
التربية الإعلامية: سلاح الوعي في زمن الشاشة
لم يعد الإعلام مجرد نافذة نُطلّ منها على العالم، بل صار مرآة تُرينا صورًا نصدقها دون أن نُدرك أحيانًا مَن رسمها، وبأي غرض وصلت إلينا. وبين مشهدٍ دراميٍّ يبيع الحب كلغزٍ ساحر، وخبرٍ سياسي يتقنع بالحياد، وصورة تروّج لجسد مثالي أو منتج فاخر، يجد المتلقي نفسه محاطًا برسائل متوالدة، تتكاثر كل ساعة، وتُعيد تشكيل وعيه بهدوء.
ووسط هذا الزخم، باتت أحكامنا ذاتها تحت الاختبار اليومي. فالعقل، مهما بدا يقظاً، لا ينجو من تأثير التكرار المستمر، والحذر وحده لا يحمي من اختلاط الحقيقة بما نراه على الشاشات. ولهذا، تبرز الحاجة إلى تربية إعلامية حقيقية، لا تُلقّننا الإجابات الجاهزة، بل تُدرّبنا على طرح الأسئلة: من ينتج هذه الرسالة؟ لأي غرض؟ وما الذي أُخفي خلف الكاميرا أو أسفل العنوان؟
والتربية الإعلامية، في جوهرها، مهارة حياة لا غنى عنها، تبدأ بالقدرة على رؤية ما وراء البريق، وتمتد إلى قراءة الرسائل الخفية التي تحملها الصور، وتتطور لتصبح فناً في تحليل الخطابات التي تتقنع بالموضوعية بينما تخفي مرجعياتها ومصالحها الحقيقية. ومن دون هذه التربية، نتحول إلى متلقين سلبيين، أشبه بشاشات تعكس ما يُعرض عليها دون أدنى تساؤل أو مقاومة. ومع صعود ما يُعرف بـ«المُنتِج/ المُستخدِم»، وهو الفرد الذي يستهلك الإعلام وينتجه في الوقت ذاته، انهارت الحدود التقليدية بين المتلقي وصانع الخطاب الإعلامي، فجميعنا الآن نشارك ونُعلّق، نصوّر وننشر، نحرّر ونُعيد الصياغة، على نحو يضاعف فيه هذا التداخل مسؤوليتنا، طالما لم نعد مجرد مستهلكين للخطاب، وإنما شركاء في نسج محتوى قد يشكل رؤى الآخرين ويؤثر في اختياراتهم.
ولما كانت وظيفة الإعلام قد تجاوزت مجرد نقل الأحداث إلى صناعة المعنى ذاته، وبات القارئ يملك أدوات السرد التي لطالما اقترنت بالصحفي التقليدي، فإن الرسالة الإعلامية تحولت حتماً من أحادية الاتجاه إلى تفاعلية، ومن تعليمية إلى تشاركية. بيد أن هذا التحول، رغم إيجابيته، ينطوي على مفارقة خفية؛ فتعدد مصادر الرسائل لا يضمن بالضرورة تنوعاً حقيقياً في الرؤى، مادام مجرد صدى واحد يتردد بأصوات مختلفة.
كلّ يوم، نستفيق على سيلٍ جارف من الأخبار والمحتوى الذي يغمر شاشات هواتفنا. وقد نتساءل: كيف نميّز الحقيقي من الزائف؟ ما المعيار الذي يجعلنا نُصدّق رواية ونُشكّك في أخرى؟ وإذا كانت الخلفية الثقافية تسهم في تشكيل قناعاتنا إزاء هذه التساؤلات، فإنّ التربية الإعلامية تُعدّ عاملًا حاسمًا في تحصين الوعي إزاء ما يشوب المشهد الرقمي من فوضى وتشويش.
إن المحتوى الذي نتلقّاه ليس مجرد معلومة عابرة، بل هو بنية رمزية تُعيد تشكيل تصوّراتنا عن الواقع، والآخر، والذات. وهو محتوى قد يُسهم في ترسيخ الانحيازات أو في توسيع آفاق الفهم، تبعًا لقدرة المتلقّي على التمييز بين ما يُقدَّم على أنه معنى، وما يُوظَّف كأداة للتأثير أو التضليل. ومن هنا، تبرز قيمة إضافية للتربية الإعلامية، بوصفها أداة فعّالة في تفكيك وهم الحياد؛ إذ تُعلّمنا أن لكل وسيلة إعلامية أجندتها، ولكل رسالة سياقًا وغرضًا، وأن الصورة، وإن لم تكذب، فإنها لا تقول الحقيقة كاملة.
في زمن يتداخل فيه الخبر مع الترفيه، وتتنكّر فيه الإعلانات في هيئة محتوى معرفي، تشتدّ الحاجة إلى وعي لا يُعلّب، ووجدان لا ينجرف مع الضجيج. وإذا كنا مع كل ضغطة على زر المشاركة، أو تعليق على منشور، أو تعبير عن رأي، نُمارس شكلًا من أشكال التأثير ونُعيد صياغة السرد، فإنه يصبح لزامًا علينا أن نُسائل أنفسنا: هل نفعل ذلك بوعي كامل ومسؤول؟ أم أننا نتشارك، في غفلة منا، روايات تخدم مصالح من يصيغونها، فنكون بذلك أدوات في إعادة إنتاج سردياتهم التي لا تعكس بالضرورة قناعاتنا الخاصة!
مساحة إعلانية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الشرق
وزارة الداخلية تنوه بـ3 إغلاقات مرورية الجمعة
محليات 118 A- وزارة الداخلية طريق الكورنيش نبهت وزارة الداخلية مستخدمي الطرق إلى وجود بعض الإغلاقات المرورية الجمعة 8 أغسطس الجاري، داعية إلى الالتزام باللوحات الإرشادية والتقيد باللوائح والقوانين، حرصاً على انسيابية الحركة المرورية وسلامة الجميع. وأوضحت عبر حسابها بمنصة "إكس" مساء اليوم الخميس أن الإغلاقات المرورية تشمل: 1- طريق الكورنيش (من تقاطع الشيراتون حتى تقاطع الدفنة): تحويل مروري على طريق الكورنيش لوجود إغلاق جزئي مؤقت لمسارين على شارع الكورنيش من تقاطع الشيراتون إلى تقاطع الدفنة اعتباراً من الجمعة 8 أغسطس الجاري حتى الساعة 5 صباحاً من يوم الأحد 10 أغسطس 2025. 2- شارع البدع (باتجاه الجنوب): إغلاق مروري مؤقت باتجاه الجنوب، ولشارع عمر المختار اعتباراً من الجمعة 8 أغسطس حتى الأحد 10 أغسطس. 3- نفق شرق: إغلاق مروري مؤقت لنفق شرق يوم الجمعة 8 أغسطس من الساعة 2 فجراً حتى 10 صباحاً.


صحيفة الشرق
منذ 2 ساعات
- صحيفة الشرق
أكاديمية الشرطة تحتفل بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من "شرطة الغد"
محليات 42 أكاديمية الشرطة شرطة الغد احتفلت أكاديمية الشرطة، ممثلة بكلية الشرطة، بتخريج الدفعتين الخامسة والسادسة من برنامج 'شرطة الغد'، وذلك في ختام البرنامج التدريبي لصيف عام 2025. حضر حفل تخريج الدفعة السادسة سعادة اللواء الركن عبدالله بن محمد السويدي، مساعد وكيل وزارة الداخلية للشؤون الفنية والتخصصية، فيما حضر حفل تخريج الدفعة الخامسة اللواء محمد جاسم السليطي، مدير عام الأمن العام، بحسب وزارة الداخلية عبر منصة "إكس" مساء اليوم الخميس. وتخللت الفعاليات عروض أمنية ومهارية متميزة، عكست المستوى العالي من التدريب والانضباط الذي اكتسبه المشاركون، وأظهرت مدى ترسيخ قيم الولاء والانتماء والمسؤولية لديهم. وشمل البرنامج تدريبات متنوعة إلى جانب محاضرات تثقيفية وتوعوية. وأعرب أولياء الأمور عن بالغ سعادتهم بما شهده أبناؤهم من تطور ملحوظ خلال فترة البرنامج، مؤكدين أن برنامج شرطة الغد ساهم في تنمية شخصياتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
منذ 6 ساعات
- صحيفة الشرق
البلدية تغلق مطعماً شهيراً في المطار القديم
62 A+ A- مطاعم المطار القديم أغلقت بلدية الدوحة مطعماً شهيراً في منطقة المطار القديم لمخالفة قانون تنظيم الأغذية الآدمية رقم 8 لسنة 1990 بشأن تنظيم مراقبة الأغذية الآدمية المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2014. وأوضحت وزارة البلدية عبر الرابط المخصص للمنشآت الغذائية المخالفة على موقعها الإلكتروني أن بلدية الدوحة أصدرت قراراً بإغلاق أحد مطاعم الوجبات السريعة في منطقة المطار العتيق إغلاقاً كلياً لمدة 5 أيام بسبب إعداد الأغذية في ظروف غير صحية. ويرجع تحديد مدة الإغلاق إلى تقدير مدير البلدية المختص حسب نوع وجسامة المخالفة كما قررها القانون، حيث أن مدة الإغلاق لا تتجاوز 60 يوماً في المرة الواحدة، وتتعدد الإغلاقات بتكرار المخالفات، ولا يجوز فتح المحل المغلق أو مباشرة النشاط أو عمل صيانة طوال فترة الإغلاق.