التكنولوجيا تتقدّم… لكن هل تراجعت الإنسانية؟
لقد كتبت كثيرًا — بل ربما أكثر مما ينبغي — عن حكومات المستقبل، عن التكنولوجيا، عن الذكاء الاصطناعي، وعن كيف يمكن للبيانات أن تتنبأ، وللخوارزميات أن تقرّر، وللروبوتات أن تعمل بدلًا من البشر. لكنني اليوم، وبعد الاستماع إلى خطاب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، وجدتني أتوقف لأطرح سؤالًا وجوديًا: ما جدوى كل هذا التقدّم، إذا كانت القيم تتراجع، والعدالة تبهت، والإنسانية تنحدر أمام أعيننا؟
في خطاب مؤثّر وحاسم، أطلق الملك عبدالله تحذيرًا أخلاقيًا عالي النبرة: العالم يقف اليوم عند مفترق طرق خطير — بين منطق القوّة ومنظومة القيم، بين حكم القانون وحكم الغلبة، بين أن نبني مستقبلًا ذكيًا… أو أن نفقد إنسانيتنا بالكامل.
استهلّ الملك كلمته باستعادة خطابه الذي ألقاه في القاعة ذاتها قبل خمس سنوات، حين دعا إلى عالم أكثر عدالة، قادر على إنهاء الصراعات وحماية الكرامة الإنسانية. أما اليوم، فالمشهد الدولي يزداد ظلمةً وتعقيدًا: حروب دامية في أوكرانيا وغزة، تصاعد في التوترات الإقليمية، وواقع تتبدّد فيه الحقائق وتُستباح فيه المبادئ كل دقيقة.
في وصف موجع لما يجري في غزة، أشار الملك إلى أن ما كان يُعدّ قبل عامين "جريمة كبرى" — كقصف المستشفيات أو قتل الصحفيين — بات اليوم حدثًا يوميًا لا يُثير استنكارًا عالميًا، بل يمرّ وكأنه جزء من روتين طبيعي. هذا الانحدار الأخلاقي، كما وصفه، يعكس فشلًا جماعيًا في حماية الإنسان، ويهدد جوهر إنسانيتنا.
وفي بادرة أمل، أشاد الملك بتجربة أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين اختارت القارة أن تتجاوز آلام الماضي لصالح مستقبل مشترك، قوامه السلام والتفاهم. وقال إن أوروبا أدركت أن الأمن الحقيقي لا يُبنى بالقوّة، بل على أساس التعاون والصداقات. ودعا العالم إلى الاقتداء بهذه التجربة، وتغليب الكرامة الإنسانية على منطق السيطرة والغلبة.
كما شدّد على أن الفلسطينيين، كغيرهم من شعوب العالم، يستحقون الحرية والسيادة ودولة مستقلة. وما يجري في غزة والضفة الغربية، بحسب كلمته، يُمثّل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، وتقويضًا ممنهجًا للقيم التي تأسس عليها النظام العالمي.
وجدد الملك التزام الأردن التاريخي بحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ورفضه القاطع لانتهاك حقوق الأبرياء، مؤكدًا أن حماية الأطفال والنساء ليست شعارات، بل واجب أخلاقي وإنساني لا يقبل التنازل.
"العالم اليوم لا يحتاج إلى مزيد من التكنولوجيا، بل إلى قرارات أخلاقية شجاعة تُعيد تعريف هويتنا كأفراد وقادة ومجتمعات."
وأشار إلى أن طريق السلام معروف، لكنه يحتاج إلى إرادة جماعية وشجاعة حقيقية للسير فيه، بعيدًا عن الانحدار نحو التوحّش والفراغ القيمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ 31 دقائق
- خبرني
الصفدي: خطاب الملك اختبار حقيقي لمؤسسات القرار الدولي لترسيخ السلام في المنطقة
خبرني - قال رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الثلاثاء، إنّ خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الاوروبي جسد معاني القيم الإنسانية العليا والمتطلبات الواجبة على المجتمع الدولي إزاء التطاول على كرامة الشعوب والمساس بأمنها. وأضاف الصفدي أن خطاب جلالة الملك يعكس مدى ثقة واحترام وتقدير القارة الأوروبية بمواقف وحكمة جلالته الداعية دوماً إلى الحوار سبيلاً لمختلف الأزمات، ويشكل دعوة لإنقاذ البشرية من سقوط المعايير الأخلاقية. وأضاف: "نشعر بالفخر والاعتزاز في مجلس النواب ونحن نرى جلالة الملك أمام برلمان أوروبا يعبر عن صوت وضمير أبناء شعبنا وأمتنا وكل دعاة الأمن والسلام والاستقرار في العالم بمواجهة أصوات الخراب والدمار التي باتت تهدد قيم الإنسانية ومصير ومستقبل الأجيال في مختلف أنحاء العالم." وتابع الصفدي، أن خطاب جلالة الملك وضع مؤسسات ومراكز القرار الدولي أمام اختبار حقيقي لتكريس الجهود نحو السلام في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تحولات خطيرة، ولذا وجه الخطاب الملكي نداء أخلاقيا وإنسانيا للعودة إلى قيم الإنسانية المشتركة بوصفها الضامن لاستقرار البشرية. وأكّد أن عدالة الحق الفلسطيني، ومأساة قطاع غزة، شكّلتا جوهر الخطاب الملكي الساعي إلى إعادة البوصلة لحق الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة، ووقف الحرب الوحشية على غزة، محذراً من تداعيات الهجمات الإيرانية الإسرائيلية على مستقبل المنطقة والعالم. وأضاف، "حمل الخطاب تحذيراً من خطورة السقوط الجماعي للمعايير الأخلاقية والدولية في حال استمرار الحرب على غزة والنكران للحق الفلسطيني، إذ إن ما يجري في غزة يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية، ويزيد الأوضاع مأساة استمرار الانتهاكات في الضفة الغربية. وختم الصفدي بالقول: جاءت أهمية ودلالات الخطاب الملكي في استحضار مشهد نهضة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اختارت البناء والتنمية بدلاً من الكراهية والثأر، وتعظيم قيم الإنسانية والقانون الدولي الأمر الذي مكنها من تحقيق الرفاه لشعوبها والمشاركة الفاعلة والرئيسة في قيادة العالم، وما خطاب الملك إلا دعوة لإحياء الدور الأوروبي وأهميته لتحقيق الأمن والاستقرار في مناطق الصراعات.

الدستور
منذ 32 دقائق
- الدستور
الملك في ستراسبورغ
لم تشهد قارة في العالم قتلاً ودماراً شاملاً مثلما شهدته أوروبا في القرن الماضي. على مدى نحو ثلاثين عاماً، وعبر حربين عالميتين، ومزيدٍ من مشاعر الحقد والكراهية والاستخدام الكارثي للقوة، قُتل الملايين، ودُمّرت المدن، وتوقفت عجلة الاقتصاد، وانتشرت المجاعات والأمراض.أمام أحفاد المتحاربين، الذين صفقوا وقوفاً وطويلاً احتراماً لضيفهم الكبير، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمس مخاطباً برلمانيي أوروبا في ستراسبورغ، ليُذكّرهم بالإنجاز الحضاري الأوروبي الكبير، عندما استبدل آباؤهم الحرب بالسلام، والحقد بالتسامح، فنهضت أوروبا الحضارية وأشعلت النور بعد ليلها الطويل، الذي امتد حتى منتصف القرن الماضي تقريباً.الخليفة الراشدي العادل عمر بن الخطاب كان هناك أيضاً. جلالة الملك ذكّر الأوروبيين بالعهدة العمرية لمسيحيي القدس، ووصاياه لجنده بألا يقتلوا كاهناً، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا شيخاً. هي العهدة التي ورثها الهاشميون في رعايتهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. هي المثال على العيش المشترك على مدى 14 قرناً في مهد السيد المسيح.صوت جلالة الملك مسموع في العالم، لأنه يمثل صوت الحكمة والحق والاعتدال. أوروبا تستمع لجلالته جيداً، وتحترم مواقفه المستندة إلى شرعية العدالة والحقوق المشروعة والمبادئ الإنسانية والأخلاقية. صوت قائدٍ عربيٍّ مسلمٍ إنسانيٍّ موثوقٍ عالمياً.القوة لا تُنشئ حقاً، ولا سلاماً لأحد، بدليل ما شهدته أوروبا في القرن الماضي، وبدليل ما تشهده منطقتنا اليوم.أما المبادئ الأخلاقية والإنسانية، فقد أصبحت على المحك اليوم، بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، فاستهدفت المنشآت الصحية في غزة 700 مرة، وأصبح قتل الفلسطينيين وتجويعهم أمراً اعتيادياً أمام المجتمع الدولي: أيُّ مجتمعٍ عالميٍّ لا يتحرك ضميره أمام كل هذه الجرائم الوحشية؟القيم الإنسانية المشتركة على المحك حين ينظر العالم إلى الجرائم الإسرائيلية من دون أيّ حراكٍ مؤثرٍ في مسار الأحداث، وحين تنكر إسرائيل حقوق الفلسطيني، بدءاً من حقهم في الحياة، وانتهاءً بحقهم في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وعاصمتها القدس الشريف.يراهن جلالته على الدور الأوروبي، رغم تراجع هذا الدور مؤخراً، في العودة إلى تبنّي القيم الأخلاقية والقيم المشتركة للإنسانية.أوروبا هي الجار الأقرب للشرق الأوسط، والأعرف بشؤونه، رغم الانحياز الغربي، وبشكل عام، لإسرائيل.دقّ جلالته ناقوس الخطر في ستراسبورغ أمس، وكعادته في الاستشراف، فقد حذّر من تجاوز الانفلات حدود العالم كله انطلاقاً من منطقتنا... عندما يفقد العالم قيمه، فإنه يفقد التمييز بين الحق والباطل.بعد الحرب العالمية الثانية، والدمار الشامل الذي انتهت إليه باستخدام السلاح النووي، أنشأ المجتمع الدولي هيئة الأمم المتحدة لتكون مظلة للسلام والعدل الدوليين.في ستراسبورغ، طرح جلالة الملك السؤال بوضوح عمّا تبقى من العدل والسلام وحقوق الإنسان في عالمٍ يسوده منطق القوة فحسب.

الدستور
منذ 34 دقائق
- الدستور
الصفدي: خطاب الملك دعوة لإنقاذ البشرية من سقوط المعايير الأخلاقية
عمان- قال رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي إن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الاوروبي جسد معاني القيم الإنسانية العليا والمتطلبات الواجبة على المجتمع الدولي إزاء التطاول على كرامة الشعوب والمساس بأمنها. وأضاف الصفدي أن خطاب جلالة الملك يعكس مدى ثقة واحترام وتقدير القارة الأوروبية بمواقف وحكمة جلالته الداعية دوماً إلى الحوار سبيلاً لمختلف الأزمات، ويشكل دعوة لإنقاذ البشرية من سقوط المعايير الأخلاقية. وقال الصفدي: نشعر بالفخر والاعتزاز في مجلس النواب ونحن نرى جلالة الملك أمام برلمان أوروبا يعبر عن صوت وضمير أبناء شعبنا وأمتنا وكل دعاة الأمن والسلام والاستقرار في العالم بمواجهة أصوات الخراب والدمار التي باتت تهدد قيم الإنسانية ومصير ومستقبل الأجيال في مختلف أنحاء العالم. وتابع الصفدي بالقول: لقد وضع خطاب جلالة الملك مؤسسات ومراكز القرار الدولي أمام اختبار حقيقي لتكريس الجهود نحو السلام في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تحولات خطيرة، ولذا وجه الخطاب الملكي نداءً أخلاقياً وإنسانياً للعودة إلى قيم الإنسانية المشتركة بوصفها الضامن لاستقرار البشرية. وقال رئيس مجلس النواب إن عدالة الحق الفلسطيني، ومأساة قطاع غزة، شكّلتا جوهر الخطاب الملكي الساعي إلى إعادة البوصلة لحق الأشقاء الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة، ووقف الحرب الوحشية على غزة، محذراً من تداعيات الهجمات الإيرانية الإسرائيلية على مستقبل المنطقة والعالم. وأضاف الصفدي، "حمل الخطاب تحذيراً من خطورة السقوط الجماعي للمعايير الأخلاقية والدولية في حال استمرار الحرب على غزة والنكران للحق الفلسطيني، إذ إن ما يجري في غزة يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية، ويزيد الأوضاع مأساة استمرار الانتهاكات في الضفة الغربية. وختم الصفدي بالقول: جاءت أهمية ودلالات الخطاب الملكي في استحضار مشهد نهضة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اختارت البناء والتنمية بدلاً من الكراهية والثأر، وتعظيم قيم الإنسانية والقانون الدولي الأمر الذي مكنها من تحقيق الرفاه لشعوبها والمشاركة الفاعلة والرئيسة في قيادة العالم، وما خطاب الملك إلا دعوة لإحياء الدور الأوروبي وأهميته لتحقيق الأمن والاستقرار في مناطق الصراعات.