
الموسيقى الخالدة تضيء المتحف الوطني في أمسية للكونسرفتوار
أقام المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، بدعوة من رئيسته المؤلفة الموسيقية هبة القواس حفلة موسيقية خاصة بعنوان "أمسية من الموسيقى الخالدة" مع أعضاء من الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة المايسترو غارو أفيسيان في المتحف الوطني اللبناني في بيروت.
بين أروقة التاريخ العريق للمتحف صدحت روائع التحف الفنية الموسيقية لموزارت، سانت- سين، هاندل، برامز، بيزيه، جانكينز، هايدن، مارتن وشتراوس، لتكون بداية حفلات مقبلة ينظمها الكونسرفتوار أيام الآحاد في المتحف الوطني أو في مكان آخر يُعلن عنه في حينه، وذلك إلى جانب الحفلات الدورية التي يقيمها المعهد في كنيسة القديس يوسف في مونو للأوركسترا الفلهارمونية.
الأمسيات الجديدة تحت عنوان عريض: "موسيقى من المقطوعات الكلاسيكية المفضلة" (Classical Favorites Concerts) وهي معزوفات مختارة معروفة ومشهورة لدى العامة تقدّم في سياق إحياء الموسيقى الخالدة وفي سلسلة موسيقية مساء أيام الآحاد، وذلك بهدف تقريب الموسيقى الكلاسيكية من الذائقة العامة، بناء على مختارات موسيقية عالمية لكبار المؤلفين شائعة ومعروفة ومحببة عند الناس. وأثمرت بداية هذه التجربة تجاوبًا كبيرًا الدى جمهور الحاضرين الذين غصت بهم الأمكنة المخصصة في المتحف، وطالبوا بحفلات أخرى ودورية لهذا النمط الموسيقي الذي يحبه الجميع ويعرفه ومعتاد على سماعه لانتشاره وشهرته.
هذا ما أعلنت عنه في كلمتها رئيسة الكونسرفتوار الدكتورة هبة القواس قائلة: "ستكون لنا أمسيات موسيقية أيام الآحاد، بالإضافة إلى أيام أخرى، مع هذا النوع القريب من ذائقة الناس الموسيقية، كما وأننا سنجول مع الأوركسترا في مناطق عديدة في لبنان، في المدارس والجامعات وفي أماكن أخرى لم تدخلها الموسيقى الكلاسيكية، وهكذا نستطيع الوصول إلى كل الناس، وتقديم الموسيقى إلى الجميع حيثما كانوا ".
وأضافت: "اليوم 9 آذار/مارس أريد أن أحيّي المعلم في عيده، وكل المعلمين في هذه المؤسسة الأكاديمية التي تضم أساتذة من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، والذين يقدمون للتعليم أقصى ما عندهم من عطاء. وفي هذه المناسبة أريد أن أعلن أننا سنبدأ تقديم برامج موسيقية تتضمن Music appreciation التي تهدف إلى التفاعل بين الأوركسترا والقائد والجمهور، حيث تكون هناك إمكانية للنقاش والأسئلة مع القائد والأوركسترا، وكذلك عبر الشرح عن التوزيع الموسيقي وكيفية تقسيمه، وكل آلة وطريقة التوزيع الأوركسترالي، وفن توزيع الألحان الموسيقية وترتيبها لتتناسب مع الآلات الموسيقية المختلفة في الأوركسترا. هذا ما أحببت أن أعلن عنه اليوم تحديداً، في هذا اليوم المميز الذي يتضمن عطاء العلم والمعرفة، لنضيف إليه عطاء المعرفة الموسيقية".
رحلة عبر الزمن مع معزوفات الكلاسيكيات المفضلة بقيادة المايسترو أفيسيان، قدمت فيها الأوركسترا باقة من أشهر الأعمال الكلاسيكية التي تميزت بالتنوع والتقنيات الموسيقية العالية. افتتحت الأمسية بسمفونية موزارت رقم 40 في حركتها الأولى، وهي واحدة من أكثر الأعمال التي تلامس قلوب جمهور الموسيقى الكلاسيكية بتعبيرها العاطفي والحيوي. من ثم، انتقل الجمهور في رحلة موسيقية مع مقطوعة "البجعة" للمؤلف الفرنسي سانت- سينز، حيث أبدعت الأوركسترا في تقديم هذا العمل الذي يدمج بين جمال الصوت وحنين السمفونيا.
أما مع "وصول ملكة سبأ" لهاندل، فقد شهدنا أداءً مثاليًا للأوركسترا في تقديم أجواء احتفالية تمجد النصر والقدوم المهيب. تلتها الرقصات الهنغارية الشهيرة لبرامز في "الرقصة الهنغارية رقم 5"، التي أضافت فضاءً من الروح المحلّقة ومن الإيقاع المفعم بالحياة.
ومن الأعمال المؤثرة التي تخللت الحفل، تم عزف أشهر مقطوعات أوبرا "كارمن" لبيزيه، مثل "هابانيرا" و"أغنية الطوريدور"، التي أضافت دفئًا حيويًا وأصواتًا عاطفية للأمسية، في حين قدمت "الرقصة البوهيمية" جواً من الاحتفالية والرقص التقليدي.
قائد الأوركسترا الذي يتمتع برؤية موسيقية مبدعة وحضور جذاب، أظهر خبرته وحرفيته في قيادة الأوركسترا، وبفضل إيماءاته الرشيقة وتوجيهاته الخلاقة، تم تنسيق كل قطعة موسيقية بحرفية عالية، حيث استلهم من كل عمل موسيقي جوهره الخاص ليظهر بشكل رائع على خشبة المسرح، فاستمتع الجمهور بكل حركة، وكان واضحًا التناغم التام بين قائد الأوركسترا والعازفين، الذين تمكن كل منهم بإتقان أدائه من العزف الدقيق للآلات الوترية إلى الألحان الرقيقة للبيانو. فامتزجت الموسيقى مع التناغم العالي والروح العزفية الجماعية التي سادت الحفل.
مع "بالاديو" للمؤلف كارل جينكينز، فتميزت الحركة الأولى من هذه المقطوعة بالإيقاعات المتناغمة والألحان المتطورة، مما أضاف لمسة من الحداثة والجمال على البرنامج. أما مقطوعة "ديتشي آل بريزو دي أونو" لمارتن، فأضفت بدورها شعورًا من التفرد والتجديد في الأداء الموسيقي، حيث استطاع العازفون تقديمها ببراعة مذهلة. ومع "سمفونية الوداع" لهايدن امتزجت أجواء الوداع مع الأمل بمستقبل موسيقي مشرق.
اختتمت الحفلة بمقطوعة "مارش راديتسكي" لجوهان شتراوس، التي عبقت بمشاعر الفرح والحياة، حيث ردد الجمهور الأنغام واندمجوا مع الأجواء الاحتفالية التي حملتها هذه التجربة الفنية الفريدة، محققًة نجاحًا باهرًا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
تشايكوفسكي بقيادة أنثوية في الذكرى الـ65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر وإيليا النبي
احتضنت كاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي للأرمن الكاثوليك، وسط بيروت، حفلة موسيقية استثنائية لمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الكاتدرائية، بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وأحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة إحدى أبرز القادة الموسيقيين على مستوى العالم المايسترو الروسية دايانا غوفمان، وبحضور كاهن الكاترائية الأب رافي أوهانسيان وجمع من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية وجمهور الموسيقى الكلاسيكية في لبنان. ساعة من التجلّي الموسيقي تحت عنوان "السلام والعدالة" قدمتها الأوركسترا التي حلّقت في فضاءات الإبداع والرّقي والفن الرفيع مع عازفين في قمة المهارة والاحتراف، بقيادة مبهرة لقائدة الأوركسترا دايانا غوفمان. حضور آسر بقيادة أنثوية تخطف الأنفاس، جمعت الرّقة والقوة، والعذوبة والصلابة، والاحتراف اللافت، لنجمة الحفلة قائدة الأوركسترا الروسية والشخصية البارزة في عالم الموسيقى الروسي دايانا غوفمان، التي تتميز بموهبتها الاستثنائية في الغناء الأوبرالي والقيادة الأوركسترالية. وهي الحاصلة على دبلوم مع مرتبة الشرف كقائدة أوركسترا من معهد "ريمسكي كورساكوف سانت بطرسبرغ" الحكومي للموسيقى، ودراسات عليا في الأداء الأوركسترالي في معهد "ديتمولد العالي للموسيقى" في ألمانيا. كما تخرجت أيضاً من معهد موسكو الحكومي للموسيقى كعازفة بيانو. وقادت غوفمان العديد من الأوركسترات الروسية البارزة، بما في ذلك أوركسترا موسكو السمفونية، وأوركسترا سانت بطرسبرغ الأكاديمية السمفونية، وأوركسترا تاسكي السيمفونية. وهي الحائزة على العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، بما في ذلك لقب "فنانة روسيا الفخرية". وتشغل أيضاً مناصب قيادية في منظمات ثقافية دولية، كما تشغل منصب المدير الفني والمدير العام لمسرح موسكو الإقليمي "انظر إلى الموسيقى". يُعد هذا الحفل الموسيقي المميز حدث لا ينسى لعشاق الموسيقى الكلاسيكية، حيث اجتمعت كل عناصر الإبداع والمتعة والجمال في اكتمالٍ لمشهدية موسيقية نادرة الحدوث، توّجها البرنامج الموسيقي الخلاب لتحفتَي تشايكوفسكي الخالدتين "روميو وجولييت" و"السمفونية الرابعة". في مستهل الحفل، كانت كلمة معبرة لرئيسة المعهد هبة القواس، خاطبت فيها عمق عنوان الاحتفالية بما يتضمنه من عدالة وسلام وجاء فيها: "أيها السائرون على خيوط هذا الوجود، في البدء، لم تكن الكلمة، ولا الحجر، في البدء، كان ارتجاف الوعي الأول: أنّ هذا الكون، بكل اتساعه، ظالمٌ إن تُرك بلا عدالة، وعقيمٌ إن غاب عنه السلام. السلام والعدالة، كائنان لا يسكنان النصوص ولا الشعارات، بل يتخلّقان في قلب كل من يؤمن أن الإنسان وُجد لا ليُستَعبَد، بل ليحلم. ولا ليُعاقب بالوحدة، بل ليُفتدى بالحبّ". وتابعت: "لهذا اجتمعنا اليوم. في هذه الذكرى الخامسة والستين للكاتدرائية، نجدد العهد لا للمكان وحده، بل لما مثّله عبر الزمن: محرابُ من قاوم بالصلاة، ومن صارع بالأمل. ونأتي بالموسيقى، لا كترفٍ ولا تزيين، بل كقوة شافية، قادرة أن تزيح عن أرواحنا صدأ الخوف. نأتي بها عبر الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الوطنية، هذا الجسد الحي الذي يعبر بنا فوق الجراح دون أن ينكرها، ويُحوّل الألم إلى مقطوعة حبّ خالدة". وأضافت القواس: "تحت قيادة دايانا غوفمان، تلك التي لا تقود بالعصا بل بالوعي العميق لإيقاع الروح، سنخوض الليلة رحلة إلى داخلنا، رحلة مع تشايكوفسكي برائعته روميو وجولييت وسمفونيته الرابعة. اصغوا الليلة اليه، إلى تشايكوفسكي، كمن يُعِدُّ نفسه لعبورٍ سرّي نحو حقيقة أعظم. فكل نغمة سهمٌ في فراغ العالم. وكل صمتٍ بين نوتتين... وطنٌ صغير يولد. مرحبًا بكم في موطن الحب والعدالة والسلام". ثم كانت كلمة مرحّبة لكاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان، الذي استشهد بمقولة جلال الدين الرومي "الموسيقى هي أزيز أبواب الجنة"، للدلالة على رمزية الموسيقى الروحية والإنسانية العميقة، وربطها بعنوان الأمسية "السلام والعدالة"، وما يمثله هذان الشعاران للبشرية. وشكر أوهانسيان الكونسرفتوار ممثلاً برئيسته والأوركسترا والقائدة والموسيقيين على الحفل في مناسبة تأسيس الكاتدرائية الخامسة والستين. وقدّم الأب أوهانسيان إلى القواس هدية رمزية تجسّد الكاتدرائية. وبكل ما حملت من شحنات قيادية، افتتحت غوفمان الحفل بعصاها السحرية، وبحركة يديها الممسكتَين بسلطة القيادة، وبتعبيرات جسدها النحيف المتماهية مع كل حركة ونغمة ونوتة. فكانت انحناءاتها وتعبيراتها الجسدية كجسر عبور تجتازه مقدمة "روميو وجولييت" الشهيرة لتشايكوفسكي التي استهلت بها الحفل "P.I. Tchaikovsky (1840-1893) ،Overture - Fantasy "Romeo and Juliet". في هذه المعزوفة، نجح العازفون في نقل جو الحب والمأساة عبر النغمات المتناغمة والمعبرة، فعكسوا ببراعة تقاطع المشاعر بين الحنين والرفض، بين العاطفة العميقة والنهاية المأساوية، في طغيان للـ "Pianissimo" على العمق الموسيقي للمعزوفة، الذي يُبرز اللمسات الدقيقة للعزف ويشعر الجمهور بأنهم يدخلون عالم روميو وجولييت بأحاسيسهم وأفكارهم، في محاكاة للوجد في قلوب العشاق. وفي أداء جارف للأوركسترا التي تحرّكها شراسة الحركة القيادية لغوفمان، اجتاحت موسيقى السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي (Symphony no. 4 in F minor) أنفاس الحضور وفضاء الكاتدرائية وخشوع الأروقة والأيقونات، في انعكاس عميق لنزاع الروح البشرية مع المصير الذي تتضمنه السمفونية. فدخل العازفون في نغمات مليئة بالحزن والوحدة، تُجسد الكوابيس الداخلية التي تصارع العقول والأنفس، وأدارت غوفمان تحولات الأجواء من الحزن إلى التفاؤل، من الكآبة إلى اللحظات المضيئة من الأمل، بأداء رشيق ومؤثر من جميع العازفين، في تداخل انسيابي للآلات الوترية والنفخ والإيقاعات والصنوج التي تردد صداها في الصمت المؤثّر والأسماع المتلهّفة إلى موسيقى تفتح في الروح نوافذ السحر والدهشة، فتحوّلت كل لحظة في الحفل إلى تجربة موسيقية لا تُنسى. وفي الأجزاء اللاحقة، يتبدل المزاج ليظهر الفرح المفاجئ كأنه التوق إلى الأمل، على الرغم من المحن المتتالية. فيبدأ العزف بشكل غامض ويتصاعد إلى مشهد مليء بالقوة والدرامية، ليُظهر تناغمًا ساحرًا بين العازفين الذين شكّلوا فسيفساء لحنيّة متجانسة الأقواس والأنامل، ولكن في ارتقاءٍ مختلف عند كل منهم إلى عالمه العزفي الخاص. روائع الموسيقى والتأليف والقيادة والعزف اجتمعت في هذا الحفل، لتبقى أصداؤها في الروح لوقت طويل بعد نهاية الأمسية. إنها لحظات من التجلي والانخطاف، حيث كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت يستبيح النفس بجلال وهيبة، بل كانت رحلة في أقاصي المطلق.


LBCI
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- LBCI
القائدة الروسية غوفمان والأوركسترا الفلهارمونية تحييان الذكرى 65 لكاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي
احتضنت كاتدرائية القديسين غريغوريوس المنوّر والياس النبي للأرمن الكاثوليك، وسط بيروت، حفلة موسيقية استثنائية لمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الكاتدرائية، بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وأحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة إحدى أبرز القادة الموسيقيين على مستوى العالم المايسترو الروسية دايانا غوفمان، وبحضور كاهن الكاترائية الأب رافي أوهانسيان وجمع من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية وجمهور الموسيقى الكلاسيكية في لبنان. ساعة من التجلّي الموسيقي تحت عنوان "السلام والعدالة" قدمتها الأوركسترا التي حلّقت في فضاءات الإبداع والرّقي والفن الرفيع مع عازفين في قمة المهارة والاحتراف، بقيادة مبهرة لقائدة الأوركسترا دايانا غوفمان. حضور آسر بقيادة أنثوية تخطف الأنفاس، جمعت الرّقة والقوة، والعذوبة والصلابة، والاحتراف اللافت، لنجمة الحفلة قائدة الأوركسترا الروسية المتميزة والشخصية البارزة في عالم الموسيقى الروسي دايانا غوفمان، التي تتميز بموهبتها الاستثنائية في الغناء الأوبرالي والقيادة الأوركسترالية. وهي الحاصلة على دبلوم مع مرتبة الشرف كقائدة أوركسترا من معهد ريمسكي كورساكوف سانت بطرسبرغ الحكومي للموسيقى، ودراسات عليا في الأداء الأوركسترالي في معهد ديتمولد العالي للموسيقى في ألمانيا. كما تخرجت أيضًا من معهد موسكو الحكومي للموسيقى كعازفة بيانو. وقادت غوفمان العديد من الأوركسترات الروسية البارزة، بما في ذلك أوركسترا موسكو السمفونية، وأوركسترا سانت بطرسبرغ الأكاديمية السمفونية، وأوركسترا تاسكي السيمفونية. وهي الحائزة على العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، بما في ذلك لقب "فنانة روسيا الفخرية". وتشغل أيضًا مناصب قيادية في منظمات ثقافية دولية، كما تشغل منصب المدير الفني والمدير العام لمسرح موسكو الإقليمي "انظر إلى الموسيقى". يُعد هذا الحفل الموسيقي المميز حدث لا ينسى لعشاق الموسيقى الكلاسيكية، حيث اجتمعت كل عناصر الإبداع والمتعة والجمال في اكتمالٍ لمشهدية موسيقية نادرة الحدوث، توّجها البرنامج الموسيقي الخلاب لتحفتَي تشايكوفسكي الخالدتين "روميو وجولييت" و"السمفونية الرابعة". في مستهل الحفل، كانت كلمة معبرة لرئيسة المعهد هبة القواس، خاطبت فيها عمق عنوان الاحتفالية بما يتضمنه من عدالة وسلام وجاء فيها: "أيها السائرون على خيوط هذا الوجود، في البدء، لم تكن الكلمة، ولا الحجر، في البدء، كان ارتجاف الوعي الأول: أنّ هذا الكون، بكل اتساعه، ظالمٌ إن تُرك بلا عدالة، وعقيمٌ إن غاب عنه السلام. السلام والعدالة، كائنان لا يسكنان النصوص ولا الشعارات، بل يتخلّقان في قلب كل من يؤمن أن الإنسان وُجد لا ليُستَعبَد، بل ليحلم .ولا ليُعاقب بالوحدة، بل ليُفتدى بالحبّ. لهذا اجتمعنا اليوم .في هذه الذكرى الخامسة والستين للكاتدرائية، نجدد العهد لا للمكان وحده، بل لما مثّله عبر الزمن: محرابُ من قاوم بالصلاة، ومن صارع بالأمل. ونأتي بالموسيقى، لا كترفٍ ولا تزيين، بل كقوة شافية، قادرة أن تزيح عن أرواحنا صدأ الخوف. نأتي بها عبر الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الوطنية، هذا الجسد الحي الذي يعبر بنا فوق الجراح دون أن ينكرها، ويُحوّل الألم إلى مقطوعة حبّ خالدة. تحت قيادة دايانا غوفمان، تلك التي لا تقود بالعصا بل بالوعي العميق لإيقاع الروح، سنخوض الليلة رحلة إلى داخلنا، رحلة مع تشايكوفسكي برائعته روميو وجولييت وسمفونيته الرابعة. اصغوا الليلة اليه، إلى تشايكوفسكي، كمن يُعِدُّ نفسه لعبورٍ سرّي نحو حقيقة أعظم. فكل نغمة سهمٌ في فراغ العالم. وكل صمتٍ بين نوتتين... وطنٌ صغير يولد. مرحبًا بكم في موطن الحب والعدالة والسلام." ثم كانت كلمة مرحّبة لكاهن الكاتدرائية الأب رافي أوهانسيان الذي استشهد بمقولة جلال الدين الرومي "الموسيقى هي أزيز أبواب الجنة" للدلالة على رمزية الموسيقى الروحية والإنسانية العميقة، وربطها بعنوان الأمسية "السلام والعدالة"، وما يمثله هذان الشعاران للبشرية. وشكر أوهانسيان الكونسرفتوار ممثلاً برئيسته والأوركسترا والقائدة والموسيقيين على الحفل في مناسبة تأسيس الكاتدرائية الخامسة والستين، مرحّباً بالحضور. وقدّم الأب أوهانسيان إلى القواس هدية رمزية تجسّد الكاتدرائية. وبكل ما حملت من شحنات قيادية، افتتحت غوفمان الحفل بعصاها السحرية المتوهجة، وبحركة يديها الممسكتَين بسلطة القيادة، وبتعبيرات جسدها النحيف المتماهية مع كل حركة ونغمة ونوتة. فكانت انحناءاتها وتعبيراتها الجسدية كجسر عبور تجتازه مقدمة "روميو وجولييت" الشهيرة لتشايكوفسكي التي استهلت بها الحفل. في هذه المعزوفة، نجح العازفون في نقل جو الحب والمأساة عبر النغمات المتناغمة والمعبرة، فعكسوا ببراعة تقاطع المشاعر بين الحنين والرفض، بين العاطفة العميقة والنهاية المأساوية، في طغيان للـPianissimo على العمق الموسيقي للمعزوفة، الذي يُبرز اللمسات الدقيقة للعزف ويشعر الجمهور بأنهم يدخلون عالم روميو وجولييت بأحاسيسهم وأفكارهم، في محاكاة للوجد في قلوب العشاق. وفي أداء جارف للأوركسترا التي تحرّكها شراسة الحركة القيادية لغوفمان، اجتاحت موسيقى السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي أنفاس الحضور وفضاء الكاتدرائية وخشوع الأروقة والأيقونات، في انعكاس عميق لنزاع الروح البشرية مع المصير الذي تتضمنه السمفونية. فدخل العازفون في نغمات مليئة بالحزن والوحدة، تُجسد الكوابيس الداخلية التي تصارع العقول والأنفس، وأدارت غوفمان تحولات الأجواء من الحزن إلى التفاؤل، من الكآبة إلى اللحظات المضيئة من الأمل، بأداء رشيق ومؤثر من جميع العازفين، في تداخل انسيابي للآلات الوترية والنفخ والإيقاعات والصنوج التي تردد صداها في الصمت المؤثّر والأسماع المتلهّفة إلى موسيقى تفتح في الروح نوافذ السحر والدهشة، فتحوّلت كل لحظة في الحفل إلى تجربة موسيقية لا تُنسى. وفي الأجزاء اللاحقة، يتبدل المزاج ليظهر الفرح المفاجئ كأنه التوق إلى الأمل، على الرغم من المحن المتتالية. فيبدأ العزف بشكل غامض ويتصاعد إلى مشهد مليء بالقوة والدرامية، ليُظهر تناغمًا ساحرًا بين العازفين الذين شكّلوا فسيفساء لحنيّة متجانسة الأقواس والأنامل، ولكن في ارتقاءٍ مختلف عند كل منهم إلى عالمه العزفي الخاص. روائع الموسيقى والتأليف والقيادة والعزف اجتمعت في هذا الحفل، لتبقى أصداؤها في الروح لوقت طويل بعد نهاية الأمسية. إنها لحظات من التجلي والانخطاف، حيث كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت يستبيح النفس بجلال وهيبة، بل كانت رحلة في أقاصي المطلق.


الوطنية للإعلام
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الوطنية للإعلام
امسية من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار
وطنية - استضافت القاعات الأثرية للمتحف الوطني في بيروت، أمسية استثنائية من موسيقى الحجرة، برعاية وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس. وشهد الحفل حضورا لافتا من محبي الموسيقى والوجوه السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية، الذين غصت بهم باحات المتحف التاريخي. في مستهل الأمسية تحدثت القواس مرحبةً بالحضور والموسيقيين، وتضمنت كلمتها إعلانًا تعليمياً مهماً عن انطلاق الفيديوهات الموسيقية التعليمية. وجاء في كلمتها: "أهلاً بكم في هذا اللقاء الموسيقي العائلي والحميم مع موسيقيين استثنائيين من روسيا الى العالم كله، لأن الموسيقى تنطلق من بلد وتسافر في الكون من دون حدود. أمسية موسيقى الحجرة مع فلاديمير سلوفاتشيفسكي وهو عازف التشيلو الأول في الأوركسترات، وفي الوقت نفسه يأتي ليعطي لبنان من وقته وشهرته مع والده سيرغي عازف مسرح المارينسكي وريناتا والدته، العائلة الموسيقية العظيمة التي تقدم للبنان في مرحلة كان فيها صعوبة كبيرة للتواصل مع الموسيقيين بسبب الحظر الذي كان معمماً على مجيء الأوروبيين. وعازفة البيانو العالمية إيفيلين بيريزوفسكي التي أصبحنا نعتبرها جزءاً من الكونسرفتوار والتي قدمت منذ العام الماضي عدة حفلات مع الأروركسترا وأعطت العديد من الماستر كلاسز هي وفلاديمير أيضاً". أضافت: "في هذه المناسبة أود أن أعلن أننا سنبدأ هذا الأسبوع مع إيفيلين بيريزوفسكي بإطلاق أول تسجيل لفيديوهات تعليمية ((Tutorials videos لآلة البيانو بدءاً بالمراحل التحضيرية الأولى وصولاً إلى الدرجات العليا. سنبدأ بالتسجيل والتصوير لطلابنا في الكونسرفتوار الذين بالإضافة لما يتعلمونه مع أساتذتهم، سيتم إدخال الOnline Learning أو التعليم عن بعد ولكن بالمعنى التفاعلي وصولاً إلىAugmented Reality (الواقع المعزّز) الذي تحدثت عنه سابقًا. ليصبح لدينا الفيديوهات التعليمية المسجلة (Tutorials videos) التي ستكون دليلاً للطالب عندما يعود إلى منزله وليس فقط على المستوى المحلي وإنما على أعلى مستوى تقني. في معظم الأحيان يعود الطالب إلى منزله من دون أن يتذكر الكثير من التفاصيل، ونحن نعلم أن تنوع الأساتذة وكل منهم يعلم بطريقة مختلفة ومدرسة مختلفة وخبرة مختلفة. لا أقول أننا بهذه الطريقة نوحّد، ولكننا نعطي إمكانية الوصول إلى أعلى مستوى للجميع. لقد أقمنا هذا الشهر أكثر من خمسين ماستر كلاسز لطلاب الكونسرفتوار مع أهم الموسيقيين الذين قدموا من العالم، فطلاب البيانو فقط هم 1200 من بين 4000 طالب بشكل عام. وسنفتح الاشتراك في الدروس التعليمية لكل اللبنانيين". وبحسب بيان، أحيا الأمسية عازف التشيلو القدير فلاديمير سلوفاتشيفسكي، وهو موسيقي عالمي مرموق تعاون مع كبار قادة الأوركسترا مثل يوري تيميركانوف وثيودور كورنتزيس، وقد أذهل الجمهور بأدائه العميق والمتقن، حيث انطلقت من آلته نغمات تجسد روح المؤلفين الموسيقيين. وشاركت في هذه الأمسية الثنائية عازفة البيانو المتألقة إيفلين بيريزوفسكي، التي وصفها النقاد بأنها "عازفة بيانو ذات مزاج عظيم وتقنية مبهرة وقلب يضاهي موهبتها" كما ذكرت صحيفة "لوموند". وقد أضافت بيريزوفسكي ببراعتها وحساسيتها الموسيقية بعدا آخر للأمسية، حيث تناغم عزفها مع تشيلو سلوفاتشيفسكي في حوار موسيقي بديع. في أمسية موسيقية ساحرة، تراقصت الأنامل على أوتار التشيلو والبيانو بتناغم يخطف الأنفاس، ليقدما لنا أداءً يتسم بالـ virtuosity والشفافية الفنية. العازف فلاديمير سلوفاتشيفسكي، الذي يمتلك براعة استثنائية في العزف، أضاف عمقًا وثراءً لكل قطعة عزفها. في كل نغمة، كان صوت التشيلو ينساب كالنهر الهادئ. إلى جانبه، عزفت إيفلين بيريزوفسكي على البيانو بخفة وأناقة، حيث كانت أناملها تلامس مفاتيح البيانو بحذر، لتخلق خلفية موسيقية تأسر الألباب وتنسجم بشكل كامل مع صوت التشيلو. فسادت بين العازفين علاقة تناغمية مذهلة، عكست التعاون الفائق بينهما، وأظهرت تفاعلهما السلس في كل لحظة موسيقية، سواء في القطع الحالمة أو المفعمة بالتوتر والدراما. تنوع البرنامج الموسيقي ليشمل مختارات خالدة من مؤلفات كبار الموسيقيين، مما أتاح للحضور فرصة الاستمتاع بتجربة موسيقية غنية بالمشاعر والتعبير. ففي Adagio لشوستاكوفيتش، التي بدأ بها الحفل، كانت لحظة سحرية تضاف إلى سجل الأداءات الاستثنائية. عزف سلوفاتشيفسكي بمهارة تفوق التصور، مستغلاً كل مقياس لخلق تباين في الديناميكيات، متخللاً القطعة بلحظات من الصمت الكامل، ليعكس مشاعر الهدوء العميق في لحظات أظهرت براعة فائقة وإتقانًا مدهشًا حيث تميز بتقنيات رائعة أضفت على العزف طابعًا عاطفيًا وحسّاسًا، ليأخذنا في رحلة موسيقية داخل النفس البشرية، من خلال الغوص في نفسه والدخول إلى عمقها بهدوء شديد العذوبة، وخفوت تدريجي حتى يخيّل للسامع أنه يوقف ال pianissimo ويلقيه على القوس والوتر. بينما أضاف البيانو لمسات رقيقة عمقت من إحساس التأمل. أما في 3 Fantasy Pieces لشومان، فقد أضاف كل من العازفين لمسات من الإبداع والفن المرهف، حيث تبادل التشيلو والبيانو الأدوار في سرد حكايات موسيقية آسرة. وفي Vocalise لراخمانينوف، تجلت قدرة التشيلو على نقل الألحان بصوته الحالم، بينما واكبه البيانو برقة غير مسبوقة، ليلامسا شغاف قلوب الحاضرين. وفي ختام الحفل، مع سوناتا شوستاكوفيتش، وخاصة في الحركة الأولى والثانية، بدا عزفهما كحوار موسيقي حقيقي يتراوح بين الهدوء والتصعيد الدرامي. وقد وصل الحفل إلى ذروته في السوناتا الثالثة لراخمانينوف، حيث أظهر العازفان تناغمًا مذهلاً، تكلل بإبداع متكامل بين التشيلو والبيانو، وتدفقت الألحان بتناغم نادر ليتركا أثراً عميقاً في الوجدان. لقد كان أداء فلاديمير سلوفاتشيفسكي وإيفيلين بيريزوفسكي في هذه الأمسية بمثابة شهادة على إتقانهما العميق لآلتي التشيلو والبيانو وحساسيتهما الموسيقية الاستثنائية. هذا التنوع في الحقبة الزمنية والأسلوب الموسيقي للمؤلفين، بالإضافة إلى التفاعل الغني والحوار الاستثنائي بين الآلتين، كرسا أمسية موسيقية ثرية بالتعبير والتناغم الصوتي، مما أتاح للجمهور الاستمتاع بتجربة استماع متكاملة وممتعة. نجح فيها الموسيقيان في خلق جو حميمي وأسر قلوب الحاضرين، تاركين لديهم انطباعاً عميقاً بالجمال والقوة الكامنة في موسيقى الحجرة. خصوصًا في تنوع اختيارات البرنامج وثرائه، حيث قدما للجمهور بانوراما مميزة لموسيقى الحجرة. وقد أظهر الثنائي سلوفاتشيفسكي وبيريزوفسكي انسجاماً فنياً رفيعاً، تجلى في قدرتهما على الغوص في أعماق المؤلفات وتقديم تفسيرات دقيقة وحساسة. فعكست الأمسية المستوى الرفيع لنجوم الموسيقى العالمية الذين يستضيفهم المعهد الوطني، وأكدت على أهمية الموسيقى في إثراء المشهد الثقافي وتقديمه بأبهى صورة وتعزيز التواصل الإنساني. كما أبرزت جمالية المتحف الوطني كفضاء فريد يجمع بين عبق التاريخ وسحر الفنون. =============ر.إ