
أغدًا ألقاك؟!
قصيدة للشاعر السوداني الهادي آدم، غنتها أم كلثوم عام 1971، ولحنها محمد عبد الوهاب، فكان عملًا شديد الروعة والجمال والإبداع.
تعود حكاية القصيدة الأشهر إلى تجربة شعورية بدأت مؤلمة؛ حيث قصة حب جمعت بين الهادي آدم وفتاة مصرية خلال دراستهما في القاهرة. وعندما تقدم لخطبتها، رفض والدها الأمر تمامًا، وباءت كل محاولات الوساطة التي استعان بها الشاب بالفشل. ونتيجةً لهذا الرفض الصارم، عاد إلى السودان يجر أذيال الألم والمرارة.
ومضت الأيام ثقيلة، والذكريات قاسية، حتى جاءته البشارة بموافقة والد الفتاة على الزواج، فكاد يُجَنُّ من فرط السعادة، وجرى مهرولًا نحو ظل الشجرة نفسها التي شهدت آلامه، وأخرج قلمه وأوراقه ليكتب القصيدة التي يُعلن فيها عن قدومه الفوري للقاء الثاني، لقاء الخير والسعادة، اللقاء المشمول بخاتم القبول. وبعد سنوات، وصلت الأغنية إلى أم كلثوم، وتأثرت بكلماتها، فراقت إليها، وأبدعت في أدائها.
هذا الشاب غادر إلى بلده مكروبًا محزونًا، عُنِّف على طلبه الحلال المشروع، ولربما عايروه على اللون والوطن، بلا خجل ولا رحمة. لم يشفع له علمه، ولا اغترابه في طلب المعرفة، ولا حرصه على دخول البيوت من أبوابها، بل لم يشفع له حبه الوافر الذي تجاوز السحاب.
القبول والرفض حق مكفول ومشروع، لا شك، أما جرح القلب وكسر الخاطر، فهما جريمة لا يُلقي الناس كثيرًا لها بالًا، ولا يُحاسب عليها القانون! هي جريمة مكتملة الأركان، لكنها بلا عقاب!
لماذا رفضني وقد ارتضتني ابنته صاحبة الشأن؟ لماذا لم يترك لنفسه فرصة للتفكير كي أعيش على الأمل ولو قليلًا؟ لماذا كان الرد صادمًا والقرار عنيفًا؟ هكذا هم الناس الذين يرفضون الخطاب حتى قبل فتحه! هكذا هم في الغالب الأعم، ويظنون أنهم أصحاب القرار، ولا يدركون أن قلوبهم هذه، في الأساس، بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء.
أما هذا الذي سالت دموعه وكُسِرَ خاطره، وغابت عنه أعين الناس، وبقيت فقط عين الله التي لا تغفل ولا تنام. ويأتي الأمر من الله بهداية العاصي، وتيسير الصعب، وتقريب البعيد، فترسل الخطابات من القاهرة للخرطوم، خطابات لم يكن ليحلم بما تحمله من معانٍ حتى في أجمل غفواته. خطابات تقول: الآن يمكنك القدوم، فقد تم القبول!
"وتشاء أنت من البشائر قطرةً، ويشاء ربك أن يغيثك بالمطر. وتريد أنت من الأماني نجمةً، ويريد ربك أن يناولك القمر".
مع المحنة تكون المنحة، تمامًا كما يأتي اليسر مع العسر (معه وليس بعده). فبعدما تتدافع علينا الأزمات، وتتوالى الابتلاءات، وتضيق علينا الدنيا بما رحبت، وكأننا نتنفس من خرم إبرة! وإذا بربك سبحانه يرسل البشارات، ويزيل العقبات، ويحقق الأمنيات، تلك التي كانت بالأمس بعيدة، أضحت الآن والآن فقط قريبة، كانت مستحيلة، فباتت واقعًا ملموسًا.
لقد تحولت الأقدار، وتبدلت الأحوال، وكشفت الدنيا عن وجهها الحاني، وجاءتك راغبة بعد طول عناد. لم يكن عليك إلا الصبر واليقين بفرج الله، فما ظنكم برب العالمين؟ إن تحقق رجاؤك، فقد كان ذلك عين الحكمة، وإن لم يتحقق، فانتظر الأجمل والأفضل من ربك، فهو وحده الذي يعلم أين الخير؟ وأنت والناس جميعًا لا تعلمون.
هو الرحمن الرحيم، كل شيء عنده بقدر معلوم: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، فالعسر لا يدوم، وسيفتح الله بابًا كنت تحسبه، من شدة اليأس، لم يُخلق بمفتاح! منع الله عطاء، ذلك لأنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما منع عن حكمة وحسن نظر.
الرضا شقيق الصبر، إن صبرتم أُجِرتم وأمر الله نافذ، وإن جزعتم أثمتم وأمر الله نافذ، فارض بقضاء الله، وتيقن أن الله سبحانه يُبدع في صناعة النهايات. (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ). ليس المراد بالآخرة الدار الآخرة، وليس المراد بالأولى الحياة الدنيا! المراد بالآخرة نهايات الشيء، والأولى بدايات الشيء نفسه، والمعنى: الله وحده يصنع النهايات السعيدة.
ثم يكون لطف الله الخفي: "وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ، يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ، وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ، ففَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ، وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً، وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ".
لا أعلم إن كان الهادي آدم تزوج فتاته في النهاية أم لا! ولكنني أعلم بكم الحزن الذي ملأ قلبه، ثم بكم السعادة التي غمرته، ولم يكن هذا أبدًا بالأمر الهين.
ولماذا الهادي آدم وهناك قصص أكثر تأثيرًا وأبلغ تعبيرًا؟ والإجابة: هو فقط نموذج للصدمة الأعنف التي قد يتعرض لها الشباب في مقتبل العمر، صدمة لم يعتادوا عليها ولم يتهيأوا إليها، صدمة جاءت مع رغبة حقيقية وعاطفة صادقة ونية سليمة.
هذا المقال ليس المقصود به الحديث عن تلك الصدمة، بل عن ما بعدها، ورسالة الفرحة التي أعقبتها، وحالة الإنسان عندما يتلقى مثل هذا النوع من الرسائل، بعودة غائب، أو شفاء مريض، أو رد حق، أو نصر مظلوم، أو فرح مكلوم، أو بشارة نجاح، أو إشارة فلاح.
تلك الفرحة التي تأتي أيضًا بالدموع، لكنها ليست كغيرها من الدموع. هي دموع يسجد معها الإنسان شكرًا لله، فقد انتهت الأحداث بأجمل نهاية، نهاية أبلغ من تلك التي تمنيتها، نهاية أعظم من تلك التي أكتبها لنفسي، نهاية تجعلني أخط بيدي ما استشعر به الهادي آدم:
"وغدًا تأتلف الجنة أنهارًا وظلًا، وغدًا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى، كل هذا يحدث غدًا! وغدًا ألقاك!"

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 28 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار مصر : بجنيه واحد.. تامر حسني يدعو لتطبيق فكرة جديدة لعلاج الفقراء
الخميس 7 أغسطس 2025 03:40 صباحاً نافذة على العالم - طالب الفنان تامر حسني ، الدولة ووزارة التضامن بتطبيق فكرته التي نادى بها من خلال فيلمه "ريستارت"، الذي عُرض مؤخرًا بشأن علاج الفقراء بالمجان. وكتب تامر حسني عبر 'انستجرام': "يارب الدولة تطبق فكرتي اللي ناديت بيها في الفيلم، إن شاء الله مش هيبقى في حد محتاج يتعالج ومش هيلاقي، محلولة وبجنيه واحد وبدوسة واحدة، يعني لو جالنا حتى كل يومين ادفع جنيه عشان تنقذ حياة مريض، يعني في الشهر أنت دفعت 15 جنيه، شوف هتنقذ حياة كام بني آدم هيفضلوا ليك ولعيلتك وإخواتك وولادك صدقة جارية طول العمر". وأضاف: 'يارب الدولة تطبقها، يارب وزارة التضامن تسمع فكرتي، يارب الفكرة دي توصل لأعلى جهات في مصر، منشنوا الجميع يارب خير أنا متفائل بتطبيق الفكرة دي في أسرع وقت يارب، من فيلم ريستارت' يشارك في بطولة فيلم ريستارت، كل من: تامر حسني في بطولة الفيلم هنا الزاهد، ويضم الفيلم عددا من الفنانين، منهم باسم سمرة، محمد ثروت، عصام السقا، ميمي جمال، رانيا منصور، وضيوف الشرف إلهام شاهين، محمد رجب، شيماء سيف، وأحمد حسام ميدو، والفيلم من تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج سارة وفيق.


المصري اليوم
منذ 2 ساعات
- المصري اليوم
الأهرام.. العمر الطويل
مائة وخمسون عاما من عمر صحيفة «الأهرام»، تترجم مائة وخمسين عاما من عمر الصحافة المصرية، عمر الصحافة المصرية من عمر الأهرام، والأهرام من الصحف المعمرة. أطول الأشجار عمراً هى أشجار «الصنوبر»، تعيش طويلا أطول من عمر نوح عليه السلام، وقدرتها على العيش لفترة طويلة جدًا بفعل تكيفاتها البيولوجية التى تساعدها على البقاء فى الظروف القاسية، هكذا الأهرام تتكيف صحفيا، ما يكتب لها عمرا طويلا، وستعمر طويلا إن شاء الله. الاحتفاء بقرن ونصف من عمر الأهرام، احتفاء بالصحافة المصرية جميعا، فى عام أخير بلغت مجلة «المصور» مئويتها الأولى، ولحقت بها مجلة «روزاليوسف» فى مئويتها الأولى، الصحافة المصرية تسجل أعمارا قياسية، أعمارها أقدم من دول وممالك حول العالم. العمر لا يقاس بعدد السنوات، بالإنجاز، والتأثير، والأهرام ظلت ولاتزال واحدة من علامات الجودة الوطنية، وتأثيرها تجاوز نطاقها المحلى والعربى، اسم الأهرام على محركات البحث الإلكترونية يحمل الكثير من الإنجاز يقارب الإعجاز، فى قمة القوى الناعمة المصرية العابرة للحدود. هل حلم المؤسسون هكذا أنها ستعمر طويلا، هل حلم الحالمون أن تناهز المائة والخمسين عمرا، (الأخاين تقلا) اختارا للصحيفة اسما يضمن لها الخلود، مشتق من خلود الأهرامات، وما كان يخطر ببالهما وهم يصدران العدد الأول فى الإسكندرية أن هذه الصحيفة ستعمر طويلا، أطول من أعمارهما، وأعمار أجيال بعدهما، حتى تصل إلى مائة وخمسين عاما. ما تيسر من سيرة الأهرام فى مائة وخمسين عاما، لافت أنها لم تتوقف يوما عن الصدور، ولم تتعطل، ولم تحجب، ولاتزال قادرة على المضى قدما بخطى واثقة فى المستقبل، حروب عالمية، وإقليمية، وثورات، جوائح، وزلازل وبراكين، وشجرة الأهرام أصلها (جذرها) ثابت وفرعها فى السماء. الأهرام ليست جملة عابرة فى سطر فى كتاب على رف فى مكتبة يعلوه التراب، الأهرام دفتر حياة دافقة، وفى صفحاتها سيرة وطن كاملة، دفتر أحوال المصريين، أفراح وأتراح، قصص وحكايات، معارك وتحديات، أسماء وأفكار، شيوخ وشباب، وأجيال تسلم أجيالا. تاريخ الأهرام من تاريخ الوطن، ورسالتها من رسالة الوطن، وصورة الوطن مرسومة ومصورة فى صفحات الأهرام. طالعوا «ديوان الحياة المعاصرة» بقلم طيب الذكر الدكتور «يونان لبيب رزق»، ترون الأهرام «جبرتى» هذا الوطن، تسجل يوميات المصريين، حتى وفياتهم، يوما قيل من لم ينشر نعيه فى الأهرام لم يمت بعد. إذا تاقت روحك اشتياقا لصورة الوطن، الأهرام ترويك من نبعها الصافى، فيها ما تشتاق الأنفس تأريخا موثقا، صفحات الأهرام وثيقة مصرية حديثة تضاف إلى برديات المصريين القدماء.. نفس الرائحة العبقة لتاريخ مجيد. الأهرام ليست جملة اعتراضية، الأهرام مبتدأ الصحافة المصرية وخبرها، وبعثها مجددا كقاطرة صحفية عملاقة يحتاج إلى مؤمنين بدورها فى صناعة الرأى العام، فقط رسم الدور مجددا على خارطة الثورة الرقمية لإحداث الانتعاش الذى يسبق العودة المأمولة للصحافة الرصينة المحافظة على التقاليد. الاحتفاء لا يغمض العين عن ثقل المهمة فى الإحياء الثانى للأهرام بعد الإحياء الأول على أيدى المؤسس الثانى، طيب الذكر الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، ربنا يعين من يحمل تبعة الحفاظ على هذا الإرث العظيم، ولست بقيم عليهم، شاكرا لهم جميل صنيعهم فى الحفاظ على الأهرام منارة مضيئة فى زمن العتمة، ويقينى بأن الإرادة السياسية تعنى بالحفاظ على المؤسسات الصحفية القومية، ودليلى احتفاء الرئيس بالعيد المائة والخمسين للأهرام.


الجمهورية
منذ 3 ساعات
- الجمهورية
ثانى أغنيات المينى ألبوم الصيفى
يذكر أن ساموزين فاجأ جمهوره عبر حسابه الرسمي بموقع تبادل الفيديوهات والصور انستجرام بلوك جديد، حيث أعلن عن ثانى أغاني الميني ألبوم ببوستر ظهر فيه بشعر ولحية بيضاء.. ونشر البوستر الرسمي معلقا: البوستر الرسمي لـ «ميتعزش» ثاني أغاني الميني ألبوم غدا علي جميع المنصات.. حبايبي كل الحب لكم جميعًا على جميع التعليقات إن شاء الله مستمرين بمحبتكم وثقتكم جمهوري الحبيب. ومن المعروف أن ساموزين كان قد طرح الأسبوع الماضى، أولى أغنيات المينى ألبوم الصيفى الجديد بعنوان"باب وخبط"، التى قدم من خلالها شكل جديد من الأشكال الموسيقية، بالإضافة إلى عودته إلى الإخراج بعد غيابه لمدة 15 عاما. وقد صرح ساموزين بقوله: عودتى لجمهورى هذه المرة، ستكون مختلفة، فقد قررت مع أعضاء فريق العمل القيام بوضع خطة فنية مبتكرة لمشروعاتى الفنية، وذلك بطرح مينى ألبوم يضم 5 أغنيات متنوعة فى الأجواء الصيفية الحالية، ومينى ألبوم آخر سيضم 5 أغنيات أخرى فى وقت لاحق، يتناسب مع الأجواء الشتوية. وتقول كلمات أغنية "ميتعزش":.. عليك الدنيا فضيت جيت .. مش لسواد عيوني أكيد وعشمان ف الرجوع ونسيت رجوعنا يقل من قيمتي .. دا بعد ما سبتني بايديك انا استكترت نفسي عليك .. بتحلم حق مشروع ليك وطلبك مش متاح عندي ميتعزش وبطلنا .. بناقص معرفة تخسر وبعد اللي اتعمل فيا .. هنرجع ؟ انت بتهزر رصيدك في الغلاوة خلص .. وبعد فراقنا متصفّر سامحتك ياما بعد فراق .. طيبة زيادة وكرم اخلاق لكن مليت وقلبي انا فاق وعمري ما هرضي بأذية .. انا اتغيرت من بعديك خلاص والبركة طبعا فيك .. أحن إزاي أو أسمع ليك شايفها ازاي حاجة عاديه ؟ ميتعزش وبطلنا .. بناقص معرفة تخسر وبعد اللي اتعمل فيا .. هنرجع ؟ انت بتهزر رصيدك في الغلاوة خلص .. وبعد فراقنا متصفر