
أسرار العظمة في شخصية السيدة أم البنين والعباس (ع)
أن تكون إنسانًا عاديًا، فهذا ما تسمح به لك الحياة… لكن أن تكون إنسانًا استثنائيًا، فهذا ما تفتحه لك المعرفة بالإمام المعصوم (عليه السلام)، والحبّ للإمام، والخدمة في سبيله، والذوبان فيه (عليه السلام).
في عالمٍ تذوب فيه الهويَّات، وتُستبدل القيم بالشَّهوات، ويضيع النَّاس في متاهات الأنا والغرائز، تبرز نماذج خالدة لم تكن استثنائية لأنَّها امتلكت القوَّة أو المال أو النفوذ؛ بل لأنَّها امتلكت النُّور الذي لا يُشترى، ولا يُنتزع؛ وإنَّما يُلقى في قلوبٍ طاهرة، صادقة، رأت الإمام بعين اليقين، وعاشت له، وماتت له، وخلدت به.
وهذا المقال هو رحلة في نور الإمام الحسين (عليه السلام)، نتعلَّم فيها كيف يكون الإنسان استثنائيًا بالانصهار الكامل في خطِّ الإمام (عليه السلام). وقد اخترنا شخصيتينِ تمثِّل القمَّة في كلِّ محور: السيِّدة أم البنين والعبَّاس بن علي (عليهما السلام)، ليكونا نوافذ نطلُّ منها على عظمة من أحبَّ الإمام حقًّا، وعرفه، وخدمه، وذاب فيه، حتَّى أصبحوا استثنائيينِ.
المحور الأوَّل: المعرفة بالإمام (عليه السلام) بوَّابة التميُّز الحقيقي.
الإمام المعصوم (عليه السلام) ليس شخصيَّة نقرأ عنها في كتب التَّاريخ، ولا رجلًا فاضلًا نكرِّمه كما نكرِّم العظماء؛ وإنَّما هو حُجَّة الله (تعالى) على خلقه، ومظهر أمره في أرضه، وواسطة النُّور بين الله (تبارك وتعالى) والنَّاس؛ هو مظهر الأسماء الإلهيَّة وصفات الجلال والكمال؛ به يُعرف الحق من الباطل، وبه تستقيم سُبل الهداية. والإمام (صلوات الله عليه) هو قلب الزَّمان وروح الوجود، وهو السراج الذي لا يُطفأ، والميزان الذي يُوزَن به الإيمان واليقين.
من عرف الإمام بحق عرف الله (سبحانه) على بصيرة، ومن أنكر منزلته أو جهل حقَّه حُجب عن معرفة الله (تعالى)، مهما ادَّعى؛ فالله (تبارك وتعالى) لا يُعرف إلَّا عن طريق من جعله لسان حكمته، وعين رحمته، وباب هداه؛ قال الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل يصف الإمامة: "الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ، الْمُجَلِّلَةِ(1) بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ، وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ.
الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ(2) الدُّجى، وَأَجْوَازِ(3) الْبُلْدَانِ وَالْقِفَارِ، وَلُجَجِ الْبِحَارِ.
الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَا، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدى.
الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ(4)، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلى(5) بِهِ، وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ"(6).
إنَّ المعرفة بالإمام (عليه السلام) ترفع الإنسان من عبودية العادة، ومن أسر التَّقاليد، ومن الانشغال بالتَّفاصيل الصغيرة، وتدخله في عالم العبوديَّة النورانيَّة؛ إذ لا يرى إلَّا وجه الله (تعالى)، ولا يتبع إلَّا من اختاره، ولا يُضحِّي إلَّا لما يُرضي؛ ولذلك، من أراد أن يكون مميزًا في هذا العالم، فلا طريق أمامه إلَّا المعرفة الحقيقيَّة بالإمام. ولا يكفي أن نعرف أسماءهم؛ وإنَّما المطلوب أن نذوب في ولايتهم (عليهم السلام)، وأن نرى فيهم حقيقة التَّوحيد، وأن نُوقن أنَّهم باب الله (جلَّ جلاله) الذي لا يُؤتى إلَّا منه؛ قال الإمام الهادي (عليه السلام): "مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ إليكُمْ"(7).
وبمقدار ما نمتلك من معرفة عن الإمام المعصوم (عليه السلام)، تتبدَّل معاييرنا في الحياة كلِّها. ولا تعود الرَّاحة غاية، ولا المال معيارًا، ولا الشهرة مطلبًا. وتصبح الأولويَّة للحقِّ وللإمام الذي هو مِصداق هذا الحقّ، وتصبح الغاية هي أن نكون حيث يريد الإمام، ونموت حيث يرضى.
وهذا التحوّل الجذري نراه متجسّدًا في السيِّدة أم البنين (عليها السلام)؛ تلك المرأة العارفة بالإمام وولايته، التي لم تَعرف في حياتها قيمةً تُقاس بالمال أو الأبناء؛ وإنَّما عرّفت كلّ شيء بمعيار القرب من الإمام الحسين (عليه السلام).
ومن قلب هذه المرأة العظيمة خرج العبَّاس (عليه السلام)؛ الذي لم يكن يرى في نفسه إلَّا ظلًّا لحبيبه الحسين (عليه السلام)، ولم تكن البطولة في عينيه غاية، ولكن كانت وسيلة لخدمة الإمام. وكان يمكن أن يطلب لنفسه المجد، أو يبحث عن موقع في الحرب؛ لكنَّه ما أراد إلَّا أن يكون خادمًا للحقّ.
حين تنكشف لنا حقيقة الإمام (صلوات الله عليه)، تتغيَّر نظرتنا إلى الدنيا وما فيها. ولا نعود نبحث عمَّا نأخذه؛ بل عمَّا نقدّمه في سبيله. وتتحرَّر نفوسنا من حب الذَّات، وتمتلئ باليقين والولاء، فنصبح أحرارًا من كلِّ قيد؛ لأننا اخترنا أن نكون مع الإمام، لا حيث تميل الأهواء.
وهنا يتجلَّى سرُّ العظمة في أبطال كربلاء؛ الذينَ ما خرجوا طلبًا لثواب، ولا هربًا من عقاب؛ بل لأنَّهم أبصروا وجه الله (سبحانه) في إمامهم، فرأوا الطَّاعة له طاعة لله (تعالى)، والوفاء له وفاء للدِّين، والثَّبات معه ثباتًا على الصراط؛ فكانت كربلاء ميدان صدق، لا موضع شعارات، ومحراب يقين، لا حسابات.
وقد يسأل سائل ما هو الطريق إلى معرفة الإمام (عليه السلام)؛ والجواب على ذلك؛ هناك خطوات عدَّة لنيل هذه المعرفة؛ وأهمُّها:
الخطوة الأولى: التّأمُّل في أوصاف الإمام كما وردت في القرآن الكريم والروايات الشريفة.
إنَّ التَّأمّل في أوصاف الإمام المعصوم (عليه السلام) هو سلوك معرفي عميق يستهدف النفاذ إلى حقيقة الإمام كما أرادها الله (تعالى) أن تُدرَك، وكما قدَّمها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بيانه النبوي، لا كما يتصوّرها النَّاس من خلال عدساتهم البشريَّة القاصرة، أو وفق مقاييسهم الاجتماعيَّة المحدود؛ ذلك أنَّ الإمام، في الرؤية القرآنيَّة والحديثيَّة، تعرض صورته ضمن أفقٍ أعلى، باعتباره مخلوقًا استثنائيًا اختُصَّ بعناية ربَّانيَّة، وجُعل محورًا للهداية، وواسطة للفيض الإلهي، وامتدادًا للنبوة في بعدها الباطني العميق؛ وهذا ما يتطلَّب من الباحث أو المؤمن أن يتجاوز القراءة التقليديَّة للنصوص، نحو قراءة تأمُّليَّة كاشفة، تسبر أغوار الكلمات، وتصل من خلالها إلى المعاني التي تُضيء الوعي، وتعيد تشكيل البصيرة.
من بين جميع الوسائل المعرفيَّة التي توصل الإنسان إلى فهم الإمام المعصوم (عليه السلام)، تبرز الزيارات المأثورة، وفي مقدِّمتها "الزيارة الجامعة الكبيرة"، كأحد أنبل المسالك وأصدقها أثرًا في بناء التصوّر الوجداني والعقلي عن مقام الإمام (عليه السلام)؛ فهي وثيقة معرفيَّة ربانيَّة، صيغت بألفاظ دقيقة، لتكون بوَّابة يدخل منها السالكون إلى عالم أنوار الإمامة، وكنه وجود المعصوم؛ فالزيارة الجامعة تكشف عن بنيته النورانية، ودوره في التكوين، ووظيفته في الهداية، وعلاقته بالله (عزَّ وجلَّ)، وعلاقته بالمؤمنين، وعلاقته بالكون بأسره.
إنَّ التأمل في كلَّ لفظ في الزيارة الجامعة يفتح على أفق معرفي، وكل كلمة تُشير إلى مقام، وكل وصف يُضيء طريقًا لفهم نور الإمام، وعصمته، وولايته، وعلمه، ورحمته، وحضوره في عالم التكوين والتشريع.
الخطوة الثَّانية: الاعتقاد بأنَّ الإمام (عليه السلام) هو جوهر التوحيد والعقيدة.
أن يوقن الإنسان بأنَّ الإمام المعصوم (عليه السلام) يُمثّل لبّ العقيدة وجوهر التوحيد، ولا تتحقَّق العبادة الحقيقية لله (تعالى) إلَّا من خلال معرفة الإمام الذي جعله الله (سبحانه) حجَّةً فاصلة بينه وبين عباده؛ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: "ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَمِفْتَاحُهُ وَبَابُ الْأَشْيَاءِ وَرِضَا الرَّحْمنِ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- يَقُولُ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)"(8)، في إشارة إلى أنَّ أعمال الإنسان مهما كثُرت، من صلاة وصيام وخدمة، تبقى منقوصة ما لم تصدر عن بصيرة في معرفة الإمام (عليه السلام).
الخطوة الثَّالثة: الدعاء.
المعرفة يمكن أن تلقى في القلب من عند الله (تعالى)، ويمكن أن تُنال بتزكية النفس، وصفاء السريرة، والتوجّه الصادق إلى الله (سبحانه وتعالى)؛ فإنَّها عطيَّة إلهيَّة، ومنحة ربَّانيَّة، لا يُدركها القلب إلَّا إذا تهيأ لها بنور الإخلاص وصدق الطلب؛ ومن أعظم مصاديق هذه المعرفة، وأشرف مراتبها، أن يُعرِّفنا الله (تعالى) بنفسه، وبنبيه (صلى الله عليه وآله)، وبحجَّته في هذا الزمان، إمامنا المنتظر (أرواحنا له الفداء).
ولأجل هذا المقام العظيم، نوجّه وجداننا، بقلوبٍ مفعمة بالشوق والتسليم، إلى باب الدعاء، نستجدي منه هذه المعارف؛ كما علَّمنا دعاء الغيبة: "اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي"(9). وكلَّما ازددنا شوقًا لمعرفته، وصدقًا في طلبه، وإلحاحًا في الدعاء إليه، زاد الله (سبحانه) في بصيرتنا، ونفذ نوره في أعماقنا، حتَّى نبلغ اليقين.
المحور الثَّاني: مودة الإمام... حين يصبح القلب ساحةً للفداء، والحبّ طريقًا للانقياد.
"المودَّة في القربى" التي نصَّ عليها القرآن الكريم بقوله (تعالى): (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)(10) هي تكليفٌ تعبّدي يجمع بين الحبِّ والمعرفة والطاعة؛ فالمودّة ـ بحسب بيان الأئمة (عليهم السلام) لا تنفصل عن الاتباع العملي(11)، وتُشكّل جامعًا بين الانجذاب القلبي والانقياد السلوكي، ولذلك اعتُبرت معيارًا دقيقًا للقبول عند الله (تعالى).
وفي هذا السياق تتجسّد سيرة أبي الفضل العبَّاس (عليه السلام) تجلٍّ لمودّة لا تعرف التردّد، وطاعة لا يشوبها تردّد؛ فحين بلغ الماء وقد أضناه العطش، مدَّ يده إليه، لكنه لم يشرب. لا لأنَّ الشرب محرَّم عليه؛ بل لأنّ المودّة جعلت إحساسه متّصلًا بعطش الحسين (عليه السلام)، فأنكر على نفسه أن ترتوي قبل إمامها، وقال يخاطبها:
يا نَفسُ مِن بَعدِ الحُسينِ هونى --- وَبَعدَهُ لا كُنْتُ انْ تَكونى
هذَا الْحُسَيْنُ شارِبُ الْمَنونِ --- وَتَشْرَبينَ باردَ الْمَعينِ
هيهاتَ ما هذا فِعالُ دينى --- ولا فعالُ صادقِ الْيَقينِ(12)
لقد عبّر قمر بني هاشم (عليه السلام) عن أسمى مراتب الولاء، وأشد درجات الوفاء، وأصدق تجليات الفناء في إمامه (صلوات الله عليه؛ إنَّه هنا يهزُّ ضمير البشريَّة بهذه الكلمات الخالدة. ويقول لها:
أتهنئين بالحياة بعد الحسين؟
أتشربين الماء والحسين يُقتل ظمآن؟
لا والله، إن كان الحسين سيموت عطشانًا؛ فالماء عليّ حرام، والحياة بعده هوان لا يُحتمل.
وكم في قوله "هيهات ما هذا فعال ديني" من ثبات عقائدي عظيم! فهو يتحرَّك من منطلق الإيمان؛ إذ يرى أنَّ السكوت عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) خيانة للدِّين، وأنَّ الراحة في زمن استغاثة الإمام لا تليق بمَن صدق الله الوعد.
هنا يبلغ العباس (عليه السلام) ذروة المجد، ويُسطِّر للأجيال معنى أن تكون مؤمنًا حقًا بفعلٍ يترجم كل ما تؤمن به، حتَّى لو كان الثمن روحك ونبضك ودمك.
فهذا الموقف، الذي تنبض فيه كلمات العباس بدمه لا بحبره، يُعدُّ من أعظم ما قيل في ملحمة كربلاء، ويُجسّد لماذا أصبح العباس (عليه السلام) رمزًا للبطولة، وبابًا للحوائج.
ومن هذا العمق تنبثق سيرة أمّه، السيدة الجليلة أمّ البنين (عليها السلام)، التي ربَّت أولادها على البطولة وعلى المودَّة التي تتجسَّد في تقديمهم واحدًا بعد آخر فداءً للإمام (عليه السلام)؛ وهي القائلة:
لا تَدْعُونِّي وَيْكِ أُمَّ البَنِينِ --- تُذَكِّرِينِي بِلُيُوثِ العَرِينِ
كانَتْ بَنُونَ لِي أُدْعى بِهِمْ --- وَاليَوْمَ أَصْبَحْتُ وَلا مِنْ بَنِينِ
أَرْبَعَةٌ مِثْلُ نُسُورِ الرُّبى --- قَدْ واصَلُوا المَوْتَ بِقَطْعِ الوَتِينِ
تَنازَعَ الخِرْصانُ أَشْلاَهُمْ --- فَكُلُّهُمْ أمْسى صَرِيعاً طَعِين
يا لَيْتَ شِعْرِي أَكَما أَخْبَرُوا --- بِأَنَّ عَبّاساً قَطِيعُ الَّيمِينِ(13).
نعم، إنَّ أولياء الله يُعرفون بمدى حضور الإمام في وُجدانهم العملي، وفي التزامهم، وصبرهم، ومواقفهم، وترتيب أولوياتهم؛ ولهذا من قدَّم راحة الإمام على راحته، ورضاه على شهواته، فقد صدق في مودَّته. ومن أراد أن يبلغ هذا المقام، فلينظر في قلبه:
هل يسكنه نور الإمام؟
هل يراه سبيل النجاة؟
هل يقدّمه على النفس والمال والهوى؟
فإن وجد ذلك، فليحمد الله على هذه النعمة. وإن لم يجده، فليدعُ الله (سبحانه) أن يرزقه المودَّة الصادقة، كما رزقها للعبّاس وأمّه (عليهما السلام)، وأن يُذيقه حلاوة القرب من الإمام، كواقعٍ يضيء القلب، ويقود العمل.
المحور الثَّالث: الخدمة بين يدي الإمام... لغةُ الولاء التي لا تعرف الانطفاء.
الخدمة في ساحة الإمام الحسين (عليه السلام) هي انصهارٌ كامل في مشروعه الإلهي، وذوبانٌ في غايته الكبرى، وتحويل شامل لمسار الإنسان يجعل كلَّ أبعاده وطاقاته مسخَّرةً لنصرة الحقّ، بما هو حقّ، لا بما يوافق الهوى أو الانتماء.
فخدمة الإمام في معناها الحقيقي هي نهج حياة، تصوغ الإنسان جنديًا في جيش الهداية؛ سواء كان موقعه في ساحة القتال، أو في ساحة الكلمة، أو في محراب الفكر، أو بين النَّاس بلسان النصح والوعي؛ فمن خدم الإمام بعلمه، فهو من ورثة الأنبياء. ومن خدمه بماله، فهو ممن جاهد في سبيل الله. ومن خدمه بدمه، فهو شهيد. ومن خدمه بصبره وبصيرته، فهو من قادة النهضة.
والعبَّاس بن علي (عليه السلام)، على الرغم من شجاعته النَّادرة وقوّته المذهلة، لم يرَ نفسه فارسًا بقدر ما كان يرى نفسه خادمًا للإمام الحسين (عليه السلام)؛ لأنَّه كان يعلم أنَّ خدمة الإمام انتماء للحقّ الإلهي؛ ولهذا، حين قُطعت يداه تألَّم؛ لأنَّه لم يعد قادرًا على نصرة الإمام بالشكل الذي كان يرجوه؛ فلم يكن الألم الجسدي هو ما شقَّ عليه؛ بل الإحساس بالعجز عن الاستمرار في الخدمة.
إنَّ الخدمة تعني أن تُسخِّر كلَّ ما تملك: علمك، وفكرك، وصوتك، وقلمك، وعلاقاتك، وطاقتك، ودمعتك، في سبيل مشروع الإمام. وأن تجعل الإمام قطب رحى حياتك، وهدفك الأسمى، ومنطلق قراراتك، وأن تُلخِّص رسالتك بعبارة: "أين يكون الإمام، هناك أكون"؛ فالخادم الحقيقي يُذيب كيانه في سبيل أن يظلّ النور مضيئًا، وإن انطفأ جسده.
يا من تبحث عن معنى لحياتك، لا تجهد في البحث كثيرًا. اختر أن تكون خادمًا صادقًا لمشروع الإمام، فإنَّ الخادم –في موازين السماء– أعظم من كلّ المتفرجين، وأقرب إلى الله (تعالى) من كلِّ من وقف على الهامش يراقب ولا يقدِّم. واعلم أنَّ كلَّ لحظة تُبذل في خدمة الإمام الحسين (عليه السلام)، هي لبنةٌ في بناء الخلود، وسطرٌ يُكتب بنورٍ في صحيفة الأعمال.
واجعل أمامك أمَّ البنين (عليها السلام) قدوةً ونموذجًا؛ فقد أدركت بصدقٍ أنَّ أعظم ما يفعله الإنسان أن يجعل نفسها وجوارحه وفلذات كبده شهداء لنصرة الإمام؛ فهي لم تفتّش عن ذاتها في الأبناء، ورأت ذاتها في خدمة الإمام الإمام الحسين (عليه السلام).
إنَّها خادمة، لكن بأيّ مستوى؟
خادمة بلغت أعلى المراتب؛ لأنَّها تعاملت مع الإمام كإمام مفترض الطاعة، ورمزٍ للحقّ الذي به تُعرف سائر القيم؛ فارتقت بخدمتها، ورفعت أولادها بخدمتهم، وسُطّرت سيرتها بحروفٍ لا تمحوها الليالي، ولا تُطفئها السنون.
المحور الرَّابع: الذوبان في الإمام… أن تحيا به وتموت لأجله.
ثمَّة مقامات في الولاء، ومراتب في الحبِّ، ودرجات في المعرفة… لكنَّها كلّها، مهما سمت، تصبّ في ذروةٍ واحدة، لا يبلغها إلَّا من صفَّى قلبه، ونقَّى سريرته، وخرج من دائرة "الأنا" إلى ساحة "هو"؛ تلك الذروة هي الذوبان في الإمام (عليه السلام).
الذوبان هو الانمحاء الحقيقي، حين لا يعود للإنسان معنىً مستقل، ولا قيمة لحياته خارج دائرة الإمام. وحين تصمت الأنا، ليبقى صوت واحد فقط في القلب: الإمام.
في هذا المقام، يحسب الإنسان عمره بما بذل من نفسه في طريق الإمام. ويقيس نجاحه بما تركه من أثرٍ في مشروع الإمام. ويعرف قيمة وقته بمقدار ما اقترن بخدمة الإمام؛ وبذلك، تصبح الحياة بأسرها انعكاسًا لنورٍ واحد، والذات ظلًا باهتًا يدور حول شمس الإمام.
تأمّل العبّاس في كربلاء... حين بلغ الماء، وكانت الشفاه تتلوّى من العطش، وامتدَّت يده لترتوي؛ في لحظة، صرخ قلبه قبل لسانه:
يا نفسُ من بعد الحسين هوني --- وبعده لا كنتِ أن تكوني
أيّ قلبٍ هذا الذي يرى العيش بلا الإمام موتًا، والموت بين يديه حياة؟!
لقد ذاب العباس في الحسين... ذاب حتَّى ما عاد يشعر بنفسه. ما عاد يرى أنّ له حقًّا في شربة ماء، لأنّ الحسين لم يشرب.
وهكذا كانت أمّ البنين... لم تكن فقط أمًّا لأبطالٍ قُتلوا في كربلاء؛ بل كانت أمًّا لقضيةٍ، وركنًا في مشروعٍ إلهيّ.
كان كلّ نبضٍ فيها كان يقول: إنْ عاش الحسين، فكلّ المصائب تهون. وإنْ فقدنا الحسين (عليه السلام)، فكلّ شيء يفقد معناه؛ هذا هو الذوبان في الإمام... وبقيت تبكي عليه حتَّى فقدت بصرها(14).
وختامًا...
من أراد أن يُصبح استثنائيًا، فليبدأ من هنا... لا من صخب الألقاب التي تزول؛ وإنَّما من مقام الفناء في الإمام، حيث تُمحى الأنا، ويولد المعنى. وهناك، لا تُعدّ الأعمار بعدد السنين، بل بخطوات القرب، ودموع الشوق، وساعات الخدمة الخالصة.
فلنبدأ من اليوم…
لنُنقِّ قلوبنا من كلّ ما يشغلها عن الإمام، ولنُوجّه أرواحنا إلى حيث يكمن جوهر الحياة.
فلنقتدِ بأمّ البنين، التي لم تُرِد شيئًا من الدنيا، وأرادت أن تعرف مصير إمامها الحسين (عليه السلام) قبل مصير أولادها. لم تبحث عن عزّ في اسمها، وجعلت مجدها أن تكون أمًّا لخادم الحسين (عليه السلام).
ولنتمثَّل أبا الفضل، الذي لم يعرف للراحة طعمًا ما دام الإمام ظامئًا. خدم فذاب، وذاب فخلد، وخلد فصار بابًا من أبواب الله (تعالى).
من سار في درب أمّ البنين والعبَّاس (عليهما السلام)، سار في طريقٍ محفوفٍ بالدموع، مفروشٍ بالألم؛ لكنه الطريق الذي لا يُنسى فيه الاسم، ولا يُدفن فيه الأثر.
وهناك؛ إذ لا يُمحى النور، يقف الإمام شاهدًا، يضمُّ أرواحهم إلى قلبه، ويجعل من خدمتهم تاجًا، ومن غربتهم وسامًا، ومن فناءهم قربًا لا يزول...
في هذا الدرب، لا يُنتظر جزاء؛ لأنَّ القرب من الإمام هو الجزاء بعينه، ولأنَّ نظرةً واحدة من عين أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) تُغني عن كلِّ ما في الدُّنيا.
.......................................
الهوامش:
1. المُجَلِّلة: المُغَطِّيَة. يقال: جلَّل المطر الأرضَ، أي عمّها وطبّقَها فلم يَدَع شيئاً إلّاغطّى عليه. ومنه يقال: جلَّلتُ الشيء، إذا غطّيتَه. انظر: المصباح المنير، ص 106 (جلل).
2. الغَياهِبُ: جمع الغَيْهَب بمعنى الظلمة. يقال: فرس أدهمُ غَيْهَبٌ، إذا اشتدّ سواده. انظر: الصحاح، ج1، ص196 (غهب).
3. الأجواز: جمع الجَوْز، وهو وسط كلّ شيء. في شرح المازندراني: "والمراد بها ما بين البلدان من القفار، والقفارُ بدل منها. وأمّا جعله جمع الحوزة - بالحاء المهملة بمعنى الناحية - فهو بعيد لفظاً؛ لأنّه لم يثبت جمعها كذلك". انظر: الصحاح، ج3، ص871 (جوز).
4. اليَفاع: ما ارتفع من الأرض. الصحاح، ج 3، ص1310 (يفع).
5. الاصطلاء: افتعال من صِلا النارِ والتسخّن بها. النهاية، ج3، ص51 (صلو).
6. الكافي (دار الحديث)، ج١، ص493.
7. من لا يحضره الفقيه:ج2، ص609 - 617.
8. الكافي (دار الحديث)، ج١، ص455.
9. المصدر نفسه: ج٢، ص149.
10. سورة الشورى/ الآية: 23.
11. إنَّ المودَّة لا تقتصر على مجرَّد الميل القلبي كما هو الحال في المحبَّة؛ بل تنطوي على قدر من الموالاة العمليَّة، ولعلّ هذا الفارق تؤكّده العديد من الاستعمالات القرآنيّة لكلمة المودَّة، من قبيل قوله (تعالى): (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة 109)؛ فالرَّاجح أنَّ مودَّتهم ورغبتهم هذه ليست مجرّد أمنيات كامنة في أعماق النفس، إنَّما هي مودَّة تستتبع سعياً تحريضيّاً وتشويهيّاً للدين. ومن هذا القبيل أيضاً قوله (تعالى): (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 96)، فإنَّ حرص الإنسان على الدنيا وتعلّقه بها لا يصدر عن مشاعر عابرة أو أمنيات حبيسة في النفس، إنّما يرتبط غالباً بخطوات عمليّة وسعي متواصل من أجل حفظ الحياة والهرب من الموت.
12. بحار الأنوار: ج 45، ص41.
13. مقتل الحسين (عليه السلام)، أبو مخنف الأزدي: ص181.
14. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "وكانت أم جعفر الكلابية تندب الحسين عليه السلام وتبكيه وقد كف بصرها؛ فكان مروان وهو وال المدينة يجيء متنكراً بالليل حتَّى يقف فيسمع بكاءها وندبها" ( الأمالي، الشجري: ج۱، ص١٧٥).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
دعاء يوم تاسوعاء وعاشوراء .. ردد أفضل الأدعية المستحبة
دعاء يوم تاسوعاء ، لم يرد فيه أدعية معينة ليوم التاسع من شهر المحرم ولكن يستحب للمسلم أن يدعو بما ورد عن سنة النبي، صيام يوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم من الأمور المستحبة، لما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا»، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع». فجعل الله تبارك وتعالى لنا الدعاء مباح في كل زمان ومكان، حيث يعد الدعاء من العبادات التي وسع اللهفيها على عباده، فيمكن للعبد أن يدعو ربه في صلاته ومجلسه ومشيه، كما يمكن أن يدعو الله في سره وعلانيته، وعلى الرغم من ذلك فمن المستحب أن يجتهد العبد بالدعاء في الأيام التي ميزها الله تبارك وتعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم بفضل عن باقي أيام العام، مثل يوم عرفة وجميع أيام شهر رمضان، ويوم عاشوراء، الذي حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صيامه والتوسعة على الأهل فيه، وكانت الحكمة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بصيام يوم تاسوعاء أيضًا أن نخالف اليهود في صيامهم ليوم عاشوراء فقط أولًا، وثانيًا لحرصه صلى الله عليه وسلم أن ننال الأجر؟ دعاء يوم تاسوعاء اللهم ارزقنا أجر هذا اليوم، ولا تحرمنا مغفرتك. أدعية يوم تاسوعاء اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. لم يرد فيه نص، لكن هناك عددا من الأدعية يستحب قولها في أي وقت "اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد على الرضا. اللّهم يا حي يا قيوم يا ذو الجلال والإكرام، اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، واقض عنا برحمتك شر ما قضيت، إنّك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، آمنا بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت به أعلم، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو، اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر. اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. دعاء يوم تاسوعاء مكتوب {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}. (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ). {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي }. {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. {لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. دعاء يوم تاسوعاء وعاشوراء الحمد لله الذى لا يرجى إلا فضله ولا رازق غيره، الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير. اللهم لا تصدّ عنا وجهك يوم نلقاك، اللهم لا تطردنا من بابك فمن لنا يا ربنا إن طردتنا يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين. لا إله إلا الله إقرارًا بربو بيته سبحان الله، خضوعًا لعظمته ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد على الرضا. اللّهم يا حي يا قيوم يا ذو الجلال والإكرام، اهدنا في من هديت، وعافنا في من عافيت، واقض عنا برحمتك شر ما قضيت، إنّك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، آمنا بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لنا ما قدّمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت به أعلم، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار". دعاء صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء لم يرد فيه دعاء وارد، لكن لديك عزيزي القارئ مجموعة من الأدعية العامة المستحبة: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
كل ما تريد معرفته عن يوم عاشوراء .. موعده ومتى بدأ الاحتفال به
يوم عاشوراء هو من الأيام المباركة المميزة على مدار السنة الهجرية، يحمل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما فيه من فضل وذكرى عظيمة. ما هو يوم عاشوراء يوم عاشوراء يوافق اليوم العاشر من شهر المحرم، أول شهور السنة الهجرية، ويستحب فيه الصيام، شكرًا لله تعالى واتباعًا لسنة النبي محمد ﷺ. اقرأ أيضًا: لماذا سمي يوم عاشوراء بهذا الاسم سمي يوم عاشوراء بهذا الاسم نسبة إلى اليوم العاشر من شهر محرم، وكان معروفًا لدى العرب قبل الإسلام، وازدادت أهميته بعد أن صامه النبي ﷺ وأمر بصيامه. شهد العاشر من المحرم حدثًا عظيمًا ومعجزةً كبرى لنبي الله سيدنا موسى عليه السلام؛ إذ نجاه الله وقومه حين شق لهم في البحر طريقًا يبسًا فكان لهم أمنًا ونجاة، ثم أطبقه على فرعون وجنوده فكان عليهم عذابًا وهلاكًا، وأغرقوا جميعًا، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 77، 78] ومن وفاء سيدنا رسول الله ﷺ لحق أخيه سيدنا موسى عليه السلام أن صام هذا اليوم؛ شكرًا لله تعالى على نجاته ونصر الله له؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبي ﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «مَا هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فصامه، وأمر بصيامه. [أخرجه البخاري] دعاء يوم عاشوراء مكتوب عاشوراء هو اليوم الذي نجّىٰ الله فيه موسى من فرعون، وعلى الرغم من عدم وجود دعاء مخصوص ليوم عاشوراء، لكن يمكن للمسلم أن يدعو بما يستحب من أدعية، ومن أفضل صيغ دعاء يوم عاشوراء، ما يلي: اللهمَّ بارك لنا في عاشوراء، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتقبل صيامنا واجعل في صيامنا غفرانًا لذنوب عامنا المنصرم يا رب العالمين، اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب. اللهم إني أسالك في يوم عاشوراء الرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والعتق من النيران. اللهمَّ في يَوم عَاشوراء المبارك، اللهم إني أسألك الثبات في الأمْر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب. اللهم طهرني ونقني من جميع الذنوب والخطايا كما يُنقي الثوب الأبيض من الدنس. اللهم انثر على حياتنا فيضًا واسعًا من بركتك، اللهم أزل الرياء من قلوبنا واجعلنا نتمنى الخير لغيرنا، كما نتمناه لأنفسنا. إنَّه يوم عاشوراء، اللهم نجني فيه من الغم والحزن والأسى يا رب العالمين كما نجّيت نبيك موسى عليه الصلاة والسلام، اللهم ربنا لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن. اللهم إن قلبي مُثقل بالذنوب وعقلي مضغوط من كثرة التفكير، فارزقني اللهم هدوء القلب وراحة العقل. اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ العفوَ والعافيةَ في دِيني ودُنياي وأهلي ومالي اللَّهمَّ استُرْ عَوْراتي وآمِنْ رَوْعاتي اللَّهمَّ احفَظْني مِن بَيْنِ يدَيَّ ومِن خَلْفي وعن يميني وعن شِمالي ومِن فَوقي وأعوذُ بعظَمتِكَ أنْ أُغتالَ مِن تحتي. فضل صيام يوم عاشوراء ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: «ما رأيتُ النبي ﷺ يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء، وهذا الشهر»،يقصد رمضان، كما جاء في حديث النبي ﷺ: «صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم]. يُستحب أيضًا صيام يوم قبله أو بعده، أي تاسوعاء (9 محرم) أو الحادي عشر، مخالفة لليهود الذين كانوا يصومونه وحده، كما قال النبي ﷺ: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن التاسع» [رواه مسلم]. يقول مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه يستحب صيام يومي التاسع والعاشر من شهر الله المحرم، وقد سنَّ لنا سيدنا رسولُ ﷺ الله صيام يوم عاشوراء؛ لما فيه من تكفيرٍ للسيئات، وزيادةٍ في الحسناتِ، إذ قال سيدنا رسول الله ﷺ: «وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». [أخرجه مسلم]. ويقول الأزهر للفتوى إن صوم المسلمين ليوم عاشوراء قربة عظيمة، واتباع لسنة سيد البشر ﷺ وإن وافق يوم سبت أو غير ذلك، ولا صحة لما تردد مؤخرًا: أنه لا يجوز إفراد السبت أو الجمعة بصيام وإن وافق أحدهما يوم عاشوراء. ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله: (وقد أذن رسول الله ﷺ في صوم عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليلٌ على دخول كل الأيام فيه). [شرح معاني الآثار (2/ 80)] أما الأحاديث الواردة في كراهة إفراد يوم السبت بصيام، فمختَلف في ثبوتها، وعلى فرض ثبوتها فقد وجهها الجمهور بأن النهي فيها راجع إلى صيام النفل المطلق، غير المعلل، والذي لم يوافق عادة ولا سنة مأثورة عن النبي ﷺ. أما إذا وافق السبت أو الجمعة يوم عرفة أو عاشوراء أو عادة المسلم فلا حرج في الصوم. حكمة الصيام في يوم عاشوراء يحمل يوم عاشوراء معاني عظيمة في التاريخ الإسلامي، أبرزها نصر الله لسيدنا موسى عليه السلام على فرعون، إذ قال النبي ﷺ: «هذا يوم نجّى الله فيه موسى من فرعون، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن أحق بموسى منهم». ذكرى كربلاء واستشهاد سيدنا الحسين يشار إلى أن سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه استشهد وهو صائم في هذا اليوم اقتداء بسنة جده النبي الذي أوصى بصيام يوم عاشوراء، العاشر من محرم، لذا فهذا اليوم وافق أيضًا واقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين بن على رضي الله عنه، حفيد النبي ﷺ، وهو يوم حزين لدى كثير من المسلمين الذين يستحضرون فيه قيم الثبات والعدل والحزن على استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه.


صدى البلد
منذ 2 ساعات
- صدى البلد
الإفتاء توضح حكم الترتيب بين صلاة الفجر وسنته
أجابت دار الافتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها مضمونه: " حكم الترتيب بين فريضة الفجر وسنته.. حيث دخلت المسجد في صلاة الفجر وقد أُقيمتِ الفريضة ولم أُصلِّ سنة الفجر، فهل أدخل مع الإمام في صلاة الفريضة أو أُراعي الترتيب فأُصلي سنة الفجر أولًا ثم أُصلي الفريضة؟ وهل يختلف الحكم لو نمت عنها حتى طلعت الشمس؟". وردت دار الافتاء موضحة: ان الأصل أن تُؤدَّى ركعتي الفجر قبل صلاة الفريضة، فإذا دخل الإنسان المسجد وقد أقيمتِ الصلاة فينبغي أن يلحق بالإمام ولا ينشغل بصلاة السُّنَّة حينئذٍ، ولا حرج في صلاتها لاحقًا بعد الفريضة، ولو كان يرجو إدراك ركعة مع الإمام فله أن يصليها، وإذا نام الإنسان عن الصلاة واستيقظ بعد طلوع الشمس فيقضي صلاة ركعتي الفجر مع الفريضة ولا حرج في ذلك. بيان فضل ركعتي الفجر مِن الأمور التي رغَّبت فيها السُّنَّة المطهرة وأكدت عليها في غير موضع: ركعتا الفجر، أي: سنته؛ فقد ورد في السُّنَّة المشرفة أن ركعتي الفجر خيرٌ من متاع الدنيا، وأنهما من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك لم يدعها صلى الله عليه وآله وسلم لا سفرًا ولا حضرًا؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وعنها أيضًا رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» أخرجهما الإمام مسلم. قال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (6/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [«رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أي: من متاع الدنيا] اهـ. وورد أيضًا عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ" متفقٌ عليه. قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 305، ط. مؤسسة الرسالة): [وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سفرًا وحضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى سنة راتبة غيرهما] اهـ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، والبزار في "المسند"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار". وقت صلاة سنة الفجر الأصل أن تؤدى ركعتا سنة الفجر قبل الفريضة؛ لما روته أمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ» أخرجه الترمذي في "السنن"، والطبراني في "الكبير". وهذا ما قرَّره أئمة وفقهاء المذاهب المتبوعة؛ كما في "بدائع الصنائع" لعلاء الدين الكاساني الحنفي (1/ 284، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطاب المالكي (2/ 66-67، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (4/ 7، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (2/ 93، ط. مكتبة القاهرة). مذاهب الفقهاء في حكم صلاة سنة الفجر بعد إقامة الصلاة والمختار للفتوى بخصوص مَن دخل المسجد لِصلاة الفجر وقد أقيمتِ الفريضة ولم يصلِّ سنة الفجر؛ فقد اختلف الفقهاء في دخوله مع الإمام للفريضة وأدائه سنة الفجر بعدها أو أدائه السُّنَّة قبل الفريضة. فذهب الحنفية إلى أنه إذا خشي فوات الركعة الأولى وإتمام الركعة الثانية مع الإمام صلى السُّنَّة، وأما إن خشي فوات الركعتين معًا دخل مع الإمام. قال برهان الدين المرغيناني في "الهداية" (1/ 71، ط. إحياء التراث): [(ومَن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر، إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى: يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل)؛ لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين، (وإن خشي فوتهما: دخل مع الإمام)؛ لأن ثواب الجماعة أعظم، والوعيد بالترك ألزم] اهـ. وقال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/ 182، ط. الأميرية): [قال رحمه الله: (ومن خاف فوات الفجر إن أدى سنته ائتم وتركها)؛ لأن ثواب الجماعة أعظم والوعيد بتركها ألزم، فكان إحراز فضيلتها أولى. قال رحمه الله: (وإلا لا) أي: وإن لم يخش أن تفوته الركعتان إلى أن يصلي سنة الفجر فإن كان يرجو أن يدرك إحداهما لا يتركها؛ لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين وهذا لأن إدراك الركعة كإدراك الجميع] اهـ. وذهب المالكية إلى أنه إذا دخل المسجد وقد أقيمتِ الفريضة، فلا يصلي السُّنَّة، أما إذا كان خارج المسجد أو كان الإمام في الصلاة، فإن لم يخش فوات الركعة الثانية: صلى السُّنَّة، وإلا فلا. قال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 409، ط. دار المعارف) [(وإن أقيمت الصبح)، أي: صلاته، بأن شرع المقيم في الإقامة ولم يكن شخص صلى الفجر (وهو بمسجد) أو رحبته (تركها) وجوبًا ودخل مع الإمام في الصبح وقضاها بعد حل النافلة للزوال، (و) إن أقيمت الصبح وهو (خارجه)، أي: وخارج رحبته أيضًا (ركعها) خارجه (إن لم يخش) بصلاتها (فوات ركعة) من الصبح مع الإمام] اهـ. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أقيمت الصلاة، فإنه يدخل مع الإمام في الصلاة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لا. قال الإمام الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (2/ 342، ط. دار المنهاج): [المسبوق إذا دخل المسجد وصادف الإمام في فريضة الصبح، فلا ينبغي أن يشتغل بالسُّنَّة، بل يبادر الاقتداء بالإمام في الفريضة، ثم إذا فرغ منها، فليتدارك السُّنَّة] اهـ. وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 329): [وإذا أقيمت الصلاة، لم يشتغل عنها بنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخش] اهـ. والمختار للفتوى: مشروعية الدخول في صلاة الفجر متى أقيمت الصلاة المفروضة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لا؛ وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ». ولما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يُرَغِّبُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ حَتَّى قَالَ: «وَلَوْ رَكْعَةً»، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي وَالصَّلَاةُ تُقَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَصَلَاتَانِ مَعًا؟» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير".