
ما تأثير الحرب على اقتصاد لبنان؟
انتكاسة جديدة منيت بها القطاعات الاقتصادية في لبنان مع اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، بعد أن كانت تتهيّأ لانطلاقة قويّة في موسم الصيف «الواعد». فأرقام البنك الدولي الطموحة للنمو في ظلّ مناخ أمني مستقرّ، قوبلت بتشكيك واسع من الخبراء الاقتصاديين باعتبارها مبالغاً فيها، قبل أن تضيء نيران الصواريخ الإسرائيلية والإيرانية سماء المنطقة. ووسط المخاوف من تصاعد وتيرة الحرب وتداعياتها السلبية، يُطرح سؤال أساسي كيف سيتأثّر اقتصاد لبنان «العليل» وفقاً للسيناريوات المطروحة.
كادت شظايا حرب العام 2024 المؤلمة على الاقتصاد اللبناني التي لا نزال نحاول احتواء تداعياتها، أن تذلّلها المواقف السياسية الحازمة التي يتّخذها العهد الجديد والمسار الإصلاحي المتّبع ، وموسم السياحة المنتظر أن يكون واعداً ، لولا الحرب التي اندلعت منذ يومين بين إسرائيل وإيران. إذ كانت الأجواء تفاؤلية لدرجة أن البنك الدولي توقّع نمواً طموحاً للبنان بنسبة 4,7 في المئة. فعلى ماذا بنى توقعاته وإلى أي مدى يمكن أن يتأثر هذا النمو بالحرب الدائرة اليوم؟
ارتفاع ملحوظ في بيع التجزئة
يؤيّد رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير خلال حديثه إلى «نداء الوطن» هذه النظرة التفاؤلية قبل الحرب إذ رأى أن النمو كان يمكن أن يفوق توقعات الصندوق ويصل إلى 5 في المئة إلا أن المعادلة اليوم تغيّرت. وارتكز شقير في توقّعه هذا على مؤشرات القطاعات الاقتصادية التي شهدت تحسّناً على حدّ قوله.
بالنسبة إلى حركة بيع التجزئة أوضح شقير أنها «سجّلت في شهر أيار ارتفاعاً ملحوظاً تراوح بين 10 أو 12 في المئة مقارنة مع شهر أيار المنصرم، واستمرّ الوضع الإيجابي على حاله في مطلع شهر حزيران الجاري الذي انطلق بزخم وكان من المتوقّع أن يسجّل مزيداً من النمو. وبرأيه لو استمرّ الوضع الأمني كما كان عليه قبل الضربة الإسرائيلية لكانت نسبة النمو تخطّت الـ5 في المئة نظراً إلى تعويل القطاعات الاقتصادية على «صيفية» 2025 وشهر عيدي الميلاد ورأس السنة في كانون الأول المقبل.»
وكانت المؤسسات السياحية تتحضّر لموسم السياحة والصيف، فقطاع المطاعم شهد منذ بداية العام افتتاح 191 مطعماً جديداً تأثّراً بالأجواء الإيجابية المخيمة على البلاد في عهد الرئيس جوزاف عون. أما على الصعيد التجاري فقال شقير «إن القطاع شهد تحسّناً ملموساً في شهر حزيران وكان من المتوقّع أن يشهد مزيداً من النمو خصوصاً في قطاع التجزئة».
وبذلك يكون البنك الدولي بنى تقدير نمو الـ4,7 في المئة على التغيرات التي حصلت في لبنان بعد وقف العمليات العسكرية في تشرين الثاني الماضي وانتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية في كانون الثاني، وتشكيل حكومة وإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية وتقديم الدعم السياسي للبنان، وفكّ عزلة لبنان عن محيطه العربي والمجتمع الدولي واستعداد الدول الصديقة لمساعدة لبنان. كل ذلك يأتي بعد تخبّط البلاد بأزمة اقتصادية ومالية بدأت منذ 2019 وانطلاق «حرب المساندة» وشن إسرائيل حرباً على «حزب الله» ما أدى إلى انكماش حاد بنسبة 7,5 في المئة في العام 2024.
مصير الاقتصاد والنمو قبل وبعد الحرب
أما اليوم ووسط الغموض المخيّم على ما ستؤول اليه الحرب والفترة التي ستستغرقها وما إذا كان لبنان سيبقى بمنأى عنها، فماذا سيكون مصير اقتصاد لبنان والنموّ المتوقّع في نهاية العام؟
هذه التساؤلات حملناها إلى الباحث الاقتصادي والخبير المالي نسيب غبريل الذي أوضح لـ"نداء الوطن" أن «كل المؤشرات الإيجابية التي كانت تتوالى من بسط الدولة سلطتها على كل الأراضي اللبنانية وإعادة ترميم العلاقات مع دول الخليج وتطبيق الإصلاحات البنيوية ما يعيد الثقة بالبلاد والحركة السياحية، كانت تدلّ على أن التوقعات أن يحقّق لبنان نمواً بنسبة 6 في المئة اذا استمر الأمن مستتبّاً وأكملت الإصلاحات مسارها وبدأت الاستثمارات والمساعدات تتدفق، فيصل حجم الاقتصاد إلى ما كان عليه قبل الأزمة أي إلى 54 مليار دولار». معتبراً أن «تحقيق نمو بنسبة 4,7 في المئة ولو في ظلّ الاستقرار الأمني رقم مبالغ فيه والمتوقّع أن يتراوح النمو بين 2 و3 في المئة.
أما السبب فيعود استناداً إلى غبريل إلى أن «الإندفاعة الموجودة لدى المسؤولين لم تترجم بشكل كامل على الأرض، صحيح أن هناك نوايا جيدة في السلطة التنفيذية للتقدّم ولاتّخاذ تدابير حازمة، ولكن تلك النوايا والإجراءات الإصلاحية لم تنفّذ بالسرعة المطلوبة المتوقعة، فجاء التعويل على الموسم السياحي لتحريك العجلة وتحقيق النمو».
سيناريوات المرحلة المقبلة
اليوم، عود على بدء، انطلقت شرارة الحرب الإسرائيلية - الإيرانية وعدنا إلى حالة عدم اليقين والغموض، ما هي السيناريوات المطروحة؟
- السيناريو الأول: إذا كانت الحرب محدودة بالتوقيت وستتوقف بعد تدخّل دولي خلال بضعة أيام . هنا يقول غبريل «ستكون التداعيات على الاقتصاد اللبناني محدودة إذ نعوّل على المغتربين اللبنانيين أن يرجئوا قدومهم إلى لبنان من حزيران إلى تمّوز وآب، ونستذكر العام الماضي حين توافد المغتربون إلى لبنان في شهري حزيران وتموز قبل أن تتوسّع رقعة الحرب. وبالتالي «إذا هدأ الصراع وانتهى خلال أيام قليلة فنسبة النمو قد تكون 3 أو 3,5 في المئة إذا كان موسم السياحة جيّداً».
- السيناريو الثاني: إذا طالت فترة الحرب لأسابيع عدة، وتمّ تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، عندها ستطال شظايا الصراع القطاع الاقتصادي بأشكال متعددة وليس فقط القطاع السياحي. عندها سيغيّر المغتربون الذين كانوا ينوون القدوم إلى لبنان رأيهم خصوصاً من يعيش في دول بعيدة مثل أستراليا أو أميركا الشمالية ولن يمضوا عطلتهم في لبنان.
فالسياحة يقول غبريل «تلعب دوراً بارزاً في الاقتصاد اللبناني والدليل على ذلك الإيرادات السياحية التي سجّلت في العام 2023 وتحديداً لغاية 7 تشرين الأول (تاريخ اندلاع حرب الإسناد)، التي بلغت وقتها 5,6 مليارات دولار. بينما في العام 2024 تراجعت بنسبة 16 في المئة إلى 4,7 مليارات دولار كنتيجة مباشرة للحرب الإسرائيلية على «حزب الله» وبذلك انخفضت الإيرادات السياحية من 24 إلى 16 في المئة من الناتج المحلي في العام 2024. أما الحرب الإسرائيلية -الإيرانية في 2025، فستترك أثرها المباشر على السياحة خصوصاً والاقتصاد عموماً.
فنكون أمام فرصة ضائعة مجدّداً لذلك جاء الحثّ الدولي للسلطات اللبنانية على الاستعجال في الإصلاحات البنيوية، لأن الاهتمام الدولي سيتركّز على مواضيع أخرى وهو ما نراه اليوم، فتنتقل أولوية الاهتمام الدولي والعربي إلى اقتصادات سائر الدول، والسعي لحصر الحرب تفادياً لارتفاع أسعار النفط إلى أرقام قياسية».
أما السيناريو الثالث وهو الأسوا على لبنان فيقوم على إعادة إقحام لبنان بالحرب وبسياسة المحاور والحروب العبثية. عندها يقول غبريل «توسّع رقعة الحرب سيكون له تداعيات وخيمة جداً على الاقتصاد والمجتمع اللبناني ولبنان ككل إذ لا نزال نحصي كلفة الحرب الإسرائيلية في 2024، وسيكون سيناريو كارثياً».
إذاً، زجّ لبنان بالحرب واستخدامه كساحة تصفية حسابات له تداعيات وخيمة نتيجتها انكماش حاد في الحركة الاقتصادية يشبه ما رأيناه في العام 2024، وعلى الصعيد الإصلاحي حتى لو لم يقحم لبنان في الحرب، يتوقّع غبريل أن تطالنا الشظايا إذ ستراوح العملية الإصلاحية مكانها في لبنان بسبب الوضع الإقليمي وهي أصلا بطيئة وبالتالي المشاريع الجديدة والاستثمارات قد تؤجل موقتاً ومن كان سيشتري منزلاً أو سيارة أو سلعة تعتبر من الكماليات سيتريّث لحين انفراج الوضع واتّضاح الرؤية. كل ذلك سيؤثر على الحركة الاقتصادية في البلاد.
ومقابل كل تلك السلبيات لا بدّ من ذكر إيجابية واحدة في ارتفاع أسعار الذهب كردّ فعل على الحروب، إذ سيشهد احتياطي مصرف لبنان من الذهب مزيداً من الارتفاع ، علماً انه لا تتمّ الإستفادة من زيادة قيمته (بعيداً عن تسييله طبعاً) كونه تعدّى الـ30 مليار دولار مقارنة مع 15 مليار دولار في العام 2019.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

ليبانون ديبايت
منذ 38 دقائق
- ليبانون ديبايت
في حال توسعت الحرب...تداعيات خطيرة تنتظر لبنان!
في هذا الإطار يلفت الباحث الإقتصادي الدكتور محمود جباعي، في حديث لـ"ليبانون ديبايت"، إلى أن لبنان خرج حديثًا من حرب كبيرة ، استمرت 66 يومًا، بالإضافة جبهة الإسناد وأسفرت عن خسائر مادية جسيمة تُقدّر بحوالي 14 مليار دولار، بين أضرار مباشرة وغير مباشرة. وحتى اليوم، لا يزال ملف إعادة الإعمار غير واضح المعالم. في ظل هذا الواقع، فإن اندلاع حرب جديدة على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، لا قدّر الله، سيكون له تداعيات اقتصادية ومالية كارثية على لبنان من جميع الجوانب. ويرجح أن دخول لبنان في مثل هذا الصراع يعني ضربة قاضية، إذ أن انخراطه في هذه الحرب الجديدة سيؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي. وبالتالي، من الضروري أن يسعى لبنان بكل الوسائل إلى تجنب الانزلاق في هذه المواجهة، وأن يبقى خارج دائرة الصراع قدر الإمكان، لما لذلك من أهمية قصوى في ظل الواقع المالي والاقتصادي الهش. وينبّه الى أنه لا يلوح في الأفق، اليوم، أي أمل واضح لإعادة الإعمار، وسط استمرار التعقيدات في المشهدين السياسي والاقتصادي. ولبنان ما زال يعيش تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب حرب الإسناد الأخيرة، والتي انعكست بوضوح على الوضعين المالي والاقتصادي، وأدت إلى مزيد من التخبط والانهيار. وفي حال تطورت الحرب الإيرانية إلى نزاع إقليمي واسع، فيشير، إلى أنه سيكون لذلك تأثير اقتصادي مباشر على لبنان والمنطقة ككل، وأولى الانعكاسات المتوقعة هي ارتفاع أسعار النفط، حيث من المرجح أن ترتفع الأسعار لتتجاوز عتبة 100 دولار للبرميل إذا اتسعت رقعة الحرب. هذا الارتفاع سينعكس فورًا على أسعار المحروقات، مما سيؤدي بدوره إلى زيادة عامة في الأسعار قد تتراوح بين 10% و15%، وقد تصل حتى 20%، نتيجة ارتفاع كلفة النقل والطاقة. ويعتبر أن هذا الوضع سيكون بالغ الخطورة بالنسبة للبنان، خصوصًا في ظل التضخم القائم وواقع 'الاقتصاد النقدي' (الكاش إيكونومي) الذي يطغى على السوق اللبناني، ما سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسر والقطاعات الحيوية، قطاع المحروقات سيكون أول المتضررين، وسيتبعه ارتفاع في كلفة السلع والخدمات المستوردة، لا سيما في حال تأثرت خطوط الإمداد مثل مضيق هرمز، وهو أمر وارد في حال تصاعدت وتيرة الحرب. وينبّه إلى أن أي تصعيد سيقود حتماً إلى ردود فعل تلقائية مثل التخزين والاحتكار، ما قد يفاقم الأزمة داخليًا، ومن هنا، على لبنان أن يتعامل بحذر بالغ، وأن يتخذ موقفًا واضحًا وموحدًا عبر مؤسسات الدولة بأن لا علاقة له بهذه الحرب، لا سياسيًا ولا عسكريًا، وأنه ملتزم الحياد التام. ويؤكد أن هذا الموقف يجب أن يُترجم عمليًا بتنسيق كامل بين رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، لتأكيد أن لبنان لا يمكنه تحمل تبعات الدخول في أي نزاع، وأنه غير معني بهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد، حرصًا على أمنه واقتصاده واستقراره. وفي ظل التوتر الإقليمي القائم، يرى الدكتور جباعي أن فرص الاستثمار في المنطقة ستتقلّص إلى حدّ كبير، فليس هناك من سيخاطر بضخ استثمارات في ظل حرب مفتوحة، لذلك، يأمل أن تنتهي هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، وأن يعمّ السلام والاستقرار، لأن المنطقة بأكملها لم تعد تحتمل المزيد من الحروب والكوارث، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية شاملة، اقتصادية واجتماعية، على جميع دول المنطقة، وخاصة لبنان. وعلى صعيد لبنان فلا يخفي سراً أنه يعاني أصلًا من أزمة مالية واقتصادية عميقة، ويسعى جاهدًا للخروج منها بمختلف الوسائل، وأي تصعيد إضافي سيقوّض هذا السعي، إذ سيتأثر الوضع المعيشي وفرص العمل بشكل كبير، حتى لو بقي لبنان بعيدًا عن المواجهة العسكرية المباشرة، إلا أن الاقتصاد اللبناني سيُصاب في العمق، خصوصًا أن أكثر من 85% من استهلاك لبنان معتمد على الاستيراد، ومع توسع الحرب سيزداد تأثره بسلاسل التوريد، لا سيما تلك القادمة عبر البحر المتوسط. ويخلص الدكتور جباعي إلى أن الانعكاسات ستطاول حياة المواطنين بشكل مباشر، من خلال التضخم وارتفاع الكلفة، وتأثر المؤسسات وفرص العمل، لذلك، ما يمكن أن يقوم به لبنان الآن هو اتخاذ كل الإجراءات الممكنة للنأي بنفسه عن هذه الحرب، مع الأمل والدعاء بأن لا تتوسّع رقعتها، ولا تطال لبنان على أي صعيد، لا أمنيًا ولا عسكريًا ولا اقتصاديًا.


بيروت نيوز
منذ 41 دقائق
- بيروت نيوز
طيران الشرق الأوسط تعلن تعليق رحلاتها إلى العراق ليوم الثلاثاء
صدر عن دائرة العلاقات العامة في شركة طيران الشرق الأوسط ، بيان رقم 2 الصادر عن شركة طيران الشرق الأوسط، ويتعلق بإلغاءرحلات الشركة إلى العراق ليوم 17-6-2025، وجاء فيه: ' نظراً لإستمرار إغلاق المجال الجوي العراقي، تعلن شركة طيران شرق الأوسط خطوط الجوية اللبنانية عن إلغاء رحلاتها إلى العراق (بغداد و إربيل والنجف) ليوم الثلاثاء 17 حزيران 2025 وفق الجدول التالي: ولمزيد من المعلومات يرجى مراجعة مركز الإتصالات MEA Call Center على الارقام التالية: – الخط الارضي: 01-629999 – الخطين الساخنين: 1320 و1330 من أي هاتف أرضي أو خلوي دون أية كلفة إضافية – الخطوط الخلوية: 81-477905 / 81-477906 / 81-477907 / 81-477908 أو عبر البريد الالكتروني callcenter@ أو موقع الشركة


بيروت نيوز
منذ 41 دقائق
- بيروت نيوز
طيران الشرق الاوسط تعلن تسيير رحلة اضافية الى اسطنبول والقاهرة وميلانو
اعلنت شركة طيران الشرق الاوسط – الخطوط الجوية اللبنانية تسيير رحلة اضافية الى اسطنبول في 16 حزيران والى كل من القاهرة وميلانو في 17 الحالي. الجدول مرفق هنا.