
أنشودة الوجود الأزلي
في حضرة الكينونة، حيث يتلاشى الزمن وتنساب الأرواح في نهرٍ من المعاني، يطل علينا الوجود بوصفه مادةً تتشكل، وأنشودةٍ أبدية تُرتّلها قلوب العارفين في مقام الحب المطلق، حيث لا شيء في هذا الكون إلا وهو آية، وكل آية تفتح بابًا للدهشة، وكل دهشةٍ تقود إلى مرآةٍ تكشف الماهية الأولى: 'هو' ومن نواة الذرة إلى أقصى المجرات، من همسة النسيم إلى زئير الشمس، كل شيء ينطق بلغة واحدة: 'الفيض'. ذاك الفيض الذي لا ينقطع، الذي لا بداية له ولا نهاية، يسري في العروق كما تسري الحكمة في قلب من صفّى مرآته، وخفَّف من غشاوة الأنا حتى تلاشت، والكونُ ليس صامتًا، بل نحن الذين أضعنا السمع، إلا ما رحم ربي، والكون ليس جمادًا، بل نحن الذين جمدنا في قوالب العقل، وأما أولئك الذين لمسوا الحقيقة بقلوبهم، فقد فهموا أن كل ورقة تسقط، وكل نجم يولد، وكل قلب ينبض، هو نبضة من نبضات الحضور الإلهي، ومقطع من نشيد الوجود المستمر، والصوفي الصادق لا يرى الأشياء كما هي، بل كما ينبغي أن تكون في مرآة الأسماء والصفات، ويرى الجمال في الفناء، والخلود في لحظة التجلّي، والعشق في كل وجه، لأن الوجوه كلها مرايا لمحبوبٍ واحد، يتجلّى بلا عدد، ويُعشَق بلا سبب، والحداثة؟ هي لباسٌ جديد للقديم الأبدي، ومرآة أخرى يتجلى فيها الله لمن عرف، ولا تعارض بين الحاسوب والسبحة، ولا خصام بين العقل والروح، بل تناغم أبدي بين رقصة الإلكترون وتسبيحة الدراويش، وفي الطريق، تتلاشى الأسئلة. لا لأننا وجدنا الأجوبة، بل لأننا اكتشفنا أن كل سؤال هو حجاب، وكل حجاب هو فرصة لتجلي جديد، والسالك الحقيقي لا يريد يقينًا جامدًا، بل يريد دهشة متجددة، ويطلب الله ليعرفه، ويذوب فيه، ما أعظمها لحظة… حين ينفصل القلب عن الضجيج، ويصغي إلى تلك الهمسة السرمدية، «كنت كنزًا مخفيًا، فأحببت أن أُعرف…»
فكان الوجود، وكان الإنسان، وكان الطريق، فبصحبة العارفين يسلك الطريق، وبذكر الله تعالى وبركاته يكون العنوان الروحي للمريد الصادق طالب طريق الحق بالمحبة والإيمان قد تثبت، وهنا تتوضح أنوار السلوك الروحي في سماء المعنى والرسالة والحكمة، وكل هذا من أجل الوصول إلى الله أقرب، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 8 ساعات
- موقع كتابات
رسالة إلى الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمي
حين نقرأ لكِ يا صاحبة الحرف المختلف، ندرك أننا لا نقرأ لمجرد الاستمتاع اللغوي، بل نحن أمام نصّ يحتاج إلى أن يُفهم بالقلب قبل العقل، وإلى أن يُعاد تأمله مرات ومرات عديدة، لأن كل كلمة تخطها أناملكِ لا تأتي مصادفة، ولا تُقال عبثًا. فكل سطرٍ يضم خلفه تجربة إنسانية ربما فريدة في زمانها، وكل استعارة تنبض بوجع أمة، أو حنين امرأة، أو وجدان مثقل بخيبات وانتصارات الحياة. هكذا تعلمنا من كلامك عن النضال في سبيل التحرير وعن ثوار ثورة المليون شهيد. هكذا أنجبتك الجزائر لتحملي معك هموم أمة كاملة.نقرأكِ فنشعر وكأنك تكتبين ما نخجل نحن من قوله، أو ما عجزت قلوبنا عن الإفصاح عنه. نقرأ وأنت تكتبين عن عواطف تسكن داخل الإنسان ولا تقبل أن تعيش خارج جسده وحين تقولين: ((لم يكن الفشل مُعديًا تمامًا كالنجاح، والسعادة مُعدية تمامًا كالكآبة، وحتى الجمال مُعدٍ، يجمّل من يقترب منه)) نتوقف طويلًا، لأننا نكتشف أن في الحياة قوانين نفسية لم تدرسها الجامعات، بل تعلمناها من التجربة، من الألم،. من العلاقات التي عبرت بنا، ومن البشر الذين مروا في أيامنا. تجارب ربما مرارتها كبيرة لكن نعمة النسيان أكبر منها. وفي قولكِ: (( لا تجالس من ينقل إليك تشوهاته، بل من يقاسمك أناقة روحه)) هنا تكمن فلسفة عميقة في اختيار الصحبة، فالأرواح أيضًا تُعدي، والقلوب تمتص ما حولها، فإذا جاورت النور صرت مشعًا، وإن خالطت الظلمة صرت كئيبًا دون أن تدري. نعم، لا نشعر بالأشياء أحيانًا إلا عند ملامستها، لأن الإحساس بالشيء هو شعور وجداني دائم. كلماتكِ ليست فقط أدبًا، بل مرآة نرى فيها انعكاساتنا، وتاريخًا شخصيًا نعيد قراءته على ضوء بصيرتك. نقرأكِ فنشعر أنكِ تحكين عن أمهاتنا، عن أوجاعنا التي لم نسمّها بعد، عن الحب الذي فقدناه وما زالت أرواحنا ترسم صوره في داخلها، أو عن الحلم الذي أخفيناه ولكن تراسيم الوجوه كشفت كل جزئياته. نقرأكِ لا لنفهم اللغة ومفرداتها، بل لنتصالح مع ذواتنا. سيدتي الفاضلة، دمتِ كاتبة تحملين نبض الحياة في حروفك، وتزرعين في أرواح قرائك شيئًا من الأمل، وشيئًا من الحقيقة التي نخاف مواجهتها. دمتِ كما خلقك الله امرأة جميلة بكل مواصفاتها، أنوثتها في كتاباتها وإنسانيتها في فلسفتها الروحية. بتقدير وامتنان من كاتب ربما يتشابه معك في أوجاعه وهمومه، ربما اختلفت الجغرافيا بينكم في مسقط الرأس، فكتب في سجلات النفوس جمهورية العراق، بينما كتبوا في سجلاتكم جمهورية الجزائر. أنا أحد قرائك الذين وجدوا فيك مرآة لوجعهم، وأسلوبًا يشبه الحلم حين يُترجم إلى كلمات.دمتم قلمنا النابض من أجل حرية القلم…


موقع كتابات
منذ 8 ساعات
- موقع كتابات
ما زلت منجذباً إلى تلك العادة منذ وقت بعيد، ان اعيد قراءة الصحف والمجلات ومشاهدة ذات الأفلام والمسلسلات بل وذات المشاهد بالتحديد بشكل لا أشعر فيه من الملل رغم غرابته، حتى لأقرأ المقطع او المقال او قصة واشاهد ذات المشهد مائة مرة او يزيد بكثير!
في الفيلم المصري الشهير (عسل اسود) يظهر الفنان الراحل يوسف داود وهو منهمك في قراءة إحدى الصحف، ويبدو منعزلاً عن محيطه الذي يوجد فيه ومستمعاً بما يطالع، لكنك تتفاجأ حين تعلم انه يقرأ نفس العدد من ذات الصحيفة كل يوم! والحقيقة أنني وجدت نفسي متسائلاً: هل ذلك تعبير عن جمود معاصر، وسكون راهن، أم ماذا؟ لما نظرت ملياً، ووضعت جانباً فقدان طعم الأشياء في الوقت الحاضر لرداءة المنتج وشيوعه المتجاوز للحدود المنطقية، وجدت ان تلك الممارسة التي لم يكن مخطط لها بالضرورة تحمل معنى التأمل الطويل واعادة قراءة الأشياء والأحداث واكتشاف المخفي منها. ان الكثير من الأحداث والمواقف لا تبدو بطبيعة الحال واضحة من اول وهلة، ويبقى جزءاً منها غائماً وغامضاً ويحتاج إلى تفسير، ونحن نتعامل معها بحكم محدودية امكانياتنا البشرية دون شك وربما نبني على فهمنا اللحظي تصورات وقرارات وبعضها يظهر عدم صوابيتها لاحقاً، ولكن وفي كل مرة تصلنا الرسالة الواضحة أننا لم نر جميع أنحاء المشهد، وان فهمنا ذلك ورغم الثقة التي تملؤنا ونحن نملكه وقتذاك لم يمثل ربما إلا نسبة ضئيلة مما جرى. وفضلاً عن محدودية القدرات المؤدية إلى قصور الفهم، فإن النضج الفطري الذي اودعه الله فينا كلما تقدمنا في السنوات إلى الأمام يمنحنا رصانة اكبر، وقدرة أعمق على استيعاب ما يحيط بنا وتطوير أدوات التعامل معها. اعادة اكتشاف الأشياء مهمة ليست هينة وضرورية لأننا تتوافق مع مسألة استرجاع الذاكرة وتوظيفها لتحسين الواقع، والمحظوظ من اقتنص الدرس وأدرك المتغيرات، وعمل بما علم! لم يكن يوسف داود ربما يجد فيما يقرأ ما نقول، بل ربما كان ذلك المشهد الجميل معبراً عن توقف الزمان عنده، إذ لم يعد الحاضر قادراً على تحقيق القناعة المطلوبة، فاختار الهرب إلى الوراء، وهي رسالته، وربما اجد في نفسي كذلك بعضاً من تلك السلوة في القيام بهذا السلوك المتكرر كل يوم تقريباً، لكنني في نهاية المطاف أخرج وقد رأيت وقرأت بعين جديدة ورؤية متطورة وفهماً أعمق، وفي النهاية اجدني اكثر حزماً وحسماً تجاه تقرير موقفي من الموضوعات التي اقرأها والقرارات التي اخرج بها بخصوصها.


الزمان
منذ 2 أيام
- الزمان
كريم صدام .. بالأمس أثنينا عليك واليوم ندينك
كريم صدام .. بالأمس أثنينا عليك واليوم ندينك – أحمد كاظم نصيف بالغ من حيث يدري أو لا يدري الكابتن كريم صدام في ولائه لنادي الزوراء، وهو يتحدث لأحد البرامج الرياضية، هذه المبالغة جعلته في ورطة كبيرة أمام الجماهير التي هتفت له في يومٍ ما، بل أنه قال ذات يوم: «عندما كنت ألعب لنادي الرشيد وأسجل هدفاً لم أرَ تفاعل الجماهير، ولم أسمع هتافاتهم، ولم أفرح كوني سجلت هدفاً، عكس ما كان يحدث عندما لعبت للزوراء وأسجل في مرمى الفريق الخصم، عندها أسمع صيحات المشجعين وهتافاتهم، وأكون في غاية السرور وأشعر بسعادة لا توصف»؛ ليعود اليوم ويدين ممارسة يفترض به أولاً أن يباركها، لا يسخر منها، ويقول: «هل يعقل أن مشجعاً يصبح رئيساً لنادي الزوراء»؟ عليك أن تذكر (يا أبا غيث) فضل هذا المشجع في دعمه وتشجيعه وهتافه لك، بل سخَّر نفسه واقتطع من قوت عائلته كي يقطع تذاكر المباريات من أجل أن يهتف لك، والآن تقف ضده وهو وقف معك في أوقات كثيرة؟ لولا هذا المشجع لم تكن كريم صدام، وهل المشجع حسب رأيك لا يفقه شيئاً عن كرة القدم، وإذا كان كذلك فلماذا تفرح عندما يهتف باسمك؟ وهل لمباريات كرة القدم طعم بدون جمهور؟ وأنت تعلم قبل غيرك بأن راتبك وما حصلت عليه من أموال وجميع من يعمل في هذه الرياضة، هو ما يدفعه المشجع من جيبه الخاص، ولولاه لأعلنت كرة القدم وغيرها من الألعاب إفلاسها، وبالتالي ستبحث عن عمل يناسبك! ولا تنسى بأنك كنت مشجعاً وما زلت، وهل خلقك الله تعالى لاعباً منذ الولادة؟ بالأمس أثنيتُ على حضرتك في مقال (نشر في هذا المكان) بتاريخ 27/ 5/ 2025 عندما أدليت بتصريح ينم عن روح وطنية تتضامن مع شعبك وأهلك، وهذا حق لك وما علينا إلّا أن نمجده وأنت تستحق عليه الثناء، لاسيما وأنت اللاعب الذي كان سبباً في تأهل منتخبنا لنهائيات كأس العالم للمرة الأولى والوحيدة في تاريخه، أما اليوم فأنت لا تستحق منّا إلّا الادانة، ولا بد لنا من أن نكون منصفين معك ومع غيرك، أتمنى أن تبقى كريم صدام صاحب الشعبية الكبيرة الذي هتفت له الجماهير التي تستهين بها الآن، وأن تحفظ لها حقها، لأننا لا نتوقع أطلاقاً من نجم كبير أن يكون ناكراً للجميل، ويخسر رصيده من مشجعي نادي الزوراء، بل الاساءة طالت جميع مشجعي أندية كرة القدم في العراق والاستخفاف بهم، هؤلاء جميعاً سيرغبون عنك بالهجر الجميل.