logo
الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي عن معاناة غزة

الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي عن معاناة غزة

الجزيرة٠٧-٠٥-٢٠٢٥

أعلنت لجنة جوائز بوليتزر، أرفع الجوائز الصحفية والأدبية في الولايات المتحدة، عن فوز الشاعر والكاتب الفلسطيني مصعب أبو توهة بجائزة بوليتزر "للتعليق الصحفي" لعام 2025، عن سلسلة مقالات مؤثرة نُشرت في مجلة "نيويوركر" توثق بعمق المعاناة اليومية للفلسطينيين في قطاع غزة خلال الحرب.
وسلطت مقالات أبو توهة الضوء على الدمار الجسدي والنفسي الذي خلفته الحرب في غزة، حيث جمع بين التحقيق العميق والسرد الشخصي لنقل التجربة الفلسطينية -النابضة بالصدق والمعاناة- على مدار أكثر من عام ونصف العام من الحرب الإسرائيلية. وتناولت مقالاته مواضيع مثل صعوبة مغادرة غزة، والدمار الذي لحق بمخيم جباليا، والمعاناة اليومية في ظل الحصار، بحسب بيان لجنة الجائزة المرموقة.
ووُلد مصعب أبو توهة في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة عام 1992، لعائلة هجرت من يافا بسبب نكبة عام 1948. وحصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية عام 2014، ويكمل الماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة سيراكيوز بنيويورك.
وأسس عام 2017 "مكتبة إدوارد سعيد" العامة في غزة، وهي أول مكتبة بالإنجليزية في القطاع. وعام 2022، أصدر مجموعته الشعرية الأولى بنفس اللغة بعنوان "أشياء قد تجدها مخبّأة في أذني: قصائد من غزة" والتي حصلت على جائزة الكتاب الأميركي وجائزة الكتاب الفلسطيني، وكانت ضمن القائمة النهائية لجائزة النقاد الأميركيين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أثناء محاولته مغادرة غزة مع عائلته، تم اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي وتعرض للضرب والاستجواب قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقًا بفضل ضغوط دولية. وبعد الإفراج عنه، تمكن من مغادرة غزة واللجوء إلى الولايات المتحدة، حيث واصل الكتابة والتوثيق.
وأعلن أبو توهة عن فوزه بالجائزة عبر حسابه على منصة إكس قائلاً "لقد فزتُ للتو بجائزة بوليتزر للتعليق. فليكن أملًا وليكن حكاية".
ويُعد الفوز بجائزة بوليتزر إنجازًا تاريخيًا، حيث يُبرز الصوت الفلسطيني في واحدة من أرفع الجوائز الصحفية والأدبية في العالم، ويعكس أهمية الأدب في نقل معاناة الشعوب تحت الاحتلال.
رحلة مؤلمة
وفي مقال طويل نشر في مجلة نيويوركر -بالعربية والإنجليزية مطلع العام الماضي 2024- بعنوان "رحلة شاعر فلسطيني محفوفة بالأهوال للخروج من غزة" روى الشاعر الفلسطيني تفاصيل تجربته المريرة بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويسرد المقال قصة لجوئه مع عائلته من بيتهم المدمّر شمال غزة إلى مدارس الأونروا المكتظة، ثم محاولاتهم الهرب عبر معبر رفح، وما واجهه من محنٍ قاسية على يد الجنود الإسرائيليين.
وقد رفض أبو توهة، الذي وُلد ونشأ في غزة -في البداية- مغادرة مدينته رغم الخطر، مفضلاً البقاء بالقرب من عائلته الكبيرة. لكن استهداف منزله بالقصف الإسرائيلي أجبره على اللجوء إلى أماكن بديلة مع زوجته وأطفاله الثلاثة. وانتقلوا من شقة صغيرة إلى مدرسة تابعة لوكالة الأونروا، حيث عاشوا ظروفاً صعبة في ظل القصف المتواصل ونقص الموارد الأساسية.
ومع اشتداد القصف واستهداف حتى المدارس المكتظة باللاجئين، قرر أبو توهة أخيراً الرحيل إلى الجنوب عبر الطريق الطويل المحفوف بالمخاطر. ووسط رحلة امتزجت بالصخب واليأس، واجهت العائلة مشاهد مروعة مثل الجثث والأحذية الممزقة والدماء التي تسيل من حيوانات نفقت أثناء القصف. واستجمع أبو توهة شجاعته لينقل أطفاله إلى مكان آمن، لكن ذلك لم يكن سوى بداية اختبار صعب آخر.
وفي نقطة تفتيش إسرائيلية، تم احتجاز أبو توهة من بين مئات الفلسطينيين الآخرين، وتمت مصادرة وثائقه وتعريضه للتفتيش والإذلال. وعلى مدار أيام طويلة في معسكر احتجاز بمنطقة بئر السبع، عانى الشاعر من التعذيب النفسي والجسدي، حيث أُجبر على خلع ملابسه، وتعرض للإهانة، والتحقيق دون أي دليل على علاقته بحماس أو أي فصيل سياسي.
وبعد فترة من الاحتجاز، أُطلق أبو توهة بشكل مفاجئ. ولم تُفسَّر أسباب الإفراج بشكل واضح، لكن التجربة تركت جروحاً عميقة داخل نفسه. وعندما عاد إلى عائلته التي كانت قد لجأت إلى جنوب غزة، كان اللقاء مليئاً بالمشاعر المختلطة من الفرح والألم.
ويعبر أبو توهة في مقاله عن مشاعر معقدة، بين الأمل في غدٍ أفضل لأبنائه وبين الحزن والأسى على ما شهده من فظائع. ويقول إن "الأمل" بالنسبة للفلسطينيين ليس هبة من الخارج بل هو شيء يُزرع ويُتعهد بالرعاية وسط الخراب. ويتخيل يوماً يمكنه فيه العودة إلى غزة والمساهمة في إعادة بناء وطنه الذي بقي مرسوماً في مخيلته.
جوائز بوليتزر 2025
وبالإضافة لفئة "التعليق" فاز -بجائزة بوليتزر- فريق صحيفة واشنطن بوست عن تغطيته "المستنيرة والعاجلة" لمحاولة الاغتيال التي تعرّض لها المرشّح الجمهوري للانتخابات الرئاسية آنذاك دونالد ترامب خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا في 13 يوليو/تموز من العام الماضي.
ويومها انتشرت صور ترامب في سائر أنحاء العالم وهو مصاب في أذنه والدم يسيل على وجهه، وقبضته مرفوعة في الهواء.
وقد أشادت لجنة جائزة بوليتزر بـ"الرواية التفصيلية" و"التحليل المكثّف" اللذين قدّمتهما الصحيفة لمحاولة الاغتيال.
وعن فئة "صحافة الخدمة العامة" فازت مؤسسة بروبابليكا ببوليتزر عن تغطيتها الإعلامية لقضية الحقّ في إنهاء الحمل طوعا التي كانت محور الحملة الأميركية.
وفي سبتمبر/أيلول، غطّت بروبابليكا قضية آمبر ثورمان، البالغة من العمر 28 عاما والتي توفيت في مستشفى بجورجيا في آب/أغسطس 2022 جراء نقص الرعاية الناجم عن القيود التي فرضتها الولاية على عمليات الإجهاض.
وعن فئة "أفضل التقارير الدولية" كافأت اللجنة صحيفة نيويورك تايمز ومراسلها ديكلان والش على تغطيتهما للنزاع في السودان، وبخاصة ما يتعلق بتجارة الذهب غير المشروعة والنزاعات المحلية.
وبلغ مصوّرون فلسطينيون من وكالة الصحافة الفرنسية إلى النهائيات في فئة "التصوير للأخبار العاجلة" بفضل "صور قوية" تجسّد "إنسانية شعب غزة وسط الدمار والخسائر الواسعة".
وعن هذه الفئة فاز مصوّر صحيفة نيويورك تايمز دوغ ميلز عن صوره لمحاولة اغتيال ترامب، بما في ذلك صورة لرصاصة تنطلق في الهواء بينما كان المرشح آنذاك يلقي خطابا أمام حشد من أنصاره.
وفازت صحيفة "نيويورك تايمز" بجائزة الصحافة الدولية "لتغطيتها الواسعة والكاشفة لهجوم حماس الفتاك جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "فضلا عن تغطيتها "للرد الكاسح والقاتل للقوات المسلحة الإٍسرائيلية".
وفازت وكالة رويترز للأنباء بجائزة "التصوير للأخبار العاجلة" لتغطيتها "الفجة والفورية" لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ورد إسرائيل.
وأشاد تنويه خاص بـ"الصحافيين والعاملين في وسائل الاعلام الذين يغطون الحرب في غزة".
وأشارت لجنة بوليتزر إلى إحدى هيئات جامعة كولومبيا، وقالت إن "هذا النزاع أودى أيضاء بشعراء وكتاب".
وتجد هذه الجامعة النيويوركية العريقة نفسها راهنا وسط جدل كبير بعدما استحالت مركزا رئيسيا للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بحرم الجامعات الأميركية.
إعلان
وقد استعانت إدارة جامعة كولومبيا بالشرطة نهاية أبريل/نيسان لإزالة خيم نصبها طلاب محتجون على الحرب الإسرائيلية، وبعد أيام قليلة قامت بإخراج متظاهرين تحصنوا في أحد مبانيها.
وقد حدّت الشرطة بشكل كبير من تغطية هذه العمليات، وهددت بتوقيف طلاب أرادوا تغطية ما يحصل في الصحافة.
وفي مقال نشر خلال عطلة نهاية الأسبوع، اتّهم مسؤولان في صحيفة الطلاب بجامعة كولومبيا إدارة المؤسسة بأنها شنّت "قمعا" للعمل الصحافي لهؤلاء الطلاب من خلال اشتراطها عرض بعض المقاطع المصورة وصور الأحداث عليها.
وكافأت جوائز بوليتزر هذه السنة المعارض الروسي المسجون فلاديمير كارا-مورزا "لمقالاته الشغوفة التي كتبها مجازفا بحياته من زنزانته في السجن" ملقيا الضوء على الأخطار التي تواجهها "المعارضة في روسيا فلاديمير بوتين" وداعيا إلى "مستقبل ديمقراطي" لبلاده.
ويمضي كارا-مورزا -الذي يتعاون مع صحيفة "واشنطن بوست"- حكما بالسجن مدة 25 عاما صدر بحقه في أبريل/نيسان 2023 بعد إدانته خصوصا بتهمة "الخيانة" ونشر "معلومات خاطئة" في خضم قمع أصوات منتقدي الكرملين.
وكافأت الجوائز صحافيين أميركيين أجروا تحقيقا حول عمالة الأطفال المهاجرين، والتباين بين الأعراق في النظام القضائي الأميركي والعنف المسلح.
ووصل الصحافي في وكالة الأنباء الفرنسية أديم التان إلى المرحلة النهائية لجائزة التصوير في فئة "الأخبار العاجلة" لعمله في تداعيات الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا في فبراير/شباط 2023. وفي الصورة المرشحة يظهر رجل ممسكا بيد ابنته العالقة بين الأنقاض بعدما قضت في الزلزال.
وفازت الكاتبة جاين آن فيليبسس بجائزة أفضل عمل أدبي روائي عن روايتها "نايت واتش" حول امرأة وابنتها بعد حرب الانفصال الأميركية.
وكانت جائزة العمل غير الروائي من نصيب نايثن ثرال عن " يومٌ في حياة عبد سلامة: تشريح مأساة القدس".
وأشادت لجنة بوليتزر بـ"الرواية الحميمية والدقيقة للحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال والد فلسطيني قتل ابنه البالغ 5 سنوات في حادث اصطدام حافلة مدرسية بسبب تأخر وصول فرق الإسعاف الإسرائيلية والفلسطينية بسبب الإجراءات الأمنية".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فندق الجيروسالم.. قصر عثماني بأثاث مصري في قلب القدس
فندق الجيروسالم.. قصر عثماني بأثاث مصري في قلب القدس

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

فندق الجيروسالم.. قصر عثماني بأثاث مصري في قلب القدس

"بأرض ما اشتهيتَ رأيتَ فيها فليس يفوتها إلا الكرامُ" ببيت الشعر هذا المحفور يدويا على باب خشبي والذي يعود للشاعر أبي الطيّب المتنبي، يستقبل فندق "جيروسالم" الذي يبعد بضع خطوات عن باب العمود نزلاءه وزوّاره. شُيّد الفندق إبّان العهد العثماني وبالتحديد في عام 1890 كقصر لعائلة شرف المقدسية، وفي عام 1960 وأثناء تقليب إحدى الصحف عثر المقدسي سامي سعادة على إعلان عن بيع هذا القصر-الذي تبلغ مساحة بنائه 200 متر مربع وحديقته 100 متر مربع، بالإضافة لتسوية صغيرة- فاشتراه، وكان يستخدم حينها كفندق. كان هذا البناء الأثري يستخدم خلال الحكم العثماني مقرا للجيش بهدف تعبئة الشباب للحرب العالمية الأولى، ولاحقا استخدم مدرسة إبّان الاحتلال البريطاني، ثم تحول إلى فندق إبّان الحكم الأردني وبقي كذلك حتى يومنا هذا. ورغم أن إصابات مباشرة بالقذائف أحدثت أضرارا في الجانب الشرقي من الفندق خلال حرب النكسة عام 1967، فإن البناء الأثري ظلّ صامدا حتى اليوم، وحرصت عائلة سعادة المقدسية على صيانته ورعايته بشكل يخطف أبصار النزلاء والزوّار الراغبين بالاستمتاع بأجواء تاريخية وتراثية استثنائية. يضم الفندق 14 غرفة ويحتوي على الكثير من المقتنيات الأثرية الفلسطينية من أثواب وأوان حجرية وفخارية ونحاسية، بالإضافة للمقاعد الخشبية العتيقة المزخرفة يدويا وأخرى مصنوعة من الخيزران. ويقع هذا الفندق الأثري في شارع "عنترة بن شداد"، وفي داخل كل غرفة يوجد شعر لهذا الشاعر، وخارج كل غرفة شعر لأبي الطيب المتنبي، أما أثاث الغرف فتمّ تصميمه وتفصيله خصيصا لصالح الفندق في مدينة دمياط المصرية، وعندما وصل إلى القدس قبل عقود كانت لدى صاحب الفندق المقدسي رائد سامي سعادة بعض الملاحظات والتعديلات فأُعيد الأثاث إلى مصر وأدُخلت عليه التعديلات قبل أن يُعاد مجددا إلى القدس. وبالخروج من الفندق يودّع هذا المقدسي النزلاء ببيت شعر آخر للمتنبي محفور على الباب وهو "يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ".

الفائز بمسابقة "يوروفيجن" يدعو إلى استبعاد إسرائيل من نسخة 2026 بسبب حرب غزة
الفائز بمسابقة "يوروفيجن" يدعو إلى استبعاد إسرائيل من نسخة 2026 بسبب حرب غزة

الجزيرة

timeمنذ 19 ساعات

  • الجزيرة

الفائز بمسابقة "يوروفيجن" يدعو إلى استبعاد إسرائيل من نسخة 2026 بسبب حرب غزة

دعا المغني النمساوي "جيه جيه" (JJ)، الفائز بمسابقة "يوروفيجن" لعام 2025، في مقابلة نُشرت يوم الخميس، إلى استبعاد إسرائيل من نسخة العام المقبل التي ستقام في فيينا، بسبب الحرب الجارية في غزة. واجهت "يوروفيجن"، التي تؤكد حيادها السياسي، جدلا جديدا هذا العام بسبب الحرب. ووفقا لسلطات الصحة في غزة، فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 53 ألف فلسطيني منذ بداية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كانت جماعات مؤيدة لفلسطين قد طالبت اتحاد البث الأوروبي باستبعاد إسرائيل من مسابقة 2025، إلا أن المتسابق الإسرائيلي يوڤال رافائيل، حلّ في المركز الثاني. وقال "جيه جيه"، البالغ من العمر 24 عاما، في تصريحات نقلتها صحيفة "إلباييس" El Pais الإسبانية: "من المخيب للآمال أن نرى إسرائيل لا تزال تشارك في المسابقة. أود أن تُقام نسخة يوروفيجن القادمة في فيينا، ولكن من دون إسرائيل". وأصدرت شركة إدارة "جيه جيه"، مانيفستر ميوزك، في وقت لاحق من يوم الخميس، بيانا عبر شركته المنتجة وارنر ميوزك، جاء فيه على لسانه: "أنا آسف إذا أُسيء فهم كلماتي. على الرغم من انتقادي للحكومة الإسرائيلية، إلا أنني أُدين كل أشكال العنف ضد المدنيين في أي مكان في العالم – سواء ضد الإسرائيليين أو الفلسطينيين. لن أعلق أكثر على هذا الموضوع". إعلان وعلى الرغم من أن الصحيفة لم تذكر الحرب مباشرة، فإن تصريحات "جيه جيه" جاءت متوافقة مع دعوة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم الاثنين باستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية، مثل يوروفيجن بسبب النزاع في غزة. وكان "جيه جيه"، واسمه الحقيقي يوهانس بيتش، قد فاز بالمسابقة التي أُقيمت هذا العام في بازل، سويسرا، بأغنيته "حب مهدور" (Wasted Love)، ذات الطابع الأوبرالي. كما دعا إلى مراجعة نظام احتساب الأصوات في المسابقة لتعزيز الشفافية. ويعد "جيه جيه" ثالث فائز نمساوي في تاريخ المسابقة، التي تعتبر الأكبر في العالم، ويتابعها أكثر من 160 مليون مشاهد.

حين يُغني الانتشار عن الاعتبار
حين يُغني الانتشار عن الاعتبار

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

حين يُغني الانتشار عن الاعتبار

كنت أريد توثيق هذه الخواطر من خلال مقطع مصور، وما زلت، ولا ضير أن أقيدها بالكلمات والحروف، علني أُحقق بذلك غايتين؛ فالنفس تميل إلى الكتابة، والسائد في عالم اليوم لغة المقاطع المصورة (الفيديو)، بمختلف أشكالها وطرقها وسرعاتها كذلك. وكي لا أنجرف في الحديث عن سطوة هذه المقاطع السريعة، التي نستهلكها حتى الثمالة، أريد التنبيه إلى أمرٍ بالغ الأهمية؛ ففي حديثي هذا لا أقصد أحدًا بعينه، ولا أستهدف شخصًا أو منصة أو غير ذلك، إنما هو حديث عام عن حالة استشرت في السنوات الماضية، وأردت تسليط الضوء على مثلبة تُقوّض ولا تبني، ونماذج تقلل من قدر صاحبها ولا ترفعه، وإليكم هذه القصة. شاركت مرةً في اجتماع ضمّ نخبة من كبار الأكاديميين والباحثين المخضرمين، وكان من بين المواضيع تحرير لفظ "الباحث"، وبيان الشروط التي يجب أن يتحلى بها المرء قبل إطلاق اللقب عليه، خاصة مع شيوع استخدام اللفظ، ودورانه على الألسنة في السنوات الماضية. وكانت المشاركات قيمة بلا شك، ولكنني طرحت وجهة نظرٍ مختلفة قليلًا عن الأخريات، إذ إنّ تحرير المصطلح لن يعني بحال من الأحوال ضبطه، وبالمحصلة ضبط استخدامه، وتحديد على من يُطلق. فالواقع أن كثيرين ممن يتصدرون المشهد على أنهم باحثون، وخاصة في التطورات ذات الصلة بالشأن العام وقضايا المنطقة، لا تنطبق عليهم أيٌ من الشروط التي طرحها الأساتذة الكرام، بل ترى الواحد منهم (أي الباحث المتوهم) لا تكاد تجد له ورقة أو فصلًا في كتاب، أو مقالًا رصينًا، أو مشاركة دائمة مكتوبة، ثم يتصدر في وسائل الإعلام. وبكل تأكيد، فإن هذه الجزئية وما يتصل بها بحاجة إلى مزيد من البحث والإيضاح، ولكني في هذا الحديث أريد توسيع دائرة النظر أكثر. هذا المثال الذي حاولت البدء به جزء من مشكلة مستشرية، متعلقة بالقفز على التخصصات، وتصدّر الحديث في كثير من القضايا والعلوم، من باب الاهتمام، ومن ثَم سعة الاطلاع، من دون أي التفاتة إلى أهمية التخصص، مهما كان شكله وطريقته وآلياته، وحول هذه الأخيرة، ولأنني متخصص في التاريخ، خضت غماره منذ سنوات طويلة طالبًا جامعيًّا وقارئًا نهمًا، ثم معلمًا وواضعًا لمناهج دراسية ركزت على التاريخ الإسلامي، أزعم أنني قادرٌ على معرفة الغث من السمين في الأطروحات التي تُقدَّم، وما يتم تداوله في المنصات والبرامج. يُمكن للمرء أن ينفق ساعات طويلة وهو يقلب المراجع والكتب ليكتب نصًّا صغيرًا عن حقبة تاريخية ما، أو حدثٍ بعينه، ولكنه كذلك يستطيع من خلال بحث بسيط في مواقع التواصل الاجتماعي، وصفحات الشابكة، أن يسجل مقطعًا قصيرًا عن حدثٍ تاريخي أو ملمحٍ حضاري ومن المفيد ها هنا الإشارة إلى أن ميدان التاريخ من الميادين التي طرق بابها كثرة من غير الدارسين في الأروقة الأكاديميّة (وهو ما سأعود إليه لاحقًا)، وبعيدًا عن تقييم ما قدموه تقييمًا دقيقًا، فإن عددًا منهم ترك بصمة واضحة، وتجاوز مرحلة التخصص الدراسي الأكاديمي المجرد من خلال سعة الاطلاع، والإصرار على المراجعات الدائمة، مع وجود ملاحظات لا يخلو منها أي عملٍ بشريّ، بسبب الخلفية الأيديولوجية، ومحاولة الدفاع المستميت عن شخصيات بعينها من التاريخ، وما سوى ذلك. أعود إلى الفكرة الأولى، وأضرب لكم حقل التاريخ مثلًا.. بطبيعة الحال، يُمكن للمرء أن ينفق ساعات طويلة وهو يقلب المراجع والكتب ليكتب نصًّا صغيرًا عن حقبة تاريخية ما، أو حدثٍ بعينه، ولكنه كذلك يستطيع من خلال بحث بسيط في مواقع التواصل الاجتماعي، وصفحات الشابكة، أن يسجل مقطعًا قصيرًا عن حدثٍ تاريخي أو ملمحٍ حضاري، وغير ذلك من شؤون. الأول جهدٌ متراكم رصين، والثاني تقميش سريع لمادة سيتم استهلاكها سريعًا، ولا ضير بهما، ولكن الضرر عندما يطغى المنتَج المستهلَك السريع على الإنتاج المتراكم، ويتحول صانع المحتوى إلى "مؤرخ"، ويتصدر في قضايا التاريخ والحديث عن الحضارات، بل ينزاح من تخصصه "المهمّ"، لكي يقفز في تخصص آخر لا يعدو فيه أن يكون مهتمًّا أو قارئًا، وإن كان باحثًا فبها ونعمت.. ولي في ذلك قصة كذلك.. على أثر اندحار النظام المجرم في سوريا، وتحرير البلاد، بدأت منصات التواصل باقتراح مضامين ومقاطع حول سوريا واقعًا وتاريخًا وغير ذلك، ولفت نظري مرة -وكنت في طريقٍ طويل في المواصلات العامة- واحدٌ من الشخصيات الفاضلة الكريمة المحترمة، يتحدث في ديوانية عن "تاريخ سوريا"، وقد رأيت له مقاطع كثيرة يتحدث فيها عن التاريخ مع علمي أن تخصصه شيء آخر، وهو مبدعٌ به. شاهدت في القطار نحو نصف المقطع المسجل، وهالني المغالطات التي وردت في المقطع، وهي معلومات لا أحسب أي متخصصٍ في التاريخ يقع بها، بل بعضها أشبه ما يكون بالمعلومات العامة، ولم يكن الحديث إلا عن البدايات الأولى والمراحل المبكرة لجزءٍ من سوريا في التاريخ قبل الإسلام وبعده، وأذكر أنني عددت نحو 4 أو 5 أغلاطٍ فظيعة في نصف المقطع فقط، فتوقفت عن الاستماع، وكلما شاهدت مقاطع للأستاذ الفاضل (ولا أدعي أنها سيئة، ولكنني لا أستطيع منع نفسي من أخذ موقف بعد النموذج الذي استمعت إليه) أسأل نفسي عن الهدف من هذا التطفل، إن لم نقل غير ذلك. سئل العلامة الشيخ سعيد الكملي مرة عن قضية مما انتشر في المعاملات الاقتصادية، فأجاب -بكل بساطة وثقة- بأنه لا يعلم، وهو المشهود له بالعلم والفهم وسعة الاطلاع لا أحاكم ما يقدمه الشخص من مقطعٍ واحد، ولكن هذه النماذج متكررة كثيرًا، في التاريخ وعلم النفس والشريعة والتربية وغيرها.. لم يعد "التحصيل" معيارًا لكي يتصدر البعض للحديث، بل أصبحت قدرة الحديث بنفسها هي المدخل الذي يسمح لأيٍّ كان أن يتحدث عما يريد وكيفما أراد، وإن أضفنا على الحديث طبقة من المُعدِّين الحاذقين، والإلمام بالإنجليزية، أو دعمًا من المنص معاينة التغييرات (يُفتح في علامة تبويب جديدة) ات الكبرى، فستجد الشخص نفسه يتحدث تارة عن اليهود، وطورًا عن الحضارة، وثالثة عن التاريخ السياسي لدولة معينة، ورابعة عن كنه علم التاريخ.. ولا حاجة لتوسيع الأمثلة لئلا يُفهم من كلامي استهداف لأشخاص أقدرهم، ولكن راعني هذا الحال، وهو مما لا يليق بهم من دون شك. وهنا لا بد من الوقوف عند ملمح مهم.. التفاعل مع هؤلاء من قبل المنصات أو المتلقي لا يتم بناءً على التحصيل والتراكم المعرفي، وجدارة ما يقولونه، وإنما لامتلاكهم جمهورًا واسعًا، ونتيجة لحضورهم الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي، وانعكاس ذلك على مشاهدة ما يقدمونه مرئيًّا بكثافة، وهو ما أدى إلى تحويل معيار العمق والمعرفة إلى معيار الانتشار والحضور، وهذا – في تقديري- خلط خطير بين من يُعرف بعطائه العلمي، وبين من يُسلَّط عليه الضوء لأسباب تتصل بمنصات التواصل وسرعة التداول، وأحيانًا بسبب موقعه الجغرافي والبيئة التي تحيطه. ومشكلة هذا التحول أن الجمهور -مع الوقت- يربط الشهرة بالجدارة، ويتعامل مع المتصدر على أنه مرجع، لا لمحتواه بل لانتشاره، وهذه معضلة معرفية وأخلاقية تستحق التأمل والوقوف عندها طويلًا. سئل العلامة الشيخ سعيد الكملي مرة عن قضية مما انتشر في المعاملات الاقتصادية، فأجاب -بكل بساطة وثقة- بأنه لا يعلم، وهو المشهود له بالعلم والفهم وسعة الاطلاع، وفي الحديث عن التاريخ -مثلًا- أخاله هو وأمثاله من كبار الحفاظ أهلًا للحديث عن التاريخ، فلهم ملكات المحدث، وفوقها سعة اطلاع وفقه، ومعرفة بالأدب والأنساب واللغة وغيرها؛ ما يجعل ما يحدِّثون به الطلاب، وما يقولونه في البرامج والمنصات، دررًا لا يخفت وهجها! فاستمع له أو للعلامة الددو -حفظ الله الجميع- وستقف مذهولًا أمام هذه الحافظة المهولة، واللغة العالية من دون تكلف، وفوق ذلك الوقوف عند الحق، والرجوع عن الخطأ حال وجوده، ولا أريد أن أضرب أمثلة من الطرف المقابل، فما سبق فيه كفاية. أخيرًا، لا أشترط البتة التحصيل الأكاديمي الخالص، ففي هذا الباب أحاديث كثيرة وشجون؛ فهذا في بعض التخصصات أمرٌ دخيل وربما يكون غير أساسيّ، ولكنه في تخصصات أخرى ضرورة ملحّة. وليس لي أصلًا أن أحدّد ما يتكلم فيه الناس، وما ليس لهم حق الكلام فيه، ولكنّني أدعو إلى أن ينضبط هؤلاء فيما يُحسنونه، وألا يتطفلوا على ما لا يُحسنونه، ففي بعض الأحيان يكون حديثهم عن قضيةٍ ما، أو نقد علمٍ آخر، وبالًا على سامع لا يعي خطورة ما لديه وما يعانيه، أو على متلقٍ ليس لديه إدراك للبحث عن المعلومة الصحيحة. وأختم بتلك القصة اللطيفة التي رواها الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- في أحد كتبه؛ ففيها منفعة عظيمة وعبرة: إعلان "سألني صيدلي عن حكم من أدرك الإمام راكعًا ولم يقرأ الفاتحة، أتسقط الركعة عنه أم يعيدها؟ قلت: الجمهور على سقوط الركعة عنه، وهناك من يرى قضاءها، فاختر لنفسك ما يحلو. قال: أعرف ذلك، ولكن أريد مناقشة من يرى عدم قضاء الركعة! قلت له: ما جدوى ذلك عليك؟ ولماذا تتكلف ما لا تُحسن وتترك ما تُحسن. قال: ما معنى ما تقول؟ قلت: أنت صيدلي، وجميع الأدوية في دكانك من صنع الصهيونيين.. أو الشيوعيين فإذا تركت أنت وزملاؤك هذا الميدان، ميدان صناعة الدواء، واشتغلت باللغو، أفتحسب ذلك يرفعك عند الله وعند الناس؟ إنك -للأسف- تسهم في سقوط الأمة، وتجعلها غير جديرة بالحياة. قال: إنني أبحث في حكم شرعي، ولا أشتغل باللغو. قلت: الحكم الشرعي -كما قرره أهل الذكر- بين أمرين، خذ منهما ما شئت، ولا يجوز أن تحول الموضوع إلى لبان يمضغه الفارغون.. إن كل ما يصرفك عن ميدان الدواء هو في حقيقته عبث أو عيب أو ذنب تؤاخذ به، أما أن تؤلف رابطة عنوانها: جماعة من يقضون الركعة إذا لم تقرأ الفاتحة، فهذا سخف.. ما قيمة هذا الرأي أو ذاك حتى تُحشى به عقول الناس؟".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store