logo
جولة بأهم 8 أماكن في الإسكندرية تستحق الزيارة شتاءا

جولة بأهم 8 أماكن في الإسكندرية تستحق الزيارة شتاءا

الجزيرة١٣-٠١-٢٠٢٥

الإسكندرية ليست مجرد مدينة ساحلية في مصر؛ إنها بوابة للتاريخ والتعددية الثقافية ومزيج من الجنسيات والأعراق. ولا عجب في ذلك فقد كانت تلك المدينة التي أسسها القائد المقدوني الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد عاصمة مصر وأهم مدن البحر المتوسط قديما، وحتى دخول القائد العربي عمرو بن العاص عام 641 ميلادي (21 هجري) مصر وتحول عاصمتها إلى الفسطاط، التي أصبحت اليوم جزء من القاهرة العاصمة الحالية.
وتحت حكم العرب المسلمين أصبحت المدينة رباط مصر البحري وثغره التي وفد إليها أولياء الله الصالحون من الأندلس والمغرب، وتركوا لنا أضرحتهم ومساجدهم تُخلد ذكراهم. هي الإسكندرية التي أعاد إليها الروح حُكم "محمد علي باشا"، الذي سمح بوفود الأجانب إليها من كل حد وصوب، كانت في تلك الفترة العاصمة الثانية المدللة التي يقطنها الأوروبيون، وكأنها باريس صغيرة في أرض مصر.
في الشتاء، تتميز الإسكندرية بهدوء نابض بالحياة، حين تنخفض درجات الحرارة، ويصبح الطقس معتدلا مع نسمات بحرية منعشة، ويختفي زحام المصيفين المعتاد، ما يجعل المدينة مثالية للتجول والاستكشاف دون عناء الصيف. كما أن السماء الملبدة بالغيوم تعطي مشاهد البحر والكورنيش جمالا خلابا، فبدء من فصل الخريف إلى نهاية فصل الشتاء تتمتع الإسكندرية بسحرٍ خاص، حين يغسل شوارعها المطر، ويرمي البحر الهائج بعضا من مياهه على الشوارع. كما أن المشي بمحاذاة الشاطئ في ليالي الشتاء الباردة كفيل بخلق حالة بهجة بداخلك لا تعرف كيف نبتت في قلبك، في جو مثالي للمتعة والتأمل.
ولهذه الأسباب؛ إليك أهم الأماكن التي تستحق زيارتها عند مجيئك للإسكندرية ستأخذك إليها "الجزيرة نت":
أهم وأشهر أحياء الإسكندرية التي تعكس تاريخها وثقافتها الشعبية، كانت هذه المنطقة موطنًا لفنار الإسكندرية العظيم، أحد عجائب الدنيا السبع، الذي كان يضيء للملاحة في الميناء الشرقي.
وعندما تهدم الفنار مع مرور الزمن، بُنيت قلعة قايتباي في نفس موقعه، مستخدمة بعضًا من أحجار الفنار. تأسست القلعة في نهاية عصر المماليك خلال القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) بأمر من السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، وكانت جزءًا من منظومة التحصينات الدفاعية لمصر لحمايتها من تهديد العثمانيين حيث تطل مباشرةً على البحر.
اليوم، تُعتبر القلعة واحدة من أبرز معالم الإسكندرية التاريخية وحي بحري على وجه الخصوص، ويمكنك الاستمتاع بجولة داخل القلعة لاستكشاف تفاصيلها المعمارية، وكذلك زيارة متحف الأحياء المائية على بعض خطوات منها، الذي يعرض نماذج لبعض الكائنات البحرية التي تعيش في مياه الإسكندرية.
أما إذا كنت تفضل الهواء الطلق، فيمكنك الجلوس على الصخور الضخمة المصممة لصد الأمواج بينما تستمتع بصوت البحر. يمكنك أيضًا تجربة ركوب "الفلوكة"، وهي قارب صغير يُدار بالمجاديف، للتجول في الميناء الشرقي ومشاهدة القلعة من زاوية مختلفة.
ولا تنسَ تجربة الأطباق البحرية الطازجة في أحد المطاعم المطلة على البحر، أو تذوق الآيس كريم في المحلات المنتشرة على طول الشاطئ في حي بحري. وأخيرًا، لا تفوّت تجربة الأتوبيس الأحمر السياحي، وهو أتوبيس مكشوف ونقطة انطلاقه بحي بحري بالقرب من القلعة، يأخذك في رحلة على طول كورنيش الإسكندرية للاستمتاع برؤية البحر.
منطقة المنشية
المنشية هي قلب الإسكندرية النابض بالحياة ومركزها التجاري، تعود أسواقها إلى العصور العثمانية، حيث كان سوق الترك وسوق المغاربة ملتقى للتجار القادمين من الشرق إلى الغرب. لاحقًا، عُرفت المنطقة بـ"ميدان القناصل"، الذي أصبح مقرًا لتجمع التجار الأجانب ومركزًا للنشاط التجاري في المدينة.
يتوسط الميدان تمثال برونزي لمؤسس مصر الحديثة، محمد علي باشا، محاطًا بحديقة تضفي عليه طابعًا كلاسيكيا. أحد أبرز معالم المنشية هو سوق الذهب، حيث تنتشر محلات الصاغة القديمة التي تعرض مشغولات ذهبية أنيقة. ومن هناك، لا تفوّت زيارة "زنقة الستات"، أشهر شوارع المنشية. ورغم أن الكثيرين يظنون أن اسمه يعود لضيق مساحته، إلا أن كلمة "زنقة" في الأصل مغربية وتعني "حارة صغيرة".
وتشتهر المنشية أيضًا بأسواقها الشعبية، مثل سوق السبع بنات وشارع فرنسا، التي تمزج بين البضائع التقليدية والشعبية والتذكارية. تزداد هذه الأسواق بريقاً وجذباً خاصة عندما ترتدي ثوب الاحتفال بشهر رمضان الكريم، حيث تتحول هذه الأسواق إلى مهرجان شعبي يمتلئ بالأضواء والزينة، حيث يتوافد الناس من كل مكان لشراء احتياجاتهم وسط أجواء مفعمة بالحيوية.
التجول في أزقة وأسواق المنشية يمنح الزائر نوع آخر من المُتعة فلا بد لك من أخذ جولة في أزقة أسواق الإسكندرية تُمكّنك من استكشاف ثقافة المدينة الشعبية يحمل وعاداتها وكذلك تقاليد أهلها.
محطة الرمل وشارع فؤاد
محطة الرمل تعد واحدة من أبرز مناطق وسط الإسكندرية التي تحتفظ برونقها التاريخي ومبانيه ذات الطراز الأوروبي القديم. تتألق المنطقة بميدانها الذي ينطلق منه ترام الإسكندرية الشهير، وتزدحم بالمقاهي القديمة ومطاعم المأكولات المتنوعة، والمحال التجارية التي تحمل التي تعرض منتجات عصرية وكلاسيكية.
وأما شارع فؤاد، فهو أحد أقدم شوارع الإسكندرية المتفرعة من محطة الرمل، ويتزين بمبانيه ذات الطراز الكلاسيكي الأوروبي، التجول في هذه المنطقة يأخذك في رحلة إلى الماضي، حيث يمكنك أن تشاهد تفاصيل معمارية رائعة باعتباره وجهة مثالية للمشي وبخاصة ليلاً.
يعج الشارع بالمباني التاريخية الراقية، والمسارح مثل مسرح سيد درويش أو أوبرا الإسكندرية، ويتفرع منه شارع النبي دانيال معقل الكتب والمجلات الثقافية في الإسكندرية، بالإضافة إلى المطاعم التي تقدم مأكولات متنوعة في أجواء هادئة وفخمة.
المتحف اليوناني الروماني
يُعد المتحف اليوناني الروماني من أعرق متاحف الإسكندرية الذي أعيد افتتاحه مؤخرًا، وهو من أقدم المتاحف المخصصة لحضارة اليونان والرومان في العالم. يعرض هذا المتحف تاريخ الإسكندرية خلال العصرين اليوناني والروماني وكذلك العصر البيزنطي.
سترى عند زيارته مجموعة بديعة من آثار هذه العصور القديمة في رحلة تاريخية عبر الزمن وشواهده من التماثيل، والقطع الأثرية النادرة، والعملات، والمومياوات التي تُبرز حضارة الإسكندرية في تلك الفترة. كما يمكنك الجلوس للاستراحة في ساحته الخارجية الفسيحة المطلة على شارع فؤاد.
مكتبة الإسكندرية
على أنقاض مكتبة الإسكندرية القديمة، بُنيت المكتبة الجديدة لتعيد دورها التاريخي كمنارة للمعرفة، فهي ليست مجرد مكتبة وحسب، بل مجمع ثقافي يقدم العديد من الخدمات لزواره. تضم المكتبة ملايين الكتب، وعدة متاحف مثل متحف الرئيس المصري الراحل السادات ومتحفًا للآثار ومتحف المخطوطات، وقاعات للفن الحديث، كما تشمل مركز القبة السماوية العلمي وهو مكانًا مثاليًّا للاستمتاع بالتعليم الممزوج بالمرح تستقطب الشباب والنشء.
كما يمكنك حضور الندوات والمعارض الفنية والحفلات الغنائية في مكتبة الإسكندرية، مما يجعلها وجهة ثقافية سكندرية فريدة تستحق الزيارة.
مقابر كوم الشقافة وعمود السواري
تقع مقابر كوم الشقافة في حي كرموز الذي كان قديمًا قرية للصيادين تٌعرف باسم راقودة قبل إنشاء الإسكندرية، تُعد من أبرز معالم الإسكندرية القديمة، وتُبرز مزيجًا فريدًا من العمارة الجنائزية الفرعونية والرومانية ليس لها مثيل في مصر.
تحتوي هذه المقابر على زخارف منحوتة في الحجر تدمج بين أساطير الحضارتين. على مقربة من المقابر، يقع عمود السواري، الذي يُعتبر أعلى نصب تذكاري روماني في مصر، حيث يرتفع حوالي 27 مترًا. يُعتقد أن العمود شُيّد في القرن الثالث الميلادي تخليدًا للإمبراطور دقلديانوس، ويُعد شاهدًا مهيبًا على عظمة الماضي الروماني في الإسكندرية.
كورنيش الإسكندرية
المشي على الكورنيش هي متعة مجانية خاصة في فصل الشتاء، حيث يختلف المشهد تماما عن الصيف الذي تكتظ فيه الشواطئ بالمصطافين. في الشتاء، يتحول الكورنيش إلى وجهة هادئة للتنزه والسير على الأقدام، مما يتيح لك فرصة الاستمتاع بأصوات الأمواج العذبة ورائحة البحر المنعشة.
يضم كورنيش الإسكندرية العديد من الشواطئ والمعالم المميزة، مثل شاطئ وكوبري ستانلي الذي يُعد وجهة مفضلة لالتقاط الصور التذكارية بالقرب من البحر. يمكنك أيضًا التنزه على الكورنيش بركوب عربات الحنطور التى تنتشر في الإسكندرية، وهي تقدم وسيلة مريحة تتيح مشاهدة الكورنيش حيث تسير العربات ببطء يسمح بالنظر إلى البحر.
كما تنتشر على طول الكورنيش المقاهي والمطاعم التي تقدم مجموعة متنوعة من الأطعمة والمشروبات والحلوى.
متحف المجوهرات الملكية
يوصف متحف المجوهرات الملكية في الإسكندرية بأنه تحفة معمارية رائعة تقع في حي زيزينيا بمنطقة الرمل، كان في الأصل قصرًا ملكيًا مملوك للسيدة زينب فهمي حفيدة محمد علي باشا قبل أن يتحول إلى متحف يعرض مجموعة فريدة من المجوهرات الملكية التي تنتمي إلى أسرة محمد علي باشا.
من خلال المعروضات المتنوعة مثل الحلي والتيجان والأوسمة الملكية، تنغمس في عالم من الرفاهة والثراء، لتكتشف لمحات من حياة آخر ملوك مصر في حقبة ليست ببعيدة عن الذاكرة.
هذه هي الإسكندرية؛ إنها تجربة شعورية متكاملة. كل شيء فيها، من طقسها اللطيف إلى روحها التاريخية، يدعوك للاستكشاف والتأمل. في فصل الشتاء، تقدم الإسكندرية مشاهد ساحرة لمحبي التصوير، سواء كانت قلعة قايتباي تحفها أمواج البحر الهائج، أو شوارع محطة الرمل بعبقها المعماري الأوروبي.
إنها ليست فقط وجهة للاستجمام، بل محطة تمنحك فرصة لإعادة شحن طاقتك والعودة إلى حياتك بذكريات دافئة، فلا تتردد في زيارتها في فصل الشتاء.
———

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

7 أسباب تجذب الشباب إلى مدينة دهب المصرية
7 أسباب تجذب الشباب إلى مدينة دهب المصرية

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

7 أسباب تجذب الشباب إلى مدينة دهب المصرية

بينما تلتقي رمال الصحراء بنسمات البحر الأحمر الهادئة، تنبض مدينة دهب بحياة لا تشبه سواها من مدن مصر الساحلية والسياحية. هنا لا يأتي الشباب من كل أنحاء العالم بحثًا عن منتجع فاخر أو شاطئ رملي ممهد فحسب؛ بل يأتي البعض باحثًا عن الهدوء في مدينة بسيطة في طبيعتها المكونة من جبال ونخيل وبحر أزرق على مدى الأفق، هربًا من ضجيج حياة المدن. فيما يبحث آخرون عن مشهد يخطف الأنفاس في عمق البحر، ووادي بدوي يبعثك في تجربة إلى قلب الصحراء، وأمسيات عفوية تحت سماءٍ تضيئها النجوم. في دهب ملاذًا يجمع بين الهدوء والصخب، وبين بساطة البداوة وروح المغامرة جعل من تلك المدينة قبلة للشباب في السنوات الأخيرة. لمحة عن دهب تقع المدينة على ساحل خليج العقبة في جنوب سيناء، وتبعد نحو 100 كلم شمال مدينة شرم الشيخ، وتربطها طرق برية سهلة بمحافظات الوادي والدلتا. نشأت في الأصل كقرية للصيادين، ثم تحوّلت خلال الثلاثين عاما الماضية إلى وجهة سياحية عالمية، لا سيما لعشاق رحلات اليوم الواحد القادمة من منتجعات شرم الشيخ القريبة (مسافة ساعة واحدة بالسيارة). وأصبحت حاضرة بقوة على الخريطة السياحية، المحلية والعالمية على حد سواء. فكثير من شركات السياحة المصرية تحرص حاليا على تنظيم رحلات إليها، وكما تجذب فئات كثيرة من المصريين للسفر إليها بشكل منفرد، بفضل أسعارها الملائمة مقارنة ببعض المدن السياحية الأخرى داخل مصر. تنقسم دهب إلى منطقتين: القرية البدوية الهادئة (العسلة) في الجنوب، حيث الحياة البسيطة وأمسيات الضيافة وهي موضع سكن أهل المدينة، والمنطقة النابضة بالحياة في الشمال التي تحتضن المقاهي والأماكن الترفيهية ومراكز الغوص وسوقها التجاري. سُميت المدينة على الأرجح باسم "دهب" تيمُّنًا بلون رمالها التي تكتسب بريقا ذهبيا عند غروب الشمس، أو بلون مياهها المنعكس عليها. وهنالك سبعة أسباب تجعل الشباب يعشقون دهب تتمثل في الآتي: 1. أسعار ملائمة وخيارات متنوعة دهب مدينة تسودها البساطة وتميزها الطبيعة الهادئة، ومع ذلك فهي من أنسب الوجهات الشاطئية للشباب الباحثين عن توازن بين الراحة والتكلفة، حيث تتنوّع خيارات الإقامة من بيوت الضيافة البسيطة ونزل المخيمات "الكامبات" (جمع كامب camp) المصنوعة من جريد النخيل والأخشاب على حافة البحر لأصحاب الميزانية المحدودة، إلى فنادق فئة النجمتين أو ثلاث نجوم في منطقة الممشى السياحي متوسطة التكاليف، وصولا إلى فنادق فئة الأربعة نجوم مطلة على البحر لمحبي الرفاهية المعتدلة. وبصفة عامة فدهب هي الوجهة الأقل تكلفة في الإقامة من بين مدن أخرى في جنوب سيناء أو البحر الأحمر، مع توفير الاحتياجات الأساسية للنزيل، من سرير مريح وخدمة واي فاي المجانية، إلى مطابخ ومناطق مشتركة تشجع اللقاءات الاجتماعية، وهو ما ما يجعلها خيارًا مثالثا للشباب الذين يبحثون عن تجربة سياحية متميزة بأسعار ملائمة. 2- طقس معتدل وأجواء راحة على الرغم من أنّ دهب تُعرف بكونها وجهةً شاطئية في المقام الأول، فإن مناخها المعتدل يجعلها مناسبة للزيارة على مدار العام حتى خلال الشتاء، إذ تتراوح درجة حرارتها ما بين 20 و30 درجة مئوية أغلب العام. وأما في أشهر الصيف الثلاثة الأكثر حرارة، فتبقى المدينة صالحة للغوص والرياضات المائية بفضل مياهها النقية، ودرجات الحرارة المستقرة. وعلى مدار العام أيضا، تزدان شواطئ دهب بأشجار النخيل الممشوقة التي تضفي لمسةً من الطبيعة البكر، وتتيح لزائرها فرصة التجول على الشاطئ بجوار أشجار النخيل السيناوي وأنت تعتلي جملاً، أو تتجوّل على قدميك بين الماء والرمال لتستمتع بلوحة طبيعية تمتزج فيها زرقة السماء والبحر بلون النخيل. وبفضل هدوئها الظاهر واستقرار طقسها، أصبحت دهب في السنوات الأخيرة وجهة مفضلة لعشاق اليوغا والتأمل وجلسات المساج على الشاطئ، إذ استقر بها عدد من المعالجين وأطباء العلاج الطبيعي من مختلف أنحاء العالم لتقديم تجارب صحة وعافية متكاملة. 3- مناطق غوص بسمعة عالمية تشتهر دهب بأنها "عاصمة الغوص" في جنوب سيناء، وواحدة من أشهر وجهات الغطس في العالم، بفضل عدد من المواقع الفريدة التي تلائم مختلف مستويات محبي الغوص. وتعتبر منطقة الثقب الأزرق (Blue Hole) أهم مناطق الغوص في دهب؛ هذا الحوض البحري العميق الذي يشبه متاهة طبيعية، فتحته الضحلة تمتد إلى أنفاق متعرجة في عمق البحر. هنا ينجذب محترفو الغوص لسحر الأعماق وعالم ما تحت الماء، بينما يكتفي المبتدئون بمراقبة الشعاب المرجانية قرب سطح الماء وتحت ضوء الشمس المتناثر. ويمتاز حوض الثقب الأزرق "البلوهول" بوفرة الحياة فيه، بما فيها من شعاب مرجانية وأسماك، كما أنها تسمى بمقبرة الغواصين لما فيها من خواص تجذبهم؛ ولكنها في الوقت نفسه منطقة عميقة وخطرة، للحد الذي أفقد بعض من هواة المغامرة من الذين حاولوا تحطيم الأرقام القياسية في الغوص حياتهم. ولتخليد ذكرى هؤلاء المغامرين، ستجد على الجبل الموازي للثقب الأزرق نقش يذكر بالمغامرين الذين فقدوا أرواحهم في تلك البقعة. وعلى بُعد بضع كيلومترات شمالًا من "البلو هول"، يقع الكانيون (The Canyon) وهو ممر مائي ضيق محفور بين الصخر، عمقه يناهز 50 متراً ويتميز بجدرانه المرجانية المزدهرة، ما يجعله وجهة مناسبة للغواصين الباحثين عن تجربة استكشافية مختلفة في جو من الإثارة. ولا تكتمل تجربة الغوص في دهب دون زيارة منطقة "الحمامات الثلاث" (Three Pools)، وسميت بذلك لأنها تحتضن 3 حمامات سباحة طبيعية وسط المياه، كونتها الصخور والشعب المرجانية. وتعد من أفضل أماكن الغطس للمبتدئين ومحبي التصوير تحت الماء. وأخيرا لا تفوتك زيارة منطقة "لايت هاوس" (Lighthouse) في شمال المدينة وبالقرب من منطقة الممشى السياحي العامرة بمراكز الغطس، وهي منطقة جذابة لممارسة الغطس بسبب مزيجا من الشعاب المرجانية النادرة والأسماك الملونة. 4-محمية أبو جالوم أو الاتصال بالطبيعة تقع محمية رأس أبو جالوم على امتداد ساحل خليج العقبة في جنوب سيناء، يمكن الوصول إلى قلب المحمية من منطقة البلوهول عبر ركوب لانش سريع يشق المياه بمحاذة الجبال، ثم ركوب سيارات الدفع الرباعي التي تسير خلال الوديان الجبلية غير الممهدة، ما يجعل الوصول إليها بحد ذاته مغامرة لا تُنسى. وما أن تصل إلى هناك ستحتاجك الدهشة من تفرد الطبيعة البكر، والطوبوغرافية المميزة لاقتراب الجبال من شاطئ خليج العقبة وأعماق البحر الأزرق العميق، حيث تُعد أبو جالوم ملاذًا بيئيًا فريدًا للعديد من النباتات البرية، إضافةً إلى امتداداتٍ بحرية من الشعاب المرجانية الغنية والحياة البحرية المتنوعة. كما تمنحك زيارة المحمية تجربة بدائية فريدة؛ فلا يوجد بها شبكة إنترنت أو اتصالات، بالإضافة لعدم وجود خدمة الكهرباء، وهذا يعني أن المنطقة تجتذب من يريد العودة إلى الحياة البسيطة لساعات، مع القيام بنشاطات رياضية مثل الغطس وتسلق الصخور والاسترخاء على شاطئ البحر. 5-رياضات مائية وأنشطة الأدرينالين تتمتع دهب ببيئة فريدة تجمع بين مياه البحر الأحمر الصافية ورياح سيناء القوية، مما جعلها قبلة لعشاق المغامرات المائية والأنشطة المحفزة للأدرينالين طيلة العام. وإليك أبرز ما يمكنك تجربته: إعلان إذا كنت من عاشقي رياضة ركوب الأمواج والمراكب الشراعية (Windsurfing & Sailing)، فأمامك فرصة كبيرة لممارسة رياضتك المفضلة في دهب، حيث إن قوة وسرعة الرياح التي تهب فيها، مع وجود الجبال التي تحيط بها من جهات كثيرة، تجعلها من أفضل الأماكن لركوب الأمواج على الألواح والمراكب الشراعية. كما يمكنك ممارسة رياضة التجديف بالكاياك (Kayaking) وركوب البدّال (Paddleboarding) في الشاطئ بمحاذاة منطقة الممشى أو في اللاغونا، وهو الشاطئ الرملي الوحيد في مدينة دهب، ذو مياه هادئة وراكدة تطل على جبال سيناء ونخيلها. كما تشتهر دهب بالقفز بالمظلات (Parasailing)، وهي تجربة مميزة تحلق بك عاليا فوق خليج العقبة، لتنعم بمناظر بانورامية ساحرة للساحل وجبال سيناء الشاهقة. وإذا كنت ترغب في نوع أخر من المتعة بعيدا عن الأنشطة المائية، عليك برحلات السفاري بين الجبال أو في الصحراء، فيمكنك استخدام "بيتش باجي" (Beach Buggy) وهي سيارات شاطئية ذات عجلات عريضة للسير على الرمال، والذهاب لأحد الوديان القريبة من منطقة "ثري بولز" أو عبر وديان قرية العسلة. ويُفضل أن تكون رحلات السفاري عند شروق أو غروب الشمس، حيث تنتشر أشعة الشمس على الرمال، فتكسوها بألوان رائعة مع نسمات هواء باردة. ويمكنك أيضاً ركوب الجمال وسط الطبيعة البكر، والتقاط صور رائعة. وإذا كنت من محبي التحدّي فعليك بتسلق الصخور (Hiking)، في منطقة "وادي جني"، وهو عبارة عن واحة صغيرة في حضن الجبل، أو في وديان محمية أبو جالوم العامرة بمسارات جبلية، والتي تستقطب هواة التسلّق والمشي في بيئة صحراوية خلابة. 6- زيارة الصحراء وأجواء البادية ولدهب سحر آخر لا يظهر إلا حين تغرب الشمس، وتبدأ الأضواء لتخفت واحدة تلو الأخرى، فلا يوجد بالمدينة أنشطة ليلية صاخبة مثل المدن السياحية الأخرى باستثناء زيارة الصحراء ليلاً، حيث تنتشر الخيام البدوية على امتداد الشاطئ ووديان الجبال، ويُقدّم أهل المنطقة المأكولات المحلية والشاي البدوي السيناوي، وسط أجواء دافئة من الضيافة العربية الأصيلة. ومن أشهر أماكن دهب المميزة ليلاً في الصحراء سفح جبل "وادي الطويلات"، حيث تقام سهرات بدوية بمزيج من السمر حول نار الفحم، تُشوى فوقها قطع اللحم، وتُقدّم الأطباق البدوية على أنغام الموسيقي والرقصات الشرقية والفلكلورية المصرية. أما مغامرة التخييم ليلا على الشاطئ فتمثل ذروة التجربة، فبعيدا عن أنوار المدينة وضجيج الإنترنت، يمكنك مراقبة السماء والنجوم، والتنعم بالانعزال التام مع الطبيعة، بعيدا عن أي اتصال إلكتروني، لتصقل روحك وتستمد لحظات سكينة نادرة. 7-ممشى تجاري وترفيهي يمتد الممشى السياحي في دهب على طول كيلومتر ونصف الكيلومتر ضمن منطقة "لايت هاوس"، والمطلة مباشرة على مياه خليج العقبة، وقد تم تطويره ليشمل مسارات منفصلة للمشاة وراكبي الدراجات، مع مرافق صديقة لذوي الهمم (ذوو الاحتياجات الخاصة). يضم الممشى عشرات المقاهي والمطاعم التي تتسم بالديكورات الخشبية والألوان المبهجة والأثاث البحري، حيث يُمكن للزائرين الجلوس أمام البحر والاستمتاع بالمشروبات، والأطباق المحلية والعالمية. كما تنتشر على جانبي الممشى مجموعة من البازارات والمحلات التجارية التي تعرض الملابس البدوية والحقائب اليدوية والهدايا التذكارية، بالإضافة إلى المشغولات اليدوية والتوابل والأعشاب المحلية. إعلان وفي المساء، يتحول الممشى إلى نقطة جذب لعشاق الحياة الليلية، مع حفلات صغيرة في الهواء الطلق وعروض موسيقية حية تقدمها فرق محلية وأحيانا فرق دولية، ما يجعل الممشى قلب الفعاليات الترفيهية في المدينة. هذه إذن دهب، مدينة تتسم ببساطة تسودها أجواء مميزة يشعر بها كل من زارها، يجتمع هنا هدوء الصحراء برِحاب موج البحر، لتمنح زائرها راحة وطمأنينةً بعيدًا عن ضوضاء الحياة اليومية. وسواءً كنت شابا تبحث عن دفقات أدرينالين تحت الأمواج، أو لحظات تأمل صامت تحت نجوم الصحراء، أو حوارات ودية في مقهى على الممشى البحري، فزيارة عاصمة الغوص في جنوب سيناء تعدك بتوازن فريد يجمع بين المتعة وتجدد الروح.

المغرب بعيون إسكندرانية.. رحلتي في بلد عرفته قبل أن أراه
المغرب بعيون إسكندرانية.. رحلتي في بلد عرفته قبل أن أراه

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

المغرب بعيون إسكندرانية.. رحلتي في بلد عرفته قبل أن أراه

لم تكن زيارتي للمغرب مجرد حلم سياحي راودني كفتاة شغوفة بالسفر، ولم يكن في نظري مجرد بلد يحتضن تنوعا مذهلا في ثقافته وطبيعته، أو مقصدا سياحيا جديدا سأسعد بزيارته؛ كان الأمر أعمق من ذلك بكثير. فقد نشأت في الإسكندرية على حكايات عن أولياء وتجار مغاربة استقروا قرب بحرنا، وأطلق اسمهم على حي وسوق لا يزالان ينبضان بالحياة حتى اليوم. سنوات مرت، تمنيت فيها أن أمشي في شوارع المغرب، التي اقترنت في مخيلتي بالدفء والدهشة، وحين تحقق الحلم شعرت أنني في مكان أعرفه قبل أن أراه. من الفكرة إلى التخطيط كانت الخطوة الأولى في تخطيط رحلة المغرب هي الحصول على التأشيرة، وقد أتممت ذلك إلكترونيا خلال فترة قصيرة. بعدها بدأت بحجز تذاكر السفر في نهاية ديسمبر/كانون الأول، لأودّع عاما واستقبل آخر في بلد جديد. في الوقت نفسه كنت أبحث عن المدن التي أرغب في زيارتها؛ فمدة الرحلة عشرة أيام فقط، والخيارات كثيرة. لذا، كان لا بد من وضع خطة دقيقة تتيح لي حجز الفنادق مسبقا، والاستفادة القصوى من الوقت في استكشاف المدن المغربية. بعد استشارة عدد من الأصدقاء، قررت أن أبدأ رحلتي من الرباط، عاصمة المغرب، وأن أختمها في مراكش، المدينة التي طالما سمعت عنها. ولما كانت متعة السفر تبدأ بلحظات التخطيط، حجزت أماكن الإقامة خلال تخفيضات الجمعة البيضاء في نوفمبر/تشرين الثاني، مما أتاح لي أسعارا جيدة. كما اخترت السفر على الخطوط الجوية المغربية لتكون التجربة مغربية من البداية. في صباح 23 ديسمبر/كانون الأول، انطلقت من مطار القاهرة لمطار الدار البيضاء، كانت إجراءات الوصول سهلة وسلسة؛ صرفت مبلغا من الدراهم في صرافة المطار، واشتريت خط هاتف محلي، ثم تسلّمت حقائبي وتوجّهت مباشرة إلى محطة القطار داخل المطار، متجهة للرباط. اليوم الأول بالمغرب هبطت الطائرة بسلام في مطار الدار البيضاء، أو "كازا" كما يسميها المغاربة، وهناك بدأت أولى تجاربي مع اللهجة المحلية. كنت قد حاولت قبل السفر تعلم بعض الكلمات الدارجة، لكنني وجدت نفسي كثيرا ما أتوقف عند كلمات جديدة، أسأل عن معناها، وأقارنها بما يعادلها باللهجة المصرية، وكان ذلك جزءًا من متعة السفر التي انتظرها بشغف، إذ أحرص في كل بلد عربي أزوره على تعلم كلمات من لهجته المحلية وتبادلها مع أهله. وصلت أخيرا إلى منزل صديقتي المغربية التي استقبلتني بالأتاي، وهو شاي مغربي تقليدي بالنعناع، لا يُقدَّم فقط كمشروب بل كرمز للضيافة. وفي صباح اليوم التالي تناولت "المسمن"، وهي فطيرة شهية من الدقيق والسميد تقدم غالبا مع العسل أو الجبن، وكان هذا أول لقاء لي بالطعام المغربي… لقاء لم ينتهِ، إذ صار المسمن رفيق إفطاري اليومي طيلة الرحلة. نصحتني صديقتي بزيارة المدينة القديمة في الرباط، خاصة في يوم الأحد حيث يُقام السوق الشعبي. حملت معي نصائحها، خصوصا بشأن سيارات الأجرة، أو كما تُعرف محليا بـ "الطاكسي": الصغير منها مخصص للتنقل داخل المدينة ويعمل بالعداد، وأما "الطاكسي الكبير" فيتسع لعدد أكبر ويُستخدم عادة بين المدن، وغالبا ما يُتفق على أجرته مسبقًا. ما تزال المدينة القديمة للرباط تحتفظ بروح زمن آخر، بمعالمها التاريخية مثل قصبة الأوداية، وشالة، والسور الموحدي، وصومعة حسان. بين أزقتها الضيقة وبيوتها العتيقة شعرت وكأنني أسير في متحف مفتوح للفن المغربي؛ من الزخارف الخضراء إلى الخط الكوفي المغاربي، إلى النقوش المنحوتة بعناية على واجهات البيوت وسقايات المياه العتيقة (الأسبلة). في الأسواق، كانت المحلات تعجّ بالمنتجات المحلية: الجلود، الأحذية، والهدايا التذكارية. وأما الحلويات فكانت فصلًا خاصًا في كتاب النكهات المغربية، فقد جربت الشباكية وكعب الغزال والمقروط والمخروطية مقابل 5 دراهم فقط (نصف دولار). إعلان كانت خيارات الطعام أيضا تجربة مبهجة، إذ يشتهر المطبخ المغربي بتنوع أطباقه ونكهاته الغنية. أينما توجهت تجد الطاجين والكسكسي والمشويات، والأسماك التي يسمونها "الحوت". في ذلك اليوم اخترت تناول "الصوصيص"، وهي نقانق مشوية على الفحم تُقدَّم في شطائر مع الطماطم والخس والفلفل، هي أكلة خفيفة لكنها شهية وحاضرة بقوة في المطبخ المغربي. بعد ذلك اشتريت هدايا تذكارية، وحذاء مغربيا من الجلد، وانتهى يومي الأول في المغرب محمّلا بالنكهات والانطباعات. إلى طنجة عبر البراق في اليوم الثاني من رحلتي، اتجهت إلى محطة القطار لأستقل واحدة من أبرز معالم المغرب الحديثة والفريدة في العالم العربي: قطار "البراق"، الذي سمي بهذا الاسم تيمنا بسرعته الخاطفة كالبَرق. يُعد البراق أول قطار فائق السرعة في أفريقيا والعالم العربي، وتصل سرعته إلى 375 كلم في الساعة، ما يجعله من بين الأسرع في العالم. يربط بين الدار البيضاء وطنجة، مرورا بمحطات رئيسية مثل الرباط والقنيطرة، ويقلّص بشكل كبير مدة السفر بين هذه المدن. ورغم أن كلفته أعلى من القطارات التقليدية في المغرب، إلا أنه يُعد وسيلة نقل مريحة وفعالة. أنصح بحجز التذكرة مسبقا عبر الموقع الإلكتروني للمكتب الوطني للسكك الحديدية، خاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع والمواسم الرسمية، حيث ترتفع الأسعار ويصعب العثور على مقعد خال. كانت الرحلة على متن البراق هادئة ومريحة، واستغرقت ساعة وعشرين دقيقة فقط بدلا من خمس ساعات بالقطار العادي. لم تفارق عيني زجاج النافذة، أتابع منه مشاهد الطبيعة وهي تتبدل بين الصحراء والأشجار والتلال الخضراء حتى وصلت إلى طنجة المدينة.. أحب مدن المغرب إلى قلبي. طنجة عروس الشمال تقع طنجة شمال المغرب على تقاطع البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وتُعرف بعروس الشمال وبسحرها التاريخي والجغرافي. منذ لحظة وصولي، شعرت بانتماء غريب؛ ربما لأنني، القادمة من الإسكندرية، وجدت في طنجة مدينة بحرية تشبهني. كانت تجربتي الأولى للإقامة في المغرب في دار ضيافة تقليدية يُطلق عليها محليا "الرياض" وذلك في قلب المدينة العتيقة لطنجة، وتمتاز هذه الدار بتصميم معماري مغربي من الأقواس وأنماط الفسيفساء والتفاصيل الزخرفية ونوافير المياه وأحيانا فناء واسه مزين بالنباتات. وفي بعض الأحيان يكون الرياض منزل مغربي قديم، وعادة ما تكون غرفه متجاورة إذا كان موجود في الأحياء القديمة، يوفّر للسائح مقرا يشعر فيه بالهدوء والسكينة. بعدما نلت قسط من الراحة، بدأت بالتجول في الأزقة القديمة المجاورة حتى الوصول إلى قصبة المدينة. وبالفعل كانت العشوائية هي خطة اليوم الأول في طنجة، تركت قدامي تقودني بين زنقة وزقاق، وبين متاجر الهدايا التقليدية والتذكارية والمنتجات الجلدية والمنسوجات بأنواعها. ضريح ابن بطوطة استمتع بالمشي على غير هدي وبتصوير كل شاردة وواردة توثيقا لرحلتي ورغبة للرجوع لتلك اللحظات الجميلة. فجأة بلا تخطيط إلى "زنقة ابن بطوطة"، حيث فوجئت بضريحه البسيط المزيّن بالزهور. لم أكن أعلم أنني سأزوره صدفة، أنا التي طالما قرأت عن رحلاته وتوقفت عند وصفه لمدينتي! إعلان كان الضريح بسيطًا للغاية يحيطه الزهور، ويعلوه لافتة تسجل رحلات ابن بطوطة حول العالم ويجاوره سبيل صغير لسقيا الماء، لم يكن ثمة حراسة أو سور يحول بيني وبينه… لا أظن أنني سأنسي هذا الحدث ما حييت! واصلت صعودي في أزقة طنجة البيضاء نحو القصبة، حيث تتعانق مياه البحر مع جدران المدينة القديمة، وتُطل القلاع والمباني الأندلسية من ربوة عالية تطل على مضيق جبل طارق. تعد قصبة طنجة رمزا لتراث المدينة الغني، حيث زرت متحف القصبة وبيت العود الذي سحرني بأجوائه؛ إذ يمتزج صوت العزف برائحة الشاي وسط صور وتحف كأنها جاءت من زمن بعيد. ما لفت انتباهي بشكل شخصي هو الجدران المطلية تجاه طريق القصبة باللون الأبيض حولك من كل مكان، وكأن الطريق لقصبة طنجة لؤلؤة باهية بيضاء اللون. ثم سرت على الممشى البحري حتى وصلت إلى "مارينا طنجة" أو ما يعرف بالمارينا-باي (Tanja Marina Bay)، حيث تتراصف اليخوت وتنتشر المطاعم البحرية بقرب البحر المتوسط. وهناك شاهدت العبارات التي تعبر إلى أوروبا من ميناء طريفة. وفي المساء، أخذتني ابنة صاحب الرياض الذي كنت أقيم به في طنجة في جولة داخل الأسواق التجارية في مركز المدينة. دلّتني على أماكن الشراء المناسبة وشجعتني على تذوق البسطيلة، وهي فطيرة تجمع بين الدجاج والقرفة، وهي إحدى روائع المطبخ المغربي التقليدي. وكانت هذه التجربة من أكثر ما استمتعت به في رحلتي.. فأن ترى المدينة بعين واحد من أهلها الذي يرشدك لخباياها هي تجربة تجعل السفر يحمل الكثير من الأنس والدفء. وهكذا انتهى يومي الأول بطنجة، وكنت على موعد في اليوم التالي مع أماكن جديدة في طنجة، بدأت رحلتي في الصباح الباكر أولاً بإفطار مغربي وهو صحن البيصارة والذي يختلف في طعمه وطريقة إعداده عن مصر، يُقدم صحن البيصارة مع التوابل مثل الفلفل الحار والكمون وزيت الزيتون، مع رغيف من الخبز الطازج. معالم بحرية انطلقت بعدها في جولة عبر الأتوبيس السياحي لمدينة طنجة، الذي ينطلق من الميناء نحو أهم معالم المدينة الطبيعية والتاريخية. كانت محطتي الأولى مغارة هرقل، الواقعة في منطقة رأس سبارطيل، حيث يلتقي المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط. رأس سبارطيل نفسه يُعد من أبرز النقاط الجغرافية في المغرب، وهو قمة صخرية شاهقة ترتفع أكثر من 300 متر، جنوب مضيق جبل طارق. وهناك، على هذا الرأس المطل على مياه مترامية لا نهاية لها، تقع مغارة هرقل التي تمتد 30 متراً داخل الجبل، وتُعد من أشهر المزارات الطبيعية في البلاد. إعلان ما يميز المغارة ليس فقط موقعها، بل تكوينها الصخري الفريد، وفتحتها المطلة على المحيط. ارتبطت هذه المغارة بعدة أساطير، أبرزها تلك التي تقول إن البطل الإغريقي هرقل اتخذها ملجأ له بعد إنجاز إحدى مغامراته، ومنها اكتسبت اسمها. وانتهت الرحلة بالعودة سريعا استعدادا للسفر إلى المدينة التالية البعيدة وهي شفشاون. شفشاون الجوهرة الزرقاء وصلت إلى شفشاون ليلا، بعد يوم مرهق من تبديل وسائل المواصلات، إذ فاتتني الحافلة واضطررت لركوب سيارة أجرة بين المدن. كانت السيارة قديمة والرحلة مزدحمة، تذكّرني بمشاهد من مصر أو بأسفار الطفولة. والغريب أن الحقائب تُحسب لها أجرة كأنها راكب مستقل! كنت الوحيدة المصرية في السيارة، وحين لاحظ أحد الشبان المغاربة تعثري في حمل الحقائب عرض مساعدته دون تردد. ثم دخل في نقاش خفيف مع السائق يوصيه بي، وأخبره أنني "برّانية"، كما يقولون هناك، أي غريبة عن البلد. سرعان ما بدأت أحاديث خفيفة عن مصر، وذُكر عادل إمام كرمز للفن الذي يُقرب بين الشعوب. حين وصلت، كانت المدينة تغط في سكون بارد. لم تكن البرودة تشبه طنجة، كانت قادمة من الجبال المرتفعة مباشرة، تخترق جسدك بلا رحمة. خرجتُ من السيارة وكنت قد هاتفت صاحب الرياض الجديد أو النُزل التقليدي الذي سأسكن فيه لليلة واحدة في شفشاون. وجدته بانتظاري وقادني إلى نُزل صغير وسط أزقة المدينة الزرقاء الضيقة، كنت قد تعودت على مثل هذه الشوارع في طنجة بالفعل. كنتُ متعبة، لكن شيئًا داخلي كان يعرف أنني وصلت إلى مدينة مختلفة، مدينة صغيرة لكنها لا تشبه غيرها. كان البرد قاسيا لكن فضولي ورغبتي في اقتناص ساعات وجودي في شفشاون كان أقوى، فقررت أن أخرج لتمشية قصيرة في قلب المدينة القديمة، التي لم تكن تبعد كثيرا عن مقر إقامتي. كنت أظن أنني سأجد شيئًا يشبه روح طنجة في المساء، لكن المدينة كانت ساكنة في هدوء لا يقطعه سوى صوت الهواء بين الجبال المحيطة بشفشاون. شعرت بشيء من الإحباط، لا من المدينة، بل من الوصول المتأخر، من لحظة لقاء كان يمكن أن تكون أكثر حيوية لولا تأخري. عدت إلى غرفتي وأنا أعد نفسي: غدا ستريني شفشاون وجهها الأزرق في وضح النهار. بدأت يومي بإفطار بسيط في ساحة هادئة قادتني إليها قدماي: مسمن مغربي بالجبن، وكوب من القهوة المغربية التي تذوقتها للمرة الأولى في حياتي. كان طعمها قويا ومختلفًا لم أنساه ولم أعرف سر مكوناته إلا في مدينة مراكش. شفشاون ومواقع التواصل في الصباح، خرجت متلهفة لاكتشاف المدينة الزرقاء التي طالما رأيتها في الصور مغمورة بظلال الأزرق الحالم على الجدران والأبواب والنوافذ. لكن مع كل خطوة شعرت بمفارقة: المدينة أصغر وأهدأ مما تخيلت. لم تكن شفشاون زائفة لكنها أكثر بساطة وأقل نشاطا مما ترسمه صفحات التواصل الاجتماعي، وتسببت تلك التوقعات المُسبقة في خيبة أمل لم أخفيها. لم أجد كل تلك الزوايا الساحرة، ولم يغمُرني الأزرق كما كنت أظن. بدا لي أن السكون هنا جزء من طبيعتها، لا مؤامرة على السائحين. وبعيدا عن الأزقة الضيقة المطلية بالأزرق، تحتفظ شفشاون ببعض من بقايا مدينتها العتيقة، حيث تقع القصبة الأثرية في قلب المدينة، وهي حصن قديم ذو أسوار مرتفعة يعود للقرن التاسع الهجري، شيده مؤسس شفشاون نفسه علي بن موسى بن راشد. وتنتشر حولها المحال الصغيرة التي تبيع الهدايا التذكارية والمشغولات التقليدية مثل الحقائب اليدوية والسلال والحُلي المحلية البديعة إلى الأقمشة المصبوغة يدويا. وبينما أخذت أتمشى في الطرقات جذبتني أصوات واضحة للمياه، فتتبعتها حتى وصلت إلى الطرف الآخر من المدينة، حيث بدأت أصعد درجات حجريّة تحفّها الأشجار الباسقة، بعضها محمّل بحبات البرتقال زاكي الرائحة، وبعضها نخيل يظلل طريق المارين. في نهاية الدرج وجدت نفسي أمام شلال صغير رائق، تنهمر مياهه في هدوء، كما لو أن المدينة كلّها تنبض في هذا المكان الصغير. في نظري، كانت هذه النقطة -المطلة على المدينة من أعلى- أجمل ما في شفشاون. قبل الظهيرة، قررت أن أغادر شفشاون مكتفية بإقامتي القصيرة التي لم تتجاوز اليوم الواحد. كانت زيارة خفيفة الظل، هادئة كطبيعة المدينة نفسها، لكن كنت أتوق لزيارة المحطة التالية.. مدينة التاريخ والعراقة: فاس. إعلان في الجزء الثاني، أتابع ترحالي في المغرب لأتعرف على فاس ومراكش والدار البيضاء.

عام قياسي للسياحة المصرية.. هل يعكس الإمكانات الحقيقية للبلاد؟
عام قياسي للسياحة المصرية.. هل يعكس الإمكانات الحقيقية للبلاد؟

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • الجزيرة

عام قياسي للسياحة المصرية.. هل يعكس الإمكانات الحقيقية للبلاد؟

القاهرة- واصل قطاع السياحة في مصر مسيرة النمو التصاعدي للعام الرابع على التوالي، محققًا مستويات قياسية جديدة تؤكد التعافي التدريجي والجاذبية المتزايدة للمقصد السياحي المصري. وسجلت إيرادات السياحة في مصر خلال عام 2024 قفزة ملحوظة بنسبة 9% على أساس سنوي، محققة مستوى قياسيًا بلغ 15.3 مليار دولار، بالتزامن مع زيادة عدد السائحين بنسبة 5% ليصل إلى 15.7 مليون زائر. ورغم هذه الأرقام الإيجابية التي تعكس تعافي القطاع، فلا يزال المراقبون يرون أن الإمكانات السياحية الهائلة التي تزخر بها مصر من مقاصد أثرية فريدة وتنوع طبيعي خلاب، تستدعي تحقيق معدلات نمو أكبر. تُعد مصر، بما تمتلكه من آثار فريدة وشواطئ خلابة ومناظر طبيعية متنوعة، من أكثر الدول المؤهلة لجذب أعداد أكبر من السياح وتحقيق إيرادات سياحية تفوق المستويات الحالية. ومع اقتراب موعد حدث استثنائي مرتقب في الثالث من يوليو/تموز المقبل، تتزايد التوقعات بتحقيق طفرة جديدة في القطاع السياحي. تستعد مصر في هذا اليوم لافتتاح المتحف المصري الكبير، وهو صرح ثقافي أثري عالمي فريد بتصميمه وموقعه الإستراتيجي قرب الأهرامات ومطار سفنكس، ليصبح نقطة جذب سياحي شاملة ويُحدث نقلة نوعية في السياحة المصرية. خطة طموحة وتساؤلات ملحة ورغم طموح مصر نحو تحقيق 30 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2028 من خلال استقطاب 30 مليون زائر، وهو ما يمثل الركيزة الأساسية لتعزيز إيرادات قطاع السياحة، يبقى التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على مضاعفة الأرقام الحالية خلال 3 سنوات فقط، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والعالمية المستمرة. وتبدو طموحات مصر أقل من تقديرات مؤسسة "فيتش سوليوشنز" التي تتوقع وصول عدد السياح إلى 16.8 مليون في 2025 بزيادة قدرها 5.5% على أساس سنوي، و18.8 مليون بحلول 2028، مع إيرادات متوقعة تبلغ 17.4 مليار دولار في 2025 وتصعد إلى 19.8 مليار دولار في 2028. وتستند توقعات فيتش إلى زيادة الطلب من الأسواق الأوروبية والأميركية، مدعومة بالاستثمارات في البنية التحتية الفندقية التي من المخطط أن تصل إلى نحو 1800 منشأة بحلول عام 2028. نمو قوي يلهم طموح مصر وتتبنى وزارة السياحة والآثار في مصر إستراتيجية طموحة تهدف إلى النهوض بالقطاع السياحي، وإبراز ما يتمتع به المقصد السياحي المصري من تنوع لا يُضاهى في المنتجات والأنماط السياحية وليس له مثيل، وفقا لوزير السياحة شريف فتحي. وشهد قطاع السياحة نموا قويا خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 13.1%، وهو ما يعكس فاعلية الإستراتيجية الحكومية في جذب مزيد من السياح، وتعزيز التجربة السياحية من خلال تحسين الخدمات والبنية التحتية. أهمية السياحة للاقتصاد المصري وتُعد السياحة أحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي المصري، ومصدرا مهمًا للعملة الصعبة وتسهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي ، وتوفر ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي: نحو 12%. المساهمة في إيرادات مصر من العملات الأجنبية: نحو 15%. ثالث أكبر مصدر للعملة الصعبة بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. عدد العاملين في قطاع السياحة (مباشر وغير مباشر): نحو 3 ملايين. نسبة العاملين في قطاع السياحة من إجمالي قوة العمل: نحو 10%. مصر في انتظار أهم حدث سياحي وتوقع وكيل وزارة السياحة السابق مجدي سليم أن "تواصل إيرادات السياحة نموها وبوتيرة أسرع مع الحدث الاستثنائي (المرتقب)، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير بالقرب من منطقة الأهرامات بمحافظة الجيزة في يوليو/تموز المقبل، الذي يعد أهم حدث سياحي في مصر خلال العقود الأخيرة". وفي حديثه للجزيرة نت، رهن الخبير السياحي استمرار النمو بوتيرة أسرع من خلال اعتماد خطة متكاملة بين القطاع الخاص والحكومة تعتمد على المحاور التالية: إعلان زيادة عدد الغرف الفندقية لتعزيز الإيرادات. رفع مستوى الخدمة ومستوى العمالة. زيادة الدعاية الحديثة المؤثرة ضمن خطة التسويق والترويج السياحي. استغلال التكنولوجيا الحديثة على نحو أمثل. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة السائح والترويج الذكي للمنتجات السياحية. توفير تطبيق إلكتروني لتسهيل الوصول إلى المعلومات المختلفة. وأشاد المسؤول المصري السابق بدور القطاع الخاص باعتباره أحد المحركات الرئيسية للتدفق السياحي، مؤكدًا أن مستويات الخدمة التي يقدمها هذا القطاع تعد مؤشرًا مهمًا على كفاءة الأداء. وأوضح سليم أن التجربة الإيجابية للسياح تنعكس بشكل مباشر، حيث يتحولون إلى وسيلة دعاية فعالة تسهم في زيادة العائدات السياحية. مقومات فريدة وعائدات غير متناسبة بدوره، أكد رئيس مجلس إدارة غرفة السلع السياحية وعضو الاتحاد المصري للغرف السياحية، علي غنيم، أن مصر تمتلك مقومات سياحية فريدة من نوعها، خاصة في مجال الآثار عبر العصور. ومع ذلك، فإن العائدات الحالية للقطاع لا تتناسب مع هذه المقومات الفريدة التي تتمتع بها البلاد، ويجب تحقيق دخل أعلى وأكبر، وفق تعبيره. وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أوضح غنيم -الذي يرأس أيضا مجلس إدارة شركة مون ريفر للسياحة- أن الأسعار الحالية للمزارات السياحية، سواء الأثرية أو الشاطئية، لا تعكس قيمتها الحقيقية. وأشار إلى أن هذه الأسعار تقل بكثير عن نظيرتها في دول الجوار، التي لا تمتلك المزايا السياحية التي تتمتع بها مصر. وشدد غنيم على أن الأهم ليس فقط أعداد السياح الوافدين، بل حجم العائدات المتحققة، فجذب عدد أقل من السياح ذوي الإنفاق المرتفع يمكن أن يوفر عوائد أعلى، وهو ما يتطلب تسعير المقصد السياحي المصري بشكل مناسب واستهداف هذه الفئات، مؤكدا ضرورة القضاء على ظاهرة البيع بأقل من السعر العادل، لما لها من تأثير سلبي على الدخل القومي وعلى الصورة الذهنية للسياحة المصرية. ورغم ذلك، فإن النمو المطرد الذي يشهده قطاع السياحة في مصر قد انعكس بالفعل بشكل إيجابي على جوانب اقتصادية واجتماعية أخرى، حسب غنيم، لافتا إلى أن انتعاش السياحة أسهم في دعم عديد من القطاعات المرتبطة بها بشكل مباشر، مثل الفنادق التي شهدت زيادة في معدلات الإشغال، وشركات النقل، والمطاعم، بالإضافة إلى قطاع الحرف اليدوية والصناعات التقليدية الذي ازدهر مع زيادة الإقبال السياحي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store