بتصوير الكعبة المشرّفة، والمقامات، والمعالم المحيطة بالحرم، حيث تحوّلت مكة في تلك المدونات إلى رمز فني روحي، تجلّى في التفاصيل الدقيقة والزخارف التي صاحبت الرسومات.
وبالمثل، احتفظت كتب الأندلس والمغرب العربي برسومات توثيقية تعبّر عن ارتباط عاطفي وديني عميق بالمدينة المقدّسة، في سياق ثقافي وفني متنوع.
من أبرز الوثائق البصرية التي وصلت إلينا ما خطّه الرحّالة علي بك العباسي خلال زيارته إلى مكة المكرمة العام 1807 م في عهد الدولة السعودية الأولى، وتحديدًا في زمن الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود.
وثّق علي بك مشاهداته برسومات دقيقة، أبرزها رسم مخيم السعوديين في منى، حيث أشار بوضوح إلى الراية السعودية التي كانت ترفرف هناك، ما يمنح هذه الرسوم قيمة تاريخية خاصة باعتبارها من أوائل التوثيقات البصرية لرموز الدولة السعودية المبكرة في الحجاز.
على الجانب الفوتوغرافي، تُعد صور محمد صادق التي التقطها عام 1880م لمكة المكرمة من أقدم الصور المعروفة للمدينة المقدسة، وقد شكّلت نقلة نوعية في توثيق الحرم المكي والمشاعر.
كما نشرت الصحافة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر رسومات توثيقية لمكة ضمن تغطياتها النادرة، لتضيف بعدًا جديدًا في فهم نظرة الغرب للمدينة المقدسة آنذاك
توثيق بصري يعكس عمق المكان.
هذه الرسوم والصور ليست فقط سجلات فنية، بل هي شهادات على قدسية المكان وتحوّلاته، وعلى كيف رآه العالم من زوايا متعددة:
المسلمون رأوه مهوى الأفئدة، والرحّالة رأوه لغزًا حضاريًا، والرسامون جعلوه قصيدة على الورق.
وفي كل خطّ، ظلّ البيت العتيق النقطة التي يبدأ منها كل شيء، ولا تنتهي فيها الدهشة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
أكد أن إيران تتحمل مسؤولية زعزعة استقرار المنطقةماكرون يعلن تأجيل المؤتمر الدولي لحل الدولتين في نيويورك
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الجمعة عن تأجيل المؤتمر الدولي لحل الدولتين في نيويورك، مشيراً إلى أنه سيتم التنسق مع المملكة العربية السعودية لتحديد موعد جديد لمؤتمر حل الدولتين بسرعة . وقال ماكرون في تصريحات إثر الهجمات الإسرائيلية على إيران "إيران تتحمل مسؤولية زعزعة استقرار المنطقة ولا يمكننا العيش في عالم تمتلك فيه إيران أسلحة نووية". وأضاف ماكرون "إيران خصبت اليورانيوم بدرجة تزيد أربعين ضعفا عن المسموح وواصلت تخصيب اليورانيوم بنسبة تقترب فيها من تصنيع قنبلة نووية وخرجت عن كل التزاماتها الدولية وتطور صواريخ يمكن أن تحمل رؤوساً نووية ". وتابع ماكرون "الساعات القادمة خطيرة جدا في الشرق الأوسط، سنشارك في الدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم من إيران".


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
المملكة تواصل تحرّكها الدبلوماسي لاحتواء التصعيد بعد الهجمات على إيران.. وتجدد رفضها لأي استخدام عدائي لأراضيها
في موقف يجسد النهج السعودي الثابت في إرساء السلم ورفض منطق المواجهة، جدّدت المملكة إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية على إيران، مؤكدة أن ما جرى يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، وخرقًا واضحًا للأعراف والمواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول. وأكدت المملكة تمسكها بالمبادئ الدبلوماسية واعتماد الحلول السياسية السلمية في التعامل مع الأزمات، مشددة على ضرورة التحرك الدولي الجاد لإيقاف التصعيد الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها. كما شددت على رفضها الكامل لاستخدام أراضيها أو أجوائها في أي عمليات عدائية تستهدف دول الجوار، انطلاقًا من حرصها على حماية سيادتها وموقعها المتوازن، ورفضها التام لأي مشاركة في أعمال عنف تقوّض الأمن الإقليمي. وفي هذا السياق، تكثف المملكة تواصلها مع الأطراف الفاعلة وقادة الدول لبحث تطورات الأوضاع، وطرح مقترحات تحقق التهدئة وتضمن استقرار المنطقة، بعيدًا عن منطق التصعيد العسكري والمواجهة المفتوحة.


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
فيصل بن فرحان يبحث مع رئيس وزراء فلسطين التطورات الأخيرة في المنطقة وتداعياتها
تلقى صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، اليوم، اتصالًا هاتفيًا من دولة رئيس وزراء فلسطين وزير الخارجية الدكتور محمد مصطفى. وجرى خلال الاتصال بحث التطورات الأخيرة في المنطقة وتداعياتها.