
من مستشفى الأمراض العقلية
كنتُ على يقين بأنني لن أتمكّن من ذلك من دون التواري والانسحاب من ذلك الصخب كلّه، والضوضاء الفارغة الجوفاء. كلّهم يثرثرون بلا توقّف، كلّهم لديهم آراء في المواضيع كافّة، روح عدائية تنافسية تسود العلاقات الإنسانية، نفاق وغدر وضغينة وأنانية مغلّفة بالنفاق والمجاملة الكاذبة، طغيان للتفاهة والسطحية والإسفاف والادّعاء، انحدار رهيب في الذوق العام، تردٍّ صادم في منظومة الأخلاق.
وعليّ إذا أردت أن أكون مقبولة (ومعترفاً بي) من المجموع، أن أصبح شاهدة زور أهزّ رأسي بالموافقة على كلّ تفاصيل الخراب المحيق، من دون إيماءة اعتراض سوف تحسب عليَّ، ألّا أنتقد وألّا أعترض وألّا اتحفّظ وأشجب وأندّد، وألّا أستنكر، وألّا أفصح عن حقيقة مواقفي تحت طائلة الإقصاء. عليّ أن أبتلع حزني وقهري وغضبي وسخطي، أن أحتفظ بأفكاري لنفسي، أن أكفّ عن التدقيق والاكتراث، أن أضع مشاعري في سلّة المهملات.
باختصار، عليّ أن أتحوّل شخصاً باطنياً يستتر بالمألوف، ويسكت عن الخطأ، ويتجاهل الظلم، ويضع رأسه خاضعاً ذليلاً منحنيناً بين الرؤوس، ويتصالح مع الحالة القطيعيّة التي تضمن له كفاف يومه، مثل خروف هادئ وديع، يحظى بالكلأ والمرعى، غير مدرك أنّ الراعي الحنون، الذي يشدو بشبّابته الصغيرة أعذب الألحان، سيسلّمه قريباً إلى أقرب مسلخ، مرتوياً شبعاناً متوهّماً أن كلّ شيء على ما يرام.
لكنّهم لا يدَعوني وشأني، مندوب البنك يتّصل بشأن القرض، مالك الشقّة يذكّرني بموعد تسديد الإيجار، الزملاء في العمل يلحّون عليّ للمشاركة في رحلة ترفيهية إلى العقبة بأسعار تشجيعية، الجار يدعوني إلى زفاف ولده ولا يعتذر عن الإزعاج الذي سبّبه لأهل الحيّ، مُخرج يرسل لي دعوة لحضور بروفة مسرحية، وآخر يودّ أن أشاركه أفراحه بصدور روايته العاشرة، نشرات الأخبار المؤلمة تحيط بي من كلّ جانب، في غرفة المعيشة، في السيارة، في المحالّ التجارية. الجوع يلتهم أهل غزّة. سورية تحترق على صفيح الطائفية الملتهب، جثث لضحايا، رجل كانت آخر كلماته قبل أن يُردى بالرصاص "أنا سوري يا خيّي". طفلة غزّية تحمل صحناً فارغاً وتصرخ من عمق قهرها "جووووووعانة". المطربة أحلام تنشر مقطع فيديو لمأدبة ضخمة، والشيف أبو جوليا يروّج لمهرجان الطعام الذي يقام في تزامن مخجل مع المجاعة.
كل ما أردته الابتعاد عن ذلك الهول كلّه، لكنّ ذلك لم يحدث. نسيت تفاصيلَ كثيرة، وكلّ ما أذكره أني كنتُ أتمشّى بكلّ هدوء في "المول" الكبير، فلماذا اقتادتني عصبة من الممرّضات مرتدية قميصاً مقلوباً أبيض اللون؟
أخبرتني إحداهن في طريقنا إلى مستشفى الأمراض العقلية، بعد حقني بإبرة مهدئ، أنني شتمتُ المارّة، وحطّمتُ المقاعد، ولكمْتُ واجهات المحالّ الزجاجية، ولأن لا شيء يعجبني، كما كنتُ أردّد، رحتُ أضرب رأسي بالجدران غير عابئة بالدم الذي انهمر بغزارة من جبهتي، وأنا أصرخ بكلّ قوة: "خلص بيكفّي"!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
"ذاكرة وطن" مع نبيل عمرو
في هذه الحلقة المميزة من بودكاست "أرشيف" نستضيف الإعلاميّ القدير نبيل عمرو، لنستعرض معه الذكريات والقصص التي شكّلت تاريخنا، وتركت بصمتها في وجداننا، ونكتشف كيف يمكن للأرشيف أن يكون مرآةً تعكس تاريخنا وتلهم أجيالنا القادمة. بإمكانكم مشاهدة الحلقة كاملةً في قناتنا على يوتيوب "العربي الجديد | بودكاست".


العربي الجديد
منذ 4 أيام
- العربي الجديد
مشروع حكومي لترميم مجموعة من الأفلام المصرية الكلاسيكية
سترمّم بعض الأفلام المصرية القديمة من قبل وزارة الثقافة بهدف عرضها على المنصات الرقمية، مع إطلاق مهرجان سينمائي خاص بها، إضافة إلى إنشاء قناة لها على موقع يوتيوب . والأفلام التي تقرر ترميمها هي: "القاهرة 30" و"الزوجة الثانية"، و"الحرام"، و"السمان والخريف"، و"غروب وشروق"، و"الرجل الذي فقد ظله"، و"قنديل أم هاشم"، و"شيء من الخوف"، و"زوجتي والكلب"، و"الطريق"، و"مراتي مدير عام"، و"جريمة في الحي الهادي"، و"بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"الشحات"، و"المستحيل"، و"الناس والنيل"، و"السراب". وأكدت الوزارة في قرارها الصادر يوم السبت الماضي، أنها ستنظم مهرجاناً خاصاً بالأفلام المرممة يتضمن عروضاً جماهيرية للأعمال النادرة بصيغتها الرقمية الحديثة داخل قاعات عرض مجهزة، إلى جانب ندوات ولقاءات مفتوحة مع نقاد وكتاب وفنانين شاركوا في هذه الأعمال، وذلك لتعميق فهم الجمهور لمكانة هذه الأفلام في تاريخ السينما المصرية. ولاقى قرار وزارة الثقافة استحسان بعض الفنانين الذين ظهروا في هذه الأفلام حيث أثنوا على قرار الترميم، معتبرين أنه خطوة مهمة للحفاظ على الأفلام المصرية الكلاسيكية من التلف، وحتى تظل موجودة بصورة جيدة يشاهدها الجمهور حالياً. وقالت الممثلة سهير المرشدي، التي شاركت في بطولة فيلمي "جريمة فى الحي الهادي" و"الزوجة الثانية"، من إنتاج 1967، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنها "سعيدة جداً" بالقرار الصادر من وزارة الثقافة، مشيرةً إلى أن "فكرة ترميم الأفلام القديمة التي عرضت في فترات الخمسينيات والستينيات، ضرورية للغاية، فهي بمثابة حفاظ على تراثنا من أفلام الأبيض والأسود من التلف، وترميمها يمنحها عمراً جديداً". من ناحيتها، قالت الممثلة والمنتجة سميرة أحمد، إحدى بطلات فيلم "قنديل أم هاشم"، إن موضوع ترميم الأفلام "مهم للغاية"، موضحةً أنها "ليست المرة الأولى التي تتخذ فيه هذه الخطوة الهامة"، لافتة إلى أنّ ترميم فيلم "قنديل أم هاشم"، كان "ضرورياً لإعادة مشاهدته بشكل جيد من الجمهور". كذلك، أشادت سميرة أحمد بفكرة عمل مهرجان للأفلام القديمة المرممة ومناقشة صناعها حولها ومنحهم الخبرة للجيل الحالي بتبادل الآراء بينهم لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للأطراف كافة. بدورها، شددت الناقدة السينمائية خيرية البشلاوي على أهمية ترميم الأفلام المصرية القديمة، قائلة لـ"العربي الجديد"، إنها "تتمنى تنفيذ هذه الخطوة فعلياً، وأن نرى هذه الأفلام على أرض الواقع، رغم أنها تحتاج إلى ميزانية كبيرة للغاية، لأن عملية الترميم ليست سهلة أبداً". وأوضحت أن قائمة الأفلام التي اختيرت لترميمها من "أهم الأفلام الموجودة وأعظمها وأقواها في التراث السينمائي المصري"، مضيفةً: "إن شاهدناها مرممة فعلاً، فسيكون ذلك إنجازاً لوزارة الثقافة المصرية". سينما ودراما التحديثات الحية فيلم جديد عن "قاتل الشياطين" يحطم الأرقام القياسية في اليابان وكان الممثل حسين فهمي الذي يرأس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أحد المهتمين بخطط ترميم الأفلام المصرية القديمة، وسبق له أن عرض عدداً منها في إحدى دورات المهرجان. قال فهمي لـ"العربي الجديد" إن مصر "تمتلك أفلاماً قديمة كثيرة رائعة يجب الحفاظ عليها"، لافتاً إلى أن "هناك مركز الترميم في مدينة الإنتاج الإعلامي يمتلك أعلى الإمكانات للترميم، وهو مليء بالخبراء في هذا المجال". أشار أيضاً إلى أن الأفلام المرممة التي عرضت في إحدى دورات مهرجان القاهرة "لاقت إعجاب الجميع"، لأنها "قديمة جداً، ومرّ على إنتاجها أكثر من 60 عاماً، وظهرت بجودة كبيرة في المهرجان". وعرض عدد من الأفلام المصرية الكلاسيكية بعد ترميمها في مهرجاني القاهرة والجونة السينمائيين خلال الأعوام الماضية، وأبرزها: "شيء من الخوف" و"الحرام" و"قشر بندق" و"عمر المختار".


BBC عربية
منذ 5 أيام
- BBC عربية
هل تحلم بأن تصبح صانع محتوى ألعاب ناجح؟
هل تحلم بأن تصبح صانع محتوى ألعاب؟ في بي بي سي إكسترا نسلط الضوء على تجربة ملهمة وفريدة لصانعة المحتوى الأردنية ريما ياسين المعروفة بلقب " Hope Rima" حيث تشاركنا أسرار نجاحها في مجال صناعة محتوى الألعاب، التي مكنتها من حصد أكثر من أربعة ملايين متابع على اليوتيوب. عن البرنامج يعرض البرنامج كل خميس 17.30 بتوقيت غرينتش. شاهدوا الحلقة الكاملة هنا والحلقات السابقة من بي بي سي اكسترا هنا.