الصلاة: نبع الطمأنينة وأعظم روابط الروح بالخالق
ليست الصلاة مجرّد أداء حركيّ يزاوله الجسد، ولا طقوسًا يوميّة تؤدَّى كعادة متكرّرة، بل هي جوهرُ الصلة بين الإنسان وربّه، ومَعين الطمأنينة حين تضيق الدنيا، وسكينة القلب حين يعلو ضجيج الحياة.
الصلاة، بما تحمله من خشوعٍ وسجودٍ ونجوى، هي لحظة انفصالٍ عن العالم المتقلّب، وارتباطٍ عميق بعالمٍ أرحب، حيث لا يُسمع إلا صوت الضمير، ولا يُرى إلا وجه الرحمة. فيها يذوب الغرور، وتنحني الهامات، ويذرف القلب ما عجزت العين عن التعبير عنه، فهي مَسكن الألم، ودواء الروح، ونقطة اتزان بين متغيّرات النفس وتقلبات الدنيا.
الصلاة ليست عبئًا يُؤدَّى، بل هدية إلهية تُمنح، وفرصة يوميّة للتطهر من أدران الذنب، ولإعادة شحن الروح بقوة الإيمان. وهي لا تقتصر على كونها عبادة، بل هي تربية خفية، تُعلّم الانضباط، وتغرس في القلب معنى التوكّل، وتُعلِي من شأن المراقبة الذاتية، حتى يصبح الإنسان مسؤولًا أمام الله أولًا، ثم أمام نفسه والناس.
ما من فريضة في الإسلام اقترنت بالمعراج مثل الصلاة؛ وهذا في ذاته دلالة على عظمتها، وكأنها الرحلة اليومية التي نُعرج بها من أرض الشقاء إلى سماء الصفاء.
من حافظ على صلاته، حفظته من الضياع، ووقته من العبث، وعقله من الشتات. ومن تهاون بها، خسر من نفسه أكثر مما خسر من دينه، إذ لا تترك الصلاة قلبًا على حاله؛ إمّا أن تسمو به، أو ينكسر في غيابها.
في زمن تعجّ فيه الأرواح بالقلق، تبقى الصلاة ملاذًا آمنًا، لا يُخيب، ولا يُغلق بابه… فهنيئًا لمن عرفها على حقيقتها، لا عادةً بل عهدًا، لا فرضًا فحسب، بل حبًّا واحتياجًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الشرق
ثقافة الوقف هي مفتاح بناء الحضارة
مقالات 219 لا تُقاس الحضارة بالتقدّم المادي أو التكنولوجي فحسب، بل بمدى ترسيخها لقيم الأخلاق والعدل والتنمية الاجتماعية وسعادة أهاليها. وقد قدّمت الحضارة الإسلامية نموذجًا متوازنًا يجمع بين الجمال المادي والروحي، مستندة إلى مبادئ التكافل والمشاركة لا إلى المصالح الفردية. وكان الوقف من أبرز تجليات هذا النموذج، حيث مثّل وسيلة فعّالة لترسيخ مفاهيم البر والإحسان والصدقة الجارية، عبر تخصيص الأموال والممتلكات لخدمة المجتمع ابتغاءً لرضا الله عز وجل. وقد نوّه القرآن الكريم في مواضع عديدة على أهمية الإنفاق والصدقة الجارية، حيث وعد الله من ينفقون في سبيله بأجر مضاعف، كما في قوله تعالى ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ﴾ (البقرة: 261) وأكد النبي ﷺ على استمرارية الأجر بعد الموت في قوله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ومن هذا المنطلق، أصبح الوقف تجسيدًا حيًا لمفهوم العطاء المستمر، وعنصرًا أساسيًا في بناء الحضارة الإسلامية وقيمها الاجتماعية. يركّز الإسلام على نشر الكرم والإحسان، خلافًا للرأسمالية الغربية التي تقيّم الإنسان بماله. في الحضارة الإسلامية، هناك ارتباط قوي بين الكرم وكرامة الإنسان. فصفة «كريم» تُطلق على الشخص الشريف والجواد. مفهوم الوقف، الذي يجمع بين جانبين من الصدقات الجارية المذكورة في الحديث النبوي وهما العلم والخير، وقد بدأ تطبيق هذا المفهوم منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال إنشاء المساجد، والمؤسسات العلمية، وحفر الآبار، وامتد ليشمل رعاية الفقراء والأيتام والعمل على دمجهم في المجتمع، حتى أصبح الوقف جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية. وأسهم هذا النظام في الحفاظ على العلوم الإسلامية والقيم الأخلاقية، وتيسير حياة الناس وتعزيز روح التكافل في المجتمع. لقد أسهمت الأوقاف في الحضارة الإسلامية بشكل كبير في تطور العلم والحكمة، وتحقيق الرفاه والتضامن الاجتماعي. ففي العهدين الأموي والعباسي، امتد دورها ليشمل مؤسسات التعليم كالمـدارس، والمكتبات، والمستشفيات، والخدمات العامة مثل الطرق والجسور. وقد تطور هذا النظام في عصور الأندلس والسلاجقة والمماليك والعثمانيين، ليصبح من الركائز الأساسية لفكرة الدولة الاجتماعية في الحضارة الإسلامية. وفي تراث الأندلس، أدّت الأوقاف دورًا واسعًا شمل التعليم والصحة، وبنية المدن التحتية، وبناء وصيانة قنوات المياه، ودعم المسافرين، ورعاية النساء والأيتام، في إطار منظومة متكاملة لخدمة المجتمع. تُظهر وثائق الوقف العثمانية التي تعود إلى فترة التأسيس أن الهدف الأساسي من الأوقاف كان ابتغاء مرضاة الله وتقديم الدعم للمجتمع. ومع تأسيس نظارة الأوقاف الخيرية عام 1826، أُدخل نظام مركزي أكثر تنظيمًا على مؤسسة الوقف. وقد أدت الأوقاف العثمانية دورًا محوريًا في دعم قضايا الضمان الاجتماعي، من رعاية الفقراء والأيتام والمسافرين، إلى تقديم العون للنساء والمرضى، وانتشرت هذه الأوقاف بشكل واسع ليس فقط في إسطنبول، بل في مختلف الولايات العثمانية. كما ساهمت بدور كبير في تمويل مشاريع البنية التحتية للمدن، خاصة في مجالات التعليم والصحة والخدمات العمرانية، من خلال مؤسسات كالسليمانية، والسليمية، والحسكة. وتشير السجلات الوقفية للسنوات 1908-1909 إلى وجود أكثر من 26 ألف وقف، كما أن ما يقارب 20% من الأراضي الزراعية كانت موقوفة لخدمة مصالح المجتمع. في أواخر العهد العثماني، تم توحيد وزارة الشؤون الشرعية مع وزارة الأوقاف في مؤسسة واحدة. وفي الوقت الحاضر، تعتمد العديد من الدول الإسلامية هذا النموذج، إذ يُستخدم الاسمان معًا أو تتولى وزارة الأوقاف الإشراف على كل من الشؤون الدينية والأوقاف. ومع بروز قسوة الرأسمالية الغربية وإهمالها للفقراء والمستضعفين، بدأ مفهوم العمل الخيري (philanthropy) يزداد قوة وانتشارًا. فقد أنشأ بعض المليارديرات، مثل بيل غيتس، مؤسسات وقفية لإظهار التزامهم بالمسؤولية الاجتماعية في وجه التفاوت الشديد في الثروات، كما دفعت حركات العدالة العالمية كبرى الشركات نحو الانخراط في برامج خيرية أو تأسيس مؤسسات وقفية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحضارة الإسلامية متقدمة في هذا المجال، من حيث الرؤية والتطبيق، بفضل نظام الوقف الذي شجّع منذ قرون على فعل الخير دون أن يقف عائقًا أمام تحقيق الثروة. ولولا هذه المؤسسات، لكانت الحياة في العديد من البلدان الإسلامية الفقيرة أكثر صعوبة ومعاناة. إذا يجب علينا المحافظة على هذا الميراث العظيم وتشجيعه في أوساط الأجيال القادمة. مساحة إعلانية

صحيفة الشرق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الشرق
الأب القائد: بين القرب الملهم والغياب المؤثر
مقالات 228 فاطمة بنت يوسف الغزال A+ A- في عالم القيادة تبرز عبارة خبير القيادة العالمي جون سي ماكسويل: (عليك أن تكون قريبًا بما يكفي لتتواصل مع الناس، لكن بعيدًا بما يكفي لتلهمهم)، هذه العبارة، رغم أنها وُلدت في سياق القيادة الإدارية، إلا أنها تنسحب بعمق على أحد أكثر الأدوار حساسية وتأثيرًا في الحياة دور الأب في الأسرة. الأب… حضور يتجاوز الجدران في كثير من البيوت، يبدو الأب وكأنه بعيد عن التفاصيل اليومية، منشغلٌ بعمله أو مسؤولياته. لكن هذا البُعد لا يعني الغياب، فالأب وإن لم يكن حاضراً جسدياً طوال الوقت، إلا أن تأثيره يظهر في اللحظات المفصلية:حين يُستشار في قرار تربوي مهم، حين يتدخل لحسم خلاف بين الأبناء، حين يُعبّر عن رأيه في مسار تعليمي أو سلوكي. هذا النوع من الحضور يُشبه إلى حد كبير ما يسميه ماكسويل بـ»القيادة الملهمة»: أن تكون بعيدًا بما يكفي لتُرى من زاوية عليا، لكن قريباً بما يكفي لتُحدث فرقاً. هيبة في الغياب… ووزن في الكلمة في دراسة تربوية نُشرت في مجلة (Parenting Science)، وُجد أن تدخل الأب في لحظات محددة يحمل تأثيراً مضاعفاً على الأبناء مقارنة بالتوجيهات اليومية المتكررة، فكلمة الأب، حين تأتي في توقيتها المناسب، تُحدث أثراً نفسياً وسلوكياً يفوق التوقعات. وهذا ما يُفسر لماذا يُنظر إلى الأب غالباً كـ»صمام أمان» في الأسرة، أما الأم، بحكم قربها اليومي، تمثل الحنان والرعاية، لكن الأب يمثل الهيبة والتوجيه الاستراتيجي، وهذا التوازن هو ما يمنح الأسرة استقرارها العاطفي والتربوي. القيادة الأسرية… فن التوازن جون ماكسويل يرفض فكرة القائد المتسلط أو المنعزل، بل يدعو إلى قيادة متوازنة، تُراعي القرب الإنساني دون أن تُفقد القائد مكانته، وهذا بالضبط ما يحتاجه الأب في بيته: أن يُصغي دون أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، أن يُشعر أبناءه بالأمان دون أن يُغرقهم بالحماية الزائدة، وأن يُلهمهم من خلال القدوة، لا من خلال الأوامر، في هذا السياق، يقول المفكر التربوي «د. عبد الكريم بكار: (الأب الناجح هو من يُشعر أبناءه بأنه موجود دائمًا، حتى لو لم يكن حاضراً جسدياً). دروس من قلب الأسرة الأسرة، كما يراها كثير من علماء النفس، هي أول مدرسة للقيادة وفيها يتعلم الأبناء مفاهيم عديدة مثل: احترام السلطة دون خوف، اتخاذ القرار بحكمة، التوازن بين العاطفة والعقل، والأب، حين يُجيد لعب دوره القيادي، يُرسخ هذه المفاهيم دون أن يُلقي محاضرات، يكفي أن يروا كيف يتصرف، كيف يُعالج المواقف، وكيف يُعبّر عن رأيه. نموذج يعقوب عليه السلام في قصة نبي الله يعقوب عليه السلام، نرى كيف كان قريبًا من أبنائه، يستمع إليهم، ويشاركهم مشاعرهم، لكنه في الوقت ذاته كان قائدًا حكيمًا: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾. سورة يوسف الآية: (5)، يعقوب هنا يتدخل في الوقت المناسب، ويوجه ابنه يوسف بحكمة، دون أن يفرض أو يبالغ في الحماية، وفي لحظة أخرى، حين طلب منه أبناؤه أن يأخذوا يوسف معهم، نراه يتردد، لكنه لا يمنعهم تمامًا، بل يوازن بين الحذر والثقة:﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾. سورة يوسف الآية (13)، هذا التوازن بين القرب العاطفي والقيادة الحكيمة هو جوهر القيادة الأسرية التي تحدث عنها ماكسويل. ولنا في رسول الله ﷺ قدوة حسنة النبي محمد ﷺ كان نموذجا فريدا في القيادة الأسرية، فقد جمع بين اللين والحزم، وبين القرب من الأبناء والتوجيه الراشد، كان النبي ﷺ يحمل الحسن والحسين، ويُقبلهما، ويُشعرهما بالحب، حتى قال أحد الصحابة متعجبًا: (إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ أحدًا منهم)، فقال النبي ﷺ: (من لا يَرحم لا يُرحم)، هذا القرب العاطفي لا يُضعف القيادة، بل يعززها، ويُرسخ الثقة بين الأب وأبنائه. في زمن تتداخل فيه الأدوار الأسرية، وتزداد فيه التحديات التربوية، يبقى على الأب أن يستحضر نموذج القيادة الذي رسمه ماكسويل: (كن قريبًا لتفهم… وبعيدًا لتؤثر)، فالأب ليس مجرد مُعيل، بل هو قائد تربوي، يُلهم أبناءه من خلال حضوره الرمزي، وتدخله الحكيم، وكلمته التي تأتي في الوقت المناسب.


صحيفة الشرق
منذ 14 ساعات
- صحيفة الشرق
قطر تشارك في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم في دورتها الـ45
محليات 32 شعار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تشارك دولة قطر، ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في فعاليات الدورة الخامسة والأربعين لمسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، والتي تقام خلال الفترة من 12 إلى 20 أغسطس 2025م، في رحاب المسجد الحرام بمكة المكرمة. ويمثل الدولة في هذه النسخة من المسابقة المتسابق ناصر خليفة علي مبارك المحمود، في فرع حفظ نصف القرآن الكريم. ويرأس الوفد القطري السيد عجيان جابر الاحبابي، رئيس قسم توجيه الأئمة والخطباء بإدارة المساجد. وفي تصريح بهذه المناسبة، أوضح السيد فهد أحمد المحمد، رئيس قسم القرآن الكريم وعلومه، بإدارة الدعوة والإرشاد الديني، أن شباب قطر شاركوا في أكثر من نسخة لمسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، على مدار السنوات الماضية، وحققوا فيها مراكز متقدمة، مشيرا إلى أن آخر مشاركة شهدت تمثيلا مميزا عبر المتسابقين عبد الله تركي السبيعي، وعمر مبارك سعيد المري. وأضاف: تحرص الوزارة على اختيار أفضل الطلاب القطريين حفظا وإتقانا للمشاركة في هذه المسابقات، حيث يعمل قسم القرآن الكريم وعلومه جاهدا على إعداد المتسابق الإعداد المناسب للمشاركة والمنافسة على المراكز المتقدمة في مثل هذه المحافل الدولية، لافتا إلى أن المتسابق ناصر المحمود وهو طالب في المرحلة الإعدادية، يعد من الطلاب المتميزين في مركز النور القرآني التربوي، ويحفظ القرآن الكريم كاملا، وتعتبر هذه أول مشاركة له على المستوى الدولي بعد أن أحرز مراكز متقدمة في المسابقات المحلية عدة. وأكد رئيس قسم القرآن الكريم وعلومه أن المشاركة تندرج ضمن الخطة الطموحة للمنافسة في هذه المحافل القرآنية الدولية، والحرص على حصول شباب قطر على المراكز المتقدمة، إضافة إلى بث روح التنافس الإيجابي بين الحفاظ المتقنين، وتحفيز الأجيال على مختلف مستوياتهم للالتزام بتعاليم الدين، وترسيخ القيم الإسلامية من المنظور القرآني، والسعي لجذب واستقطاب الشباب نحو كتاب الله تعالى. يشار إلى أن مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره تشتمل على خمسة فروع، هي: الفرع الأول: حفظ القرآن الكريم كاملا مع حسن الأداء والتجويد بالقراءات السبع المتواترة من طريق الشاطبية (رواية ودراية). والفرع الثاني: حفظ القرآن الكريم كاملا مع حسن الأداء والتجويد وتفسير مفردات القرآن الكريم كاملا. أما الفرع الثالث: حفظ القرآن الكريم كاملا مع حسن الأداء والتجويد. والفرع الرابع: حفظ 15 جزءا متتالية مع حسن الأداء والتجويد. بينما الفرع الخامس: حفظ خمسة أجزاء متتالية مع حسن الأداء والتجويد، وهو خاص بمرشحي الدول غير ذات العضوية في منظمة التعاون الإسلامي.